تحضيرات لـ«حوار وطني» في الصومال وسط أزمات داخلية متصاعدة

عبر لقاءات مع قوى مدنية حول الانتخابات وطرق مكافحة «الإرهاب»

الرئيس الصومالي خلال لقائه قيادات عدد من الولايات في وقت سابق (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال لقائه قيادات عدد من الولايات في وقت سابق (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

تحضيرات لـ«حوار وطني» في الصومال وسط أزمات داخلية متصاعدة

الرئيس الصومالي خلال لقائه قيادات عدد من الولايات في وقت سابق (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال لقائه قيادات عدد من الولايات في وقت سابق (وكالة الأنباء الصومالية)

تحضيرات حكومية جديدة يعوّل عليها الصومال استعداداً لإجراء «حوار وطني» دعا إليه الرئيس حسن شيخ محمود في أواخر مارس (آذار) الماضي، وسط خلافات سياسية متصاعدة بشأن الانتخابات المباشرة التي تجرى في 2026، وتصعيد حركة «الشباب» عملياتها الإرهابية في العاصمة مقديشو وعدة مناطق.

تلك التحركات يراها خبير في الشأن الصومالي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، خطوة ضرورية نظراً لتعقيدات المشهد الأمني والسياسي بالبلاد، شريطة أن تشمل مشاركة المعارضة، مؤكداً أنه في حال غيابها يجب أن تلعب الضغوط الدولية والبلدان المجاورة دوراً إيجابياً في دعم المسار السياسي، وإلا فسيكون تمدد حركة «الشباب» في ظل الأزمة السياسية خطراً يطول الجميع.

وبدأت لجنة من الحكومة الفيدرالية اجتماعاتها أخيراً للتحضير لـ«الحوار الوطني» باجتماع مع ممثلي منظمات المجتمع المدني، بحسب الموقع الإخباري «الصومال الجديد»، دون أن تكشف اللجنة هل ستجتمع مع معارضين للرئيس أو لا مع تواصل خلافات بينهما منذ أسابيع.

وكان حسن شيخ محمود أعلن في 29 مارس الماضي خلال خطابه بمناسبة عيد الفطر، إنشاء منصة للقادة السياسيين والمدنيين الصوماليين، بهدف ضمان أن تكون آراء وجهود القادة جزءاً من الجهود الوطنية لمكافحة الإرهاب وتعزيز بناء نظام ديمقراطي وفيدرالي في البلاد عبر الانتخابات المباشرة، ورحب بها شركاء الصومال الدوليون عبر بيان في 7 أبريل (نيسان) الماضي.

الخبير في الشأن الصومالي، عبد الولي جامع بري، يعتقد أن «مسار الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس حسن شيخ محمود يمثل خطوة ضرورية من حيث المبدأ؛ نظراً لتعقيدات المشهد السياسي والأمني في الصومال، خاصة في ظل تصاعد الأزمات الداخلية وتحديات الأمن، ومنها عودة نشاط حركة (الشباب). غير أن نجاح هذا المسار يعتمد على مدى شموليته وصدقيته، وليس فقط على النيات المعلنة».

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال أحد اللقاءات (وكالة الأنباء الصومالية)

ويرى بري أن «عدم إشراك المعارضة الحقيقية، سواء السياسية أو المجتمعية، يُضعف من فرص التوصل إلى توافق وطني شامل، وخاصة أن الحوار الوطني لا يكون فاعلاً إلا إذا كان شاملاً ويضم كافة الأطياف، بمن فيهم من يملكون وجهات نظر مختلفة، أو حتى من يعارضون النظام»، مؤكداً أن «الاقتصار على القوى القريبة من الحكومة قد يحوّل الحوار إلى مجرد واجهة سياسية لتثبيت موقف الحكومة لا أكثر».

ولم يعلن معارضو الرئيس الصومالي موقفاً من تلك التحضيرات التي تتزامن مع أزمة متصاعدة، لا سيما منذ تأسيس الرئيس الصومالي في 13 مايو (أيار) الجاري «حزب العدالة والتضامن» ليضُمّ في صفوفه قيادة الحكومة الفيدرالية، وقادة الولايات الإقليمية، باستثناء رئيسَي بونتلاند سعيد عبد الله دني، وغوبالاند أحمد مدوبي.

وانتُخب شيخ محمود زعيماً للحزب ومرشحاً له في الانتخابات المباشرة المرتقب عقدها في البلاد عام 2026 بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، والتي تعتمد بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس التي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية».

ولاقى الحزب الجديد رفضاً من دني ومدوبي وقتها في مواقف رسمية منفصلة، واتهم الأول الحكومة الفيدرالية الصومالية بالسير في طريق مغلق، في حين دعا الأخير الحكومة ومنظمات المجتمع المدني إلى الدفاع عن البلاد، وتلاها إصدار 15 من الشخصيات السياسية البارزة في الصومال، بينهم الرئيس الصومالي السابق شريف شيخ أحمد، ورئيس البرلمان السابق شريف حسن شيخ آدم، بياناً دعوا خلاله إلى عقد مشاورات عاجلة لإنقاذ البلاد. ورغم هذه المعارضة، دافع شيخ محمود بعدها بأيام آنذاك عن الإصلاحات التي أجرتها الحكومة الصومالية في النظام الانتخابي على مدار نحو عام، مشيراً إلى أن تسجيل الناخبين بدأ فعلاً في العاصمة مقديشو لتمكين الشعب من انتخاب قادته.

اجتماع سابق لحسن شيخ محمود في مقر وزارة الدفاع بمقديشو (وكالة الأنباء الصومالية)

وحول غياب موقف المعارضة وحضورها المحتمل، يرى عبد الولي جامع بري أنه «لا يمكن تجاهل أن بعض فصائل المعارضة تعاني من ضيق الأفق السياسي وتسعى لتحقيق مكاسب خاصة، وهو ما يجعلها ترفض أي مسار لا يخدم مصالحها المباشرة. هذا يُضعف من مصداقية هذه الفصائل كذلك؛ ولذلك يجب أن يكون هناك طرف ثالث موثوق، كجهة أكاديمية أو مجتمع مدني أو وساطة إقليمية، لتقريب وجهات النظر».

ويراهن بري على دور الضغوط الدولية، قائلاً إنه «يمكن للضغوط الدولية أن تلعب دوراً محورياً في تهدئة الأزمة ومنع انزلاق البلاد نحو الفوضى، من خلال دعم حقيقي للحوار الوطني، عبر توفير ضمانات لحياديته، وممارسة ضغط سياسي على الحكومة والمعارضة للمشاركة بصدق في العملية، وربط الدعم الدولي بالإصلاحات، خاصة في مجالات الحكم الرشيد، والأمن، واللامركزية».

كما يمكن أن تسهم الضغوط الدولية على الصومال في «المساعدة في بناء الثقة، عبر رعاية اتفاقات جزئية حول ملفات خلافية مثل الانتخابات، وتقاسم السلطة، وإصلاح المؤسسات الأمنية، وتحفيز البلدان المجاورة على لعب دور إيجابي، وخاصة إثيوبيا وكينيا»؛ إذ لهما تأثير مباشر على الأمن والسياسة في الصومال، وفق بري.

ووسط تلك الخلافات السياسية والتحضيرات لحوار وطني، تصعّد حركة «الشباب» من عملياتها؛ إذ قُتل ما لا يقل عن 10 أشخاص قبل أيام، عندما استهدف انتحاري من الحركة صفاً من المجندين الذين كانوا يسجلون أسماءهم في ثكنة دامانيو العسكرية في العاصمة الصومالية مقديشو، وذلك بعد إطلاق الحركة قذائف «هاون» قرب مطار مقديشو في أبريل الماضي، واستهداف موكب الرئيس الصومالي في مارس الماضي.

ويعتقد بري أنه «في ظل تصاعد الهجمات من قبل حركة (الشباب)، فإن التوصل إلى توافق سياسي وطني سيكون له أثر مباشر في تقوية الجبهة الداخلية، وحرمان الجماعات المتطرفة من بيئة الخلاف والانقسام التي تستغلها».


مقالات ذات صلة

رفض «بونتلاند» المشاركة في «منتدى التشاور» يعمّق أزمة الصومال

شمال افريقيا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقائه قيادات عدد من الولايات (وكالة الأنباء الصومالية)

رفض «بونتلاند» المشاركة في «منتدى التشاور» يعمّق أزمة الصومال

رفضت ولاية بونتلاند المشاركة في منتدى «التشاور السياسي» الذي دعا إليه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وسط أزمة سياسية تتصاعد بين المعارضة والحكومة الفيدرالية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تحليل إخباري الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (وكالة الأنباء الصومالية)

تحليل إخباري «المشاورات الوطنية» بالصومال... هل تقود لانفراجة في أزمة الانتخابات؟

تترقب الأوساط الصومالية والدولية منتدى المشاورات الوطنية لقادة المجتمع المدني والسياسي، المقرر عقده في مقديشو يوم 15 يونيو (حزيران) الجاري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مالي: «القاعدة» تكثف هجماتها... ومجموعة «فاغنر» تعلن الانسحاب

مالي: «القاعدة» تكثف هجماتها... ومجموعة «فاغنر» تعلن الانسحاب

وجَّهت الجماعات الإرهابية المسلحة في دولة مالي، ضربات موجعة إلى الجيش (الخميس)، وسيطرت على ثكنة عسكرية تقع إلى الجنوب من العاصمة باماكو.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا قوات من مالي في تخريج دفعة عسكرية (متداولة)

مالي: تعرض موقعين عسكريين للهجوم مع تصاعد عنف الجماعات المتشددة

قال جيش مالي إن مسلحين شنوا ضربات على منشأتين عسكريتين يومي الأربعاء والخميس، في أحدث حلقة من سلسلة هجمات خاطفة يقول المسلحون إنها أسفرت عن مقتل مئات الجنود.

«الشرق الأوسط» (باماكو )
أفريقيا مقاتلون من «القاعدة» يقصفون بالقذائف مطار تمبكتو الاثنين (تنظيم القاعدة)

تصاعد الهجمات في مالي... و«القاعدة» تسيطر على ثكنة عسكرية

كثَّف تنظيم «القاعدة» هجماته الإرهابية في شمال دولة مالي، وكبد الجيش ومجموعة «فاغنر» خسائر وصفت بالكبيرة.

الشيخ محمد (نواكشوط)

الجيش السوداني يعزز قواته في شمال البلاد

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يحيِّي مؤيديه في العاصمة الخرطوم (أرشيفية - أ.ب)
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يحيِّي مؤيديه في العاصمة الخرطوم (أرشيفية - أ.ب)
TT

الجيش السوداني يعزز قواته في شمال البلاد

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يحيِّي مؤيديه في العاصمة الخرطوم (أرشيفية - أ.ب)
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يحيِّي مؤيديه في العاصمة الخرطوم (أرشيفية - أ.ب)

أفاد شهود بأن قوات الجيش السوداني دفعت فجر الخميس، بتعزيزات عسكرية إلى الولاية الشمالية، بعد أقل من 24 ساعة على إعلان «قوات الدعم السريع» السيطرة على مثلث «العوينات» الحدودي الذي يقع في أقصى الشمال الغربي للسودان مع الحدود مع كل من مصرية وليبيا، ويُعد معبراً مهماً للتجارة الحدودية بين البلدان الثلاث.

ويُتوقع أن يضع الجيش السوداني قواته والقوات المتعاونة معه في حالة تأهب قصوى، تحسباً لأي هجوم محتمل من «قوات الدعم السريع» التي سبق أن هددت مراراً بأنها ستهاجم ولايات شمال السودان التي تتهمها بأنها الحاضنة الاجتماعية للجيش. وقالت مصادر محلية إنها شاهدت أعداداً كبيرة من المركبات القتالية للجيش في منطقة الخناق بالولاية الشمالية.

وبالتزامن مع ذلك، عقد مجلس الأمن والدفاع السوداني، اجتماعاً طارئاً، ترأسه قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، لبحث التطورات الأخيرة. وقال وكيل وزارة الثقافة والإعلام، جراهام عبد القادر، إن الاجتماع تناول التطورات الأمنية في البلاد، والجهود المبذولة لمقابلة المتغيرات الماثلة. كما أعلن الجيش أنه أخلى قواته من منطقة المثلث في إطار ترتيبات دفاعية لصد العدوان.

من جهتها، أكدت لجنة أمن الولاية الشمالية في بيان أن «القوات المسلحة السودانية والقوات المساندة لها ستقف سداً منيعاً ضد استهداف الولاية الشمالية».

نقطة فاصلة

عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (تلغرام)

من جانبه، قال مستشار «قوات الدعم السريع»، الباشا طبيق، في تدوينة على منصة «إكس» إن سيطرة «الدعم السريع» على منطقة المثلث نقطة فاصلة في تطور الحرب السودانية. وأضاف أن السيطرة على المنطقة تنقل الحرب إلى ولايتَي الشمالية ونهر النيل. بدوره قال تحالف السودان التأسيسي «تأسيس»، الموالي لـ «قوات الدعم السريع»، إن السيطرة على المثلث الحدودي تمثل خطوة تسهم في تعزيز الأمن الإقليمي والحد من تدفق اللاجئين غير النظاميين، وهو ما يشكل مصدر تهديد لأمن واستقرار الشركاء الإقليميين والدوليين.

كانت «قوات الدعم السريع» قد أعلنت رسمياً يوم الأربعاء سيطرتها على منطقة المثلث، في خطوة نوعية سيكون لها ما بعدها على امتداد عدة محاور قتالية داخل السودان. وقالت إن انفتاح قواتها على محور الصحراء الشمالية، يُعد تحولاً استراتيجياً في تأمين الحدود وحماية البلاد من «التعديات المتكررة للقوات المتحالفة مع الجيش وتقاتل في صفه». وأكدت وزارة الخارجية السودانية في بيان، أن السودان يحتفظ بحقه المشروع في الدفاع عن سيادته وأمنه وسلامة مواطنيه.

ترتيبات دفاعية

عنصر من الجيش السوداني قرب مدفع تركته «قوات الدعم السريع» جنوب أم درمان 20 مايو 2025 (أ.ف.ب)

كان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية قد أعلن في بيان مقتضب، أن قواته أخْلت منطقة المثلث، في إطار ترتيبات دفاعية لصد العدوان، وقال في بيان: «أخْلت قواتنا يوم الأربعاء منطقة المثلث المطلة على الحدود بين السودان ومصر وليبيا».

وكان الجيش السوداني قد اتهم، الثلاثاء، كتيبة «السلفية» التابعة للجيش الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر، بالقتال إلى جانب «قوات الدعم السريع» في الحرب، عادّاً ذلك «تدخلاً سافراً في الشأن السوداني»، ورد الجيش الليبي في بيان هو الآخر على تلك الاتهامات بأنها «محاولة مفضوحة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية وخلق عدو خارجي افتراضي». وأضاف أنه «يتابع بقلق تكرار اعتداءات القوات المسلحة السودانية على الحدود الليبية في الآونة الأخيرة»، وأنه آثر معالجتها بهدوء حفاظاً على حسن الجوار، مع احتفاظه بـ«حق الرد على أي خرق». وأوضح بيان الجيش الليبي أنه رصد الأيام الماضية اعتداء قوة تابعة للقوات المسلحة السودانية على دورية عسكرية تابعة له، في أثناء تأمينها الجانب الليبي.

وباستيلاء «الدعم السريع» على الجانب السوداني من المثلث الحدودي المشترك، يكون قد اقترب من الحدود المصرية، وسيطر على حدود السودان مع دول «ليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وجزء من الحدود مع إثيوبيا التي تسيطر عليها قوات (الحركة الشعبية لتحرير السودان) بقيادة جوزيف تكة، الحليفة لـ(قوات الدعم السريع)». وأخذت منطقة المثلث تسميتها من كونها «مثلثاً جغرافياً» تشترك فيه حدودياً السودان ومصر وليبيا، قرب جبل «عوينات» الشهير، وهي منطقة حراك سكاني بين البلدان الثلاثة؛ ولطبيعتها الصحراوية القاسية كانت مسرحاً لعمليات الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا إلى أوروبا.