الجزائر تلاحق كاتباً بتهمة «نبش جراح المأساة الوطنية»

تعوِّل على اتفاقيات لتسليم المطلوبين من أجل تسلُّم الروائي كمال داود

الروائي الفرنسي الجزائري كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)
الروائي الفرنسي الجزائري كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)
TT

الجزائر تلاحق كاتباً بتهمة «نبش جراح المأساة الوطنية»

الروائي الفرنسي الجزائري كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)
الروائي الفرنسي الجزائري كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

بينما رفض مكتب الشرطة الدولية في باريس تنفيذ مذكرتي التوقيف الصادرتين بحقه، تُعوِّل الحكومة الجزائرية على اتفاقيات تسليم المطلوبين، التي وقّعتها مع عدة دول، من أجل تسلُّم الروائي الجزائري الشهير كمال داود، المقيم في فرنسا، والمتهم بـ«انتهاك الخصوصية الشخصية» لإحدى النساء، و«نبش جراح المأساة الوطنية»، في إشارة إلى فترة الإرهاب خلال تسعينات القرن الماضي.

الروائي كمال داود (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

ونشرت مجلة «جان أفريك» الفرنسية، اليوم الثلاثاء، أن الكاتب المتوّج بجائزة «غونكور» الأدبية المرموقة عام 2024 عن روايته «حوريات»، ألغى الأسبوع الماضي رحلة إلى إيطاليا، كان سيخصصها للترويج للرواية «خشية أن يتم اعتقاله، وتسليمه إلى الجزائر لمحاكمته».

وعنونت المجلة مقالها بـ«لشكه في وجود اتفاق بين تبون (عبد المجيد تبون رئيس الجزائر) وميلوني (جورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا)، كمال داود يُعلن تراجعه عن السفر إلى إيطاليا»، مؤكدة أن «بين الجزائر وإيطاليا رهانات اقتصادية قوية»، في إشارة إلى احتمال تغليب المصالح المشتركة بين البلدين في قضية الكاتب محل متابعة قضائية. ولفتت «جان أفريك» إلى أن صاحب «حوريات بات مضطراً إلى توخي الحذر الشديد في تنقلاته الدولية خشية توقيفه وتسليمه إلى الجزائر، بعد أن صبح هدفاً لشكويين قضائيتين في فرنسا وأخريين في الجزائر».

وفي الجزائر، يقدر خبراء قانونيون أن تعديلات أدخلتها الجزائر وروما على اتفاقية سابقة بينهما، تخص تسليم المجرمين، خلال زيارة وزير العدل السابق رشيد طبي إلى إيطاليا في 2023، «يمكن أن تشمل الروائي»، الذي يحمل الجنسية الفرنسية منذ 2020، ومن ثمّ «قد تضعه تحت طائلة التسليم في حال وجد فوق الأراضي الإيطالية»، وفق الخبراء أنفسهم، الذين يحيلون هذا الاحتمال إلى اتهامه بـ«استغلال جراح المأساة الوطنية»، بناء على شكوى من «المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب».

وأسس القضاء الجزائري هذه التهمة على مادة في «قانون المصالحة» (2016)، تتناول حظر أي سرد أو تصريح يمكن أن «يسيء لصورة الجزائر» أو «يُضعف الدولة»، وتصل العقوبة إلى السجن من 3 إلى 5 سنوات مع التنفيذ. وفي تقدير ضحايا الإرهاب في الجزائر، تتضمن الرواية أحداثاً «تعيد فتح جراح قديمة»، و«تحيي وجعاً تم دفنه»، يتعلق بالمجازر التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية خلال «العشرية السوداء» (1992 -2002)، وذلك عبر قصة «فجر»، التي تعرضت لمحاولة ذبح من طرف متشددين في نهاية التسعينات غرب الجزائر.

وتصوّر «حوريات» أحداث فترة تُعدّ من المحرّمات في الجزائر، حيث يفرض القانون نسياناً رسمياً لها. وتعدّ السلطات أن أي تطرق علني لتلك المرحلة يشكل تهديداً للاستقرار الوطني. كما أن القانون يحرم السياسة على متهمين بالإرهاب، وضعوا السلاح في إطار تدابير يكفلها القانون نفسه.

المرأة التي تتهم الروائي كمال داود باستغلال قصتها في روايته (متداولة)

أما الاتهام الرئيسي فيوجه إلى داود وزوجته معاً، من طرف سعادة عربان، التي يجسدها الروائي في شخصية «فجر» في عمله الأدبي، وهي امرأة أربعينية أكدت أنه استغل قصتها الشخصية دون موافقتها لكتابة الرواية. وتقول إنها روت قصتها للطبيبة النفسية، زوجة داود بين عامي 2015 و2023، كما تؤكد وجود تشابهات لافتة مع الشخصية الرئيسية في الرواية، خصوصاً محاولة الإجهاض والإصابة في الحنجرة، إثر تعرضها للهجوم الإرهابي.

ووصفت محامية داود مذكرة التوقيف بأنها «سياسية تهدف إلى إسكات كاتب نقدي»، وطعنت بصحتها لدى «إنتربول». أما الروائي فقد أعلن أنه لن يغادر فرنسا «مخافة أن ألقى مصير بوعلام صنصال»، وهو روائي جزائري - فرنسي يوجد في السجن بالجزائر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بسبب تصريحات في الإعلام الفرنسي، زعم فيها أن «أجزاء من غرب الجزائر تعود تاريخياً إلى المغرب». وقد شكل سجنه، ولا يزال، إحدى أبرز حلقات التوتر السياسي بين فرنسا ومستعمرتها القديمة، حيث يطالب الطيف السياسي الفرنسي، وعلى رأسه الرئيس إيمانويل ماكرون، بإطلاق سراحه.

الكاتب المسجون بوعلام صنصال (متداولة)

ويعيب الجزائريون، على المستويين الحكومي والشعبي وفي أوساط المثقفين أيضاً، على داود وصنصال مواقفهما السلبية من الاستعمار ومطالبة فرنسا بالاعتراف بالجرائم، التي ارتكبتها في الجزائر خلال قرن و32 سنة من الاحتلال. ومن جانبهما لا يخفي الكاتبان قربهما من اليمين الفرنسي المتطرف المعادي لهذه المطالب، كما أن ميل داود إلى الأطروحات الإسرائيلية التي تبرر الحرب في غزة حالياً، أثار غضب الجزائريين، وشجع سلطاتها على ملاحقته وهو في الخارج.

جدير بالذكر أن الجزائر وقّعت اتفاقيات مع عدد من الدول، بينها دول غربية، تتعلق بتسليم مطلوبين للقضاء بتهم «الفساد»، وأنواع أخرى من الجرائم. وقد صرّح الرئيس عبد المجيد تبون، في مقابلة مع صحيفة «لوبينيون» الفرنسية، نُشرت في مارس (آذار) الماضي، أن باريس رفضت تسليم بلاده عدداً من المقيمين في فرنسا، من بينهم وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب. كما تضم اللائحة الخاصة بالمطالب الجزائرية اليوتيوبر المعارض، أمير بوخرص، وضابط المخابرات السابق هشام عبود، والصحافي عبد الرحمان سمار، وهم جميعاً حاصلون على صفة لاجئ سياسي.

اليوتيوبر المعارض أمير بوخرص (متداولة)

وعلى عكس ما كانت تأمله الجزائر، قرر القضاء الفرنسي في أبريل (نيسان) الماضي سجن موظف قنصلي جزائري، بتهمة «الاختطاف والاحتجاز» بحق بوخرص. وساهمت هذه الحادثة في تصاعد التوتر بين البلدين إلى أن بلغ ذروته مع تبادل طرد 30 دبلوماسياً.


مقالات ذات صلة

الجزائر: تأجيل محاكمة «قضية الكوكايين الكبرى» وسط تساؤلات عن استراتيجية الدفاع

شمال افريقيا صورة متداولة للمتهم الرئيس كمال شيخي

الجزائر: تأجيل محاكمة «قضية الكوكايين الكبرى» وسط تساؤلات عن استراتيجية الدفاع

تحولت قضية كمال شيخي «مسلسلاً قضائياً طويلاً، تتكرر فيه التأجيلات، تحت ذرائع إدارية أو فنية أو إجرائية؛ ما يُغذي الشكوك حول خلفيات هذا التعطيل...

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا محكمة الجنايات بالعاصمة الجزائرية (متداولة)

الجزائر: انطلاق محاكمة المتهمين في «فضيحة 701 كلغ من الكوكايين»

تم اكتشاف 701 كلغ من الكوكايين يوم 29 مايو 2018 من طرف الجمارك بميناء وهران، كانت مخفية داخل صناديق لحوم مجمدة مستوردة من البرازيل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا مصافحة بين الرئيسين الجزائري والفرنسي قبل تفاقم التوترات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)

عودة «اتفاق 1968» إلى الواجهة يضع العلاقات الجزائرية - الفرنسية أمام اختبار جديد

مبادرة برلمانية فرنسية تهدف إلى تقييم الإنفاق المرتبط بـ«اتفاق 1968»، الذي ينظّم الهجرة في فرنسا بالنسبة للجزائريين، ويُعدُّ من أبرز عناصر الخلاف بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا علي غديري قبل اعتقاله وسجنه (متداولة)

الجزائر: الجنرال علي غديري يغادر السجن وسط تكتم رسمي

استعاد اللواء الجزائري المتقاعد علي غديري حريته بعد انتهاء عقوبة 6 سنوات قضاها في السجن بسبب تصريحات صحافية، رأت فيها قيادة الجيش «تحريضاً للعسكر»

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من اجتماع سابق لقضاء جزائريين حول تطبيق أحكام قانون مكافحة غسل الأموال (صورة أرشيفية)

رغم الإصلاحات… الجزائر ما تزال تحت مجهر أوروبا في ملف «غسل الأموال»

أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي، أمس الثلاثاء، إدراج الجزائر ضمن «لائحة الدول عالية المخاطر» في مجال تبييض الأموال

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

رئيس الوزراء المصري: العمليات العسكرية في المنطقة لن تفضي إلى شيء

تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية في وسط طهران (إ.ب.أ)
تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية في وسط طهران (إ.ب.أ)
TT

رئيس الوزراء المصري: العمليات العسكرية في المنطقة لن تفضي إلى شيء

تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية في وسط طهران (إ.ب.أ)
تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية في وسط طهران (إ.ب.أ)

قال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الثلاثاء، إن العمليات العسكرية في المنطقة لن تُفضي إلى شيء، وإن أي تصعيد سيجر المنطقة إلى دمار كبير.

وأضاف مدبولي: «نأمل أن يجري التوافق في أسرع وقت ممكن على وقف إطلاق النار في الصراعات الدائرة حالياً في المنطقة».

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في وقت سابق اليوم إنه يتوقع ألا تُخفف إسرائيل حدة هجماتها على إيران التي بدأتها يوم الجمعة الماضي.

ودخل الصراع بين إسرائيل وإيران يومه الخامس، بعدما تبادل الجانبان الضربات الجوية والصاروخية، في حين حذّر الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أن إيران «قريبة جداً» من امتلاك قنبلة نووية، وذلك بعد أن غادر قمة مجموعة السبع في كندا مبكراً، ودعا لاجتماع لفريق الأمن القومي، مصرحاً بأنه يريد «استسلاماً كاملاً» من إيران.

وفي حين أعلنت إسرائيل مقتل «رئيس أركان الحرب وأرفع قائد عسكري» في إيران، شنَّت إيران هجوماً صاروخياً صباح اليوم على عدة مدن إسرائيلية.