تخفي الأوضاع الأمنية الراهنة في العاصمة الليبية طرابلس حالة من الاحتقان والتخوف الشديدين مما هو قادم، في وقت بدأت فيه دائرة الرافضين لعبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، تضيق عليه، بعد إعلان عدد من المؤسسات المحلية «سحب الثقة» من حكومته، والتحشيد لمظاهرات (الجمعة).
ومن «سوق الجمعة» إلى «الزاوية»، تسارع القوى السياسية إلى تطويق الحكومة، والدعوة إلى عزلها وتشكيل «حكومة جديدة تعبر عن الليبيين كافة».
كما اتفق أعضاء من مجلسَي النواب و«الدولة»، وعمداء بلديات غرب طرابلس، والمنطقة الغربية، على «سحب الاعتراف» من حكومة «الوحدة»، مؤكدين دعمهم لما أسموه «انتفاضة الشعب السلمية»، ودعوة المكونات السياسية والاجتماعية كافة للتظاهر في الساحات والميادين، الجمعة، للمطالبة بإسقاط الحكومة التي وصفوها بـ«منتهية الشرعية» في «جمعة الحسم».
وحذر المجتمعون البعثة الأممية من «الاستمرار في إدارة الأزمة، بدلاً من دعم مطالب الشعب وحقه في التغيير، ونحن نعتبرها شريكة فيما يحدث»، مؤكدين «استجابتهم لصوت الشعب، والاستجابة الصادقة لمطالبه المشروعة بإسقاط شرعيتها، مع التمسك بحرمة الدم الليبي، ودعم وقف إطلاق النار بشكل كامل».
وتتصاعد الدعوات المؤيدة لتنظيم المظاهرات (الجمعة) في الساحات والميادين ضد حكومة «الوحدة»، تحت عنوان «جمعة الحسم»، في حين تبنى سياسيون ونشطاء الترويج لعملية تحشيد في «ساحة الشهداء» بوسط طرابلس.
وكما هو الوضع المحتقن في الزاوية، يتخوف عدد من وجهاء قبائل مدينة الزنتان من الوضع المتوتر في العاصمة؛ إذ طالبوا الأمم المتحدة بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، وتشكيل «حكومة موحدة»، وقالوا إن وفد الزنتان الذي التقى الدبيبة قبل أيام «لا يمثل إلا نفسه».
وعقب الاشتباكات العنيفة التي شهدتها طرابلس، أعلن مكتب الدبيبة أنه التقى وجهاء وأعياناً ومشايخ وشباباً من مدن بغرب ليبيا، بغرض «مناقشة قضايا وطنية ومحلية، كما نقلت عنهم (حرصهم على استقرار البلاد، ورفضهم محاولات الانقسام أو العبث بمسار الدولة)».
وبينما جدّد عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، تأكيده على أن حكومة «(الوحدة الوطنية) منتهية الولاية، وهي والعدم سواء منذ 3 سنوات»؛ يتوقع متابعون أن يتزايد عدد البلديات التي ستصطف في خندق المطالبين بإقالة الدبيبة، في ظل ما ستشهده العاصمة يوم الجمعة من استجابة للخروج إلى الساحات للتظاهر.
في غضون ذلك، التقى الدبيبة، الخميس، بمكتبه في ديوان رئاسة الوزارة، وزيرة العدل حليمة إبراهيم، في لقاء قالت الحكومة إنه جاء لـ«متابعة الجهود الحكومية لتعزيز سيادة القانون، ودعم مسارات العدالة وحقوق الإنسان في البلاد». كما التقى مساء الأربعاء وفداً من محفظي القرآن والخطباء والأئمة للتأكيد على «أهمية الخطاب الديني المعتدل»، بحسب مكتبه.
ووسط تزايد الأجواء المتوترة، والشائعات المتعلقة بمغادرة عدة بعثات دبلوماسية العاصمة طرابلس، نفت السفارة البريطانية لدى ليبيا، الخميس، إغلاق مقرها في طرابلس، لكنها قالت إن «عدداً محدوداً من الموظفين عاد مؤقتاً إلى المملكة المتحدة».
وقالت السفارة في بيانها إنه «لا توجد لديها أي خطط لمغادرة طرابلس خلال هذه الفترة الصعبة»، مؤكدة «مواصلة العمل مع شركائنا الدوليين من أجل دعم جهود التهدئة، وتعزيز الاستقرار في العاصمة».
من جهته، قال «حراك سوق الجمعة» لتبرير دعوته المواطنين للتظاهر (الجمعة)، إنه «في ظل تفاقم الأوضاع المعيشية، واستمرار الفساد، وسيطرة الميليشيات على مفاصل الدولة، بدعم مباشر من حكومة الدبيبة؛ نعلن نحن أبناء الشعب الليبي الأحرار عن خروجنا في مظاهرات سلمية، الجمعة، تحت عنوان: (جمعة الخلاص)، لنرفع صوتنا عالياً، ونطالب بحقوقنا المسلوبة».
وقال «الحراك» الذي يترأسه الناشط الليبي أبو بكر مروان: «لقد سئمنا من وعود كاذبة، ومن حكومات مؤقتة أصبحت دائمة، ومن تحويل مقدرات الشعب إلى حسابات أمراء الحرب والميليشيات»، مشيراً إلى أن «هذه الحكومة التي دعمت ميليشيات غنيوة، وغيرها بالمال والسلاح، تحاول اليوم أن تشوّه حراكنا، وتتهمنا زوراً بأننا خرجنا لأجلهم».
ودافع «الحراك» عن نفسه قائلاً: «نؤكد للعالم ولكل من يسمعنا أننا نخرج من أجل ليبيا، لا من أجل شخص أو ميليشيا. نحن نرفض القمع والفساد، وسرقة قوت أولادنا، وسنظل نطالب بدولة مدنية، وبسلطة منتخبة، وبمؤسسات تخدم المواطن لا تحكمه بالقوة».
وحذر «حراك سوق الجمعة» من أي محاولة لـ«قمع صوتنا، أو شيطنة حراكنا، أو استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين. فالشعب الليبي لن يصمت بعد اليوم»، وانتهى قائلاً: «(جمعة الخلاص) هي بداية الطريق... والطريق لن يتوقف حتى نرى ليبيا التي نحلم بها جميعاً».
ويُتوقع بحسب «الحراك» أن تنطلق مظاهرات موازية من مصراتة ومناطق بالجنوب، مشيراً إلى أن الاحتجاجات تأتي في إطار عملية تنسيق في أنحاء ليبيا.