تباين ليبي بشأن قدرة «الوحدة» الليبية على تفكيك الميليشيات المسلحة

بعد تعهّد الحكومة بضبط الأمن في العاصمة طرابلس

رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة خلال اجتماع أمني سابق لمتابعة تنفيذ «خطة الترتيبات الأمنية الجديدة» في العاصمة (حكومة الوحدة)
رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة خلال اجتماع أمني سابق لمتابعة تنفيذ «خطة الترتيبات الأمنية الجديدة» في العاصمة (حكومة الوحدة)
TT

تباين ليبي بشأن قدرة «الوحدة» الليبية على تفكيك الميليشيات المسلحة

رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة خلال اجتماع أمني سابق لمتابعة تنفيذ «خطة الترتيبات الأمنية الجديدة» في العاصمة (حكومة الوحدة)
رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة خلال اجتماع أمني سابق لمتابعة تنفيذ «خطة الترتيبات الأمنية الجديدة» في العاصمة (حكومة الوحدة)

أثار تصريح رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، الذي أعلن فيه أن تأمين العاصمة طرابلس أصبح من اختصاص وزارة الداخلية فقط - ولأول مرة منذ عام 2011 - ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية.

وجاء تصريح الدبيبة الذي تعهد فيه بضبط الأمن في العاصمة، بعد سنوات طويلة من الاعتماد على تشكيلات مسلحة غير نظامية، وهو ما اعتُبر تحوّلاً جوهرياً في المشهد الأمني للبلاد.

لكن توقيت التصريح ودوافعه كانا محل «تشكيك» من قبل عدد من السياسيين والمراقبين، لا سيما من خصوم الدبيبة، إذ عدّ بعضهم حديثه «لا يتعدى كونه خطاباً إعلامياً مستهلكاً»، يسعى من خلاله إلى تعزيز موقعه السياسي في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإقالته.

وانضم عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، إلى أصوات كثيرة تتساءل عن أسباب تأخر حكومة «الوحدة» في إنهاء سيطرة الميليشيات على طرابلس؛ رغم توليها المسؤولية منذ أكثر من أربع سنوات، ومع التدهور الأمني الناتج عن الصراعات المستمرة بين الميليشيات على النفوذ داخل العاصمة.

وقال التكبالي لـ«الشرق الأوسط»، إن تصريحات الدبيبة «تفتقر إلى المصداقية»، مذكّراً بأن الدبيبة سبق ودافع قبل عام واحد فقط عن عناصر تلك الميليشيات، وتحدث عن إدماج العديد منها في القطاعين الأمني والعسكري، رغم إقراره بوقوع تجاوزات من جانبهم.

مشكلة ازدواج التبعية

كانت طرابلس قد شهدت الشهر الماضي اشتباكات دامية ومواجهات مسلحة، خرجت على أثرها مظاهرات شعبية حمّلت حكومة «الوحدة» مسؤولية ما جرى.

واستنكر التكبالي ما وصفه بـ«تجاهل الحكومة لانتهاكات الميليشيات» من توقيف المواطنين واستجوابهم خارج الأطر القانونية، لا سيما خلال فترة ما سماه «التحالف المعلن» بين الدبيبة وتلك المجموعات.

وانتهى إلى أن حديث الدبيبة عن إسناد سلطة التوقيف لوزارة الداخلية ووفقاً لقرارات النيابة العامة فقط «لا يعد كافياً ولا مطمئناً»، موضحاً أن «السلطة لن تكون بيد ميليشيات خارجة عن القانون، لكنها ستؤول إلى وزير داخلية له خلفية ميليشياوية»، على حد قوله.

من جهتهم، يبرّر مؤيدو الدبيبة تأخره في كبح نفوذ الميليشيات في طرابلس بسعيه لتثبيت حكمه خلال عامه الأول؛ ومحاولة تجنب خلق المزيد من الخصوم، خصوصاً في ظل قيام البرلمان بسحب الثقة من حكومته بعد ستة أشهر فقط من منحها، في سبتمبر (أيلول) 2021.

في المقابل، شدد المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش على «وجود تحديات كبيرة تعيق تنفيذ هذه الخطوة؛ في مقدمتها ضعف التأهيل والانضباط داخل وزارة الداخلية».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الخلل لا يقتصر على داخلية حكومة (الوحدة)؛ بل يشمل معظم التشكيلات المسلحة شرقاً وغرباً، حيث تغيب معايير الانضباط والاحتراف».

ويرى البكوش أن «التحدي الأبرز في إصلاح القطاع الأمني يتمثل في استمرار الانسداد السياسي والانقسام الحكومي، وغياب توحيد المؤسستين الأمنية والعسكرية». ويشير إلى أن «عدم وجود قيادة عسكرية موحدة تحت سلطة مدنية يفاقم مشكلة ازدواج التبعية داخل الأجهزة الأمنية، ويؤدي إلى تضارب في القرارات، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي».

كما حذر من «استمرار فوضى انتشار السلاح وبقاء المرتزقة والقوات الأجنبية داخل ليبيا، بذريعة توقيع اتفاقيات مع أطراف مختلفة من النزاع».

«النية الجادة»

من جانبه، دعا أنس القماطي، مدير مركز «صادق» للدراسات، إلى ضرورة توفير دعم شعبي حقيقي لإنجاح أي خطة أمنية، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «هذا الدعم مرهون بوجود نية جادة للإصلاح داخل وزارة الداخلية، تتجاوز تغيير الشعارات والزي الرسمي إلى إصلاح بنيوي فعلي، إلى جانب بناء نظام سياسي مدني منتخب قادر على محاسبة المؤسسة الأمنية».

وأكد القماطي أهمية توضيح موقف الحكومة من «جهاز الردع»، مشيراً إلى «وجود خصومة بينهما حالياً؛ ومع ذلك أدرج في خطة الترتيبات الأمنية الموضوعة لتأمين العاصمة».

واعتبر «أن غياب هذا التوضيح قد يثير الشكوك حول جدية الدبيبة؛ ويفتح الباب أمام اتهامات بأنه يسعى فقط لفرض سيطرة شكلية على العاصمة دون إنهاء فعلي لسلاح الميليشيات؛ حتى وإن عادت الأخيرة مؤقتاً إلى ثكناتها».

وأشار القماطي إلى تقارير تتحدث عن رغبة أميركية في توحيد القوى المسلحة بالمنطقة الغربية تحت سلطة حكومة الدبيبة، تمهيداً لتشكيل قوة نظامية تدعم أي سلطة تنفيذية موحدة قد يتم التوافق عليها مستقبلاً عبر المسارات السياسية.

وختم بالإشارة إلى أن غياب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية «لا يزال يمثل عقبة أمام تفكيك بعض الميليشيات والأجهزة الأمنية»، ويرى أن «تحقيق الأمن لا يُقاس بعدد الأفراد أو الوسائل التقنية فقط، بل يتطلب منظومة قضائية وقانونية متكاملة».


مقالات ذات صلة

دعوات لوقف التصعيد في العاصمة الليبية

شمال افريقيا الدبيبة يفتتح عدداً من الأقسام الطبية الجديدة في مصراتة (حكومة الوحدة)

دعوات لوقف التصعيد في العاصمة الليبية

حذَّرت قيادات محلية ليبية في بلديات سوق الجمعة وطرابلس المركز وعين زارة، من «الوضع الخطير الذي تمر به العاصمة»، وقالوا إن «الخلافات السياسية لا تعالج بالحرب».

خالد محمود (القاهرة)
تحليل إخباري أسامة حماد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)

تحليل إخباري ما دوافع حكومة حماد وراء إلغاء زيارة وفد أوروبي إلى بنغازي؟

برزت تفسيرات متباينة لإقدام حكومة أسامة حمّاد المكلفة من مجلس النواب في شرق ليبيا مؤخراً على إلغاء زيارة وفد أوروبي إلى بنغازي.

جاكلين زاهر (القاهرة)
تحليل إخباري عبد الحميد الدبيبة خلال لقاء سابق مع وفد من القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)  (مكتب الدبيبة)

تحليل إخباري ليبيا تترقب «خطة ترمب» لحل أزمتها السياسية المزمنة

تهيمن أجواء الترقب على المشهد السياسي الليبي بشأن «خطة أميركية» مرتقبة تفضي إلى «تسوية سلمية» في بلد يعاني انقساماً سياسياً وعسكرياً مزمناً منذ أكثر من عقد.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا وصول رتل من مصراتة إلى طرابلس (متداولة)

«الوحدة» الليبية تعزز قبضتها الأمنية على طرابلس

نقلت وسائل إعلام محلية، عن شهود عيان، خروج سيارات مسلحة من مصراتة إلى طرابلس، في إطار التصعيد العسكري.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الراحل عميد بلدية قصر بن غشير جنوب العاصمة الليبية (من مقطع فيديو للبلدية)

عودة قضية مقتل عميد بلدية ليبية إلى الواجهة بعد 6 سنوات

وسط ترحيب من أُسر ضحايا، سجنت النيابة العامة في ليبيا ستة عناصر من ميليشيا «الكانيات» في مدينة ترهونة بتهمة خطف وقتل عميد بلدية قصر بن غشير قبل 6 سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجزائر في مرمى ضغوط دولية لتجفيف منابع «المال المشبوه»

وزير العدل الجزائري خلال عرض مشروع قانون الوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (البرلمان)
وزير العدل الجزائري خلال عرض مشروع قانون الوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (البرلمان)
TT

الجزائر في مرمى ضغوط دولية لتجفيف منابع «المال المشبوه»

وزير العدل الجزائري خلال عرض مشروع قانون الوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (البرلمان)
وزير العدل الجزائري خلال عرض مشروع قانون الوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (البرلمان)

​أثار تصنيف الجزائر ضمن «القائمة الرمادية» للدول الأقل التزاماً بمحاربة مصادر المال المشبوه وتمويل الإرهاب، جدلاً في البرلمان، حيث عبَّر نواب عن سخطهم مما وصفوه بـ«إملاءات خارجية» على الحكومة الجزائرية، لدفعها لمراجعة تشريعاتها، بحيث تتماشى مع الإجراءات الدولية الخاصة بتجفيف منابع غسل الأموال.

وجرت المناقشات البرلمانية، الأحد، بعد أن قدَّم وزير العدل، بوجمعة لطفي، عرضاً حول مشروع قانون يتعلق بالوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

لكنّ عدداً من نواب المعارضة تساءلوا عما إذا كان النص نابعاً من «إرادة وطنية»، أم استجابة لـ«إملاءات خارجية»، معربين عن شكوكهم بشأن «تأثير أجنبي محتمل» على قرار الحكومة إطلاق هذا التشريع الجديد الذي صادقت عليه الغرفة الأولى للبرلمان، على أن يُحال إلى الغرفة الثانية خلال الأسبوع الحالي لمناقشته.

المجلس الشعبي الوطني الجزائري (البرلمان)

وحرص نواب ينتمون لـ«الكتلة الرئاسية» على دحض هذا الطرح، مؤكدين أن «التزام الجزائر الدولي في ميدان محاربة الإجرام وقطع الشرايين التي يتغذى منها الإرهاب، لا يعني خضوعاً للضغوط الأجنبية».

ودافع هؤلاء النواب عن «استقلالية» خطوة إعداد القانون، مذكّرين بأن الجزائر «كانت من أوائل الدول التي دعت إلى تجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية، كما أدت دوراً فعالاً في بناء آليات دولية لمحاربة التمويل غير المشروع، خصوصاً في إطار الأمم المتحدة».

ورأى هؤلاء النواب أن توافق التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية «يُعد قراراً سيادياً يخدم مصالح الجزائر الاستراتيجية».

ولفت نواب آخرون إلى أن بعض أحكام القانون «صارمة للغاية، وقد تؤدي إلى تجاوزات».

تخوّف

أعرب عدد من النواب عن قلقهم من آثار مشروع القانون المحتملة على المنظمات غير الحكومية؛ فعلى الرغم من إقرارهم بضرورة مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، فإنهم يخشون أن يؤدي الإطار المقترح إلى «تضييق مفرط» على تنظيمات المجتمع المدني الذي يواجه بالفعل تحديات متعددة.

وحذر النواب من «الخلط المتسرع» بين بعض الجمعيات و«كيانات مشبوهة»، داعين إلى «مزيد من التمييز». كما أبرزوا «الدور المحوري» الذي تلعبه الجمعيات الخيرية في المجتمع الجزائري كمؤسسات قريبة من المواطن، وداعمة لفئات المجتمع التي تعاني الهشاشة الاقتصادية، كما أنها فضاء للتعبير.

وبرأيهم، فإن أي خلط بين «العمل الإنساني» و«الأنشطة المشبوهة» من شأنه أن يُضعف مهمة هذه الجمعيات.

اجتماع قضاة جزائريين حول تطبيق أحكام قانون مكافحة غسل الأموال (أرشيفية)

وقال النائب الإسلامي عبد الوهاب يعقوبي، وهو أحد النواب المنتخبين عن المهاجرين الجزائريين في فرنسا، في مداخلة، إن مشروع الحكومة «يندرج ضمن استراتيجية تهدف إلى إخراج الجزائر من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، التي أضرت بمصداقية الجزائر». وأكد أن مكافحة غسل الأموال «لا ينبغي أن تقتصر على إصدار قوانين؛ بل تتطلب إرادة سياسية صلبة، وتطبيقاً صارماً، ومساءلة فعلية».

النص المطروح

ويتضمن النص الجديد منع فتح حسابات مجهولة أو وهمية، والتحقق بقوة من هوية العملاء والمستفيدين الفعليين، وإلزام المؤسسات البنكية و«بريد الجزائر» بإعداد تقارير عن العمليات المشبوهة، ومراقبة التحويلات الإلكترونية، وحجز أو تجميد الأموال، مع حظر الأصول الافتراضية.

كما يفرض على المؤسسات المالية إجراءات «يقظة» إضافية عند التعامل مع دول عالية الخطورة، دون حظر صارم، وإنما رقابة متشددة.

أعضاء بالمجلس الشعبي الوطني (البرلمان)

وكان البرلمان الأوروبي قد صادق، الأربعاء الماضي، بأغلبية كبيرة، على إدراج الجزائر ضمن قائمة الدول عالية المخاطر في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبموجب هذا القرار، ستخضع جميع العمليات المالية التي تشمل كيانات جزائرية داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي لرقابة مشددة وإجراءات تدقيق صارمة.

ويُشكّل هذا القرار، في تقدير مراقبين، تحولاً جديداً في العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، حيث أكد النواب الأوروبيون وجود «نقائص جدية في النظام الجزائري للوقاية من الجرائم المالية»، لا سيما فيما يتعلق بضعف تتبع حركة رؤوس الأموال، ونقص الرقابة على المنظمات غير الحكومية، كما أشاروا إلى قصور في التعاون القضائي الدولي.

القرار الأوروبي

عبَّرت النائبة الأوروبية لورانس تروشو، المنتمية إلى مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، عن ترحيبها بالقرار، وكتبت عبر منصة «إكس»: «خبر سار».

ومن المتوقع أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ في الأسابيع المقبلة، ومن المنتظَر أن يُلزم المؤسسات المالية الأوروبية باتباع مجموعة من التدابير في تعاملاتها مع الأطراف الجزائرية، منها تطبيق «إجراءات يقظة مشددة»، وفرض تتبع دقيق لمصادر الأموال وتحركاتها، وفرض ضوابط إضافية على التحويلات والتعاملات المالية، وفق ما أوردته وسائل إعلام فرنسية.

ويهدف الاتحاد الأوروبي من خلال هذا التصنيف، إلى الحد من مخاطر تمويل الأنشطة غير المشروعة، وتحقيق مستوى أعلى من الشفافية في التعاملات المالية مع الدول المدرجة في القائمة، بحسب الإعلام الفرنسي.

وتشمل المراجعة الأخيرة التي نشرتها المفوضية الأوروبية بخصوص «قائمة الدول عالية المخاطر»، ما يقرب من 20 دولة. وفي التحديث الأخير إضافة الدول التالية: الجزائر، ولبنان، وأنغولا، وكوت ديفوار، وكينيا، ولاوس، وموناكو، وناميبيا، ونيبال، وفنزويلا.

في المقابل، تقرر شطب عدد من الدول من القائمة بعد تحقيقها تقدماً في أنظمتها الرقابية.