العلاقات المصرية - السودانية متماسكة رغم بعض «الغموض والارتباك»

وسط اتهامات للقاهرة بدعم «جيش البرهان»

السيسي يستقبل البرهان في القاهرة ويؤكد دعمه للسودان (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
السيسي يستقبل البرهان في القاهرة ويؤكد دعمه للسودان (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
TT

العلاقات المصرية - السودانية متماسكة رغم بعض «الغموض والارتباك»

السيسي يستقبل البرهان في القاهرة ويؤكد دعمه للسودان (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
السيسي يستقبل البرهان في القاهرة ويؤكد دعمه للسودان (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

تؤكد مصر مراراً على ثبات موقفها بشأن دعم مؤسسات الدولة السودانية واستقرار البلاد ووحدتها وسيادة أراضيها، استناداً إلى «علاقات تاريخيّة متماسكة”، لكن هناك «غموض» يكتنف مستويات وشكل هذا الدعم، لا سيما مع اتهامات «الدعم السريع» للقاهرة بـ«دعم الجيش السوداني عسكرياً»، واعتادت مصر نفيها بشكل رسمي أو غير رسمي.

ومنذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع»، بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، أعربت القاهرة عن قلقها من تطورات الوضع، مطالبة بـ«تغليب لغة الحوار». وأكدت مراراً «موقفها الثابت والراسخ بالوقوف إلى جانب السودان، ودعم أمنه واستقراره، ووحدة وسلامة أراضيه».

لكن هذه التأكيدات مع لقاءات عدة جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والبرهان، كان في مقابلها اتهامات متكررة من جانب حميدتي للقاهرة بـ«دعم الجيش السوداني، وعرقلة جهود الاستقرار في البلاد». كان آخرها مساء الاثنين الماضي، عبر كلمة مصورة جدّد فيها حميدتي اتهامه لمصر بالهجوم على مواقع قواته، زاعماً أن «مصر ساندت الجيش السوداني بثماني طائرات يقودها طيارون مصريون تقلع من مدينة دنقلا لقصف كردفان ودارفور»، كما زعم أن «مصر أدخلت يوم الأحد 32 شاحنة عسكرية تحمل أسلحة وذخيرة ووقوداً للطيران». وسبق لمصر أن نفت رسمياً اتهامات مماثلة.

حميدتي من خطاب مسجل الاثنين 2 يونيو يتهم القاهرة بتسليح الجيش السوداني (صورة مأخوذة من فيديو)

تقرير معهد واشنطن

ولفت المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية في أبريل الماضي، إلى أن «مصر ورغم ما تعانيه من ضغوط اقتصادية لا يزال لديها تأثير قوي في السودان». وفي فبراير (شباط) الماضي لفت تقرير نشره معهد واشنطن إلى ما وصفه بـ«معضلة القاهرة في التعامل مع الحرب السودانية»، مشيراً إلى أن «مصر تجد نفسها في وضع معقد حيث ترتبط تاريخياً وجغرافياً بالسودان ما يجعل استقراره أمراً حيوياً لمصالحها، لكنها في الوقت نفسه أمام خيارات صعبة بين الحياد ودعم طرف على حساب الآخر».

ولفت التقرير إلى «تحول في الموقف المصري لدعم الجيش السوداني على استحياء»، استناداً إلى «اتهامات لمصر بالمشاركة في هجمات جوية بالسودان».

ووفق مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن، فإن موقف مصر من الأزمة السودانية «لم يتغير»، وهو موقف عبّرت عنه القاهرة رسمياً في مناسبات عدة، مؤكدة «دعمها مؤسسات الدولة ووحدتها وسيادة أراضيها». وأوضح حسن لـ«الشرق الأوسط» أنه استناداً لهذا الموقف الثابت «دعمت القاهرة مجلس السيادة والجيش السوداني، بأشكال عدة»، لم يوضحها.

أمن البحر الأحمر

النيران تشتعل بمستودع وقود في بورتسودان على البحر الأحمر 6 مايو (أرشيفية - رويترز)

وفي رأي مديرة وحدة أفريقيا في «مركز الأهرام للدراسات السياسية» الدكتورة أماني الطويل، فإن «موقف مصر ثابت بشأن الرغبة في وقف الحرب السودانية، لكنه متغير في آليات التفاعل معها حسب المعطيات الداعمة لها».

وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «استمرار الحرب يفرض ضغوطاً كبيرة على مصر، لا سيما ما يتعلق بضبط الحدود وتدفق اللاجئين والنازحين، وتأثير انهيار دولة السودان على أمن البحر الأحمر، وإمكانية تحول السودان لمنصة للتنظيمات المتطرفة»، مؤكدة «موقف مصر الثابت بشأن أهمية وقف الحرب، وهي تتبع كل السبل المطلوبة طبقاً للمعطيات المتغيرة في هذه المسألة».

وتتراوح مستويات الدعم، بحسب أماني الطويل، بين دعم دبلوماسي يستهدف الحفاظ على كيان الدولة، ودعم إنساني ولوجيستي يتعلق باستقبال اللاجئين والنازحين، وتوفير الدعم الغذائي والطبي». لكنها تشير في الوقت نفسه إلى ما وصفته بـ«دعم على مستويات غير منظورة»، موضحة أن «هذا النوع من الدعم مرتبط بتعامل الجهات الرسمية العسكرية مع بعضها بعضاً، وهو تعاون سابق على الحرب يتضمن مناورات عسكرية، وتعاوناً في ضبط الحدود من غير الواضح أو المعلن مستوى تطوره بعد الحرب».

استقرار السودان

وعقدت مصر والسودان عدداً من المناورات العسكرية المشتركة؛ بهدف تبادل الخبرات العسكرية، من بينها «نسور النيل 1 و2»، عامي 2020 و2021، و«سيف العرب» 2020 وغيرها؛ وفق ما رصده تقرير لـ«مركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أكد «قوة ورسوخ وتماسك العلاقات المصرية - السودانية».

وأشارت «مجموعة الأزمات الدولية» في تقرير نشرته في يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى مصر كأحد الأطراف الإقليمية الفاعلة في الأزمة السودانية، لافتة إلى أن «القاهرة تعد الحليف الأهم للجيش السوداني من بين مجموعة واسعة من الحلفاء الإقليميين، بينما تدعم أطراف أخرى (قوات الدعم السريع)».

وقالت إن «القاهرة لديها علاقة تاريخيّة وطيدة مع الجيش السوداني، وتنظر لاستقرار السودان بوصفه عنصراً حيوياً في أمنها، لا سيما في حوض نهر النيل والبحر الأحمر». لكن التقرير لفت إلى «علاقات القاهرة الوطيدة مع أطراف إقليمية لديها مواقف مغايرة من الأزمة السودانية، يقلل من ثقة بعض الأطراف في الجيش السوداني، لا سيما الإسلاميين منهم في دعم القاهرة، حيث يرى البعض أن القاهرة لن تذهب بعيداً في دعمها للجيش حتى لا تخاطر بعلاقاتها الوطيدة مع تلك الأطراف الإقليمية».

وأكدت «مجموعة الأزمات الدولية» في تقرير آخر نشر في أبريل الماضي أن «التدخلات الخارجية في الحرب السودان تزيد من احتدام الصراع، لا سيما أن طرفيها يتلقيان دعماً خارجياً يتضمن مسيرات وتكنولوجيا»، مشيرة إلى أن «هناك صراعاً على النفوذ يتخذ من السودان مقراً له، لا سيما مع موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر».

غموض المواقف الخارجية

عناصر بالجيش السوداني يحتفلون بعد استعادتهم القصر الجمهوري في الخرطوم 21 مارس (أ.ب)

وأكد مصدر دبلوماسي مصري مطلع «الشرق الأوسط» أن التدخلات تعقد الوضع في السودان، و«أن هذه المسألة كانت محل نقاش في الدوائر الدبلوماسية، وبدا واضحاً منذ البداية أن الصراع لن يحل إلا بالتفاوض، خصوصاً أن طرفي الصراع يحظيان بدعم دولي وإقليمي، ولديهما من الموارد ما يكفي لمد أمد الحرب».

وفي رأي المصدر، فإنه «كان ينبغي على مصر عدم الانحياز إلى طرف واحد في صراع لن يحل إلا بالتفاوض، وربما كان عليها الانضمام إلى (منصة جدة) ومحاولة تبني موقف وسطي محايد». الحديث عن «غموض» الموقف المصري، وربما «ارتباكه» يتردد في وسائل إعلام سودانية عدة، تساءلت عن موقف القاهرة من «إخوان السودان»، وكيف «تدعم تنظيم تحاربه في الداخل».

لكن الدكتورة أماني الطويل ترفض تلك الادعاءات، مؤكدة أنه «لا يوجد غموض أو ارتباك، ومصر تتعامل مع معطيات الأمر الواقع، ولديها قدرة لتطويع تلك المعطيات»، مشيرة إلى أن «دعم القاهرة لإخوان السودان هو حديث يروجه نشطاء سودانيون، وهو غير صحيح».

نقطة أخرى تُلقي بعض الغموض على الموقف المصري تتعلق بالقيود على الأجانب المقيمين على أرضها ومطالبتها إياهم بتقنين أوضاعهم، مما أربك كثيراً من السودانيين في مصر الذين تزاحموا للعودة إلى بلادهم، لا سيما مع إغلاق السلطات المصرية في يونيو (حزيران) الماضي، المدارس السودانية العاملة في مصر، لحين توفُّر الاشتراطات القانونية لممارسة النشاط التعليمي.

وأكدت الدكتورة أماني أنه «لا يوجد تضييق على السودانيين في مصر، والإجراءات الجديدة مرتبطة بتقنين وجود غير المصريين في مصر، لا سيما مع زيادة عددهم بشكل مقلق للدولة، مما يؤثر على قدرتها على أداء وظائفها التقليدية».

ويبدو أن موقف القاهرة يثير تساؤلات منذ بداية الأزمة، وهو ما أشار له أنتوني سكينر، مدير الأبحاث لدى «مارلو غلوبال»، في تقرير نشره «معهد واشنطن» بعد نحو شهرين من الأزمة، قال فيه إن «الصراع في السودان سيضع ضغوطاً كبيرة على البنية التحتية الاقتصادية والسياسية والأمنية لمصر»، مضيفاً أن القاهرة «لا تملك خيارات عملية تُذكر لمواجهة التهديدات السودانية التي تطول الاستقرار».


مقالات ذات صلة

معركة الفاشر «حرب استنزاف» طويلة المدى... ودون حسم

تحليل إخباري سودانيون أرغمتهم ظروف الحرب على اللجوء إلى مخيم أبو النجا شرق غضارف (أ.ف.ب)

معركة الفاشر «حرب استنزاف» طويلة المدى... ودون حسم

تستمر معركة الفاشر بإقليم دارفور غرب السودان منذ شهور طويلة دون حسم لصالح الجيش السوداني أو «قوات الدعم السريع»، وتحوّلت المواجهات «حرب استنزاف» طويلة المدى.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)

الخرطوم بين ركام الأطلال... عودة خجولة للحياة

بعد أكثر من عامين من الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، عودة تدريجية خجولة للنشاط التجاري والحياة اليومية.

وجدان طلحة (الخرطوم)
خاص تجار يجتمعون أمام متاجرهم المحترقة في إحدى الصالات التجارية بالخرطوم (خاص)

خاص الخرطوم بين ركام الأطلال... وعودة خجولة للحياة

قامت «الشرق الأوسط» بجولة في الخرطوم، سجلت خلالها عودة تدريجية للحياة والنشاط التجاري في وسط المدينة، رغم الركام الذي يطوقها.

وجدان طلحة (الخرطوم)
شمال افريقيا نازحون من الخرطوم لجأوا إلى إقليم كردفان (أ.ف.ب)

قوات حليفة للجيش السوداني تستعيد بلدة في كردفان

نفذت «القوة المشتركة» عملية التفاف تكتيكية مباغتة، استعادت بها بلدة أم صميمة بعد ساعات من سيطرة «الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا مواطن يحاول تصريف المياه من أمام مسكنه في مدينة أم درمان (الشرق الأوسط)

أمطار غزيرة في الخرطوم تجرف جثثاً متحللة

هطلت أمطار غزيرة في عدد من المناطق بولاية الخرطوم، مما أدّى إلى تراكم المياه في الأحياء والشوارع، كما جرفت بعض مخلفات الحرب، بما في ذلك جثث متحللة.

وجدان طلحة (الخرطوم)

اتصالات مصرية لتثبيت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل

صورة فضائية من قمر «ماكسار» تُظهر مفاعل «أراك» في إيران بعد قصف إسرائيلي خلال وقت سابق (أ.ب)
صورة فضائية من قمر «ماكسار» تُظهر مفاعل «أراك» في إيران بعد قصف إسرائيلي خلال وقت سابق (أ.ب)
TT

اتصالات مصرية لتثبيت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل

صورة فضائية من قمر «ماكسار» تُظهر مفاعل «أراك» في إيران بعد قصف إسرائيلي خلال وقت سابق (أ.ب)
صورة فضائية من قمر «ماكسار» تُظهر مفاعل «أراك» في إيران بعد قصف إسرائيلي خلال وقت سابق (أ.ب)

واصلت مصر اتصالاتها المكثفة لخفض التصعيد بالمنطقة. وأجرى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، اتصالات هاتفية، الجمعة، مع كل من وزير خارجية المملكة المتحدة، ديفيد لامي، ووزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي.

ووفق إفادة للمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، فإن الاتصالات تناولت الجهود المبذولة لتحقيق التهدئة وخفض التصعيد في المنطقة وتثبيت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بشكل مستدام، وضمان عدم تجدد الأعمال العدائية والدفع بالمسارين السياسي والسلمي.

وأضاف خلاف، الجمعة، أنه «تم تبادل وجهات النظر بشأن سبل إعادة إحياء المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية ودول E3 حول البرنامج النووي الإيراني، بما يساهم في استعادة المسار الدبلوماسي ومعالجة الشواغل المرتبطة بالبرنامج، خاصة مع قرب الموعد المرتقب لتفعيل آلية العقوبات الأممية خلال أسابيع معدودة بحسب ما أعلنته دول E3».

وبحث عبد العاطي ولامي في «سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وتعزيزها، خاصة في المجالات التجارية والاستثمارية والسياحية». كما بحث مع غروسي دعم التعاون الثنائي بين مصر و«الوكالة» في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية.

بدر عبد العاطي خلال لقاء عباس عراقجي ورافائيل غروسي في القاهرة مطلع يونيو الماضي (إ.ب.أ)

والأربعاء الماضي، أجرى وزير الخارجية المصري، اتصالات مع كل من مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ونظيره الإيراني، ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وبحسب «الخارجية المصرية» تناول الوزير عبد العاطي خلال الاتصالات «أهمية العمل على الدفع بالحلول السلمية واستئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، خاصة مع الاقتناع بأنه لا حلول عسكرية لهذا الملف وباقي الأزمات التي تتعرض لها المنطقة». وجرى خلال الاتصالات «تبادل الأفكار والرؤى حول سبل خفض التصعيد وتثبيت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بشكل كامل، وضمان عدم تجدد الأعمال العدائية والدفع بالمسارين السياسي والسلمي».

وكان عبد العاطي قد أشار خلال اتصال هاتفي مع غروسي في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، إلى «أهمية تغليب الحلول الدبلوماسية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، بما يساهم في تحقيق التهدئة وخفض التوترات وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين».

في المقابل، أعرب غروسي حينها عن تقديره البالغ لدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي للتوصل إلى تسوية سلمية للملف النووي الإيراني، ودعم منظومة عدم الانتشار النووي، وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.

أيضاً أجرى وزير الخارجية المصري مطلع الشهر الماضي، محادثات في القاهرة مع مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مثمناً الدور الحيوي الذي تضطلع به الوكالة التابعة للأمم المتحدة في دعم الأمن والاستقرار الإقليميين، من خلال تعزيز مبادئ عدم الانتشار النووي، وتوسيع استخدامات التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية تخدم أهداف التنمية المستدامة.