«ليبيون نازحون في ليبيا»... شعور مرير بالفقد يداهمهم خلال احتفالات العيد

قصص مأساوية يرويها مهجّرون بين طرابلس وبنغازي وتاورغاء

صلاة عيد الفطر في مدينة بنغازي (رويترز)
صلاة عيد الفطر في مدينة بنغازي (رويترز)
TT
20

«ليبيون نازحون في ليبيا»... شعور مرير بالفقد يداهمهم خلال احتفالات العيد

صلاة عيد الفطر في مدينة بنغازي (رويترز)
صلاة عيد الفطر في مدينة بنغازي (رويترز)

«لماذا عدت يا عيد؟»... تساؤل مرير يتشاطره آلاف الليبيين النازحين بين المدن الليبية، حيث تتجدَّد ذكريات الاشتياق والحنين والمعاناة لدى هذه الشريحة «المنسية» في عموم ليبيا، عقب صلاة كل عيد فطر يؤدونها منذ عام 2011.

ليبيان بالزي التقليدي خلال الاحتفال بأجواء عيد الفطر في بنغازي (رويترز)
ليبيان بالزي التقليدي خلال الاحتفال بأجواء عيد الفطر في بنغازي (رويترز)

من بين هؤلاء النازحين بشير الورفلي، الذي نزح إلى طرابلس قادماً من بنغازي، والذي وصف العيد بـ«يوم حزن»، لكنه «ربما يخفف من وطأته التواصل مع الأقارب عبر الجوال، أو النازحون المقيمون في المنطقة نفسها».

ولا تتوفر أرقام رسمية محلية لأعداد النازحين في عموم ليبيا، نظراً للانقسام السياسي في البلاد الذي ألقى بظلاله على معاناتهم، لكن أحدث أرقام دولية تتحدَّث عن وجود 125 ألفاً و802 نازح في البلاد، وفق «المنظمة الدولية للهجرة» و«المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين» في عام 2023، فيما وصفتها الأخيرة بأنها «حالة من النزوح المعقد».

ويعيش الورفلي مأساة التهجير من بنغازي منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، إبان ما تُعرف بـ«عملية الكرامة». ويتذكر، وفق روايته، ما قال إنها «لحظات احتجازه ومداهمات بيته» من قبل مَن يعرفون بـ«أولياء الدم»، ثم قراره المغادرة، خشية «بلاغات كيدية».

المشير خليفة حفتر خلال احتفاله مع عدد من سكان بنغازي بعيد الفطر (رويترز)
المشير خليفة حفتر خلال احتفاله مع عدد من سكان بنغازي بعيد الفطر (رويترز)

واليوم، ينقل الورفلي جانباً من «معاناة أسر ليبية نازحة بسبب غلاء الإيجار وقلة الموارد، وتوقف أجور بعضهم، ومعاناة سيدات دون عائل يعشن على الإعانات»، مشيراً إلى أنه اضطر لبيع ممتلكاته في بنغازي «بربع قيمتها خوفاً من ضياعها».

ومؤخراً، أعلنت حكومة «الوحدة» المؤقتة في طرابلس الإسراع في إجراءات صرف منحة النازحين، إلا أن الورفلي يقول: «لم أتسلم ديناراً واحداً من الحكومة».

ولا تختلف المشاعر عند عمر المغربي، وهو موظف حكومي وأحد المهجَّرين من بنغازي، إذ تتجدَّد مع هذا العيد أحزان التهجير، وافتقاد ذكريات طالما عاشها مع عائلته، التي تشتت شملها منذ عام 2014، قائلاً: «باعد النزوح بيني وبين شقيقاتي الثلاث».

احتفالات عيد الفطر غالباً ما تجدد ذكريات الاشتياق والحنين والمعاناة لدى الليبيين المهجّرين في عموم ليبيا (رويترز)
احتفالات عيد الفطر غالباً ما تجدد ذكريات الاشتياق والحنين والمعاناة لدى الليبيين المهجّرين في عموم ليبيا (رويترز)

ويعبِّر المغربي عن الأسف الشديد على الأوضاع الحالية قائلاً: «نحن وآلاف الأسر ندفع ثمن صراع سياسي وعسكري على مصالح شخصية ضيقة».

ويبلغ عدد النازحين إلى غرب ليبيا المسجلين في منظومة الإعانات الأسرية 7800 أسرة، وفق تقديرات رسمية، ويتركزون في مدن طرابلس ومصراتة والزاوية والخمس وزليتن. لكن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن أعدادهم تتراوح ما بين 10 و12 ألف أسرة.

ولا يتوقف الحنين إلى الأهل صبيحة العيد عند النازحين في طرابلس، بل إن المأساة نفسها طالت نازحين في بنغازي، قالوا إنهم «هربوا من سطوة الميليشيات في طرابلس»، ومنهم محمد المبروك، الذي نزح من العاصمة طرابلس في عام 2014.

يتذكر المبروك في صبيحة كل عيد «أجواء الفرحة والمعايدات في شوارع الرشيد، وشارع ميزران وطريق الشط وسوق الحوت» بمسقط رأسه في العاصمة طرابلس، ملخصاً معاناته بالقول: «أصبحنا غرباء في وطننا، وابتعدنا عن عاداتنا».

وهنا يستحضر النازح الليبي بعضاً من ذكريات العيد في طرابلس، حيث كان والده يعمل إماماً لمسجد، ويستعيد مشاهد توافد أفراد العائلة وكبار المنطقة على منزل والده، بعد إقامة صلاة العيد في المسجد، علماً بأنه لا يستطيع زيارة قبر والده، الذي توفي بجلطة دماغية بعد اعتداء عناصر الميليشيات عليهم وطرده من منزله، حسب روايته.

وسجَّلت مدينة تاورغاء (شمالي غرب)، أيضاً حضورها بين السرديات الليبية الحزينة في العيد، وذلك بعد 7 أعوام من اتفاق المصالحة بين المدينتين، الذي أنهى نظرياً سنوات من الصراع والتهجير، الذي طال أهالي تاورغاء، لكن آثاره لا تزال مستمرة.

صورة جماعية لشبان خلال الاحتفالات بعيد الفطر في بنغازي (رويترز)
صورة جماعية لشبان خلال الاحتفالات بعيد الفطر في بنغازي (رويترز)

ومن بين أهل تاورغاء النازحين في بنغازي زيد عمر (68 عاماً)، الذي تحدَّث لـ«الشرق الأوسط» عن «عادات وتقاليد وتواصل اجتماعي في العيد افتقدها»، ويقول بحسرة: «لا ننسى ذكرياتنا، وزيارات متبادلة، ويساورنا الحنين لأرضنا والعودة الكريمة».

ويتبادل شيوخ تاورغاء النازحون، شرقاً وغرباً، صور منازل تعرَّضت للسلب والحرق، ظلت على حالها، وبقيت على حالها «أطلالاً».

وحسب حقوقيين فقد تحوَّل العيد إلى مناسبة للتذكير بأن «نزوح الليبيين عن منازلهم أصبح أمراً مألوفاً في ظل سيطرة مجموعات مسلحة تقهر وتُهجّر مَن يخالفها»، وهي وجهة نظر تبناها رئيس منظمة «ضحايا» لحقوق الإنسان ناصر الهواري، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن النازحين يشتاقون لمجرد الموت في مدنهم، بعدما دفعوا فاتورة الصراعات، والحروب التي خاضتها ليبيا منذ عام 2011، ومن بينها «عملية الكرامة» و«فجر ليبيا» في عام 2014، ثم الحرب على العاصمة طرابلس (2019 - 2020)، «وهي عملية مستمرة حتى اليوم».

وسبق أن اغتنم حقوقيون، ومن بينهم الهواري، مناسبات متعددة لمناشدة صناع القرار في شرق ليبيا وغربها «حسم ملف النازحين بإعادتهم إلى منازلهم، وتعويضهم عن فترات السجن، وتوفير الحماية لهم عند العودة».

وفي هذا السياق، أعاد الحقوقي الليبي التذكير في العيد «بمعاناة آلاف الليبيين من العوز والفقر، والاضطرار للاستدانة من أجل دفع الإيجار بعد انتزاع ممتلكات بعضهم، أو إجبار الآخرين على بيعها بأثمان قليلة، وتحول منازلهم بأيدي أشخاص ممَّن يُعرَفون بـ(أولياء الدم)».

ومنذ عام 2014 تعاني ليبيا انقساماً سياسياً وعسكرياً حاداً، وتتنازع سُلطتها حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية بقيادة أسامة حماد؛ وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.


مقالات ذات صلة

دمج الميليشيات المسلحة في الأجهزة الأمنية يثير مخاوف الليبيين

شمال افريقيا وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» الليبية عماد الطرابلسي (مقطع فيديو لمؤتمر صحافي سابق)

دمج الميليشيات المسلحة في الأجهزة الأمنية يثير مخاوف الليبيين

فتحت التحقيقات الجارية بشأن دهس سيارة كان يستقلها عنصر بـ«جهاز الدعم المركزي» في العاصمة الليبية، ملف إدماج الميليشيات المسلحة في الأجهزة الأمنية والعسكرية.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا خوري عقب اجتماع قيادات ديوان المحاسبة الليبي في تونس (البعثة الأممية لدى ليبيا)

ليبيا: البعثة الأممية تدعو لحماية المؤسسات الرقابية من «نفوذ» الميليشيات

دعت ستيفاني خوري نائبة المبعوثة الأممية إلى «ضرورة حماية مؤسسات الرقابة من التدخلات السياسية، ونفوذ الجماعات المسلحة حتى تتمكن من أداء مهامها بفاعلية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المركز الإعلامي لرئيس المجلس)

«النواب» الليبي يصعّد بمواجهة «الوحدة» ويتهمها بـ«تسييس» ملف الطاقة

انتقد عيسى العريبي، رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان الليبي، إرسال حكومة الدبيبة وفداً إلى واشنطن، «على الرغم من بقائها كسلطة أمر واقع ما يقارب 4 سنوات».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا استعراض عدد من المهاجرين تم ضبطهم في أودية صحراوية جنوب غربي ليبيا (الإدارة العامة للعمليات بغرب ليبيا)

السلطات الليبية تعتقل 262 مهاجراً قبل إبحارهم نحو أوروبا

تمكنت السلطات الأمنية بشرق ليبيا من «تحرير» 34 مهاجراً من قبضة عصابة تمتهن «الاتجار بالبشر»، فيما ضُبط 262 آخرون قبل هروبهم إلى الشواطئ الأوروبية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي في بنغازي (الصفحة الرسمية للمجلس)

انقسام حول «مبادرة» لإعادة النازحين إلى ديارهم بشرق ليبيا

تواصلت لجنة المصالحة في مجلس النواب، في وقت سابق من الشهر الحالي، مع نازحين من مدن بنغازي وأجدابيا ودرنة، وطلبت منهم تقديم طلبات لتسوية أوضاعهم.

علاء حموده (القاهرة)

مصر تؤكد دعمها لجهود تسوية النزاعات بالطرق السلمية في أفريقيا

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس رواندا بول كاغامي عام 2024 (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس رواندا بول كاغامي عام 2024 (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
TT
20

مصر تؤكد دعمها لجهود تسوية النزاعات بالطرق السلمية في أفريقيا

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس رواندا بول كاغامي عام 2024 (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيس رواندا بول كاغامي عام 2024 (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

أكدت مصر «دعمها جميع الجهود الرامية إلى تسوية النزاعات بالطرق السلمية في القارة الأفريقية، واحترام مبادئ القانون الدولي والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، بما يسهم في تحقيق وترسيخ الأمن والاستقرار الإقليميَّين والدوليَّين».

ورحَّبت مصر، السبت، بتوقيع حكومتَي الكونغو الديمقراطية ورواندا على «إعلان مبادئ» في واشنطن، الجمعة، حول تحقيق السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية في منطقة شرق الكونغو الديمقراطية.

وقالت مصر، في بيان لوزارة الخارجية، إن «هذه الخطوة تمثل تقدماً مشجِّعاً نحو بناء الثقة بين البلدين، وتعزيز فرص تحقيق السلام والاستقرار الإقليميَّين في منطقة البحيرات العظمى وفي القارة الأفريقية». وثمَّنت تعهد الطرفين بـ«العمل الجاد على حل الخلافات عبر الطرق السلمية، بما يسهم في إنهاء التوترات، ويفتح آفاقاً للتعاون والتنمية المشتركة، ويعود بالنفع على شعبَي البلدين والمنطقة».

وبحسب إفادة وزارة الخارجية المصرية، السبت، فقد حرصت القاهرة على بذل الجهود الحثيثة كافة؛ لدعم التهدئة والدفع بمسار التسوية عبر الطرق السلمية بين البلدين من خلال العمل على تقريب وجهات النظر، وتغليب لغة الحوار، وهو ما أكده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اتصالين هاتفيَّين مع الرئيس الرواندي بول كاغامي، ورئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، الشهر الحالي.

انتشار مقاتلي حركة «إم 23» في غوما خلال وقت سابق (أ.ف.ب)
انتشار مقاتلي حركة «إم 23» في غوما خلال وقت سابق (أ.ف.ب)

وشهد شرق الكونغو الديمقراطية تصعيداً عسكرياً، بعد سيطرة حركة «إم 23» المسلحة المدعومة من رواندا، نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، على غوما، عاصمة إقليم شمال كيفو. وأسفر الهجوم الذي شنَّته الحركة، ضد القوات الكونغولية، حينها، عن مقتل الآلاف ونزوح أكثر من 700 ألف شخص، وفق الأمم المتحدة.

وبحث السيسي، مع نظيره الرواندي، قبل أيام، تهدئة الأوضاع في إقليم شرق الكونغو، والتوصُّل إلى حل سياسي سلمي يهدف إلى استعادة السلم والأمن الإقليميَّين، وسبل تعزيز التعاون بين دول حوض النيل، بما يحقِّق المصالح المشتركة لجميع دول الحوض. وأكد الرئيس المصري حينها «حرص بلاده على تقديم الدعم الكامل لكل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تهدئة الأوضاع في إقليم شرق الكونغو، والتوصُّل إلى حل سياسي سلمي يهدف إلى استعادة السلم والأمن الإقليميَّين».

في حين طالب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الكونغو الديمقراطية ورواندا، في فبراير (شباط) الماضي، بإفساح المجال للتوصُّل إلى تسوية سياسية تحد من التوترات القائمة، واستعادة الهدوء والاستقرار في منطقة شرق الكونغو. وأكد حينها «ضرورة اتخاذ خطوات عملية لرفع المعاناة الإنسانية المتفاقمة عن سكان منطقة شرق الكونغو»، منوهاً إلى «استعداد مصر لتقديم أي دعم ممكن للتخفيف من حدة الأزمة».

وقالت مصر في بيانها، السبت، إنها ستستمر في جهودها لدعم مسار التسوية والتنسيق مع الأطراف الإقليمية للتوصُّل إلى اتفاق سلام دائم وشامل بين البلدين، تأكيداً على حرص مصر على تعزيز الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية.