السودان يطالب الصين بتعطيل مسيرات «الدعم السريع»

استهداف محطات الكهرباء يغرق الخرطوم في الظلام

وزير الخارجية الصيني وانغ يي يصافح نظيره السوداني عمر صديق قبل اجتماعهما في بكين 14 مايو 2025 (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الصيني وانغ يي يصافح نظيره السوداني عمر صديق قبل اجتماعهما في بكين 14 مايو 2025 (أ.ف.ب)
TT

السودان يطالب الصين بتعطيل مسيرات «الدعم السريع»

وزير الخارجية الصيني وانغ يي يصافح نظيره السوداني عمر صديق قبل اجتماعهما في بكين 14 مايو 2025 (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الصيني وانغ يي يصافح نظيره السوداني عمر صديق قبل اجتماعهما في بكين 14 مايو 2025 (أ.ف.ب)

طالبت الحكومة السودانية، الخميس، نظيرتها الصينية بتفسير واضح بشأن وصول طائرات مسيرة انتحارية واستراتيجية صينية الصنع إلى أيدي «قوات الدعم السريع».

وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة وزير الإعلام، خالد علي الأعيسر، في بيان، إن هذه الأسلحة تستخدم في تهديد الأمن الوطني السوداني، من خلال استهداف وتدمير المنشآت الحيوية، مثل المستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه ومستودعات الوقود.

وأضاف: «كما تُرتكب بها أيضاً جرائم ضد الإنسانية، وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، عبر قصفها للفنادق والمدنيين العزل والمرافق الصحية، وقتلها للنساء والأطفال».

ودعا الأعيسر الحكومة الصينية لاتخاذ موقف حازم وعاجل بتعطيل التقنيات المستخدمة في تشغيل هذه المسيرات؛ «صوناً لمصداقية الصين الدولية، واحتراماً للعلاقات التاريخية مع الشعب السوداني».

وتأتي المطالبات السودانية بعد أقل من 24 ساعة من لقاء جمع وزير الخارجية السوداني، عمر صديق، بنظيره الصيني، وانغ يي، الذي أكد دعم بلاده لاستعادة السلام والاستقرار في السودان، بحسب وكالة السودان للأنباء «سونا».

وفي أبريل (نيسان) الماضي، استدعت وزارة الخارجية السودانية القائم بأعمال السفارة الصينية في مدينة بورتسودان، العاصمة المؤقتة للبلاد، واستوضحته بشأن كيفية حصول «قوات الدعم السريع» على مسيرات صينية استراتيجية من طراز (FH - 95). وأكد القائم بالأعمال الصيني عدم وجود أي علاقة لبلاده بـ«قوات الدعم السريع».

منعطف جديد

وكانت «الدعم السريع» تستخدم في السابق مجموعة متنوعة من المسيرات، تغلب عليها المسيرات الانتحارية البدائية. لكن تقارير إعلامية محلية أشارت أخيراً إلى حصول «قوات الدعم السريع» على طائرات مسيرة مجنحة حديثة، وهي من نوع هجومي قادرة على الاستطلاع وجمع المعلومات وتسديد ضربات دقيقة لأهدافها، مما يفسر دقة الهجمات الأخيرة، وفشل المضادات الأرضية التابعة للجيش في التصدي لها.

ودخلت الحرب المتواصلة منذ أكثر من عامين في السودان منعطفاً جديداً في الأسابيع الأخيرة، مع تكثيف «قوات الدعم السريع» استهداف مناطق يسيطر عليها الجيش بالطائرات المسيّرة، مما ينذر بمرحلة خطيرة في النزاع.

وعلى مدى الأسبوع المنصرم، استهدفت طائرات مسيّرة مناطق يسيطر عليها الجيش، وكانت حتى أيام خلت تعدّ آمنة وفي منأى عن المعارك التي اندلعت منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023. وبذلك أمسى الاستقرار الذي حافظ عليه الجيش في مناطق سيطرته، محل تساؤل مع تهديد طرق إمداده واستهداف البنى التحتية المدنية وقصف مناطق تبعد مئات الكيلومترات عن أقرب قواعد معلنة لـ«الدعم السريع».

الخرطوم مظلمة

عائدون يتفقدون ممتلكاتهم المدمرة في الخرطوم يوم 28 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، قالت السلطات السودانية، الخميس، إن هجمات بطائرات مسيرة أدت إلى قطع التيار الكهربائي في أنحاء العاصمة الخرطوم والولايات المحيطة بها، فيما واصلت «قوات الدعم السريع» سلسلة هجماتها بعيدة المدى بعد أكثر من عامين من حربها مع الجيش. وطُردت «قوات الدعم السريع» من جميع مناطق وسط السودان تقريباً، خلال الشهور القليلة الماضية، لتغيّر أساليبها من الهجمات البرية إلى هجمات بطائرات مسيرة على محطات الطاقة والسدود وغيرها من البنى التحتية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش.

وقالت شركة الكهرباء السودانية، في بيان، إن طائرات مسيرة قصفت ولاية الخرطوم، مساء الأربعاء، فيما يحاول موظفون إخماد الحرائق الكبيرة وتقييم الأضرار وإصلاحها.

وأوضحت الشركة، في بيان، أن محطات المرخيات، والكلية الحربية، والمهدية، تعرضت لاعتداء بالمسيرات أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في كامل ولاية الخرطوم، مما زاد من معاناة المواطنين وانقطاع الخدمات.

كما غرقت مدينة أم درمان، ثاني أكبر مدن العاصمة الكبرى المثلثة، في ظلام دامس، وتعطلت محطات المياه التي تعمل بالكهرباء، وفقاً لإفادات سكان محليين. ونقل شهود أن مسيرات استهدفت المحطات التحويلية، الواحدة تلو الأخرى، ما أدى إلى اندلاع النيران فيها. ولا تبعد هذه المحطات كثيراً عن قاعدة «وادي سيدنا» الجوية التابعة للجيش.

دمار كبير

أسرة أخلاها الجيش من منطقة قتال إلى مخيم آمن في مدينة أم درمان 13 مايو 2025 (أ.ف.ب)

وفي الأسابيع الماضية، استهدفت «قوات الدعم السريع» بالطائرات المسيرة منشآت كهرباء ومطارات ومخازن للوقود، في مدن دنقلا ومروي وعطبرة والدامر وشندي، بشمال البلاد، بالإضافة إلى مدينة بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر، وهي مناطق بعيدة عن جبهات المواجهة الأرضية.

ووفق وكالة «رويترز»، فقد أفادت مصادر عسكرية بأن القتال البري استمر في جنوب مدينة أم درمان، حيث كان الجيش يهاجم جيوباً لـ«قوات الدعم السريع» التي ظلت تسيطر على معظم العاصمة لنحو عامين قبل أن يسترد الجيش السيطرة عليها خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

وتسببت الحرب في تدمير أجزاء كبيرة من السودان، ودفعت أكثر من 13 مليون شخص إلى النزوح من ديارهم، ونشرت المجاعة والمرض، بينما لقي عشرات الآلاف حتفهم في القتال. كما أدت الحرب إلى نزوح آلاف الأشخاص على أكثر خطوط المواجهة البرية الأخيرة في ولاية غرب كردفان، حيث يحاول الجيش تأمين مناطق رئيسية منتجة للنفط، والتقدم نحو مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع» في إقليم دارفور، حيث يحاول الجيش كسر الحصار المفروض على مدينة الفاشر، آخر موطئ قدم له هناك.


مقالات ذات صلة

«أطباء بلا حدود» تحذّر من تفشٍّ خطير للأوبئة في السودان

خاص المدير العام لمنظمة «أطباء بلا حدود» كريستوفر لوكيير (إعلام المنظمة)

«أطباء بلا حدود» تحذّر من تفشٍّ خطير للأوبئة في السودان

تحذّير «أطباء بلا حدود» من أخطار جدّية قد تنتج من تفشي الأمراض الوبائية في السودان خلال الفترة المقبلة، جراء الانهيار شبه الكامل للأنظمة الصحية

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً في عاصمة ولاية شمال دارفور الملاصقة لمنطقة كردفان نتيجة معارك سابقة (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يتقدم غرب كردفان وجنوب النيل الأزرق

أفادت مصادر محلية بأن قوات الجيش السوداني تقدمت بشكل كبير في بلدات بولاية غرب كردفان وجنوب النيل الأزرق... وتقرير دولي رصد «انتهاكات جسيمة» من طرفي القتال.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا 
حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)

تحالف «صمود» يؤكد استحالة الحل العسكري في السودان

دعا التحالف المدني الديمقراطي (صمود) في السودان، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إلى الوقف الفوري للحرب عبر التفاوض، مؤكداً استحالة الحل العسكري

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (تلغرام)

تجدد القتال العنيف في الفاشر غرب السودان

تجددت المواجهات، يوم الأحد، بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في مدينة الفاشر شمال دارفور، وسط أنباء عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من الطرفين.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا الأمين العام للحركة الإسلامية علي أحمد كرتي (فيسبوك)

إسلاميو السودان لرفع «راية المقاومة» مع إيران

تباينت مواقف السودان حول الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، وعدّتها «الخارجية» تهديداً للأمن والسلم، ودعت لوقفها فوراً، بينما أعلن الإسلاميون «الجهاد» مع إيران.

أحمد يونس (كمبالا)

هل أحكم رئيس «الوحدة» الليبية قبضته على طرابلس؟

الدبيبة قبيل اجتماع أمني موسع في طرابلس الأربعاء (حكومة «الوحدة«)
الدبيبة قبيل اجتماع أمني موسع في طرابلس الأربعاء (حكومة «الوحدة«)
TT

هل أحكم رئيس «الوحدة» الليبية قبضته على طرابلس؟

الدبيبة قبيل اجتماع أمني موسع في طرابلس الأربعاء (حكومة «الوحدة«)
الدبيبة قبيل اجتماع أمني موسع في طرابلس الأربعاء (حكومة «الوحدة«)

بلهجة وصفت بأنها تعكس حالة من «الثقة»، قال عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة: «اليوم ننتقل من مرحلة التحدي إلى مرحلة التمكين؛ ومن الفوضى إلى تثبيت أركان الدولة. الجميع أذعن لمشروع الدولة وإجراءاتها السيادية».

وضعية الدبيبة راهناً، وهو الذي ظلت حكومته «مهددة» بعد مطالب متكررة لمتظاهرين بضرورة عزلها عن السلطة، طرحت تساؤلات حول مدى إحكام قبضته على العاصمة الليبية.

وترأس الدبيبة اجتماعاً أمنياً موسعاً لمتابعة تنفيذ خطة الترتيبات الأمنية الجديدة في العاصمة طرابلس، بحضور وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي، ووكيل وزارة الداخلية للشؤون الأمنية محمود سعيد، ومدير أمن طرابلس خليل أوهيبة، وعدد من القيادات الأمنية.

من مخلفات الاشتباكات الدموية التي عرفتها العاصمة الليبية (أ.ف.ب)

وأوضح الدبيبة أن ما تحقق من تمكين وزارة الداخلية لتأمين العاصمة وحدها «انتصار حقيقي للدولة، لم يحدث منذ عام 2011»، مشدداً على أن «هذا الإنجاز ما كان ليتم لولا القضاء على كبرى المجموعات الخارجة عن القانون، وإذعان الجميع لإجراءات الدولة ومشروعها السيادي».

وأضاف الدبيبة موضحاً: «انتهى عصر الشيخ والحاج في أجهزتنا الأمنية والعسكرية، ولا مكان في الصفوف إلا لمن هو مؤهل منضبط، وخاضع للسلطة، وخادم للقانون وحده»، في إشارة إلى عبد الغني الككلي، الذي قتل في عملية وصفتها حكومته بـ«أمنية معقدة»، وعبد الرؤوف كارة رئيس «جهاز دعم الاستقرار».

ويرى سياسيون ليبيون أن الأحداث السياسية الكبرى المحيطة بالبلاد، مثل الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، والتقلبات الدولية، ساهمت في الانشغال بالتظاهر ضده، لكنهم تحدثوا عن أن التظاهر ضد حكومة «الوحدة» سيتواصل في قادم الأيام.

وفي «نداء عاجل إلى أحرار ليبيا»، دعا «حراك أبناء سوق الجمعة» إلى مظاهرة حاشدة، (الجمعة)، أمام مقر رئاسة الوزراء بطريق السكة، وقال إنه «آن الأوان لكي نقول كلمتنا بصوت واحد لا يرتجف... لا للتطبيع، لا للفساد، لا لحكومة الدم».

وزير داخلية حكومة «الوحدة» (حكومة «الوحدة«)

وطالب «الحراك» جميع أطياف الشعب بالمشاركة في المظاهرة عصر الجمعة، لإسقاط حكومة ما أسماها بـ«التطبيع»، ومحاسبة «كل من تورط في الجرائم ضد المدنيين، ورفض أي محاولة لجرّ ليبيا نحو الاحتلال أو التبعية».

وللتأكيد على المشاركة في الاحتجاج ضد الدبيبة، تبنت صفحات كثيرة على مواقع التواصل الدعوة للتظاهر تحت عنوان «جمعة النهاية»، مؤكدين أن هذه الجمعة تمثل نقطة مفصلية في مسار الرفض الشعبي لحكومة وصفوها بـ«الفاشلة والمرتهنة»، مؤكدين أن البلاد لم تعد تحتمل مزيداً من الانقسام والعبث بمؤسسات الدولة.

ويرى سياسي معارض لحكومة الدبيبة، يقيم في غرب ليبيا لـ«الشرق الأوسط»، أن بقاءها في السلطة «سيعوق أي تقدم قد تحرزه البعثة في طريق الانتخابات الليبية»، وقال إن هذه الحكومة وباقي الأجسام السياسية في ليبيا «تلعب على ورقة استنزاف الوقت للبقاء على كراسيها».

غير أن الدبيبة أكد في اجتماعه بمسؤولين في حكومته على حق التظاهر السلمي للمواطنين، وقال إن «أمن الدولة يُبنى على احترام الحريات لا قمعها».

وفي فترة هدوء تشهدها العاصمة على وقع هدنة توصف بأنها «هشة» بين مقاتلين موالين لها وتشكيلات مسلحة، قال الدبيبة: «وصلنا إلى مرحلة تؤهل وزارتي الداخلية والدفاع لتأسيس الدولة ومؤسساتها؛ وما تحقق هو انتصار حقيقي للدولة، لم يكن ليتحقق لولا القضاء على أكبر ميليشيا إجرامية»، في إشارة إلى «دعم الاستقرار» التي كان يقودها الككلي.

ورغم التحضيرات الجارية لمظاهرة (الجمعة)، استعرض وزير الداخلية الطرابلسي، خطة الترتيبات الأمنية الجديدة في العاصمة، مؤكداً أن الوزارة تعمل «وفق رؤية واضحة لبسط الأمن، وتعزيز انتشار مراكز الشرطة، وضمان التنسيق الفعّال مع وزارة الدفاع وجهاز الأمن الداخلي».

وأكد الطرابلسي الالتزام بتنفيذ الخطة الأمنية وفقاً للتعليمات الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء، وبما يضمن حماية المواطنين ومؤسسات الدولة.

كما أكد مدير أمن طرابلس، اللواء خليل أوهيبة، أن الخطة الميدانية شملت 187 تمركزاً أمنياً جديداً، نُفذت في المواقع التي كانت تشغلها التشكيلات المسلحة سابقاً، مشيراً إلى أن إعادة الانتشار تمت بشكل مدروس لتأمين مفاصل العاصمة، وإنهاء أي فراغ أمني، وبسط سلطة الدولة بالكامل.

من مظاهر تأمين العاصمة طرابلس خوفاً من عودة الاشتباكات (إ.ب.أ)

وشدّد الحاضرون في الاجتماع على أن نجاح الخطة يعتمد على استمرار الدعم السياسي والإداري للجهات الأمنية، وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم النظامية.

في غضون ذلك، يلفت نشطاء ضد حكومة «الوحدة» إلى أن الرهان على الإطاحة بها يتمثل في «اعتصام المتظاهرين بالميادين طويلاً؛ والاستمرار في العصيان المدني»، لكنهم يرون أن هذا الهدف راهناً «بات صعب المنال، بعد نجاح الدبيبة في استقطاب تشكيلات مسلحة بعد ترضيتها».