ما زالت أصداء دعوة هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا حكومة الوحدة «المؤقتة» إلى وقف التعيينات تتصاعد، وسط انتقادات وجدل واسعين في البلاد.
دعوة «الرقابة الإدارية» أطلقتها الأسبوع الماضي، وقالت فيها إن «المصلحة العامة تقتضي تعليق إجراءات شغل الوظائف العامة (التعيينات والتعاقدات) إلى حين إعادة النظر فيها». وأشارت إلى ارتفاع عدد موظفي القطاع العام إلى أكثر من مليونين و99 ألف موظف، تقاضوا رواتب خلال الـ12 عاماً الماضية بنحو 372 مليار دينار ليبي.
وانتقد عضو مجلس النواب صلاح أبو شلبي الدعوة، ووصفها بـ«المجحفة»، مشدداً على «ضرورة طرح البدائل أولاً، لاستيعاب طوابير الباحثين عن العمل، وحتى لا يتحمل المواطن البسيط بمفرده تكلفة تنفيذ مثل هذه الدعوات».
وقال أبو شلبي لـ«الشرق الأوسط»، إنه «على أي حكومة تقديم سياسات وإصلاحات اقتصادية وبدائل، للاستفادة من أي كوادر زائدة بجهازها الإداري»، متسائلاً: «إذا كان التعيين سيتوقف بالوزارات والهيئات المدنية، فماذا عن خريجي الكليات والمعاهد العسكرية والشرطية الذين يلتحقون مباشرة بأجهزة الدولة؟».
كما انتقد أبو شلبي دعوة هيئة الرقابة لحكومة الوحدة «المؤقتة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي، إلى وقف إصدار قرارات الإيفاد للدراسة بالداخل والخارج، وتساءل: «ماذا سيفعل المجتهدون والمتفوقون في الدراسة؟ لا تعيين بالجامعات ولا إيفاد للخارج!»، محذراً من أثر هذا القرار «في ظل معاناة ليبيا من عدم وجود كفاءات محلية كافية بالقطاع الصحي، والاضطرار كثيراً إلى الاستعانة بأطباء من الخارج».
ويرى عضو «المجلس الأعلى للدولة»، سعد بن شرادة، أن علاج أي تجاوزات في مسألة التعيين بالقطاع الحكومي، وتقليل النفقات، وتخفيف العبء على ميزانية الدولة، يجب ألَّا يُحَل «بهذا الشكل العشوائي»، منتقداً «دعوة هيئة الرقابة الإدارية».
وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن ليبيا دولة ريعية، والقطاع الخاص بها ضعيف، ولا أمل لأي خريج سوى التعيين بالحكومة لإعالة نفسه وأسرته، وكان الأفضل الحديث عن دعم القطاع الخاص أولاً، والعمل على تقليل نفقات جهات ومؤسسات أخرى بالدولة».
وحذَّر المحلل السياسي الليبي، أحمد أبو عرقوب، من عواقب وقف التعيين على المجتمع وأخلاقياته، وأشار -في تصريحات إعلامية- إلى أن البديل «سيكون انضمام الشباب للمجموعات المسلحة أو لعالم الجريمة، أو يذهب للهجرة غير المشروعة بالقوارب عبر مياه المتوسط».
وبلغت قيمة مخصصات الباب الأول من الميزانية الخاصة بالرواتب، 67.6 مليار دينار ليبي العام الماضي، حسب بيانات «المصرف المركزي».
وبينما كانت دعوة هيئة الرقابة الإدارية إلى وقف التعيينات والإيفاد، صدرت الثلاثاء الماضي، فإنه لم يصدر رد حكومي عليها، سواء من حكومة «الوحدة الوطنية» التي تتخذ من العاصمة طرابلس بالغرب الليبي مقراً لها، أو من الحكومة المنافسة لها بالشرق، وهي الحكومة المكلفة من البرلمان ويترأسها أسامة حماد.
ورغم تأكيد أستاذ الاقتصاد الليبي بجامعة درنة، صقر الجيباني، صحة ما أوردته «هيئة الرقابة» من أسباب لوقف التعيين، عقب رصدها «تعيين أعداد كبيرة وبإجراءات عشوائية، ما ترتب عليه التزامات مالية لخزينة الدولة»؛ فإنه دعم بدوره طرح «تشجيع القطاع الخاص أولاً».
وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص ربما يمثل نسبة 5 في المائة من الاقتصاد، وأغلبها مشاريع تجارية وخدمية تستوعب عدداً بسيطاً من العمالة». وشدد على أن تشجيع القطاع الخاص «لا يتوقف على طرح سياسات وإصلاحات اقتصادية فقط، إنما الأهم هو تحقيق الاستقرار السياسي الذي لا يزال مفقوداً بالبلاد، إلى جانب العمل على تحسين رواتب هذا القطاع، وإيجاد ضمانات كافية للعاملين به مقارنة بالقطاع العام، ليكون قادراً فعلياً على استقطاب الشباب، الشريحة الأكبر بالمجتمع».