أجواء التصعيد تخيّم مجدداً على العلاقات الجزائرية - الفرنسية

في واقعة غير مسبوقة... الجزائر تهدد بطرد 12 موظفاً بسفارة باريس

رئيس الجزائر عبد المجيد تبون مستقبِلاً وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو يوم 6 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
رئيس الجزائر عبد المجيد تبون مستقبِلاً وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو يوم 6 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
TT

أجواء التصعيد تخيّم مجدداً على العلاقات الجزائرية - الفرنسية

رئيس الجزائر عبد المجيد تبون مستقبِلاً وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو يوم 6 أبريل 2025 (إ.ب.أ)
رئيس الجزائر عبد المجيد تبون مستقبِلاً وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو يوم 6 أبريل 2025 (إ.ب.أ)

لا تكاد حدة التوتر تهدأ قليلاً بين الجزائر وفرنسا حتى تشتعل من جديد، حتى بلغت منعطفاً غير مسبوق يوم الاثنين. فمن بعد زيارتين رسميتين للجزائر قام بهما تباعاً رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه بمبادرة شخصية، ثم وزير الخارجية جان نويل بارو بطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تأجّج الموقف بقوة مجدداً صباح الاثنين.

فقد أعلن بارو أن الجزائر طلبت من 12 موظفاً في السفارة الفرنسية مغادرة أراضيها في غضون 48 ساعة، واعتبر هذه الخطوة «غير مبررة»، وطلب من السلطات الجزائرية العودة عن إجراءات الطرد، وإلا فلن يكون أمام باريس سوى «خيار الرد الفوري».

الزيارتان

كانت زيارتا رئيس مجلس الشيوخ ووزير الخارجية الفرنسيين منفصلتين، لكن الغرض كان واحداً: السعي لخفض التوتر في العلاقات المعقدة بين البلدين بعد مجموعة من الأحداث والاتهامات المتبادلة في أكثر من ملف.

وملفات التوتر متعددة؛ فمنها ما يتعلق بمسألة ترحيل المواطنين الجزائريين الذين تصدر بحقهم مذكرات رسمية أو شكاوى، ومنها ما يرتبط بإجراءات فرنسية تمنع حاملي جوازات السفر الدبلوماسية من دخول فرنسا، ومنها اتهامات بسوء المعاملة في المطارات، فضلاً عن ملاحقة ومحاكمة عدد من «المؤثرين» الجزائريين المقيمين في فرنسا والمتهمين باللجوء للتهديد والعنف بحق معارضين جزائريين.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في باريس يوم الاثنين (إ.ب.أ)

بيد أن أساس التوتر يعود لتغير جذري في سياسة باريس إزاء ملف الصحراء، والذي تمثَّل برسالة بعث بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، صيف العام الماضي، وقال فيها إن حاضر ومستقبل الصحراء «يندرج في إطار السيادة المغربية».

عود على بدء

منذ ذلك التاريخ تنقلت العلاقات الثنائية من أزمة إلى أخرى، حتى إن التفاهمات التي توصل إليها ماكرون مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون صيف عام 2022 اندثرت وحلَّت محلها اتهامات ومطالبات.

وتصاعدت الأمور إلى حد القطيعة بعد أن هددت باريس بإعادة النظر في مجموعة من الاتفاقيات في حال لم تستجب الجزائر لعدد من مطالبها بخصوص تسلّم مواطنيها المُرحّلين. وتوفّر هذه الاتفاقيات للجزائريين عدداً من الامتيازات، سواء في السفر أو العمل في فرنسا، وبعضها يعود لعام 1968.

ولم تهدأ دورة التصعيد إلا بعد اتصال هاتفي أجراه ماكرون مع تبون أواخر الشهر الماضي، في خطوة تقارب تبعتها زيارة وزير الخارجية يوم الاثنين الماضي، بتكليف من رئيس الجمهورية؛ لمهمة محددة تتمثل في إعادة «العلاقات الطبيعية»، وهو ما برز في البيانات الصادرة عن الطرفين.

بيد أن «التطبيع» توقف فجأة بعد أن ألقى رجال الأمن الفرنسيون يوم الجمعة الماضي، القبض على ثلاثة جزائريين، أحدهم موظف في القنصلية الجزائرية في مدينة كريتيه، لاتهامهم بالضلوع في خطف «مؤثر» جزائري اسمه أمير بوخرص في نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي؛ أي قبل عام كامل تقريباً.

وجاء في التهم أن الثلاثة عمدوا إلى عملية خطف واحتجاز على صلة بمخطط إرهابي، وفق البيان الصادر عن النيابة العامة الوطنية الخاصة بمكافحة الإرهاب. وتقرر وضع الثلاثة في الحبس الاحتياطي.

رد الفعل

ولم يتأخر رد فعل الجزائر؛ إذ استدعت السفير الفرنسي ستيفان روماتيه إلى وزارة الخارجية للتعبير عن «الاحتجاج الشديد». وأعقب ذلك بيان شديد اللهجة؛ كون القبض على موظف القنصلية الجزائرية «قد تم من غير المرور عبر القنوات الدبلوماسية».

واعتبرت الجزائر ما حدث «انتهاكاً صارخاً للحصانات والامتيازات» المرتبطة بمهام هذا الموظف القنصلي، كما اعتبرته «تطوّراً جديداً وغير مقبول وغير مبرَّر من شأنه أن يلحق ضرراً بالعلاقات الجزائرية - الفرنسية». وأكدت الجزائر عزمها على «عدم ترك هذه القضية من دون تبعات أو عواقب».

وجاء لافتاً ما ورد في خبر لوكالة الأنباء الجزائرية من تنديد بما وُصف بأنه «منعرج قضائي غير مسبوق في تاريخ العلاقات الجزائرية - الفرنسية».

وبالنظر للهجة البيان الجزائري والرسالة التي نقلتها «الخارجية» للسفير الفرنسي، كان واضحاً أن الأمور لن تبقى في دائرة الاحتجاج «الدبلوماسي». وبالفعل جاء الرد الجزائري قوياً؛ إذ طلبت سلطات الجزائر من 12 موظفاً بالسفارة الفرنسية مغادرة الأراضي الجزائرية في غضون 48 ساعة، وفق ما صرَّح به وزير الخارجية الفرنسي.

وأفاد مصدر دبلوماسي «وكالة الصحافة الفرنسية» بأن بعض هؤلاء الموظّفين يعملون تحت إشراف وزارة الداخلية الفرنسية.

واعتبر بارو التحرك الجزائري «رداً غير مبرَّر»، وكتب: «أطلب من السلطات الجزائرية العودة عن إجراءات الطرد هذه التي لا علاقة لها بالإجراءات القضائية الجارية» في فرنسا، مضيفاً أنه في حال امتناع الجزائر عن التجاوب، فلن يكون هناك خيار سوى «الرد الفوري».

أمير بوخرص

ثمة تساؤلات تطرح نفسها في هذا السياق؛ أولها: لماذا انتظرت السلطات الفرنسية ما يقارب العام الكامل قبل أن تعمد إلى توقيف المسؤولين عن خطف المؤثر أمير بوخرص، خصوصاً أنه تقدم بشكوى أمام القضاء؟

وخُطف بوخرص من أمام منزله في ضاحية بجنوب شرقي باريس قبل نحو عام. ووفق ما أدلى به لصحيفة «لو موند»، فإن أربعة رجال يرتدون زي الشرطة اقتادوه إلى مكانٍ ما في قضاء «سين إي مارن» حيث احتُجز في حاوية وتعرض للتخدير وأُطلق سراحه بعد 27 ساعة. والمعروف أن السلطات الجزائرية تطالب بتسليمه منذ عام 2016، وقد صدرت بحقه تسع مذكرات توقيف دولية. بيد أن باريس لم تستجب قَطّ لهذه المطالبات، كما لم تتجاوب مع طلبات جزائرية أخرى مشابهة.

وبعد أن رفضت فرنسا مرة أخرى تسليمه في عام 2022، منحته حق اللجوء السياسي في العام التالي.

وتجيء التطورات الأخيرة في حين يقوم وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، بزيارة رسمية إلى المغرب.

وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو يحضر مؤتمراً صحافياً في الرباط بالمغرب يوم الاثنين (إ.ب.أ)

ويُعد روتايو «أحد الصقور» في حكومة فرنسا، والداعي الرئيسي لسياسة متشددة مع الجزائر، ويحمّله الطرف الجزائري مسؤولية تدهور العلاقات بين الطرفين.

وتعليقاً على التطورات الأخيرة، أعلن الأحد أنه «تم التثبّت من الاختطاف... بمبادرة من فرد يعمل في كريتيه (ضاحية باريس) في القنصلية العامة للجزائر». بيد أنه امتنع عن الربط بين حادثة الخطف والسلطات الجزائرية، وقال: «الارتباط بالبلد لم يثبت». لكنه في المقابل بقي على موقفه المتشدد بتأكيده: «نحن كبلد ذي سيادة، نتوقّع احترام قواعدنا على الأراضي الفرنسية».

ويبقى سؤال: هل تفتح التطورات الأخيرة الباب أمام مزيد من التصعيد؟ وهل تترك المواقف المتصلبة القليل من الفرص لرأب الصدع الجديد بين الطرفين؟


مقالات ذات صلة

إدارة ترمب تستعيد سفراء لا تعدهم ضمن «أميركا أولاً»

الولايات المتحدة​ وزير الخارجية ماركو روبيو (أ.ب)

إدارة ترمب تستعيد سفراء لا تعدهم ضمن «أميركا أولاً»

استردت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب نحو 30 سفيراً من بعثاتها الدبلوماسية حول العالم، في جهودها لفرض التزام الأجندة الرئاسية «أميركا أولاً».

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يستبعد نحو 30 دبلوماسياً من مناصبهم كسفراء

تستدعي إدارة الرئيس الأميركي نحو 30 دبلوماسياً من مناصبهم كسفراء ومناصب عليا أخرى في السفارات بهدف إعادة تشكيل الموقف الدبلوماسي حول رؤية «أميركا أولاً».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي خلال مؤتمر صحافي (أ.ف.ب)

رئيسة الوزراء اليابانية: منفتحون دائماً على الحوار مع بكين

أكدت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي اليوم (الأربعاء) أن طوكيو «منفتحة دائماً على الحوار» مع بكين، في ظل استمرار التوتر الدبلوماسي بين الطرفين.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان - 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

الهند وروسيا تعتزمان تعزيز الشراكة خلال زيارة يجريها بوتين

قالت الهند، الجمعة، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيقوم بزيارة للبلاد الأسبوع المقبل، وإنها ستتيح الفرصة للبلدين لمراجعة التقدم المحرز في علاقاتهما.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
المشرق العربي خلال لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره اللبناني جوزيف عون في القاهرة مايو 2025 (أ.ف.ب)

السيسي يؤكد لعون دعم مصر الثابت لاحترام سيادة لبنان

جدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اتصال هاتفي مع نظيره اللبناني جوزيف عون التأكيد على موقف مصر الثابت الداعم لاحترام سيادة لبنان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
TT

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، تتآكل الآمال العريضة باختراق أميركي في الملف الليبي المعقّد، إذ اتسم نهج إدارته بـ«الحذر، والانتقائية»، مع إعادة تموضع محدودة، دون استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.

وينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة، و«مصافحات شكلية»، تزامناً مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، ولا سيما في قطاع النفط.

في المقابل غابت المقاربة المتكاملة التي تمزج الدبلوماسية بالأمن، وبناء المؤسسات، فاعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من الحضور الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مسعد بولس مستشار ترمب، وصهره المخوّل بملف الشؤون الأفريقية.

الدبيبة مع قائد قوات «أفريكوم» في لقاء بطرابلس (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

مؤشرات تعيين بولس

في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، باعتباره مؤشراً على اقتراب ليبيا من دائرة اهتمامه، غير أن حالة من الحذر ظلت قائمة، وهو ما أكدت عليه تطورات العام لاحقاً.

ويعتبر هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، أن «تعيين بولس شكّل مؤشراً مبكراً على محدودية الزخم الأميركي تجاه هذا الملف»، لافتاً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء ما زالت تتعامل معها بوصفها ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست في صدارة الأولويات».

ومع ذلك، أولى مراقبون اهتماماً بزيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي، ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق ليبيا، وغربها، في يوليو (تموز) 2025، حين ناقش معهم «دعم الشراكة الأميركية–الليبية، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، وتعزيز توحيد المؤسسات الليبية، والمصالحة الوطنية».

ما ذهب إليه شنيب أكد عليه العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بن فيشمان، وعزا ذلك جزئياً –في حديثه لـ«الشرق الأوسط»– إلى «انشغال مستشار ترمب على نحو أكبر بملفات أخرى، مثل الحرب الأهلية في السودان».

ويلحظ شنيب أن تركيز الإدارة انصب أيضاً على الأزمة الأوكرانية، ما جعل السياسة الأميركية في ليبيا «تنضج على نار هادئة» بانتظار إنجاز ملفات أكثر أولوية من وجهة نظر واشنطن.

جانب من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

برغماتية على نار هادئة

وفق هذا التقدير، تعاملت الإدارة الأميركية مع الأفرقاء الليبيين شرقاً وغرباً ببرغماتية، وعلى «نار هادئة» وفق متابعين من دون انحياز معلن، مع تركيز واضح على «إدارة التوازن» بين القوى القائمة، أكثر من السعي إلى إحداث تغيير جذري في بنية السلطة.

كان المثال العملي على هذه المقاربة هو رعاية بولس للقاء مستشار رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة لشؤون الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ونائب قائد «الجيش الوطني» صدام حفتر، في روما، في سبتمبر (أيلول) 2025، إذ اقتصر على رعاية «مصافحات»، ومناقشة ملفات أمنية، وسياسية، وعسكرية، وطاقية، بما في ذلك مساعي تشكيل حكومة موحدة، من دون ترجمة ذلك إلى مسار سياسي فعّال.

وبحسب فيشمان، فإن «نهج ترمب في صنع السلام يقوم على المصافحة أكثر من الجوهر»، وهو –من وجهة نظره– «نمط يتكرر في أكثر من ساحة دولية، ويتوقع أن يستمر في ليبيا».

هذا «النهج البرغماتي» الأميركي، ومن منظور الباحثة الفرنسية فيرجيني كولومبييه لـ«الشرق الأوسط»: «يدفع الصراع من دون حسم، ويعزز النفوذ داخل الكتلتين المتنافستين شرقاً وغرباً، بما يفاقم توترات التحالفات المحلية، خصوصاً غرب ليبيا»، فعادة أن «أي تسوية مستدامة تتطلب مقاربة شاملة، وضمانات موثوقة، لا صفقات ضيقة بين الزعماء».

وامتدت التحركات الأميركية الحذرة إلى الملف العسكري في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان: إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى تسيطر على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد، وبدعم من «الجيش الوطني» تحت قيادة المشير خليفة حفتر.

وشملت الجهود الأميركية تعزيز التنسيق الأمني عبر زيارات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، ودعم مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى التحضير لمناورة مشتركة في سرت.

ويشير بن فيشمان إلى أن «زيارات قادة (أفريكوم) هي امتداد لجهود إدارة بايدن السابقة»، مضيفاً أن «استضافة ليبيا تمريناً أمنياً إقليمياً برعاية أميركية في سرت تعزز هذا المسار العسكري»، لكنه قال: «جوهرياً، لا توجد فوائد سياسية كبيرة من جمع الفصيلين العسكريين معاً».

اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا المنبثقة عن مسار برلين في طرابلس (البعثة الأممية في ليبيا)

البعد الاقتصادي

اقتصادياً، بدّلت «النار الهادئة» مسارها لا شدتها، إذ برز اهتمام أكبر بقطاع الطاقة، وشجّعت إدارة ترمب عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم، واتفاقيات لتطوير الحقول، وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي، وغياب إطار قانوني موحد.

تشير كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة «الأزمات الدولية»، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة ترمب زادت انخراطها في ليبيا عبر وساطة مالية، واقتصادية، خاصة في ملفي الميزانية، والنفط، ما يعزز بقاء القوى الحاكمة شرقاً وغرباً. بالمقابل، تحذر كولومبييه من أن الانخراط الانتقائي المبني على مصالح تجارية «لن يحقق استقراراً دائماً، أو سلاماً مستداماً».

أما دبلوماسياً، فتجلّت سياسة «النار الهادئة» بوضوح مع استمرار الغموض في الموقف الأميركي، إذ اكتفت واشنطن بالقائم بالأعمال جيريمي برنت، من دون تعيين سفير جديد، مكرّسة إخفاق الإدارة السابقة في تثبيت جينيفير جافيتو، بما يعكس إدارة حذرة تُبقي الحضور قائماً من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي.

النفوذ الروسي

دولياً، حضرت السياسة نفسها في تعاطي واشنطن مع النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا، والذي تطور من وجود عناصر شركة «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا»، والحضور بشكل دائم في قواعد عسكرية ليبية.

وفي هذا السياق، فضّل البيت الأبيض –وفق مراقبين– انتهاج «سياسة احتواء ناعم» لحليف موسكو، خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري، وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي، وسرت، بحسب رؤية الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.

وسط هذه المسارات الأميركية، تتنامى تساؤلات الليبيين حول أهداف تحركات إدارة ترمب، بين دعم الانتخابات، أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة. وينقل الباحث السياسي محمد محفوظ مخاوف من أن «تجاهل أميركا للمسار الانتخابي قد يطيل الأزمة»، مكرراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التحذير من «تكلفة باهظة لصفقات أمنية واقتصادية سابقة على حياة الليبيين».


«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق حدودية مع تشاد، بينها أم قمرة وأم برو، ونشرت مقاطع مصورة تُظهر انتشار قواتها هناك، في وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من الجيش السوداني.

وقالت «الدعم السريع» إن العملية هدفت إلى إنهاء وجود ما وصفتها بالجيوب المسلحة، ووقف أعمال انتقام وفوضى تتهم الجيش السوداني و«القوة المشتركة» المتحالفة معه بتنفيذها ضد قيادات الإدارة الأهلية ومدنيين. وأكدت نشر قوات لتأمين المدنيين والطرقات والمرافق العامة في تلك المناطق لإعادة الاستقرار.

وفي تطور آخر، تأكد مقتل قائد «الفرقة 22 مشاة» التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة، اللواء معاوية حمد عبد الله، خلال هجوم شنته «الدعم السريع» على المدينة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورغم عدم صدور بيان من الجيش بشأن مقتل قائده، أفاد موقع رسمي تابع لحكومة الولاية الشمالية بأن حاكمها العسكري، عبد الرحمن إبراهيم، قدّم واجب العزاء في الفقيد بمنطقة أنقري التابعة لمحلية البرقيق.


مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)

يشهد الصومال حالة من الزخم والترتيبات الواسعة استعداداً لأول انتخابات مباشرة منذ نحو ستة عقود، مع الاقتراع على أعضاء المجالس المحلية لإقليم بنادر الذي يضم العاصمة مقديشو، الخميس.

تلك الترتيبات والمساعي المكثفة حكومياً يُنظر لها، بحسب خبير في الشؤون الصومالية تحدث لـ«الشرق الأوسط»، على أنها توجُّه من الحكومة لدعم أكبر مشاركة تُحقق صحة موقفها من الانتخابات المباشرة، خاصة أن الاقتراع يُعد اختباراً جديداً لإمكانية عقد الانتخابات الرئاسية الصومالية عام 2026، في ظل تحفظات المعارضة.

وكان نظام التصويت المباشر قد أُلغي في الصومال بعد تولي الرئيس محمد سياد بري السلطة عام 1969. ومنذ سقوط حكومته في 1991، يقوم النظام السياسي في البلاد على هيكل قبلي.

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

وقد تأجلت الانتخابات التي ستُجرى، الخميس، بنظام «شخص واحد صوت واحد» ثلاث مرات هذا العام. ومن المتوقع تنظيم انتخابات رئاسية العام المقبل، مع انتهاء ولاية الرئيس حسن شيخ محمود.

ولفتت وكالة الأنباء الصومالية (صونا)، الأربعاء، إلى أن انتخابات الخميس ستُجرى في المديريات الست عشرة بمحافظة بنادر، حيث يتوجه المواطنون إلى مراكز الاقتراع لاختيار من يمثلهم في المجالس المحلية لأول مرة منذ 1969.

«محطة مفصلية»

وأعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل مليون ناخب و20 من التنظيمات السياسية، لافتة إلى أن 1604 مرشحين يتنافسون في انتخابات المجالس المحلية.

وأوضح متحدث اللجنة عبد الفتاح فيصل حسين، الأربعاء، أن التصويت سيجري في 16 دائرة انتخابية موزعة على 213 مركز اقتراع و523 موقع تصويت.

وأعلنت هيئة الطيران المدني، الأربعاء، أن جميع الرحلات الجوية من مقديشو وإليها ستُعلّق الخميس خلال فترة الانتخابات، تزامناً مع تنفيذ خطة واسعة أعلنتها الأجهزة الأمنية الصومالية، تقضي بنشر نحو عشرة آلاف من عناصر الشرطة لتأمين الاقتراع، وفق ما أعلنه وزير الأمن الداخلي عبد الله شيخ إسماعيل، الأحد.

تجمع جماهيري يقوده رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري في مديرية كاران بمحافظة بنادر دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة (وكالة الأنباء الصومالية)

وأعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عبد الكريم حسن، الثلاثاء، أن اللجنة ستنشر نحو خمسة آلاف موظف في مراكز التصويت بالعاصمة للإشراف على الانتخابات التي وصفها بأنها «محطة مفصلية في مسار التحول الديمقراطي في الصومال».

وقاد رئيس الوزراء حمزة عبدي بري تجمعاً جماهيرياً، الاثنين، في مديرية كاران بمحافظة بنادر، دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة، مشدداً على أهمية المشاركة الشعبية في تقرير المصير السياسي.

وكان قد تقرر تأجيل الانتخابات المحلية في مقديشو عن الموعد المقرر سابقاً في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، لتوفير «وقت إضافي لإعداد مرشحيها، واستكمال الترتيبات اللوجستية» قبل التصويت لضمان مشاركة أكبر، وفق ما أعلنه وقتها عبد الكريم حسن.

موقف المعارضة

ويرى الخبير في الشؤون الصومالية، عبد الولي جامع بري، أن ترتيبات الحكومة بشأن الانتخابات لها تأثيرات مهمة على الحشد الشعبي والمشاركة بعد عقود من الغياب الديمقراطي، خاصة أنها تأتي وسط تحفظات المعارضة التي قررت عدم المشاركة فيها.

وأعلن «مجلس مستقبل الصومال»، الذي يضم قوى سياسية معارضة، في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو الأسبوع الماضي رفضه الانتخابات المحلية، قائلاً إنها عملية «أحادية الاتجاه» تفتقر إلى التوافق الوطني. ومنح المجلس الرئيس حسن شيخ محمود مهلة لمدة شهر واحد لعقد حوار شامل لتجنب «فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار».

موظفون حكوميون بالصومال خلال توزيع بطاقات الاقتراع (وكالة الأنباء الصومالية)

وعقَّب الرئيس الصومالي، الثلاثاء، في فعالية انتخابية لحزب «العدالة والتضامن» الحاكم في مقديشو، قائلاً: «لقد استخلصنا نقطة واحدة من نتائج مؤتمر كيسمايو، وهي فتح باب الحوار والحوار مفتوح، وقد استجابت الحكومة رسمياً لهذا الطلب»، محذراً من مخاطر تحويل الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة.

«اختبار حقيقي»

يتصاعد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع، والذي أُجري عام 1968، والتي تأتي بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي كانت تعتمد في الأساس على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية بقوة، وكانت العودة لاستكمال دستور 2012 المؤقت هي الشرارة الأبرز التي فاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

ويرى خبير الشأن الصومالي جامع بري أن الانتخابات الحالية قد تفتح الطريق لتفاهمات حول الرئيس في المستقبل، لكن الواقع لا يزال معقداً، خاصة والمعارضة لديها تحفظات حقيقية.

وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «المعارضة ترى في المسار الحالي انتخابات غير متوازنة، وربما غير دستورية أو غير شاملة كلياً، مما قد يحدّ من مشاركة شرائح واسعة من المواطنين إذا شعرت بأن العملية ليست عادلة أو أنها تمثيلية».

وهو يعتقد أن النظام يراهن على تحول سياسي حقيقي نحو الديمقراطية عبر الانتخابات المباشرة التي تعد اختباراً حقيقياً لرئاسيات 2026، لكن المعارضة ستبقى لديها تحفظات عميقة على طريقة تنظيم الانتخابات ومسارها، وتبقى نتائج الحوار المنتظر هي الفيصل في تحديد المستقبل.