«نقص التمويل» يهدد «النهر الصناعي» في ليبيا

مدير الجهاز بشرق البلاد تحدث عن عجز مالي في مخصصات الشهر المقبل

فنيون بجهاز «النهر الصناعي» يجرون بعض الأشغال على خط فرعي (النهر الصناعي)
فنيون بجهاز «النهر الصناعي» يجرون بعض الأشغال على خط فرعي (النهر الصناعي)
TT

«نقص التمويل» يهدد «النهر الصناعي» في ليبيا

فنيون بجهاز «النهر الصناعي» يجرون بعض الأشغال على خط فرعي (النهر الصناعي)
فنيون بجهاز «النهر الصناعي» يجرون بعض الأشغال على خط فرعي (النهر الصناعي)

أبدى مسؤولون عن «النهر الصناعي» في شرق ليبيا، تخوفاتهم من «خطر حقيقي» على بعض مسارات المنظومة التي تمد البلاد بالمياه العذبة، بسبب «نقص التمويل»، الذي يصل إليهم من سلطات غرب البلاد.

وتتنازع إدارة النهر إدارتان: الأولى في طرابلس والثانية في بنغازي. وبحسب توفيق الشبعان، الكاتب العام للنهر، فقد بدأت الأزمة عندما طالب رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، «المؤسسة الوطنية للنفط» بإحالة المخصصات المالية، التي تدفعها شركة «البريقة» للنهر الصناعي إلى إدارة طرابلس، مما حرم إدارة بنغازي من مصدر «تمويل رئيسي ووحيد».

ويعتمد النهر الصناعي على مصادر تمويل عدة، من بينها ما تدفعه شركة «البريقة» لتسويق النفط، بقيمة تقارب 240 مليون دينار ليبي في العام، وتمثل 25 في المائة من موارد تشغيل وصيانة الجهاز، علما بأن 65 في المائة من الموارد توقف المصرف المركزي عن دفعها منذ عام 2011، وفق توفيق الشبعان. (والدولار يساوي 5.42 دينار).

فنيون بجهاز «النهر الصناعي» في ليبيا يقومون بتوصيل خط فرعي (النهر الصناعي)

وجاءت الأزمة الحالية إثر انقسام جهاز النهر الصناعي بين إدارتين: يترأس الأولى سعد بومطاري، وهي تابعة لمجلس النواب بشرق ليبيا، وأحمد الذيب، رئيس الإدارة التابعة لحكومة «الوحدة» في غرب ليبيا منذ عام 2023، بحسب تصريحات الشبعان.

يقول بومطاري في تصريح لتلفزيون «المسار»: «لا نستطيع تغطية التشغيل لشهر قادم»، مؤكداً أن مخصصات التشغيل والصيانة وتوفير الوقود وغيرها من الخدمات اليومية «مهددة».

وسبّب الانقسام الحاصل في الإدارة العليا لجهاز «النهر الصناعي»، بحسب فوزي الشريف، عضو مجلس الإدارة في بنغازي «إرباكاً في بعض الإجراءات الإدارية والمالية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك مساعٍ مع البرلمان الليبي والحكومة المكلفة من البرلمان، والمصرف المركزي لحل جميع القضايا المالية والإدارية».

وأضاف أن الإمدادات المائية «مستمرة من جميع حقول الآبار لغرب وشرق البلاد، ولا يمكن أن يصل الموضوع إلى شح مائي». ونوه بما أشارت إليه إدارة النهر الصناعي في بنغازي، الأسبوع الماضي، من أن «الإجراءات التي اتخذها الدبيبة غير القانونية، ترتّب عليها عجز المنظومة عن تنفيذ التزاماتها».

ونبهت إدارة النهر ببنغازي، في بيان سابق، إلى «عدم ضمان استمرار تدفق المياه في حال استمرار حرمان إدارة المشروع من إيراداتها المالية، والعجز عن تغطية مرتبات العاملين، وتأمين الإعاشة في المواقع الصحراوية».

في المقابل، فإن إدارة طرابلس، التي شككت في شرعية ترؤس بومطاري إدارة بنغازي، أكدت أنها «الجهة الوحيدة التي يتم من خلالها صرف مرتبات جميع موظفي الجهاز حتى نهاية شهر مايو (آذار)، وتغطية مصاريف التشغيل والصيانة كافة».

القذافي أطلق قبل أكثر من 4 عقود مشروع «النهر الصناعي» عام 1984 لنقل المياه الجوفية من جنوب ليبيا إلى شمالها (متداولة)

وقبل أكثر من 4 عقود، أطلق الرئيس الراحل معمر القذافي مشروع «النهر الصناعي» عام 1984 لنقل المياه الجوفية من جنوب ليبيا إلى شمالها، بتكلفة بلغت حينها 35 مليار دولار، ليصبح حتى اليوم هو «شريان الحياة الوحيد»، الذي تتعرض مدن ليبيا للعطش من دونه.

وأثار هذا الوضع استهجان سياسيين ليبيين، من بينهم عادل كرموس، عضو المجلس الأعلى للدولة، الذي رأى أن «كل شيء متوقع في ظل غياب الدولة وضعف سيطرتها، بالإضافة إلى الانقسام في السلطة التنفيذية»، وقال لـ«الشرق الأوسط» «هذه ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي يستخدم فيها هذا الملف».

وتعيش ليبيا على وقع انقسام حكومي وأمني منذ عام 2011، وتتقاسم إدارة البلاد حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة الدبيبة، والثانية مكلفة من مجلس النواب، بقيادة أسامة حماد.

وفي ضوء الخصومة الحالية على إدارة النهر الصناعي، يرى الأكاديمي المتخصص في هندسة المياه الجوفية، صالح مهنى، أن «شريان حياة الليبيين يدفع نصيبه من ضريبة الانقسام، ومعركة السيطرة والنفوذ بين الحكومتين، التي تحاصر الليبيين في شتى مناحي الحياة».

وقال مهنى لـ«الشرق الأوسط» إن «توحيد الإجراءات المالية والإدارية في هذا المرفق الحيوي والحساس أمر لا يقبل المزايدة، وتأخيره قد يفاقم المشكلة، وتكون لها تداعيات خطيرة».

ولم تنأَ مشكلة الانقسام وتنازع الشرعيات بين إدارتي النهر الصناعي بنفسها عن ساحات القضاء، مع صدور أحكام عن محاكم طرابلس وبنغازي خلال العامين الماضيين.

ومن منظور محللين، ومنهم الباحث السياسي الليبي رمضان معيتيق، الذي يرى أنه لا مجال للحديث عن «صراع قانوني في هذا المشهد»، واصفاً إياه بأنه «نزاع سياسي صرف»، ويقول «الأجسام السياسية الحالية فاقدة للشرعية، وتتساوى أمام القانون في عدم شرعيتها».

ويدرج معيتيق، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التطورات الأخيرة بشأن مخصصات النهر الصناعي ضمن «مناكفات سياسية مملة بين الأفرقاء الليبيين»، معتقداً أن «رئيس البرلمان عقيلة صالح يحاول ممارسة ضغوط، ضمن صراع مع حكومة (الوحدة)».

وانتهى متوقعاً «انتهاء هذه المناكفات»، مستبعداً «تعمّق الصراع على الأمور الخدمية وخصوصاً النهر الصناعي».


مقالات ذات صلة

موالون لنظام القذافي يناشدون «المنظمات الدولية» التحرك للإفراج عن ابنه هانيبال

شمال افريقيا هانيبال القذافي في 2009 خلال مشاركته في عرض بمناسبة الذكرى الـ40 لقيام نظام والده (غيتي)

موالون لنظام القذافي يناشدون «المنظمات الدولية» التحرك للإفراج عن ابنه هانيبال

يتمسّك المدافعون عن هانيبال القذافي بأن عمره كان عامين عندما أثيرت قضية اختفاء الصدر، ويرون أنه ليس له علاقة بهذا الأمر.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر (القيادة العامة)

هل يتدخّل المشير حفتر لحسم صراع الميليشيات في العاصمة الليبية؟

وسط تباينات في الآراء دعت لجنة برلمانية ليبية إلى «الالتفاف حول الجيش الوطني لضمان استعادة الاستقرار وتهيئة البلاد لخوض الانتخابات».

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي يلتقي في طرابلس وزير خارجية اليونان (المجلس الرئاسي)

ليبيا واليونان لاستئناف الرحلات الجوية رغم «الخلافات البحرية» العالقة

شددت مباحثات ليبية - يونانية، أجريت في طرابلس، على أهمية استمرار الحوار المباشر بما يضمن احترام السيادة الوطنية، وذلك رغم الخلافات المتعلقة بالتنقيب عن الغاز.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا مهاجرون بعد «تحريرهم» من قبضة تشكيل عصابي في أجدابيا شرق ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

سلطات «شرق ليبيا» تحقق مع تشكيل عصابي بتهمة تعذيب «مهاجرين»

كشفت أجهزة أمنية بشرق ليبيا عن عملية تعذيب «وحشية» لمهاجرين قالت إنها «تحمل صورة من صور الإرهاب» بعد تجويعهم والتنكيل بهم لإجبار ذويهم على دفع أموال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة ووزير الدولة البريطاني هاميش فولكنر يوم الاثنين (حكومة الوحدة)

الدبيبة يبحث مع مسؤول بريطاني التطورات السياسية في ليبيا

شدد عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة، خلال لقائه مسؤولاً بريطانياً رفيعاً على أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتعليمي بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السودان: مطالِبُ بالتحرك الفوري للحفاظ على حقوقه المائية

«سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)
«سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)
TT

السودان: مطالِبُ بالتحرك الفوري للحفاظ على حقوقه المائية

«سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)
«سد النهضة» الإثيوبي (أ.ف.ب)

التزمت السلطات الرسمية في السودان الصمت إزاء إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، افتتاح «سد النهضة» رسمياً في سبتمبر «أيلول» المقبل، بعد انتهاء موسم الأمطار. ولم يُدلِ رئيس الوزراء، كامل إدريس، أو وزارة الري، بأي تعليق أو بيان رسمي بخصوص الموضوع، وعلى الرغم من تحفُّظ السودان سابقاً على إجراءات ملء وتشغيل السد، ووقف التفاوض مع الجانب الإثيوبي، فإن الخبير القانوني الدولي في مجال المياه، الدكتور أحمد المفتي، قال لــ«الشرق الأوسط» إن على حكومة السودان التحرك الفوري وبجميع الوسائل المتاحة أمامها، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات للحفاظ على حماية حقوقه المائية في نهر النيل.

ودعا آبي أحمد في الثالث من يوليو (تموز) الحالي، حكومتي مصر والسودان للمشاركة في هذا الحدث الذي وصفه بــ«التاريخي»، مؤكداً في حديثه أمام البرلمان، أن «(سد النهضة) لن يتسبب في أي ضرر لمصالح مصر والسودان». وذكرت «وكالة أنباء إثيوبيا» الرسمية أن هذه التصريحات تأتي في إطار الجهود الدبلوماسية المستمرة لتسوية الخلافات حول ملء وتشغيل السد، بينما تؤكد إثيوبيا عزمها على المضي قدماً في المشروع.

ويبعد «سد النهضة» المقام على النيل الأزرق، أهم روافد نهر النيل، بنحو 15 كيلومتراً عن الحدود السودانية مع إثيوبيا، ونحو 100 كيلومتر من «سد الروصيرص» على النيل الأزرق.

آبي أحمد في زيارة لموقع «سد النهضة» الإثيوبي على نهر النيل أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وطالب المفتي الحكومة السودانية الجديدة ورئيسها كامل إدريس بالتحرك الفوري وبجميع الوسائل المتاحة لاتخاذ إجراءات للحفاظ على حقوق السودان المائية في نهر النيل. وأضاف أن إثيوبيا ظلت منذ بدء المفاوضات حول تشييد السد في عام 2011، تحاول أن تطمئن السودان ومصر بأن «سد النهضة» لن يؤثر فيهما سلباً، في الوقت الذي كانت تتخذ فيه إجراءات أحادية الجانب في بناء السد وملئه وتشغيله من دون أي اتفاق ملزم بين البلدان الثلاثة.

ورأى في دعوة الرئيس الإثيوبي، آبي أحمد، للحكومة السودانية لحضور مراسم افتتاح «سد النهضة» سبتمبر المقبل، تقنيناً لمشروعية خطواته أحادية الجانب في تشييد وتشغيل السد، الذي بلا شك سيؤثر قطعاً في حصص السودان ومصر في مياه النيل.

وقال المفتي إن إثيوبيا رفضت في جولات المفاوضات السابقة التوافق على قواعد الملء والتشغيل، وهو الذي التزمت به في إعلان المبادئ الموقع بين البلدان الثلاثة في الخرطوم في مارس (آذار) 2015، كما أنها لن تقبل بمطلب تكوين إدراة مشتركة للسد. وذكر أن هدف إثيوبيا من بناء «سد النهضة» التحكم في المياه، وما يزيد من المخاوف أنها ترفض الاعتراف باتفاقية عام 1959 للمياه، التي تنص على حصول مصر على 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنوياً، بينما تمنح السودان 18.5 مليار متر مكعب.

وأشار إلى أنه لا جدوى من أي مفاوضات بعد إعلان الرئيس الإثيوبي أفتتاح السد، وعلى السودان أن يصعد من تحركاته بصورة عاجلة، ويطلب من مجلس الأمن الدولي التدخل بقوة لوقف إثيوبيا من الاستمرار في القرارات الانفرادية التي تؤثر على السلم والأمن الإقليمي. وقال المفتي إن السعة التصممية التي يمكن للسد تخزينها 74 مليار متر مكعب، والآن يخزن مابين 50 إلى 60 مليار، وفقا للمعلومات المتاحة لدينا، لكن على الرغم من ذلك تظل المخاوف قائمة من انهيار السد في أي لحظة.

وأضاف المفتي أن سعة خزان الرصيرص، وهو أول سد داخل الأرضي السودانية على مجرى النيل الأزرق تبلغ 7 مليارات متر مكعب، ومن الممكن أن يتعرض للانهيار حال زادت هذه الكمية. ودعا المفتي السودان ومصر لاتخاذ ما يلزم من إجراءات، تحفظ حقوقهما المائية المشروعة.

وظل السودان يطالب الجانب الإثيوبي باتفاق قانوني والتعاون في تبادل المعلومات ومعرفة طريقة التشغيل، محذراً في ذلك الوقت من أن فرض سياسة الأمر الواقع، يجعل من «سد النهضة» تهديداً لتشغيل وسلامة «سد الروصيرص» القريب منه. وعرضت إثيوبيا في 2021 على الحكومة السودانية تسمية مسؤولين من وزارة الري لمتابعة فتح البوابات السفلية، لكن الخرطوم أصرت على أن يتم تبادل البيانات وفقاً لاتفاق قانوني ملزم لكل الأطراف.

وتجاهلت إثيوبيا منذ بدء تشييد السد طلبات متكررة من السودان ومصر التفاصيل المهمة المتعلقة بملء وتشغيل السد وتواريخه والوثائق التي تثبت سلامة جسم «سد النهضة».