عملية إسرائيلية جديدة في قطاع غزة، تتزامن مع استئناف المفاوضات غير المباشرة في الدوحة؛ لبحث وقف إطلاق النار في القطاع، وسط دعوات عربية وغربية لتهدئة عاجلة، وإدخال المساعدات لإنقاذ القطاع من كارثة المجاعة.
تلك المفاوضات، التي كانت قد بدأت قبل 4 أيام وسط حديث عن تعثرها، عادت للواجهة مع بدء إسرائيل عملية «عربات جدعون»، وهو ما يراه خبراء تحدَّثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تنتهي لاتفاق إنساني في ظل تعمد إسرائيلي لتخريبها بالتصعيد العسكري بوصفه ورقة ضغط. وأشاروا إلى أن تعويل مصر على دور للرئيس الأميركي دونالد ترمب في تسوية نهائية للأزمة قراءة واقعية، وقد تقود مع ضغوط دولية لحل نهائي مستقبلاً.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، في ساعة مبكرة صباح السبت، بدء هجمات جوية واسعة، وتحريك قوات للسيطرة على مناطق في قطاع غزة، وذلك في إطار الخطوات لانطلاق عملية «عربات جدعون» التي أقرَّتها حكومة بنيامين نتنياهو أوائل مايو (أيار) الحالي، بحسب بيان للجيش و«قناة آي نيوز 24» الإسرائيلية، ما خلَّف 146 قتيلاً فلسطينياً على الأقل خلال آخر 24 ساعة، بحسب بيانات السلطات الصحية بالقطاع.
وتأتي تلك العملية التي تحدَّثت إسرائيل عن أنها ستبدأ عقب انتهاء جولة ترمب بالمنطقة بعد عدم قدرة مبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، على بلورة اتفاق رغم تقديمه إطاراً جديداً في مفاوضات الدوحة التي انطلقت، الثلاثاء، بحسب ما ذكرت «القناة الـ12» الإسرائيلية، كما أجرى مكالمة استمرَّت ساعتين مع نتنياهو، دون تحقيق تقدم، مع إصراره على «صفقة لا تتضمن نهاية الحرب»، وفق ما نقلته «تايمز أوف إسرائيل»، الخميس.
وفي حين عدّ وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في تصريحات السبت، بدء العملية وراء إعلان وفد «حماس» في الدوحة العودة إلى مفاوضات الدوحة، نقلت «القناة 12» الإسرائيلية، عن مصدر إسرائيلي قوله: «إن هذه ساعات مصيرية. فرق المفاوضات تجلس (بالدوحة)؛ لإجراء مفاوضات جادة».
وأكد المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، طاهر النونو، في تصريحات لوكالة «رويترز» أن جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة مع الوفد الإسرائيلي حول وقف إطلاق النار بدأت، السبت، في الدوحة، مؤكداً أن الجانبين يناقشان جميع القضايا «دون شروط مسبقة».
ولفت النونو إلى أن «(حماس) ستعرض وجهة نظرها حول كل القضايا، خصوصاً إنهاء الحرب، والانسحاب، وتبادل الأسرى»، مشيراً إلى «استعداد الحركة للتوصُّل لاتفاق فوري حال ضمان وقف دائم لإطلاق النار، والانسحاب الكلي من القطاع، وتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات».
الخبير المختص في الأمن الإقليمي والدولي، اللواء أحمد الشحات، يرى أن إسرائيل تواصل عدم مصداقيتها في التوصُّل لحل عادل، وتحاول أن تضع المفاوضات تحت القوة، بالبدء في هذه العملية العسكرية من أجل أن تنال مكاسب تفاوضية، مستغلةً الوضع الإنساني الكارثي في القطاع.
وأوضح أن الوفد الإسرائيلي في الدوحة ليست لديه صلاحيات، ومتوقع أن يعود لنتنياهو، الذي بدوره سيضع عراقيل وبنوداً من الصعب تنفيذها فعلياً، وتدور المحادثات في حلقة مفرغة بينما التصعيد العسكري يستمر، مضيفاً: «إلا إذا تدخلت واشنطن بشكل جاد، وطرحت إدخال مساعدات لإنهاء المجاعة وتهدئة الرأي العام الدولي، وهو ما قد يقود حينها لهدنة إنسانية».
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، سهيل دياب، أن حديث إسرائيل بشأن أن الضغط العسكري هو ما دفع «حماس» للمفاوضات غير حقيقي، ويأتي لأهداف سياسية داخلية لتهدئة الغضب لإبرام اتفاق، وتفادي أن يفهم أن أي صفقة قد تحدث جاءت بضغوط أميركية وسياسية، موضحاً أن الحقائق أن المفاوضات مستمرة منذ 4 أيام، وأن التوصُّل لاتفاق كان محل محادثات ترمب بجولته الخليجية التي انتهت الجمعة، وأن نتنياهو هو مَن أعاق تنفيذه.
ووسط استمرار المفاوضات بشأن «هدنة غزة»، دعا البيان الختامي للقمة العربية في بغداد، السبت، إلى وقف إطلاق النار بغزة، وإدخال المساعدات.
وفي كلمته بـ«قمة بغداد»، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن مصر تواصل، بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، بذل الجهود المكثفة لوقف إطلاق النار، مضيفاً: «أطالب الرئيس ترمب بصفته قائداً يهدف إلى ترسيخ السلام، ببذل كل ما يلزم من جهود وضغوط لوقف إطلاق النار في قطاع غزة تمهيداً لإطلاق عملية سياسية جادة، يكون فيها وسيطاً وراعياً، تفضي إلى تسوية نهائية تحقق سلاماً دائماً على غرار الدور التاريخي الذي اضطلعت به الولايات المتحدة، في تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل في السبعينات».
أما في كلمة السعودية بالقمة، فقال وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، إن «المملكة تؤكد ضرورة استدامة وقف إطلاق النار في غزة، ورفض أي محاولات للتهجير القسري للفلسطينيين».
وغربياً، طالب رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، في كلمته بالقمة، بـ«إنهاء الكارثة الإنسانية في قطاع غزة على الفور». وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمة مماثلة رفضه تهجير سكان القطاع، وذلك غداة تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في كلمة باجتماع أوروبي أن «الوضع الإنساني في غزة لا يُحتمل»، وأنه يأمل مناقشة الأمر قريباً مع نتنياهو وترمب.
ويرى الشحات أن الدعم العربي والغربي لوقف الحرب وإدخال المساعدات قد يسهم في حلحلة الأوضاع الإنسانية بالقطاع، موضحاً أن طلب الرئيس المصري للعب ترمب دور هو «إدراك لقدرة واشنطن على تغير المشهد الكارثي، وهو قراءة واقعية وموضوعية للفرص التي يمكن أن تحلحل الوضع الحالي في ظل عدم استجابة نتنياهو للمجتمع الدولي، وقد تسفر عن اتفاق إنساني مبدئي لحين بذل ضغوط حقيقية أميركية تقود لتسوية تدعو لها القاهرة».
وأكد دياب أن الدعوات العربية والغربية المتصاعدة تريد أن ترى حلاً نهائياً لما يحدث في غزة، لافتاً إلى أن مصر تواصل تقديم مقترحات لإيجاد هدنة بعيدة المدى، وإنهاء الأزمة الإنسانية بالقطاع، وأمام تصاعد هذه الضغوط، لا سيما الأميركية، سيكون هامش مناورة نتنياهو قليلاً، وقد يجبر على اتفاق نهائي مستقبلاً.