الجزائر تُطلق تدابير جديدة لـ«محو الفرنسية» من التداول

طالت التعليم الخاص والطب وشركة الطيران وحتى فواتير المياه

الرئيس تبون خلال لقائه طلاب الطب في محافظة بجنوب غربي الجزائر (الرئاسة)
الرئيس تبون خلال لقائه طلاب الطب في محافظة بجنوب غربي الجزائر (الرئاسة)
TT

الجزائر تُطلق تدابير جديدة لـ«محو الفرنسية» من التداول

الرئيس تبون خلال لقائه طلاب الطب في محافظة بجنوب غربي الجزائر (الرئاسة)
الرئيس تبون خلال لقائه طلاب الطب في محافظة بجنوب غربي الجزائر (الرئاسة)

اتخذت الجزائر خطوة جديدة في مسار أطلقته منذ مدة قصيرة لإزاحة اللغة الفرنسية من التداول داخل الشركات والهيئات والإدارات الحكومية، وهي إجراءات شهدت وتيرة متسارعة منذ اندلاع أزمة دبلوماسية حادة مع فرنسا في يوليو (تموز) الماضي، وتصاعدت مع مرور الوقت لتأخذ أبعاداً وضعت العلاقات الثنائية على سكة القطيعة.

من بين هذه الإجراءات إعلان الاتحاد الجزائري لكرة القدم في مذكرة، وقَّعها أمينه العام في السابع من الشهر الماضي، عن التخلي عن استخدام اللغة الفرنسية، وفرض اللغة العربية حصرياً، بخلاف ما هو معمول به. وجرى توجيه الوثيقة إلى رؤساء رابطات كرة القدم، تطالبهم باعتماد العربية في تحرير وثائقهم الرسمية ومراسلاتهم «وفي أقرب وقت ممكن». كما أوصت بتطبيق هذا القرار بدءاً من الموسم الكروي 2025- 2026 حداً أقصى.

رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم (الاتحاد)

كما يتعيّن، حسب المذكرة، تحرير محاضر «لجان الانضباط» وتعيينات الحكام لإدارة المباريات، وبرمجة المباريات وجميع المراسلات باللغة العربية، مع انطلاق الدورة الكروية المقبلة.

وأكدت مذكرة الأمين العام للاتحاد الكروي أنه «وفقاً لقرارات المكتب الفيدرالي بتاريخ 30 أبريل (نيسان) 2025، تطلب (الاتحادية الجزائرية) لكرة القدم من الرابطات تعريب محاضر لجان الانضباط، وتعيينات الحكام والبرمجة، ولجان الاستئناف (بالنسبة للرابطات الجهوية)، إضافة إلى جميع المراسلات الموجهة إلى مختلف الشركاء والهيئات في أقرب وقت ممكن، مع العلم بأن التعريب سيكون إلزامياً على مستوى جميع الرابطات خلال الموسم الرياضي 2025-2026».

«فوترة» بالإنجليزية

في اليوم ذاته أعلنت شركة تسيير شبكة المياه وتوزيعها بالجزائر العاصمة، عن اعتماد اللغة الإنجليزية بدلاً من الفرنسية في فواتير استهلاك المياه. كما أعلنت الشركة عن إطلاق فاتورة مياه جديدة، محررة باللغتين العربية والإنجليزية. موضحة في بلاغ أن إدراج اللغة الإنجليزية هو «خيار استراتيجي يعكس انفتاح الشركة على المعايير الدولية، كما يأتي في إطار استراتيجية الدولة الجزائرية، التي تهدف إلى تعزيز استخدام اللغة الإنجليزية في مجالات التجارة والتكنولوجيا والابتكار». علماً بأن هذه الشركة كانت تُسيّر من طرف مجمّع فرنسي للمياه، لكن جرى فسخ العقد معه عام 2021 «بسبب وجود مخالفات في تطبيق بنوده»، وفق ما صرحت به الحكومة الجزائرية.

فواتير المياه بالإنجليزية بدل الفرنسية (متداولة)

وفي أبريل (نيسان) الماضي أيضاً، أعلنت الخطوط الجوية الجزائرية أن تذاكرها ستُحرر باللغتين العربية والإنجليزية. وصرح مسؤول قسم الشؤون العامة بها لتلفزيون «الشروق» بأن مسؤوليها قرروا مستقبلاً طباعة التذاكر باللغتين العربية والإنجليزية فقط، بعدما كانت باللغة الرسمية للدولة ومعها الفرنسية، وأبرز بأن القرار «اتُّخذ تماشياً مع ما يجري استعماله في شركات طيران عربية ودولية أخرى». مؤكداً أن «الإنجليزية لغة عالمية، أما استعمال العربية فيعود إلى أن شراكاتنا مع دول عربية تفضل استخدام العربية في تواصلها الجوي».

كما قررت الجزائر التخلّي عن اللغة الفرنسية في تدريس الطب، واستبدالها بالإنجليزية بدايةً من السنة الجامعية المقبلة 2025-2026. وقد جرى تأكيد هذا التوجه من طرف الرئيس عبد المجيد تبون، خلال زيارة قادته إلى مدينة بشار (جنوب غرب) الشهر الماضي؛ حيث سأل في لقاء جمعه بطلاب وأساتذة كلية الطب المحلية إن كانوا موافقين على هذا القرار، الذي سبق أن أعلنت عنه وزارة التعليم العالي في مارس (آذار) الماضي، فأجابه أحد الأساتذة بأن اللغة الإنجليزية بدأت تُعتمد منذ 3 سنوات في المراجع التعليمية، «فلم يعد لنا خيار سوى الانتقال إلى هذه اللغة لمواكبة التطورات التكنولوجية»، حسبما أفاد به أستاذ الطب نفسه. ووصف تبون القرار بأنه «صائب»، مهوناً من المصاعب التي تحدث عنها الطلاب بقوله: «هناك طرق وخطط عمل لهذا الانتقال».

وأكدت الوزارة في مذكرة أرسلتها إلى رؤساء الجامعات ومديري كليات الطب والصيدلة «ضرورة اتخاذ كل التدابير لضمان الانتقال التدريجي إلى التعليم باللغة الإنجليزية، وفقاً لعدد من الأساتذة، الذين تلقّوا تكويناً في هذا المجال».

يُشار إلى أن غالبية الوزارات تتعامل بالفرنسية، وقد تمت محاولات للتعريب بها منذ سنوات، لكنها لم تكن تجربة ناجحة بشكل كامل.

تدابير سبقت الأزمة مع باريس

وجرى اتخاذ خطوات مشابهة سبقت التوترات الحالية، التي تواجه العلاقة مع فرنسا، لكنها مرتبطة بتوجه حكومي متبع منذ وصول تبون إلى الحكم نهاية 2019، يقضي بالتخلي عن الفرنسية تدريجياً.

الخطوط الجوية الجزائرية قررت تعريب تذاكرها (متداولة)

ففي سبتمبر (أيلول) 2023، أبلغت وزارة التربية الوطنية أكثر من 600 مدرسة خاصة بضرورة التوقف عن تدريس المناهج الفرنسية، مشيرة إلى أن أي مخالفة لهذا القرار قد تؤدي إلى إغلاق المؤسسة ومتابعتها قضائياً.

وصرح وزير التربية للصحافة بأن القرار «لا يستهدف اللغة الفرنسية، أو ثقافة بلد آخر، بل هو تطبيق للقانون الذي يفرض تدريس المنهاج الوطني، الذي يعكس هوية وثقافة المجتمع الجزائري».

وقد خلّفت تدابير «محو الفرنسة» مخاوف لدى عدد كبير من الأساتذة والطلاب في كليات ومعاهد العلوم الدقيقة والتكنولوجيا؛ حيث تُدرَّس المواد حصرياً باللغة الفرنسية. ويُلاحظ أن التوجه السائد في هذه المؤسسات الجامعية هو متابعة الدراسات العليا في فرنسا، أو في مقاطعة كيبيك الكندية الناطقة بالفرنسية، ما يطرح تحديات أمام هذا التحول اللغوي المرتقب.



قادة سودانيون: خطاب ولي العهد السعودي «دفعة جديدة» لإحياء «منبر جدة»

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية - الأميركية في الرياض الأربعاء (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية - الأميركية في الرياض الأربعاء (واس)
TT

قادة سودانيون: خطاب ولي العهد السعودي «دفعة جديدة» لإحياء «منبر جدة»

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية - الأميركية في الرياض الأربعاء (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية - الأميركية في الرياض الأربعاء (واس)

استحسن العديد من القادة السياسيين السودانيين إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في القمة الخليجية - الأميركية بالعاصمة الرياض، الأربعاء، مواصلة المملكة جهودها في إنهاء الأزمة في السودان من خلال «منبر جدة»، الذي يحظى برعاية سعودية - أميركية، وصولاً لوقف إطلاق نار كامل في السودان، معتبرين أن ذلك يعطي قوة دفع جديدة لإنهاء النزاع المستمر في السودان.

وفي مايو (أيار) الماضي، أي بعد اندلاع الحرب بأسابيع قليلة، استضافت مدينة جدة، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع ما عُرف بـ«إعلان جدة الإنساني»، ونصّ على حماية المدنيين والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية.

وقال رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان «التيار الثوري» ياسر سعيد عرمان إن حديث ولي العهد السعودي بشأن إحياء منبر جدة، «جاء في وقت مهم، وفي أعلى مستويات الاتصالات بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية في قمة الرياض، وهذا يعطي ملف الحرب في السودان زخماً كبيراً في الفترة المقبلة».

وأضاف عرمان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن السودان «يحتاج بشكل عاجل إلى وقف إطلاق نار إنساني»، مشيراً إلى أن الجهود السابقة في منبر جدة، وما تم من تنسيق بين الشركاء الإقليميين والدوليين ودول الجوار يجب أن تخلق قوة دفع جديدة.

وقال رئيس التيار الثوري: «نتطلع إلى أن تشكل الزيارة المهمة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الرياض والاتصالات بين مختلف الأطراف في الخليج ودول الجوار قوة دفع جديدة تقود إلى وقف إطلاق نار إنساني، يتيح الفرصة للسودانيين، وإبعاد القوة المتحكمة بواسطة البندقية في مصير الشعب السوداني، وتفتح الطريق للوصول إلى حكم مدني ديمقراطي وسلام دائم».

كما عبّر عرمان عن تفاؤله في أن تسهم دول الجوار والمجتمع الدولي في الوصول إلى سلام في السودان «يخدم مسار الأمن والسلم في المنطقة».

بدوره، قال المنسق السياسي لحركة «تضامن من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية»، المحبوب عبد السلام، إن «البشارة الوحيدة التي أحيت الأمل في نفوس السودانيين هي ما ورد في خطاب ولي العهد السعودي حول منبر جدة، فهو لا يزال رغم مرور عامين من الحرب الوثيقة الشرعية الأساسية لبداية تفاوض جديد بذات الرعاية السعودية - الأميركية، التي أثبتت جدواها في حل أعقد الأزمات العالمية».

وأشار المحبوب، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن غياب الوظيفة السياسية للحكومة السودانية «يعقّد المشهد»، مبرزاً أن تجاوز الحرب السودانية في الخطاب المطول الذي قدمه الرئيس الأميركي في قمة الرياض والذي تحدث فيه عن الحروب في غزة ولبنان واليمن وأوكرانيا وحتى كشمير جعل السودانيين يتساءلون عن معنى وصف الأمم المتحدة للحرب في السودان بأنها أكبر مأساة إنسانية في العالم.

وأضاف المحبوب أنه مهما «تعددت المنابر، من الاتحاد الأفريقي إلى (إيغاد) والأمم المتحدة والجامعة العربية، فإن الرؤية السودانية هي التي ستقود تلك الجهود، وفي غيابها ستنتهي إلى التيه كما هو واقع اليوم».

بدوره، ثمّن رئيس حزب الأمة «الإصلاح والتجديد» مبارك الفاضل المهدي استراتيجية السعودية تجاه السودان، التي تقوم على استقراره والحفاظ على مؤسساته الوطنية، وجهودها الحثيثة التي بذلتها في سبيل تعزيز السلام ووقف الحرب.

ورأى المهدي، في بيان، أن «منبر جدة» هو «المبادرة الأكثر تأهيلاً وتأثيراً لوقف الحرب، لأنه يلامس قضايا جوهرية تخص المدنيين، كما أنه جدي في التعامل مع الحرب في السودان، بدليل توصله إلى اتفاق بعد 3 جولات، إلا أنه لم ينفذ»، لأن طرفي الحرب لم يلتزما بما تم الاتفاق عليه في جدة، ثم عادا للتفاوض مجدداً في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بيد أن هذه الجولة واجهت تعنتاً من طرفي النزاع، وعدّت تراجعاً عما تم توقيعه في «إعلان جدة»، ما اضطر الوسيطين، الرياض وواشنطن، إلى تعليق المفاوضات.