استقالة مسؤول ليبي تطرح تساؤلات بشأن «شبهات فساد» في تعاقدات النفط

مراجعات لحسابات شركات حكومية بعد قرار فرحات بن قدارة

الدبيبة والرئيس المؤقت للمؤسسة الوطنية للنفط مسعود سليمان (يمين الصورة) (المؤسسة الوطنية للنفط)
الدبيبة والرئيس المؤقت للمؤسسة الوطنية للنفط مسعود سليمان (يمين الصورة) (المؤسسة الوطنية للنفط)
TT

استقالة مسؤول ليبي تطرح تساؤلات بشأن «شبهات فساد» في تعاقدات النفط

الدبيبة والرئيس المؤقت للمؤسسة الوطنية للنفط مسعود سليمان (يمين الصورة) (المؤسسة الوطنية للنفط)
الدبيبة والرئيس المؤقت للمؤسسة الوطنية للنفط مسعود سليمان (يمين الصورة) (المؤسسة الوطنية للنفط)

تفجّر الحديث مجدداً في الأوساط الليبية عن «شبهات فساد»، و«تجاوزات إدارية ومالية» في قطاع النفط، عقب استقالة رئيس مجلس إدارة المؤسسة، فرحات بن قدارة.

وتزامن ذلك مع قرارات مراجعة وتدقيق، شملت حساب شركة نفط حكومية، إلى جانب وقف برنامج حكومي لمبادلة النفط بالوقود.

والتزم الرئيس السابق للمؤسسة الصمت منذ تقديم استقالته إلى رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، الأسبوع الماضي، بحجة «ظروف صحية طارئة» ألمّت به، ليصدر بعدها الرئيس الجديد المؤقت للمؤسسة، مسعود سليمان، سلسلة قرارات «تدقيق وحوكمة».

ومن بين القرارات الجديدة لمؤسسة النفط، عقب استقالة بن قدارة، تشكيل لجنة لمراجعة وفحص كافة المعاملات الإدارية والمالية لشركة «الواحة للنفط» (حكومية)، خلال عامَي 2023 و2024 (فترة ولاية بن قدارة)، إثر طرح التساؤلات بشأن «شبهات فساد» في تعاقدات نفطية.

كما قرر رئيس المؤسسة المؤقت تشكيل لجنة لمراجعة وفحص المعاملات المالية التي أجرتها شركة «البحر الأبيض المتوسط» (فرع دبي)، خلال فترة العامين الماضيين، وتقديم تفصيل بـ«أي مخالفات أو اختلالات شابت الأعمال محل الفحص والمراجعة».

ويصف خبير الشؤون الليبية بمعهد «رويال يونايتد سيرفيسز»، جلال حرشاوي، إجراءات الإدارة الجديدة للمؤسسة الوطنية للنفط بـ«السليمة»، متوقعاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هدفها «تفكيك إرث بن قدارة، وإنقاذ المالية العامة الليبية من السياسات» التي وصفها بـ«الكارثية» التي تبنّاها، بعد أن حظي بدعم من عائلتَي الدبيبة، والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني في شرق ليبيا، حسب تعبيره.

ويرى رئيس نقابة عمال النفط، سالم الرميح، ضرورة «إعادة النظر في كل معاملات الشركات النفطية ما بين 2023 و2024، وإعادة هيكلتها، وترتيب إداراتها».

مجلس النواب وجّه رسالة إلى بعض السفراء ترفض توقيع اتفاقية شراكة للإنتاج بحقل الحمادة «NC7» (المجلس)

وشملت إجراءات المراجعة في المؤسسة أيضاً قراراً بوقف العمل بنظام المبادلة لتوريد المحروقات المثير للجدل، بداية من شهر مارس (آذار) المقبل.

ولطالما دافع الرئيس السابق للمؤسسة عن برنامج «مبادلة المحروقات» الذي أقرته حكومة غرب ليبيا في عام 2021، بعد تعثر توفر ميزانية توريد الوقود وقتذاك، بحيث توضع الإيرادات المالية النفطية بعد 30 يوماً من شحن النفط في حساب «المقاصة» لدى مصرف ليبيا المركزي.

وفي معرض دفاعه عن هذا البرنامج، قال بن قدارة في تصريحات إعلامية سابقة إن مؤسسة النفط تطلب توريد المحروقات من زبائنها، على أن تتم التسوية المالية معهم (الزبائن) بعد شهر خصماً من قيمة النفط الخام الذي يشترونه من المؤسسة. لكن تقريراً رقابياً حديثاً لديوان المحاسبة كشف أن جميع الشركات المتعامل معها بنظام مبادلة المحروقات «حديثة النشأة، ولا تاريخ يُذكر لها في مجال الصناعة النفطية حول العالم، وليست من مالكي مصافي التكرير»، بل ذهب ديوان المحاسبة إلى القول إن «المؤسسة الوطنية للنفط تكبدت تكاليف إضافية نتيجة هذا النظام».

ومن غير المستبعد أن تواجه فترة تولي بن قدارة قيادة مؤسسة النفط تحقيقات في ملفات أخرى، وفق ما توقع الباحث حرشاوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

وفي هذا السياق، طلب ديوان المحاسبة، الاثنين الماضي، من المؤسسة الوطنية للنفط وقف جميع الإجراءات المتعلقة بمشروع تطوير حقول النفط والغاز في القطعة «NC7» بمنطقة الحمادة. واستند الجهاز الرقابي في طلبه إلى «إسناد مشروع حقل الحمادة إلى ائتلاف شركات أجنبية، دون الالتزام بالإجراءات القانونية بشأن عرض المشروع في عطاء عام»، فضلاً عن «طلب إحدى الشركات الأجنبية، غير المعروفة في هذا المجال، تزويدها بصورة من الاتفاقية، تمهيداً لانضمامها للائتلاف المذكور».

ولقي الطلب السابق من جانب الجهاز الرقابي تفهماً من المستشار بالمؤسسة الوطنية للنفط، يوسف الشتيوي، الذي عدّه «جزءاً من دور الرقابة لضمان جدوى المشاريع وكفاءتها». وقال الشتيوي لـ«الشرق الأوسط» بهذا الخصوص: «نتعاون مع الجهات الرقابية لمعالجة أي تحديات بطريقة توازن بين الإصلاح والإنتاج، بما يحافظ على استمرارية العمليات، وضمان تحقيق الإيرادات المستهدفة».

وينتج «حقل الحمادة الحمراء» النفطي التابع لـ«شركة الخليج العربي للنفط»، نحو 8 آلاف برميل يومياً، يتم تكريرها في مصفاة الزاوية (غرب العاصمة طرابلس)، عبر خط لنقل الخام يصل طوله إلى 380 كيلومتراً.

ليبيا تنتج 1.4 مليون برميل نفط يومياً (الشرق الأوسط)

وفي الربع الأول من العام الماضي، وجّه مجلس النواب رسالة إلى سفراء دول فرنسا وتركيا والإمارات، ترفض توقيع اتفاقية شراكة للإنتاج بحقل الحمادة «NC7»، وهو الرفض أيضاً الذي حمله بيان موقّع من 42 عضواً في «المجلس الأعلى للدولة».

وسبق أن أثار بن قدارة الذي تولى رئاسة المؤسسة منذ يوليو (تموز) 2022، الجدل في صيف العام الماضي، بشأن حمله جنسية أجنبية بعد حكم يُعتقد أنه صادر عن محكمة استئناف طرابلس في هذا الشأن، وهو ما نفته المؤسسة الوطنية للنفط حينذاك.

وتنتج ليبيا 1.4 مليون برميل نفط يومياً، علماً أن المؤسسة الوطنية للنفط هي شركة حكومية تدير قطاع النفط والغاز في البلاد، ومسؤولة عن استكشاف وإنتاج وتصدير الموارد النفطية، وتعد العمود الفقري للاقتصاد الليبي.

محمد عون الذي كان يرأس وزارة النفط (الشرق الأوسط)

ويشير محمد عون الذي كان يرأس وزارة النفط قبل أن يكلف الدبيبة وزيراً بدلاً منه، إلى «تعنت رئيس المؤسسة السابق، وعدم احترامه وتقيّده بالقوانين والتشريعات النافذة؛ مما أدى إلى فساد كبير وغير مسبوق في قطاع النفط الليبي».

وسبق أن تقدم محمد عون بشكوى إلى الرقابة الإدارية عام 2023، متهماً المؤسسة الوطنية للنفط بارتكاب ما وصفها بـ«مخالفة مالية صريحة».


مقالات ذات صلة

عائلة المتهم بتفجير «لوكربي»: نختصم الدبيبة دولياً لتسهيله خطف أبو عجيلة

شمال افريقيا أبو عجيلة المريمي ضابط الاستخبارات الليبية السابق (أرشيفية - رويترز)

عائلة المتهم بتفجير «لوكربي»: نختصم الدبيبة دولياً لتسهيله خطف أبو عجيلة

قال عبد المنعم المريمي، ابن شقيق أبو عجيلة، ضابط الاستخبارات الليبي، إنهم «سيُحركون دعاوى قضائية بمحاكم دولية الأيام المقبلة، يختصمون الدبيبة والمنقوش».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعها مجلس النواب لاجتماع لجنة المسار التنفيذي في بنغازي مع المجلس الأعلى للدولة

ليبيا: «النواب» و«الدولة» يناقشان خريطة طريق لـ«سلطة تنفيذية جديدة»

يقول مجلس النواب الليبي إن «اللجنة الاستشارية» تعتزم التواصل مع بعثة الأمم المتحدة، والقوى الوطنية كافة المعنية بالبحث عن مخرج للأزمة، لعرض «خريطة الطريق».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا وزير المواصلات الليبي الشهوبي ووزير الاقتصاد الاماراتي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني عبدالله المري (وزارة المواصلات بـ"الوحدة")

«الوحدة» الليبية والإمارات لرفع القيود عن حركة المسافرين

قالت حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة، إن عملية رفع القيود عن حركة المسافرين بين ليبيا والإمارات ستساهم في تنشيط التبادل التجاري والاستثماري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعتها سفارة روسيا لحملة موظفيها لتنظيف شواطئ طرابلس

«الدولية للهجرة» مصدومة لاكتشاف «مقابر جماعية» في ليبيا

قالت المنظمة الدولية للهجرة إن بعض جثث المهاجرين، التي تم العثور عليها بـ«مقبرتين جماعيتين» في ليبيا، تحمل آثار إصابات بطلقات نارية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا الحداد ونائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) (رئاسة أركان قوات الوحدة)

جولة مكوكية لقيادة «أفريكوم» بين أفرقاء ليبيا تخلف تساؤلات بشأن هدفها

أدرج محللون عسكريون زيارة وفد أميركي إلى ليبيا ضمن التنسيق مع قوات «الجيش الوطني» في مكافحة الإرهاب بالإضافة إلى بحث قضايا كثيرة من بينها تصاعد النفوذ الروسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

اتفاقيات جزائرية-نيجيرية-نيجرية لتسريع أنبوب الغاز العابر للصحراء

الجزائر ونيجيريا والنيجر توقع سلسلة اتفاقيات لتسريع إنجاز «مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء» (أ.ف.ب)
الجزائر ونيجيريا والنيجر توقع سلسلة اتفاقيات لتسريع إنجاز «مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء» (أ.ف.ب)
TT

اتفاقيات جزائرية-نيجيرية-نيجرية لتسريع أنبوب الغاز العابر للصحراء

الجزائر ونيجيريا والنيجر توقع سلسلة اتفاقيات لتسريع إنجاز «مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء» (أ.ف.ب)
الجزائر ونيجيريا والنيجر توقع سلسلة اتفاقيات لتسريع إنجاز «مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء» (أ.ف.ب)

وقّعت الجزائر ونيجيريا والنيجر الثلاثاء في الجزائر العاصمة سلسلة اتفاقيات لتسريع إنجاز «مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء» الذي يمتدّ لأكثر من أربعة آلاف كيلومتر لتصدير الغاز النيجيري إلى أوروبا، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

ومن المفترض أن ينقل هذا الأنبوب عند اكتمال بنائه مليارات الأمتار المكعبة من الغاز النيجيري إلى النيجر ثم إلى الجزائر حيث يمكن بعد ذلك أن يتمّ تصديره إلى الاتحاد الأوروبي سواء عبر أنبوب «ترانسميد» الذي ينقل الغاز من الجزائر إلى إيطاليا عبر تونس، أو عبر تحويله إلى غاز طبيعي مسال ونقله على متن سفن شحن مخصصة لنقل هذا النوع من الوقود.

ووقّعت الدول الثلاث في العاصمة الجزائرية الثلاثاء عقودا بين الشركات النفطية التابعة لها، يتعلّق أحدها بـ«تحديث دراسة الجدوى» والآخر بـ«التعويض» في حين أنّ العقد الثالث هو اتفاق «عدم إفصاح». ونقلت الوكالة عن وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب قوله إنّ «هذا المشروع الطاقوي المهم والاستراتيجي يجسّد التعاون بين الدول الإفريقية للولوج الى الأسواق العالمية في مجال توريد الغاز الطبيعي».

كما أكّد الوزير على «الطابع الاستراتيجي الذي يكتسيه المشروع بالنسبة لإفريقيا ككلّ والذي من شأنه نقل من 20 إلى 30 مليار م3 سنويا من الغاز من نيجيريا مرورا بالنيجر والجزائر نحو الأسواق الدولية، لا سيّما أوروبا».

وفي يوليو (تمّوز) 2022، وقّعت الجزائر وأبوجا ونيامي خلال اجتماع وزاري مذكرة تفاهم لبناء خط أنابيب غاز بطول 4128 كيلومترا عبر الصحراء الكبرى، لكن من دون تحديد تاريخ إنجازه. وعندما تمّ إطلاق المشروع في 2009، قُدِّرت تكلفة بنائه بنحو 10 مليارات دولار. ومن المفترض بهذا الخط أن يزوّد أيضا دول الساحل بالغاز.

وتلقّى المشروع دفعة نحو الأمام في ظلّ الوضع الجيوسياسي الراهن بعد أن زاد الطلب الدولي على الغاز والنفط وارتفعت أسعارهما في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا في نهاية فبراير (شباط) 2022.