صورة ملتقطة 18 فبراير 2025 في نيروبي تُظهر ممثلين عن جماعات سياسية وعسكرية سودانية لتشكيل حكومة موازية بالسودان (د.ب.أ)
أعلنت الحكومة السودانية سحب سفيرها لدى كينيا، احتجاجاً على استضافة اجتماع «قوات الدعم السريع» وبعض القوي السياسية، وتوقيع ميثاق تأسيسي يستهدف تشكيل حكومة موازية، وتوعدت باتخاذ إجراءات اقتصادية، من بينها وقف استيراد الشاي الكيني.
وشهدت نيروبي ليل السبت - الأحد، توقيع «تحالف السودان التأسيسي» بين «الدعم السريع» وقوى سياسية ومدنية وحركات مسلحة أبرزها «حزب الأمة القومي» برئاسة فضل الله برمة ناصر، و«الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» بقيادة عبد العزيز الحلو، بهدف تشكيل «حكومة سلام» موازية للحكومة الموالية للجيش في بورتسودان.
الرئيس الكيني وليام روتو خلال قمة مشتركة لقادة شرق وجنوب أفريقيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
وقال وكيل وزارة الخارجية السفير حسين الأمين، في مؤتمر صحفي، الاثنين، إن حكومته ستقدم مذكرة للاتحاد الأفريقي والمنظمات الدولية الأخرى، وإنه يتوقع «أن تتخذ هذه الجهات إجراءات ضد نيروبي لتدخلها في الشأن الداخلي السوداني».
واتهم الدبلوماسي السوداني الرئيس الكيني وليام روتو، بدعم «الميليشيات» ضد الجيش الحكومي، منذ اندلاع الحرب، حفاظاً على «شراكات اقتصادية» بينه وبين قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو حميدتي، «مثل تهريب الذهب عبر كينيا وتصديره للدول الراعية للميليشيات».
ويعد السودان الدولة العاشرة عالمياً في استيراد الشاي من كينيا، وثاني دولة أفريقية استيراداً له.
ووصف المسؤول السوداني «الميثاق السياسي» الذي تم توقيعه في نيروبي السبت، بأنه «لا يساوي الحبر الذي كُتب به، ووُلد ميتاً».
عبد الرحيم دقلو نائب قائد «قوات الدعم السريع» (أ.ب)
وأبدى الأمين تفاؤله بتولي وزير الخارجية الجيبوتي السابق، رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، وتوقع أن يسهم وجوده في رفع تجميد عضوية السودان في المنظمة القارية، وأضاف: «أرسلنا إليه رسالة بأملنا في إصلاح الاتحاد الأفريقي، ونتوقع منه خطوة إيجابية».
واستبعد أن يؤدي تشكيل الحكومة الموازية إلى تقسيم السودان وتكرار سيناريو انفصال جنوب السودان، وقال: «الخطوة وجدت إدانة من جهات كثيرة»، وتساءل: «أين ستقام الدولة الحديدة، وهؤلاء ليست لهم حاضنة حتى في المناطق التي يسيطرون عليها».
عبد العزيز الحلو زعيم «الحركة الشعبية لتحرير السودان» (موقع الحركة على «فيسبوك»)
من جانبه، توعد وزير الإعلام، بعدم إتاحة أي فرصة لتدخل أي دولة في شؤون السودان، وقال: «لا نرى أي خطورة في خطوة تكوين الحكومة الموازية».
وزار وزير الخارجية السوداني علي يوسف، نيروبي الشهر الماضي، والتقى الرئيس وليام روتو، لإزالة التوتر في علاقات البلدين، لكن العلاقات عادت للتوتر الشديد عقب استضافة نيروبي لاجتماعات توقيع وثيقة «تحالف السودان التأسيسي».
على مدى ما يقرب من عامين، نُقل عماد معوض مرات كثيرة من مكان احتجاز إلى آخر في السودان؛ حيث اعتقلته «قوات الدعم السريع» مع عدد آخر من المصريين بتهمة «التجسس».
ليبيا: دعوات تحريض ضد المهاجرين تضاعف أوجاع السودانيين الفارين من ويلات الحرب
أطفال يلعبون أمام خيام للنازحين السودانيين على أطراف مدينة الكفرة الليبية (الصفحة الرسمية لبلدية المدينة)
ضاعفت دعوات تحريض ضد المهاجرين غير النظاميين في ليبيا من أوجاع السودانيين الفارين من الحرب، الذين يقيمون في مدينة الكفرة (جنوب البلاد).
ويأتي قلق السودانيين على وقع جدل سياسي وشعبي في ليبيا، بشأن توطين المهاجرين غير النظاميين، وهو ما نفته السلطات الليبية على لسان مسؤولين حكوميين.
وانتشرت أخيراً على بعض صفحات التواصل الاجتماعي في ليبيا دعوات تحريضية لـ«ترحيل المهاجرين غير النظاميين»، ودافع بعض المدونين، خلال اليومين الماضيين، عن هذه الدعوات بالحديث عن «عدم الترحيب بالمهاجرين».
كما رصد حقوقيون، ومن بينهم الناشط الليبي طارق لملوم، ما قال إنها «دعايات وحملات تحريض»، متحدثاً عن «منع وصول العمال والمهاجرين المسلمين إلى ساحة الشهداء في العاصمة طرابلس للاحتفال بعيد الفطر، بحجة عدم حملهم أوراق هوية».
سلال غذائية للنازحين السودانيين في مدينة الكفرة الليبية (الصفحة الرسمية للبلدية)
وأعاد لملوم عبر حسابه بـ«فيسبوك» نشر صور متداولة لحافلات، تابعة لجهاز «مكافحة الهجرة غير الشرعية»، وهي تطوق ساحة الشهداء، فيما لم يصدر تعليق رسمي عن الجهاز بشأن هذا الإجراء.
وسبق أن هيمنت على السودانيين الشهر الماضي مخاوف وهواجس من «الاعتقال والزج بهم في مراكز الاحتجاز وترحيلهم»، وفق بيان السفارة السودانية في ليبيا، التي حاولت أيضاً تهدئة مواطنيها، قائلة إن «سياسات الحكومة الليبية المعلنة تجاه الوافدين السودانيين تُقدم التسهيلات والمساعدات لهم، بوصفهم ضيوفاً».
الناطق باسم بلدية الكفرة، عبد الله سليمان، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «المجتمع المحلي يرحب بالنازحين السودانيين، ولا يكن أي عداء تجاههم»، لكنه تحدث عن «ضغوط قاسية على مرافق المدينة، مثل الكهرباء والصرف الصحي والمستشفيات».
وسبق أن نشرت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بياناً، حذرت فيه مما وصفته بـ«المعلومات المضللة وخطاب الكراهية» ضد اللاجئين، وشددت على أن ذلك «لا يؤدي سوى إلى تفشي الخوف وحالة العداء».
ولم تفارق مشاعر الحنين لأجواء «العيد» في السودان قطاعاً واسعاً من النازحين إلى ليبيا، ومنهم خالد العاقب (48 عاماً)، الذي حل عليه «العيد» بمشاعر «خوف وحنين إلى الوطن»، فهو «عيد جديد من أعياد الأحزان ووجع الغربة والنزوح»، على حد وصفه.
وتذكر العاقب جانباً من ذكريات عيده في الخرطوم، التي نزح منها منذ 3 أعوام، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «أشتاق لتجمعات الأهل والأصدقاء والحلوى، ومشاهد لعب الأطفال ومعايدتهم، ومطعم شهير كنت أرتاده».
ويحرص النازح السوداني، وكما في الأعياد السابقة بالكفرة، على التواصل مع من تبقى من أهله في السودان والاطمئنان على أحوالهم، علماً أن بعض أفراد عائلته يوجدون أيضاً في مصر، وفي هذا السياق يقول: «شتتت الحرب شملنا ومزقت فرحة أعيادنا».
خيام بأحد التجمعات السكانية للنازحين السودانيين في مدينة الكفرة الليبية (بلدية الكفرة)
وتذهب تقديرات الأمم المتحدة إلى اعتبار مدينة الكفرة باتت نقطة عبور رئيسية للفارين السودانيين إلى ليبيا، حيث استقبلت 240 ألف شخص منذ اندلاع الصراع في أبريل (نيسان) 2023، وهو رقم شكك الناطق باسم بلدية الكفرة في صحته، قائلاً: «يستحيل حصر أعداد اللاجئين القادمين عبر الحدود الليبية-السودانية لأنها لا تخضع لمراقبة دقيقة»، ورجح دخولهم «عبر مسارات التهريب»، مبرزاً أن البلدية أصدرت أكثر من 120 ألف شهادة صحية للاجئين حتى الآن.
وخلال أيام عيد الفطر، لم يطرأ تحسن على الأوضاع الإنسانية للسودانيين الموجودين في ليبيا، حيث تشكو شرائح واسعة منهم، ومن بينهم النازح العاقب، من «صعوبة أوضاعهم المعيشية، حيث يعمل بعضهم في مهن متواضعة، وأيضاً من تصاعد دعوات التحريض ضد المهاجرين».
وفي شهر رمضان الماضي، تداول سودانيون في الكفرة عبر صفحات تواصل خاصة بهم منشور نداء من إحدى السيدات، تدعى «م.م»، تطلب فيه سلة مساعدات فيها «دقيق وعدس وفول»، وكتبت: «نحن نازحون وأيتام ونحتاج إلى المساعدة من فاعل خير».
وهنا يقر المتحدث باسم بلدية الكفرة بصعوبة الوضع الإنساني للسودانيين في بلاده، لكنه يشير إلى «مبادرات من البلدية وأهالي الكفرة والمجتمع المدني لمساعدتهم».
ووزعت بلدية الكفرة 3 آلاف سلة غذائية على السودانيين في رمضان، تشمل الحليب والأرز والزيت والطماطم والدقيق، إلى جانب تجهيز 7 موائد إفطار، وفق الناطق باسم البلدية.
لكن رغم تلك الجهود، فإن «السودانيين في الكفرة استقبلوا (العيد) في خيام ضيقة، مصنوعة من القماش في مزارع على أطراف المدينة أو مستودعات تحولت إلى أعشاش، لا تقيهم حر الصيف أو برد الشتاء».
وسبق أن أعدت الأمم المتحدة خطة استجابة إنسانية للسودانيين في ليبيا، عبر جمع 106.6 مليون دولار أميركي يغطي قطاعات الصحة والتغذية والتعليم، والأمن الغذائي والمياه والصرف الصحي والحماية.
ويقر عبد الله سليمان بما قال إنها «وقفات استجابة إنسانية من جهات دولية، تقدم مواد غذائية وأدوات تنظيف وطهي»، ضارباً المثل بكل من «منظمات الأغذية العالمية، والهجرة الدولية، واليونيسف».
ومع ذلك، توجه بلدية الكفرة «انتقاداً» للأمم المتحدة، بحجة أن «ما تم تقديمه للاجئين غير كافٍ»، وقال الناطق باسمها: «نحتاج إلى دعم للاجئين والمجتمع المضيف، بناء على الاحتياج وليس الاجتهاد». مطالباً «بدعم المؤسسات الخدمية التي تواجه ضغطاً شديداً في مدينة كان يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة قبل موجة النزوح».