تساؤلات عن مصير اتفاق «وقف النار» بين أفرقاء الصراع الليبي

بعد تلويح متبادل باستخدام القوة بشأن حماية الحدود الجنوبية

الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة (الوحدة)
الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة (الوحدة)
TT
20

تساؤلات عن مصير اتفاق «وقف النار» بين أفرقاء الصراع الليبي

الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة (الوحدة)
الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة (الوحدة)

خلال اجتماع لمناقشة ملف الهجرة غير المشروعة وجه رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، بالاستعداد عسكرياً لحماية الحدود الجنوبية بوصفها من أبرز بوابات تدفق المهاجرين للبلاد، التي تخضع لسيطرة «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر.

مباشرة بعد ذلك عبر أسامة حماد، رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، عن رفضه تلك التصريحات، وأكد الاستعداد للتصدي بحزم لأي هجوم على مناطق نفوذ حكومته في شرق البلاد وجنوبها. وأمام هذا التلويح المتبادل باستخدام القوة، حذر سياسيون ومراقبون من تزايد احتمال وقوع مواجهات مسلحة بين شرق ليبيا وغربها، ومن ثم انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، برعاية أممية، بينما عدّ آخرون أن الأمر مجرد سجال إعلامي جديد بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة في ليبيا.

رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي، طلال الميهوب، استبعد حدوث أي مواجهة عسكرية، وعدّ أن تصريح الدبيبة يستهدف «تشتيت الأنظار عن الاتهامات الموجهة لحكومته بالسعي لتوطين المهاجرين في البلاد».

يرى الميهوب أن الدبيبة والمجموعات المسلحة في العاصمة لن يجرؤوا على محاربة الجيش الوطني في أي منطقة خاضعة لنفوذه (أ.ف.ب)
يرى الميهوب أن الدبيبة والمجموعات المسلحة في العاصمة لن يجرؤوا على محاربة الجيش الوطني في أي منطقة خاضعة لنفوذه (أ.ف.ب)

يرى الميهوب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الدبيبة والمجموعات المسلحة في العاصمة «لن يجرؤوا على محاربة الجيش الوطني في أي منطقة خاضعة لنفوذه في شرق ليبيا وجنوبها؛ لأنهم يدركون مدى قوة وكفاءة تدريب عناصره». وقال موضحاً: «تلك المجموعات المسلحة المتمركزة بالغرب لا تمتلك عقيدة الجيش النظامي، ولا تخضع لقيادة واحدة، رغم تمويلها واستفادتها الراهنة من الخزينة الليبية».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، والثانية بقيادة حماد وتحظى بدعم المشير حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

كان الدبيبة قد عقد اجتماعاً الأسبوع الماضي، ضم عدداً من قياداته الأمنية والعسكرية، وأصدر خلاله أوامره لرئيس إدارة الاستخبارات العسكرية، اللواء محمود حمزة، بالاستعداد لحماية الجنوب، موجهاً اتهاماً مبطناً لقيادة «الجيش الوطني» بتسهيل إدخال المهاجرين إلى ليبيا.

الدبيبة وجه اتهاماً مبطناً لقيادة «الجيش الوطني» بتسهيل إدخال المهاجرين إلى ليبيا (إ.ب.أ)
الدبيبة وجه اتهاماً مبطناً لقيادة «الجيش الوطني» بتسهيل إدخال المهاجرين إلى ليبيا (إ.ب.أ)

لكن حماد رفض هذا الاتهام، وقال إن حكومة الدبيبة لا تسيطر إلا على مقرها بالعاصمة، داعياً إلى «معالجة أزمة المهاجرين داخل العاصمة قبل التوجه إلى الجنوب». كما حذر من أن أيّ محاولة لتحريك وحدات مسلحة نحو الجنوب، بحجة تأمين الحدود، ستعد خطوة تصعيدية، وستواجه بما يقتضيه الأمر من ردع وحزم.

من جانبه، دعا الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، للتعامل مع تصريحات الدبيبة بخصوص القيام بعمل عسكري تجاه الجنوب «على محمل الجد». ويعتقد حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الأمر قد يتعلق بالسيطرة على مواقع نفطية، ومنها حقل الحمادة.

ويقع حقل الحمادة النفطي بمنطقة الحمادة الحمراء - 400 كيلومتر من العاصمة - ويحوي احتياطات كبيرة من النفط والغاز.

وذكّر حرشاوي بالاحتكاكات، التي دارت العام الماضي بين قوات بقيادة حمزة، وجهاز حرس المنشآت النفطية، بالقرب من شمال هذا الحقل.

ويتوقع الباحث المتخصص في الشأن الليبي حدوث مثل هذا الهجوم على حقل الحمادة، لوجود عوامل تبرره استراتيجياً على أكثر من مستوى من وجهة نظر حكومة «الوحدة الوطنية». ويرى أنه «إذا تحقق هذا السيناريو، فإن ذلك سيعني نهاية حقيقية وخطيرة لاتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا».

بالمقابل، قلل المحلل السياسي الليبي، صلاح البكوش، من احتمال نشوب صراع مسلح موسع بين شرق ليبيا وغربها، مرجعاً ذلك للوضع الراهن بين حفتر والدبيية، فضلاً عن عدم رغبة القوى الإقليمية والدولية الداعمة لكليهما في إشعال مثل هذا الصراع.

وقال البكوش لـ«الشرق الأوسط» إن اتفاق وقف إطلاق النار «هش من البداية لكنه مستمر لأن جميع الأطراف، وتحديداً الدبيبة وحفتر، يتمتعان بوجود قوات تحت سيطرتهما، إلى جانب الحصول على المال من المصرف المركزي». وانتهى البكوش إلى أنه «لا يوجد طرف ليبي قادر على حماية الحدود الجنوبية، في ظل اتساع وعمق تضاريسها؛ وهذا السجال الإعلامي الراهن حول قضية الهجرة وتحويلها لفزاعة جاء للتغطية، وصرف الأنظار عما يواجه البلاد من أزمات».


مقالات ذات صلة

«الوحدة» الليبية تبحث في إيطاليا سبل محاربة «الهجرة السرية»

شمال افريقيا لقاء الدبيبة مع ديكارلو وتيتيه (حكومة الوحدة)

«الوحدة» الليبية تبحث في إيطاليا سبل محاربة «الهجرة السرية»

البعثة الأممية تدعو الناخبين للمشاركة بقوة في انتخابات المجالس البلدية لرسم ملامح مستقبل ليبيا.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا بالقاسم حفتر وأسامة حماد خلف لافتة «مركز المرج» وذلك خلال مباشرة عمليات الإعمار بالمدينة (حكومة الاستقرار)

إلى أي حدّ يمكن أن تؤثر التحديات الاقتصادية على إعادة إعمار ليبيا؟

أعلن المصرف المركزي عن اتساع حجم الإنفاق الحكومي في ليبيا خلال العام الماضي إلى 224 مليار دينار، واضطراره إلى خفض سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا العايب يتوسط الدبيبة والطرابلسي (يسار) في اجتماع سابق ترأسه المنفي (المجلس الرئاسي الليبي)

تساؤلات تحاصر «الاستخبارات» الليبية بعد «تورط» بعض أعضائه في محاولة اغتيال

يلتزم جهاز الاستخبارات بغرب ليبيا الصمت بعد حكم قضائي أدان بالسجن نجل رئيس الجهاز وعددا آخر به بتهمة محاولة اغتيال مسؤول ليبي فيما تتصاعد الأسئلة باحثة عن أجوبة

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اللقاء الليبي- البريطاني في طرابلس لبحث سبل مكافحة الفساد (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ليبيا)

ليبيا: سجن 7 مدانين في محاولة اغتيال مستشار الدبيبة

من دون أن يكشف النائب العام الليبي أسماء المدانين السبعة، وإن كانوا يحاكمون غيابياً أم أنهم قيد الحبس، أوضح أنه صدرت بحقهم أحكام متفاوتة لتورطهم في القضية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا خالد حفتر خلال لقائه القائم بأعمال سفارة أميركا في ليبيا (السفارة عبر إكس)

​أميركا ما بين بنغازي وطرابلس... مساعٍ لدعم البعثة و«توحيد المؤسسات»

تتحدث الولايات المتحدة مجدداً عن أنها مستمرة بالتواصل مع الضباط العسكريين في أنحاء ليبيا فيما يجري برنت القائم بأعمال سفارتها جولات بين بنغازي وطرابلس.

جمال جوهر (القاهرة)

اجتماع «الاستشاري الوطني» بالصومال... هل يُنهي الخلافات السياسية؟

الرئيس الصومالي خلال لقاء سابق مع قيادات نسائية بمناسبة «اليوم العالمي للمرأة» (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال لقاء سابق مع قيادات نسائية بمناسبة «اليوم العالمي للمرأة» (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

اجتماع «الاستشاري الوطني» بالصومال... هل يُنهي الخلافات السياسية؟

الرئيس الصومالي خلال لقاء سابق مع قيادات نسائية بمناسبة «اليوم العالمي للمرأة» (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال لقاء سابق مع قيادات نسائية بمناسبة «اليوم العالمي للمرأة» (وكالة الأنباء الصومالية)

اجتماع جديد مرتقب للمجلس الاستشاري الوطني في الصومال دعا إليه الرئيس حسن شيخ محمود، بعد جهود لحوار وطني بالبلاد بهدف تعزيز الجبهة الداخلية والحفاظ على وحدة البلاد وهزيمة «حركة الشباب».

ذلك الاجتماع الذي لم تكشف مقديشو عن مشاركة معارضي الرئيس الصومالي فيه من عدمه بعد، إلا أنه يحمل -حسب محلل صومالي تحدَّث لـ«الشرق الأوسط»- «محطة سياسية مهمة لتوحيد الرؤى بين الحكومة الفيدرالية والولايات حول القضايا الكبرى، مثل الأمن والانتخابات».

ويمكن أن «يُسهم الاجتماع في إنهاء الخلافات التي تشمل عدداً من الأمور مثل الانتخابات المباشرة، وتقاسم السلطة، والتمثيل الأمني إذا توفرت الإرادة السياسية وخطوات تنفيذية واضحة»، وغير مستبعد «إمكانية انضمام المعارضين».

ودعا الرئيس الصومالي، قادة الولايات الفيدرالية، إلى حضور اجتماع للمجلس الاستشاري الوطني الذي سينعقد في مقديشو في يومي 1و2 من مايو (أيار) المقبل، وفق بيان صادر من الرئاسة الصومالية نقلته وسائل إعلام، السبت.

وسيجري حسين شيخ محمود أيضاً «مناقشات مع المثقفين الصوماليين وممثلي المجتمع الدولي لجمع وجهات نظر واسعة حول الأولويات الوطنية بهدف الحفاظ على الوحدة الوطنية وتسريع تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين».

ولم يكشف البيان «عمَّا إذا كان من المدعوين إلى الاجتماع رئيسا ولايتي بونتلاند، سعيد عبد الله دني وغوبالاند أحمد مدوبي، اللذان هما على خلاف مع الحكومة الفيدرالية، كما لم يُشر إلى مشاركة السياسيين المعارضين، الذين من بينهم رؤساء جمهورية ورؤساء حكومة سابقون».

ونهاية مارس (آذار) الماضي، وجَّه حسن شيخ محمود، دعوة إلى السياسيين وزعماء المجتمع للإسهام في جهود بناء دولة حديثة قائمة على الديمقراطية والنظام الفيدرالي، داعياً «السياسيين ومكونات المجتمع المدني إلى حضور اجتماع مهم لمناقشة الأوضاع السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد في الوقت الراهن، لا سيما جهود مكافحة الإرهاب وتطوير الحكم الرشيد»، حسب ما نقلته وكالة «الأنباء الصومالية» وقتها.

المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أوضح أن «المجلس الاستشاري الوطني أعلى منصة تنسيقية سياسية في البلاد، وله دور محوري في إدارة الأزمات الوطنية والتوافق على القرارات المصيرية، خصوصاً في الأوقات الحرجة، مثل الانتخابات أو التحديات الأمنية، ويُشكل من رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورؤساء الولايات الفيدرالية الخمس: غوبالاند، جنوب غرب، هيرشبيلي، غلمدغ، بونتلاند».

ويعتقد أن الاجتماع «سيكون أداة سياسية للتوافق والتقريب بين مراكز القوى داخل الدولة الصومالية، ومحطة سياسية مهمة لتوحيد الرؤى بين الحكومة الفيدرالية والولايات حول القضايا الكبرى، مثل الأمن والانتخابات».

الرئيس الصومالي خلال لقاء سابق مع قيادات منظمات المجتمع المدني (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي خلال لقاء سابق مع قيادات منظمات المجتمع المدني (وكالة الأنباء الصومالية)

ولم يُحدد قادة الأقاليم أو معارضو الرئيس الصومالي، رأيهم بالمشاركة، غير أن دعوة الحوار الرئاسية التي صدرت في أواخر مارس (آذار) الماضي، كانت محل ترحيب واسع من المعارضين للرئيس، وكذلك من شركاء مقديشو.

وأبدى رئيس ولاية غوبالاند في جنوب الصومال، أحمد مدوبي، ترحيبه بمحادثات السلام، ووصفها بأنها فرصة لتوحيد البلاد في معركتها ضد حركة «الشباب».

كما رحَّب سياسيون معارضون، من بينهم الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، والرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو ورؤساء الوزراء السابقون، عبدي فارح شردون، وحسن علي خيري، وعمر عبد الرشيد شرماركي، ومحمد حسين روبلي، وعبد الولي غاس، ورئيس ولاية جنوب الغرب السابق، شريف حسن شيخ آدم، والنائب عبد الرحمن عبد الشكور بالمبادرة وعدّوها خطوة نحو معالجة تحديات الأمة، مشيرين إلى أن الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي يتطلبان التعاون، حسب ما نقله إعلام صومالي وقتها.

وكان مدوبي قد انسحب من اجتماعات «المجلس الاستشاري الوطني» في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 ورفض نتائجها التي أقرت العودة لإجراء انتخابات مباشرة موحدة، في سبتمبر (أيلول) 2025، وهو نظام شهدته البلاد، وكانت آخر انتخابات مباشرة عام 1968، تلتها انقلابات وحروب أهلية، ليبدأ الصومال العمل بنظام الانتخابات غير المباشرة في عام 2000، والتي تعتمد بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية، في ولاياته الخمس.

وأعلنت مصر في بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية»، 8 أبريل (نيسان) الحالي، «الانضمام إلى البيان المشترك الصادر عن الشركاء الدوليين للصومال المرحب بمبادرة الحوار»، مؤكدة أن «دعم هذا التوجه يُعد خطوة محورية نحو تعزيز وحدة الصف الصومالي وتفعيل الحوار الوطني، في سبيل استعادة الأمن والاستقرار، وتعزيز دور المؤسسات الوطنية، بما يتماشى مع تطلعات الشعب الصومالي».

وأوضحت مصر أن «20 دولة قد انضمت إلى البيان المشترك، بالإضافة إلى عدد من المنظمات الدولية والإقليمية».

وبرأي بري فإن «الخلافات السياسية تشمل أكثر من الانتخابات المباشرة، مثل تقاسم السلطة، والتمثيل الأمني، ودور الاتحاد الأفريقي»، مضيفاً: «يمكن أن يسهم الاجتماع في إنهاء الخلافات إذا توفرت الإرادة السياسية وخطوات تنفيذية واضحة، كما أن انضمام المعارضين للحوار ممكن، ما قد يُعزز الشفافية».

ويعتقد أن «دعوة الرئيس للحوار الوطني تُمثل فرصة حقيقية لإنهاء الخلافات، شرط وجود آلية مستقلة، وضمانات، وجداول زمنية واضحة، مع إشراك كل الأطراف، بمن فيهم الشباب والمجتمع المدني».