هل يفلح إدريس التكنوقراطي المخضرم في إعادة السودان إلى الحضن الأفريقي؟

تفاؤل حذر برفع تعليق عضوية السودان بالمنظمة القارية

كمال إدريس (أرشيفية متداولة)
كمال إدريس (أرشيفية متداولة)
TT

هل يفلح إدريس التكنوقراطي المخضرم في إعادة السودان إلى الحضن الأفريقي؟

كمال إدريس (أرشيفية متداولة)
كمال إدريس (أرشيفية متداولة)

تبذل الحكومة السودانية التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، جهوداً حثيثة لاستعادة عضويتها المجمدة في الاتحاد الأفريقي، واستعادة شرعيتها الإقليمية. ومن أجل ذلك عيَّن رئيس «مجلس السيادة الانتقالي» عبد الفتاح البرهان، التكنوقراطي المخضرم والموظف الأممي البارز الرئيس السابق لـ«منظمة الملكية الفكرية» كامل إدريس رئيساً للوزراء، وتفويضه صلاحيات واسعة لتشكيل حكومة تكنوقراط مدنية، فهل يفلح الرجل في إنجاز المهمة، أم أن «التعقيدات والتوازنات» داخل المنظمة القارية ستُفشل جهود بورتسودان؟

في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وبعد يومين من الانقلاب العسكري الذي نفَّذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالاشتراك مع قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ضد الحكومة الانتقالية المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، علَّق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان في المنظمة القارية، وأعلن رفضه القاطع ما سماه «تغيير الحكومة غير الدستوري»، وعدَّه «إهانة للقيم المشتركة والمعايير الديمقراطية للاتحاد الأفريقي».

كمال إدريس المرشح الرئاسي السابق في 12 أبريل 2010 (أ.ف.ب)

واستند القرار إلى المادة 30 من «القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي لسنة 2008»، التي تنص على تعليق العضوية، وعدم السماح للحكومة التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية، بـ«المشاركة في أنشطة الاتحاد».

ومنذ ذلك الوقت بذلت حكومة بورتسودان جهوداً كبيرة لاستعادة عضويتها ورفع التجميد، باعتبار اعتراف الاتحاد الأفريقي بها، يعطيها الشرعية التي تفتح الباب أمام العالم للاعتراف بها، لكن هذه الجهود باءت بالفشل حتى الآن.

لكنَّ متغيراً جديداً طرأ على ساحة المنظمة الإقليمية بذهاب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السابق التشادي موسى فكي، وانتخاب الجيبوتي محمود علي يوسف المقرب من بورتسودان، وبرز ذلك في ترحيبه العَجول بتعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء، واعتبار ذلك «خطوة إيجابية، يمكن أن تسهم بشكل فعال في جهود استعادة النظام الدستوري في البلاد وتعزيز الديمقراطية فيها».

البرهان (وسط) لدى حضوره افتتاح مبادرة لدعم أسر الضحايا الذين قتلوا وجرحوا في الحرب في بورتسودان 26 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

ولم يقتصر الترحيب بتعيين إدريس، على مفوض الاتحاد الأفريقي وحده، فجامعة الدول العربية ممثلةً بأمانتها العامة، أعلنت ترحيبها بالخطوة وعدَّتها «مهمة لاستعادة عمل المؤسسات الوطنية المدنية»، ومثلها فعل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الجزائري رمطان لعمامرة، وعدَّ الخطوة «مهمة لاستعادة المدنية».

ووفقاً لمصادر صحافية، فإن مشاورات بين مفوضية الاتحاد الأفريقي والحكومة في بورتسودان، تهدف لإزالة العقبات أمام عملية العودة للمنظمة الإقليمية، لكنَّ صحيفة «سودان تريبيون» نسبت إلى مصادر، عدم تفاؤلها بقرب حصول ذلك.

من جانبه، توقع المحل السياسي محمد لطيف، عدم قبول قبول الاتحاد الأفريقي رفع تعليق عضوية السودان، «لأن أسباب إصدار القرار لا تزال قائمة، رغم تعيين رئيس وزراء مدني، لأنه يرفض الانقلابات العسكرية وما يترتب عليها، ولا يعترف بأي عمليات سياسية يقوم بها انقلابيون، وأن أي حديث عن رفع تعليق العضوية ليس مبرراً».

زعيم «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وانتقد لطيف ترحيب علي يوسف، ولعمامرة، وعدّهما «متماهيين» مع النظام العسكري، استناداً إلى موقف دولتيهما الجزائر وجيبوتي الداعم للجيش، وقال: «يُجمع المراقبون على أن دعم أيٍّ من طرفي الحرب هو دعم لاستمرار الحرب، والدولتان طرفان في الحرب، وليستا مشغولتين بإنهائها، بل بتعزيز موقف الجيش، الداعي لوقف الحرب عبر الحسم العسكري».

ويرى لطيف موقف الرجلين «مخالفاً لموقف الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومنظمة (إيغاد)، المجمِع على إنهاء الحرب أولاً، ودعم إعلان جدة الإنساني... وتلك الهيئات اتخذت خطوات وشاركت في حوارات هدفها إنهاء الحرب والوضع الانقلابي واستعادة المسار المدني الديمقراطي».

ويضيف: «مواقف رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي لا تعبّر عن الاتحاد الأفريقي، لأنه لا يملك سلطة اتخاذ القرارات، أو إعلان مواقف خارج رؤية الاتحاد»، وتابع: «أرى أن الاتحاد الأفريقي مجتمعاً سيظل متمسكاً بقراره لأن الأسباب التي دفعت إلى اتخاذه لا تزال قائمة».

واستبعد لطيف أن «يعتبر الاتحاد الأفريقي تشكيل رئيس الانقلاب لحكومة مدنية، نهايةً للانقلاب، لأن المنظمة ستظل ملتزمة بموقفها حتى يعود العسكريون عن الانقلاب والدخول في عملية سياسية حقيقية، بعد نهاية الحرب».

أما الخبير القانوني والناشط المدني حاتم الياس، فيرى أن الحرب عقَّدت موضوع عودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي، ويقول: «وقائع التجميد كانت مرتبطة بالانقلاب على الشرعية، والحكومة التي يقودها البرهان كانت ستجد الاستجابة من المنظمة القارية، لو أنها لم تواجه مقاومة شعبية واسعة... الانقلاب عقَّد الواقع كثيراً وبلغ حد الحرب».

 

اجتماع قادة ورؤساء حكومات الاتحاد الأفريقي في 17 فبراير 2023 (الاتحاد الأفريقي)

وشكَّك الياس في إمكانية رفع تعليق العضوية، مستنداً إلى أن الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، استعْدت دولاً مؤثرة في الاتحاد الأفريقي، مثل إثيوبيا، وكينيا، وتشاد، رغم تأييد دول مثل مصر، والجزائر، وإريتريا.

وأضاف: «في اعتقادي أن فرصة فك تجميد عضوية السودان ضعيفة، لا سيما مع إعلان مجموعة تأسيس تكوين حكومة في مناطق سيطرة (الدعم السريع)، لأن ذلك يعني أن المنظمة الأفريقية تعترف بشرعية حكومة بورتسودان، وهذا أمر لا يساعد على وقف الحرب، بل ربما يؤدي إلى تعقيدها أكثر».

أما المناصرون للجيش فقد تفاءلوا بترحيب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بتعيين إدريس رئيساً للوزراء، وبدأوا تداولاً واسعاً حوله، وعدَّوا ذلك «خطوة واسعة» باتجاه رفع تعليق عضوية حكومتهم.

فهل يفلح الرجل الذي لم يحظَ اختياره بتأييد واسع حتى بين حلفاء الجيش، في وضع الحصان أمام العربة، وإعادة السودان لحضنه الأفريقي، أم ستظل الأوضاع كما هي عليه، أو قد تسوء أكثر؟ هذا ما تحدده خطوات الرجل الذي ظل صامتاً منذ قرار تعيينه!


مقالات ذات صلة

حميدتي: ليست لدينا مشكلة مع مصر ونسعى لحل خلافاتنا بالحوار

شمال افريقيا قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يلقي كلمة بُثت مساء الأحد (قناته على «تلغرام»)

حميدتي: ليست لدينا مشكلة مع مصر ونسعى لحل خلافاتنا بالحوار

قال قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إن دخول قواته المثلث الحدودي عند منطقة جبل العوينات لن يضر بدول الجوار وإنه يحترم حدودها.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا يلتقي رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك في القصر الرئاسي في بريتوريا يوم السبت (الصفحة الرسمية لتحالف صمود)

السودان يحتج على لقاء رئيس جنوب أفريقيا بـ«تحالف صمود»

احتجت وزارة الخارجية السودانية بشدة على استقبال رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، وفد «تحالف صمود».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا تسببت الحرب السودانية في مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص (د.ب.أ)

معارك بابنوسة بغرب كردفان مستمرة

تشهد مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان السودانية معارك كسر عظم واستنزاف منذ عدة أيام، بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، في آخر معاقل الجيش بالولاية.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

هل يُسهم حديث ترمب عن «سد النهضة» في حلحلة الأزمة بين مصر وإثيوبيا؟

أثار حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «سد النهضة» تساؤلات حول مدى إمكانية تدخل واشنطن لحلحلة الأزمة القائمة بين القاهرة وأديس أبابا حول «السد».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا نزوح متواصل من مدينة الفاشر المحاصَرة من «قوات الدعم السريع» (الشرق الأوسط)

معارك حامية بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» غرب كردفان

دارت معارك ضارية، الجمعة، بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان (جنوب غربي البلاد).

محمد أمين ياسين (نيروبي)

ليبيا: خليفة «غنيوة» المقتول يتسلّم «تركته الثقيلة» وسط توترات أمنية

أبو زريبة الرئيس الجديد لجهاز «دعم الاستقرار» لحظة وصوله لمقر الجهاز في جنزور (صفحات موثوقة)
أبو زريبة الرئيس الجديد لجهاز «دعم الاستقرار» لحظة وصوله لمقر الجهاز في جنزور (صفحات موثوقة)
TT

ليبيا: خليفة «غنيوة» المقتول يتسلّم «تركته الثقيلة» وسط توترات أمنية

أبو زريبة الرئيس الجديد لجهاز «دعم الاستقرار» لحظة وصوله لمقر الجهاز في جنزور (صفحات موثوقة)
أبو زريبة الرئيس الجديد لجهاز «دعم الاستقرار» لحظة وصوله لمقر الجهاز في جنزور (صفحات موثوقة)

احتوت سلطات غرب ليبيا توتراً أمنياً مفاجئاً في مدينة جنزور، اندلع على خلفية رفض إحدى الميليشيات تسليم مقر كان يتبع عبد الغني الككلي، الرئيس السابق لجهاز «دعم الاستقرار»، والذي قتل في عملية وصفت بـ«المعقّدة».

وعيّن محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، مطلع الأسبوع، باعتباره القائد الأعلى للجيش، حسن أبو زريبة رئيساً جديداً لجهاز «دعم الاستقرار»، في العاصمة طرابلس، خلفاً للككلي.

حسن أبو زريبة المعين من قبل المنفي لرئاسة جهاز «دعم الاستقرار» (صفحات موثوقة)

ويرى مراقبون أن أبو زريبة جاء ليتسلّم «التركة الثقيلة»، التي خلفها الككلي، على اعتبار أن عناصر جهاز «دعم الاستقرار» متهمة بـ«التورط في ارتكاب جرائم قتل وتعذيب وإخفاء مواطنين»، لا سيما في معقله بمنطقة أبو سليم في طرابلس.

وقبيل توجه أبو زريبة لتسلم مقر الجهاز في جنزور، أقدمت مجموعات مسلحة، تابعة لمحمود أبو جعفر، آمر جهاز الـ«137»، على إغلاق الطريق الساحلي جنزور، اعتراضاً على ما وصفه برفض تسليم مقر الجهاز، واحتجاجاً على قرار إعادة تنظيمه.

وانتشر مسلحون يتبعون لأبو جعفر، الشهير بـ«الشيبة»، على الطريق الساحلي الزاوية- جنزور، بالتوازي مع تحرك أرتال تابعة لـ«أبو زريبة» خلال توجهه رفقة آمر «اللواء 52 مشاة»، محمود بن رجب، للاجتماع بمقر الجهاز في جنزور.

وأظهرت مقاطع مصورة عناصر مسلحة وهم يغلقون طريق كوبري الـ«17»، غربي العاصمة، احتجاجاً على «قرار إعادة تنظيم جهاز دعم الاستقرار» الذي اتخذه المنفي.

مسلحون يغلقون الطريق بين الزاوية وجنزور غرب ليبيا (صفحات موثوقة)

وقال مقربون من جهاز «دعم الاستقرار» إن رئيسه المُعيّن أبو زريبة تمكّن، (الثلاثاء)، من تسلم مقر الجهاز في جنزور، بعد موافقة أعيان المنطقة، حيث عقد اجتماعاً مع عناصره الذين طالبهم بالعودة للعمل، وللجاهزية التامة لحفظ الأمن بالعاصمة.

غير أن «قوة العمليات المشتركة» في جنزور قالت في بيان (الثلاثاء) إنه «بعد رفض القوة المشتركة في جنزور دخول أبو زريبة إلى المقر، ووسط إلحاح شديد منه، تمت الموافقة على دخولِه من دون قواته المرافقة له»، مشيرة إلى أن القوة المشتركة أوصلته إلى المقر وتأمينه؛ ومكثت فيه بضع دقائق للاعتذار عن عدم تمكّنه من عقد الاجتماع مع الأفراد، الذين كانوا ينتظرونه في المقر».

ونوهت إلى أنه في أعقاب ذلك تم تأمين خروجه من قبل القوة المشتركة، حيث اتجه إلى مقر «اللواء 52»، مشيرة إلى أنه تم تصنيف المنطقة الممتدة من «كوبري 17»، ووصولاً إلى «سيمفورو الـ16»، «منطقة عسكرية مغلقة مؤقتاً؛ وذلك ضمن إجراءات احترازية استثنائية مرتبطة بترتيبات أمنية جارية».

وقتل الككلي، المعروف بـ«غنيوة»، والذي كان يعد أهم قيادي لأبرز المجموعات المسلحة التي تسيطر على مناطق مهمة في طرابلس منذ عام 2011، وذلك بعد تصاعد نفوذه، وسيطرته في مدن عدة بطرابلس.

انتشار مسلحين على الطريق الرابط بين الزاوية وجنزور غرب ليبيا (صفحات موثوقة)

ومنذ مقتل الككلي، والأجهزة الأمنية التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة تكشف داخل مقرّ نفوذه في منطقة أبو سليم عن «جرائم قتل وخطف، ومقابر جماعية»، يرجح أنها تضم مواطنين أُبلغ عن اختفائهم.

وعلّق الحقوقي الليبي، طارق لملوم، على ما أسماه «الاحتكام إلى بلطجة الشارع من خلال أمراء الحرب»، وعدّ ذلك «دليلاً واضحاً على أن كل من يستخدم إغلاق الطرق والبلطجة، والتضييق على المدنيين، لا يمكن اعتباره جهة حكومية تخضع للقانون وتلتزم به».

ويرى لملوم أن التنافس القائم بين حكومة «الوحدة» المؤقتة، التي سبق أن فككت الجهاز، ثم أعاده المجلس الرئاسي «سيزيد من حجم الانتهاكات؛ وتمكين تلك الميليشيات التي لا يمكن لها العيش إلا بهذه الطريقة»، لافتاً إلى أنه رغم وعود مكتب النائب العام بفتح تحقيق بشأن الانتهاكات التي تورط فيها جهاز (دعم الاستقرار)، لكن جاء قرار إعادته، وبنفس تركيبته.