الجزائر تتعهد الخروج من «اللائحة الرمادية» لغسل الأموال

في ظل تصنيف غربي «سلبي» وانتقادات في الداخل

اجتماع سابق لقضاة جزائريين حول تطبيق أحكام قانون مكافحة غسل الأموال (صورة أرشيفية)
اجتماع سابق لقضاة جزائريين حول تطبيق أحكام قانون مكافحة غسل الأموال (صورة أرشيفية)
TT

الجزائر تتعهد الخروج من «اللائحة الرمادية» لغسل الأموال

اجتماع سابق لقضاة جزائريين حول تطبيق أحكام قانون مكافحة غسل الأموال (صورة أرشيفية)
اجتماع سابق لقضاة جزائريين حول تطبيق أحكام قانون مكافحة غسل الأموال (صورة أرشيفية)

تعهدت الحكومة الجزائرية بالخروج من «اللائحة الرمادية» لـ«مجموعة العمل المالي»، التي تصنف البلدان «الأقل انخراطاً» في جهود مكافحة غسل الأموال وعائدات تمويل الإرهاب، وذلك في بداية 2026. وخلال الشهر الحالي، وضعت المفوضية الأوروبية الحكومة الجزائرية في قائمتها الخاصة بالدول «عالية المخاطر»، الخاضعة لمراقبة مشددة بشأن الفساد المالي.

وزير المالية الجزائري (البرلمان)

واجه وزير المالية، عبد الكريم بوالزرد، أمس (الخميس)، انتقادات في البرلمان بسبب التصنيفات الدولية السلبية للجزائر، فيما يخصّ فاعلية منظومتها المالية في محاربة الفساد المالي، ومدى تقيّدها بمعايير الشفافية المالية ومكافحة غسل الأموال.

وأكّد برلماني عن حزب «جبهة التحرير الوطني»، أحمد ربحي، وهو يخاطب الوزير، أن الحكومة «لم تولِ أهمية لتحذيرات النواب المتكررة بشأن التصنيفات الدولية غير الإيجابية لبلادنا، حول الرقابة على المصادر المشبوهة للتعاملات المالية». وعدّ وضع الجزائر في «اللائحة الرمادية» من طرف «مجموعة العمل المالي»، المعروفة اختصاراً بـ«جافي»، بـ«أمر مشين»، خصوصاً أن اللائحة تضم، حسبه، دولاً «ضعيفة»، من حيث قدراتها القانونية والمادية على التصدي لآفة غسل الأموال. وسأل ربحي الوزير حول مدى جاهزية الحكومة لاعتماد التدابير اللازمة التي تضمن التوافق مع المعايير الدولية المعتمدة من قبل «جافي».

النائب عن جبهة التحرير الوطني (البرلمان)

وردّاً على تساؤل البرلماني، ذكر الوزير أن الحكومة «بذلت مجهودات كبيرة لتفادي المؤشرات الدولية الخاصة بالبلدان الأقل التزاماً بمحاربة غسل الأموال، منذ العشرية السوداء»، في إشارة إلى تسعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد جماعات إرهابية، نفّذت مئات الهجمات بتمويلات مشبوهة في الداخل والخارج.

وشرح بوالزرد بأن الجزائر انضمت إلى «جافي» عام 2003، مبرزاً أن هذه الهيئة التي يوجد مقرها في لوكسمبورغ «قدّرت، في عام 2010، بأن مجهوداتنا في مجال تقييم المخاطر ذات الصلة بغسل الأموال غير كافية، فأدرجتنا في المنطقة الرمادية عام 2011، وغادرنا هذا التصنيف في 2016، ثم أعادتنا إليه في 2024»، مؤكداً: «إننا سنخرج منه، لكن قد نوضع فيه من جديد»، مشبّهاً غسل الأموال بـاللصّ الذي يبحث عن منفذ للدخول إلى بيتك مهما اتخذت من احتياطات أمنية لتحصينه. ومشيراً إلى أن غسل الأموال «آفة تبحث عن كل طرف للتحايل على إجراءات التصدي لها».

سليمة مسراتي رئيسة سلطة الوقاية من الفساد (الشرق الأوسط)

وأضاف الوزير موضحاً: «نحن في المرحلة النهائية من إعداد تقرير، تولت صياغته اللجنة الوطنية لتقييم المخاطر ذات الصلة بغسل الأموال، ومحاربة الإرهاب، وخلية معالجة المعلومات المالية (تتبع وزارة المالية)، حيث تم التعامل مع جميع التحفظات المطروحة، وقد بلغنا نسبة إنجاز تقارب 95 في المائة، ومن المنتظر أن يُعتمد التقرير بشكل نهائي قبل نهاية الشهر الحالي، على أن يُسلَّم في نهاية شهر يوليو (تموز) المقبل». لافتاً إلى أن الحكومة الجزائرية ستعقد اجتماعات مع مجموعة «جافي» في لوكسمبورغ أواخر شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، يعقبها تنظيم جمعية عامة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) لتقييم التقدم المحرز من جانب الجزائر. وبحسب الجدول الزمني المعتمد، يُتوقع أن تخرج الجزائر من المنطقة الرمادية مطلع عام 2026، وفق الوزير نفسه.

وكثّفت الجزائر جهودها للخروج من «اللائحة الرمادية» لمجموعة الإجراءات المالية، عبر إصدار مرسوم نهاية العام الماضي، يُعزز الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل.

وشدّد المرسوم على التجميد الفوري للأموال المرتبطة بكيانات، أو أفراد مشبوهين، وفرض رقابة صارمة على البنوك والمهن غير المالية، مع التزام بالإبلاغ الفوري عن أي تطابق مع قوائم العقوبات. كما نصّ على إنشاء إدارة مركزية لمتابعة الأموال المصادرة، وحدّ من تحركات ونشاطات الأشخاص الخاضعين للعقوبات، مع بعض الاستثناءات الإنسانية.

وعدّ هذا الإجراء جزءاً من خطة وطنية، خفّضت متطلبات الامتثال من 74 إلى 13 بنداً، ضمن مسعى الجزائر لمواءمة تشريعاتها مع معايير «جافي»، وكسب ثقة المستثمرين الأجانب.

وكان البنك المركزي قد أصدر سابقاً تعليمات تحظر الحسابات الوهمية، وتُلزم المؤسسات المالية بدور نشط في المكافحة، في سياق دعم جهود الجزائر للخروج من القائمة بحلول 2026. ورغم كل هذه التدابير، أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي، في 10 يونيو (حزيران) 2025، إدراج الجزائر ضمن «قائمة الدول عالية المخاطر في مجال غسل الأموال»، إلى جانب دول مثل لبنان وفنزويلا وكينيا، وذلك تماشياً مع تصنيف «جافي».

الرئيس تبون أكّد أن محاربة غسل الأموال جزء من «خطة وطنية» (د.ب.أ)

وأكّدت السلطات الجزائرية، بما في ذلك الرئيس عبد المجيد تبون، على أن إصلاحاتها في هذا المجال هي جزء من «خطة وطنية»، تم تطويرها بالتشاور مع «جافي»، وأن البلاد حقّقت تقدّماً معتبراً بشهادة عدد من المؤسسات الدولية، ولا سيما ما يتعلق بالشفافية المالية، ومطابقة البيانات الاقتصادية. كما تُروج الجزائر لنفسها على أنها «نموذج يُحتذى به» في تجفيف منابع الفساد، واستعادة الأموال المنهوبة، خاصة تلك المودعة في ملاذات ضريبية.


مقالات ذات صلة

الجزائر: إغلاق سوق الشغل على متعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية

شمال افريقيا وزير العدل أثناء عرض مشروع تعديل قانون مكافحة المخدرات في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)

الجزائر: إغلاق سوق الشغل على متعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية

في إطار جهود الدولة لمكافحة تعاطي المخدرات، أصبح لزاماً على كل مترشّح للتوظيف، سواء في القطاع العام أو الخاص، تقديم شهادة طبية تثبت «خلوَّه من تعاطي المخدرات».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري مع مسؤول شركة «إكسون موبايل» الأميركية في 25 يونيو الماضي (الرئاسة الجزائرية)

الجزائر تعتمد «التفاوض في الكواليس» للرد على قرار ترمب

قال وزير جزائري سابق فضل عدم نشر اسمه إن بلاده «تسعى إلى تجاوز المأزق الأميركي الراهن بتوزيع جهودها بين دبلوماسية هادئة ومساعٍ لتنويع شراكاتها التجارية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير العدل الجزائري خلال عرض مشروع قانون الوقاية من غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب (البرلمان)

الجزائر في مرمى ضغوط دولية لتجفيف منابع «المال المشبوه»

عبَّر نواب جزائريون عن سخطهم مما وصفوه بـ«إملاءات خارجية» لدفع بلادهم لمراجعة تشريعاتها على نحو يتماشى مع الإجراءات الدولية الخاصة بتجفيف منابع غسل الأموال.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من اجتماع خبراء الأمن الجزائريين والموريتانيين لبحث الأوضاع بالحدود (وزارة الداخلية الجزائرية)

الجزائر وموريتانيا تتفقان على إطلاق «آلية تنسيق» بالحدود

أكدت الجزائر وموريتانيا عزمهما على تعزيز التعاون الثنائي، خصوصاً في المجال الأمني، وذلك خلال أعمال «الدورة الثانية للجنة الأمنية المشتركة بين البلدين».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا إضراب طلاب الطب نهاية 2024 (متداولة)

عالم الشغل في الجزائر تحت «صدمة» بعد سجن قائد نقابي

بدأت الحكومة الجزائرية تطبيق مرسوم أثار جدلاً واسعاً عند صدوره عام 2023، ويتعلق بتنظيم الإضرابات وحركات الاحتجاج في قطاعات تُصنف بأنها «حساسة واستراتيجية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

الخرطوم بين ركام الأطلال... عودة خجولة للحياة

تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)
تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)
TT

الخرطوم بين ركام الأطلال... عودة خجولة للحياة

تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)
تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)

بعد أكثر من عامين من الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، عودة تدريجية خجولة للنشاط التجاري والحياة اليومية. فالمدينة التي كانت ترمز للحداثة والجمال، تقف اليوم على أطلال الدمار وهي تحاول النهوض مجدداً.

«الشرق الأوسط» تجولت بين الأنقاض والمباني المُدمَّرة، التي باتت شاهدة على ضراوة الحرب التي عاشتها العاصمة السودانية.

معالم العاصمة المعروفة تعرضت للحرق أو التدمير الكلي أو الجزئي، ونحت الرصاص ثقوبه على جدران الأبنية. المصارف والبنوك أصبحت بلا أبواب أو نوافذ، ورائحة الحرائق والسخام تفوح منها، أما الطرق - على علاتها - فقد غمرتها أمطار يوليو (تموز)، بينما نجا بعضها جزئياً.