تصاعد التوترات بين الجزائر وفرنسا... والتجارة إحدى ضحاياها البارزة

تراكم التشنج السياسي أبعد أفق الانفراج

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة «السبعة» الكبار بإيطاليا في 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة «السبعة» الكبار بإيطاليا في 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
TT

تصاعد التوترات بين الجزائر وفرنسا... والتجارة إحدى ضحاياها البارزة

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة «السبعة» الكبار بإيطاليا في 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة «السبعة» الكبار بإيطاليا في 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

بينما يستمرُّ غياب السفير الجزائري لدى فرنسا عن منصبه للشهر السابع، في مؤشر لافت على غياب أي أفق للتهدئة مع دولة الاستعمار السابقة، تسببت التوترات الدبلوماسية بين البلدين في أعراض جانبية على التجارة، خصوصاً في قطاع الأغذية الزراعية.

بدأت الأزمة في نهاية يوليو (تموز) 2024، بعد احتجاج الجزائر بشدة على اعتراف باريس بـ«مغربية الصحراء»، فقرَّرت سحب سفيرها سعيد موسى، وأعلنت إلغاء الزيارة التي كانت مقررة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس في خريف العام نفسه. ومن نتائج هذا الغضب، توقُّف أعمال «لجنة الذاكرة» المشتركة، بعد أن قطعت أشواطاً إيجابية منذ إطلاقها عام 2022، في إطار «مصالحة الذاكرتين» و«طي أوجاع الماضي الاستعماري؛ لبناء علاقات تقوم على تبادل المنفعة».

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفي حين توقَّعت أوساط سياسية وإعلامية متابِعة لتطورات الأزمة، ظهور بوادر انفراجة، جاءت «حادثة سجن الكاتب مزدوج الجنسية بوعلام صنصال» في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، لتزيد الخلاف حدة، خصوصاً أنها وضعت الإصبع على جرح العلاقات الجزائرية - المغربية، المقطوعة منذ صيف 2021... بعدها، تفاقمت الأزمة بشكل كبير، بخروج «يوتيوبرز» جزائريين في فرنسا، في فيديوهات تهدِّد «بقتل» مواطنيهم المعارضين للسلطة، سواء المقيمين في فرنسا أو الجزائر.

ولم تقف فرنسا متفرجةً على ما عدَّته «حملة عنف جزائرية» فوق أراضيها، فاعتقلت 10 مؤثرين وأحالتهم إلى القضاء. ولما رحَّلت أحدهم، المدعو «دوالمن»، رفضت الجزائر دخوله أراضيها، وأعادته إلى باريس على الطائرة التي حملته، ما أجج الوضع، فاتهم وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، الجزائر بـ«تعمد إذلال فرنسا لأنها لا تريد استقبال رعاياها غير المرغوب بهم».

وزير الداخلية الفرنسي يعلن في منشور توقيف يوتيوبر جزائري يسمى عماد (متداولة)

في سياق التطورات المتسارعة على خط الأزمة، صوَّت البرلمان الأوروبي على لائحة تطالب بإطلاق سراح صنصال، وتدين «انتهاك الحريات في الجزائر». وبما أن صاحب اللائحة هو البرلماني جوردان بارديلا، رئيس «التجمع الوطني» الفرنسي اليميني المتطرف، فقد توفرَّت «بهارات» إضافية لتعمق التوترات، التي تصاعدت أكثر في الأيام الأخيرة بانخراط شخص جديد في الأزمة، لويس ساركوزي، نجل الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، الذي كانت علاقته سيئة بالجزائر خلال فترة حكمه (2007 - 2012). ويطمح لويس إلى الترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية في 2027، وفق الإعلام المحلي.

وخلَّف تراكم هذه الأحداث أثراً سلبياً على التجارة بين البلدين. فقد نقلت تقارير صحافية فرنسية «قلقاً لدى الناشطين الفرنسيين في قطاع الأغذية الزراعية من أن السوق الجزائرية بدأت تفلت من أيديهم». ففي عام 2023، تم تقليص الصادرات بشكل حاد إلى النصف. وفي 2024 (سنة الأزمة الدبلوماسية)، «كان الهبوط حاداً للغاية»، وفق المحطة الإذاعية الخاصة «أوروبا 1».

وتذكر مجلة «لوبوان» العريقة أنه في عام 2018، كانت فرنسا توفر 5.4 مليون طن من الحبوب إلى الجزائر، ما يمثل 80 إلى 90 في المائة من احتياجاتها. وانخفض هذا الحجم إلى 2.1 مليون طن في عام 2021، ثم إلى 608 آلاف طن في عام 2023. وأدخلت «أوروبا 1» تحديثاً على هذه البيانات، مؤكدة أنه «في عام 2024، ربما كان الرقم نحو 400 ألف طن، وهو حجم انخفض بمقدار 13 مرة. وفي عام 2025، يتوقع المحترفون في قطاع الأغذية والزراعة أن يكون الرقم صفراً».

«التيك توكر» يوسف اعتُقل في فرنسا بسبب التحريض على قتل معارضين للسلطة في الجزائر (متداولة)

وبحسب «لوبوان»: «استفادت روسيا بشكل كبير من هذا الانسحاب الفرنسي»، مبرزة أن الجزائر «عدَّلت معايير الجودة بشكل كبير؛ إذ كانت حتى الآن صارمةً بشأن وجود الحشرات في الحبوب التي تجعل القمح أقل قابلية للخبز، قبل أن تخفف من معاييرها التي كانت فرنسا من بين القلائل القادرين على الالتزام بها». وقد تم اتخاذ هذا القرار، في تقدير المجلة، «لأسباب سياسية من أجل الاستفادة من الأسعار المنخفضة التي قدَّمها فلاديمير بوتين». وقالت «أوروبا 1» إن روسيا توفر حالياً 90 في المائة من احتياجات الجزائر من القمح.


مقالات ذات صلة

الانفراجة بين الجزائر وفرنسا تضع «قانون تجريم الاستعمار» على المحك

شمال افريقيا رئيس البرلمان يلقي كلمة بمناسبة تأسيس لجنة قانون تجريم الاستعمار (البرلمان)

الانفراجة بين الجزائر وفرنسا تضع «قانون تجريم الاستعمار» على المحك

المبادرة أخذت شكل «مقترح قانون» وليس «مشروع قانون». الأول يأتي من برلمانيين، والثاني تصدره الحكومة التي تحاشت أن تبادر به هي، تفادياً لمزيد من التصعيد مع فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا دوريات أمنية ليبية على الحدود مع تونس (إدارة إنفاذ القانون التابعة لحكومة الوحدة)

سلطات طرابلس تطلق 18 تونسياً اعتُقلوا بتهمة «التهريب»

بلغ عدد الموقوفين التونسيين في ليبيا 51 شخصاً، وتوقيفهم جاء في إطار المعاملة بالمثل من قِبل السلطات الليبية، ردّاً على احتجاز السلطات التونسية 6 ليبيين.

«الشرق الأوسط» (تونس)
آسيا صورة نُشرت يوم 22 مارس 2025 لجانب من لقاء المبعوث الباكستاني الخاص إلى أفغانستان السفير صادق خان (يسار) ووزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي (ذا نيوز)

إسلام آباد وكابل تسعيان إلى تهدئة العلاقات المتوترة

تعهدت باكستان وأفغانستان مجدداً بترفيع وتعزيز التشارك الدبلوماسي، والاستفادة معاً من إمكاناتهما الكاملة من أجل المنفعة المتبادلة لشعبي البلدين.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
خاص وزير الخارجية الياباني مستقبلاً نظيره السعودي الأمير فيصل الفرحان لدى زيارة الأخير إلى طوكيو أخيراً (الشرق الأوسط)

خاص وزير الخارجية الياباني لـ«الشرق الأوسط»: الوضع الإنساني في غزة كارثي

شدد تاكيشي إيوايا، وزير الخارجية الياباني، على ضرورة الحرص على تنفيذ الاتفاق ببنوده كافة، والانتقال إلى المرحلة الثانية، لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
الخليج الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائب حاكم إمارة أبوظبي ومستشار الأمن الوطني في الإمارات خلال اللقاء (وام)

الرئيس الأميركي ترمب يجري محادثات مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي

بحث الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي ومستشار الأمن الوطني في الإمارات، آفاق الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي - واشنطن)

الحوثيون يتهمون واشنطن بشن غارتين على صعدة

يمنيون يتفقدون الأضرار في مبنى مستشفى  لعلاج السرطان والأورام بعد يوم من استهدافه بغارة أميركية (أ.ف.ب)
يمنيون يتفقدون الأضرار في مبنى مستشفى لعلاج السرطان والأورام بعد يوم من استهدافه بغارة أميركية (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يتهمون واشنطن بشن غارتين على صعدة

يمنيون يتفقدون الأضرار في مبنى مستشفى  لعلاج السرطان والأورام بعد يوم من استهدافه بغارة أميركية (أ.ف.ب)
يمنيون يتفقدون الأضرار في مبنى مستشفى لعلاج السرطان والأورام بعد يوم من استهدافه بغارة أميركية (أ.ف.ب)

أعلنت قناة «المسيرة» التابعة للحوثيين، الثلاثاء، أن غارات جديدة نسبتها إلى الولايات المتحدة استهدفت محافظة صعدة معقل الحركة.

وأفاد مراسل القناة في المنطقة بـ«عدوان أميركي بغارتين على مديرية سحار».

ومنذ 15 مارس (آذار)، تشنّ الولايات المتحدة ضربات جوية كثيفة ضدّ الحوثيين الذين قالوا إنهم ردّوا باستهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر مرات عدة.

وفي ذاك اليوم، وجّهت الولايات المتحدة ضربات جويّة عدّة قالت إنها أودت بحياة مسؤولين كبار في الحركة التي أعلنت من جهتها مقتل 53 شخصاً جرّاء الغارات الأميركية.

ومذاك، تشهد المناطق التي تسيطر عليها الجماعة في اليمن غارات أميركية بوتيرة شبه يومية.

وتوعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي بالقضاء على الحركة المدعومة من إيران، محذّراً طهران من استمرار تقديم الدعم لها.

وعقب اندلاع الحرب في غزة إثر الهجوم غير المسبوق لحركة «حماس» على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، شنّ المتمرّدون الحوثيون عشرات الهجمات الصاروخية على إسرائيل وفي البحر الأحمر، حيث استهدفوا سفناً اتهموها بأنها على ارتباط بالدولة العبرية؛ وذلك دعماً للفلسطينيين، على حدّ قولهم.

وهم أوقفوا هجماتهم على إسرائيل والبحر الأحمر مع بدء سريان الهدنة في غزة في 19 يناير (كانون الثاني) 2025، لكنهم استأنفوها مع خرق الدولة العبرية للهدنة وتوعدوا بتكثيفها ما دام استمرّ القصف على القطاع.

وارتباطاً بالموضوع توعد الحوثيون في اليمن، بمواصلة عملياتها الهجومية إسناداً لغزة في مواجهة إسرائيل مهما كانت التبعات.

وقال رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط في خطاب تابعته وكالة الأنباء الألمانية: «موقفنا واضح وثابت في مساندة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولن يتغير حتى وقف العدوان، ورفع الحصار مهما كانت التبعات ومهما كانت النتائج، ولدينا من الخيارات ما يدفع عن بلدنا تجاوز أي متغطرس، وسنعلن عنها عند اللزوم».

وشدد المسؤول الحوثي قائلاً: «لن يثنينا العدوان الأميركي بكل أشكاله، عن الاستمرار في تلك المساندة التي كشفت عن صوابية موقفنا، وحقيقة التوحش والإجرام الأميركي، وتسقط كل ادعاءات وشعارات الحرية والحقوق عن هذا العدو أمام العالم وأمام أبناء شعبنا».

وأردف: «شرفنا الله في هذه الليالي الرمضانية، بالاستمرار بمشاركة إخواننا في فلسطين بقيادة غزة الإسلام والعروبة جهادهم العظيم وتضحياتهم العزيزة التي يقدمونها بسخاء في سبيل الله ودفاعاً عن شرف الأمة المهدور، ومقدساتها وحقوقها المغتصبة، وخوض البحر في وجه فرعون العصر أميركا».

ومضى قائلاً: «شعب الإيمان والحكمة لن يتأثر ولن يتراجع، بقدر ما يزيده العدوان الأميركي إصراراً على الصمود، واستمراراً في المساندة والنصرة».

ومنذ أيام يشن الحوثيون ضربات صاروخية ضد مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر، عقب فشل الهدنة بين إسرائيل وحركة «حماس»؛ «مساندة ودعماً لغزة»، على حد وصف الجماعة المتحالفة مع إيران.