«السوشيال ميديا» العربية منقسمة إزاء حرائق لوس أنجليس

التفاعلات توزعت بين «التعاطف» و«الشماتة»

جانب من جهود إخماد الحرائق في مدينة لوس أنجليس (أ.ب)
جانب من جهود إخماد الحرائق في مدينة لوس أنجليس (أ.ب)
TT

«السوشيال ميديا» العربية منقسمة إزاء حرائق لوس أنجليس

جانب من جهود إخماد الحرائق في مدينة لوس أنجليس (أ.ب)
جانب من جهود إخماد الحرائق في مدينة لوس أنجليس (أ.ب)

مع استمرار الحرائق بمدينة لوس أنجليس واتساع نطاقها لتطول مناطق كانت بمنأًى عن النيران، امتدت آثار الحرائق إلى «السوشيال ميديا» العربية، التي تفاعل جمهورها على نطاق واسع مع الحدث غير المسبوق الذي تشهده الولايات المتحدة الأميركية.

وعبّرَ جمهور منصات التواصل الاجتماعي عن مشاعر متنوعة انتابتهم تجاه تلك الحرائق، وتراوحت بين «التعاطف مع الضحايا وحالة الدمار التي اجتاحت لوس أنجليس»، و«الشماتة في الولايات المتحدة نتيجة صمتها تجاه ما يحدث في قطاع غزة».

وقفزت «الهاشتاغات» المتفاعلة مع الحرائق إلى صدارة «التريند» في الدول العربية، وأبرزها (#حرائق_كالفورنيا)، و(#لوس_أنجلوس)، و(#أمريكا_تحترق)، و(#مخيمات_لوس_أنجلوس).

فمع تدمير الحرائق أجزاءً كاملة من ثاني كبرى المدن الأميركية، ومشاهد المنازل والسيارات المشتعلة، أبدت بعض الحسابات تعاطفها مع المواطنين بالمدينة، وإشفاقها على فزع الأمهات على أطفالهن.

بينما أشار البعض إلى تعاطفهم مع الأشجار والنباتات وحيوانات الغابات.

وأتت النيران على أكثر من 12 ألف مبنى، و15 ألف هكتار من الأراضي، وسط ترجيحات من وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية أن «تكون الحرائق من بين الكوارث الطبيعية الأعلى تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة».

في المقابل، أكد بعض رواد «السوشيال ميديا» صراحة أنهم لا يشعرون بأي تعاطف إنساني مع ما يحدث، وأن الأحق بالتعاطف هم العرب والمسلمون.

كما وصف آخرون ما تشهده أميركا بأنه «عدالة إلهية».

وبينما تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن أخيراً عن أن المشهد «أشبه بساحة حرب وعمليات قصف»، عقد كثير من رواد «التواصل» مقارنات بين المشاهد في قطاع غزة ومدينة لوس أنجليس، عبر نشر صور تعكس حالة الدمار بين الجانبين.

وبينما أجبرت الحرائق عشرات الآلاف على إخلاء منازلهم، والذي وصفه رواد «التواصل» بأنه «أكبر عملية نزوح في تاريخ أميركا»، شبّه البعض مشاهد الهاربين بسبب حرائق لوس أنجليس بمشاهد نزوح سكان شمال قطاع غزة إلى جنوبه، في أعقاب حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والدمار الذي تعرضت له منازلهم.

كما امتدت المقارنات إلى مشاهد تلقّي الفارين من الحرائق للمساعدات من طعام وملابس في المخيمات التي أقيمت لهم، في مقابل ما يعانيه سكان غزة من ظروف صعبة داخل مخيماتهم.

ويرى المتخصص في تطوير المحتوى الرقمي بمصر، محمد الهواري، أن «التفاعل بشأن الحرائق على (السوشيال ميديا) العربية، يُمكن تفسيره بأنه خطاب انفعالي، سواء كان للتعاطف أم الشماتة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض المتابعين رافضون لموقف أميركا مما يحدث في غزة، ومن ثَمَّ وجدوا الحرائق فرصة للتعبير عن رأيهم».

الاختصاصية النفسية والاجتماعية في مصر، داليا الحزاوي، ذكرت أن «إظهار (الشماتة) و(السخرية) من بعض رواد (التواصل) جاء رد فعل لسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لذلك رأى البعض أن هذه الحرائق (عقاب من الله)»، مضيفةً أن «الدافع وراء الشماتة هو الإحساس بالظلم تجاه ما تقوم به الإدارة الأميركية».

كما أوضحت الحزاوي لـ«الشرق الأوسط» أن حالة التعاطف مع الحرائق وجدناها تتمثل في أكثر من شكل عبّر عنه رواد مواقع (التواصل)، وصلت إلى استعداد البعض لتقديم المساعدات والإغاثات، وهذا التعاطف مع هذه الكارثة الطبيعية شأن إنساني بعيد عن الحسابات العقلية والسياسية.

ومع تناقُل مقاطع الفيديو والصور للحرائق المستعرة، شبّه بعض المغردين ما يحدث بأنه يحاكي مشاهد تمثيلية في أفلام سينما هوليوود، لافتين إلى تحوُّل منازل نجوم السينما الأميركية في كاليفورنيا، التي تُقدَّر قيمتها بالملايين، إلى أكوام من الرماد بفعل الحرائق، وجذب النجم ميل جيبسون اهتمام كثيرين بحديثه عما يشبه نظريات المؤامرة حول أسباب اشتعال هذه الحرائق.

كما وصف آخرون الحرائق بأنها مشهد من «يوم القيامة»، وتناقلت كثير من الحسابات مقطع فيديو لـ«تيك توكر» يوثق من خلاله لوس أنجليس بعد الحرائق كأنها مدينة من نهاية الزمان.

وتناول إعلاميون عرب ما تنقُله الصور الواردة من مناطق الحرائق من مشاهد الدمار الكبير الذي خلَّفته الكوارث، وصعوبة السيطرة على النيران وسط الرياح العاتية.

ونال كثير من التعليقات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بـ«الشماتة»، حيث اتفق أصحابها أنه «تَوَعَّدَ الشرق الأوسط بالجحيم، فانقلب عليه تهديده». كما رأى متابعون أن حرائق الولايات المتحدة «نهاية تليق بحقبة بايدن، وبداية تليق بسنوات ترمب».

عودة إلى الهواري الذي تَحَدَّثَ عن «المحتوى الخاص بالحرائق على منصات التواصل الاجتماعي بوصفه نوعاً من الاستهلاك دون وجود مساحات للتحقُّق من صحته، حيث شهدنا تداول (أخبار كاذبة) مثل المشاركة الواسعة لمقاطع فيديو تروِّج لعمليات نزوح في لوس أنجليس، وقد تَبَيَّنَ لاحقاً أنها غير حقيقية، وهو ما يطرح تساؤلات بخصوص أهمية الوعي المعلوماتي على منصات التواصل الاجتماعي».


مقالات ذات صلة

أميركا تندد بتنصيب مادورو رئيساً... وتفرض عقوبات جديدة على فنزويلا

أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحيّي أنصاره لدى وصوله إلى الجمعية الوطنية لأداء اليمين الدستورية لولاية ثالثة في كاراكاس 10 يناير 2025 (رويترز)

أميركا تندد بتنصيب مادورو رئيساً... وتفرض عقوبات جديدة على فنزويلا

ندّدت الولايات المتحدة، اليوم الجمعة، بـ«مهزلة» تنصيب نيكولاس مادورو رئيساً لفنزويلا لولاية ثالثة، وفرضت عقوبات جديدة على كاراكاس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا سفينة حربية إستونية في بحر البلطيق 9 يناير 2025 بوصفها جزءاً من دوريات حلف شمال الأطلسي المكثفة في المنطقة (أ.ب)

«الناتو» يرسل سفينتين إلى بحر البلطيق بعد تضرر كابلات بحرية

أعلنت وزيرة الخارجية الفنلندية، الجمعة، أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) سيرسل سفينتين لمراقبة البنية التحتية تحت الماء و«الأسطول الشبح» الروسي في بحر البلطيق.

«الشرق الأوسط» (هلسنكي)
شمال افريقيا مراقبون يؤكدون أن العلاقات الجزائرية - الفرنسية وصلت إلى نقطة اللاعودة (الرئاسة الجزائرية)

الجزائر تصعّد مع فرنسا برفض تسلُّم متهمين بـ«العنف»

تسارعت حدة الخلافات بين الجزائر وباريس، بعد أن رفضت السلطات الجزائرية تسلُّم واحد من رعاياها، تم ترحيله من فرنسا بقرار من وزير داخليتها.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
العالم كايا كالاس الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية تتحدث في اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي - 12 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)

كالاس تعليقاً على تصريحات ترمب: سيادة الدنمارك يجب أن تحترم

أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، اليوم (الخميس)، أنه ينبغي احترام سيادة غرينلاند ووحدة أراضيها، رداً على مطالبات ترمب بضم الجزيرة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم أليس فايدل زعيمة حزب «البديل لأجل ألمانيا» اليميني الشعبوي (رويترز)

إيلون ماسك يجري مقابلة اليوم مع زعيمة حزب ألماني شعبوي على منصة «إكس»

يعتزم رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك إجراء مقابلة مع أليس فايدل زعيمة حزب «البديل لأجل ألمانيا» اليميني الشعبوي على منصة «إكس»، اليوم (الخميس).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل تفتح انتصارات البرهان الباب لعودة سودانيين من مصر؟

خيام نازحين سودانيين في بعض الدول (المنظمة الدولية للهجرة)
خيام نازحين سودانيين في بعض الدول (المنظمة الدولية للهجرة)
TT

هل تفتح انتصارات البرهان الباب لعودة سودانيين من مصر؟

خيام نازحين سودانيين في بعض الدول (المنظمة الدولية للهجرة)
خيام نازحين سودانيين في بعض الدول (المنظمة الدولية للهجرة)

أثار تقدم الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، والسيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة (وسط السودان)، تساؤلات بشأن عودة سودانيين من مصر.

«انتصارات البرهان» الأخيرة تفاعل معها سودانيون يقيمون في ضاحية فيصل بمحافظة الجيزة بمصر، عبر احتفالات واسعة للجالية السودانية. في حين رجّح أعضاء بالجالية السودانية في مصر «عودة أكبر للفارين من الحرب بعد استعادة ولاية عاصمة الجزيرة».

وتسببت الحرب التي يشهدها السودان، منذ أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، في نزوح نحو 11 مليون سوداني، داخلياً وخارجياً لدول الجوار، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وحقق الجيش السوداني انتصاراً، السبت، باستعادة سيطرته على مدينة ود مدني، وهي «ثاني أكبر المدن بعد العاصمة الخرطوم، التي تبعد عنها بنحو 186 كيلومتراً»، حسب إفادة من الجيش السوداني.

وكانت عناصر «الدعم السريع» تسيطر على ود مدني منذ ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى جانب مدن أخرى بالسودان. ويأتي التقدم الأخير للجيش السوداني في إطار عمليات عسكرية بدأها أخيراً لاستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة «الدعم السريع».

وتعهّد البرهان بقيام «القوات المسلحة السودانية باسترداد المناطق التي سيطرت عليها (قوات الدعم السريع)»، في منشور على حسابه الشخصي على منصة «إكس»، السبت.

وتفاعلاً مع الاحتفالات الشعبية في داخل السودان وخارجه، مع استعادة الجيش السيطرة على ود مدني، تداولت مواقع مصرية وسودانية فيديوهات لاحتفالات سودانيين بشوارع حي فيصل.

وتستضيف مصر آلاف السودانيين الذين فرّوا من الحرب الداخلية، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن «القاهرة استقبلت نحو مليون و200 ألف سوداني، بعد الحرب»، إلى جانب آلاف من السودانيين الذين يعيشون في مصر منذ سنوات.

ويرجّح نائب رئيس الجالية السودانية بالقاهرة، أحمد عوض، أن تشكل الانتصارات الأخيرة للجيش السوداني «فرصة لعودة سودانيين نازحين من الحرب»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «استعادة مدينة ود مدني وبعض المناطق سيشجّع كثيرين على العودة في وقت قريب»، لافتاً إلى أن «الحكومة السودانية سوف تمهّد الطريق لعودة النازحين بعد التأكد من الوضع الأمني لعاصمة ولاية الجزيرة وباقي المناطق التي تم استعادتها».

ويعتقد عوض أن «بعض الأسر بدأت في ترتيب مسألة العودة، انتظاراً لسماح القوات المسلحة السودانية بعودة الفارين إلى تلك المناطق»، مشيراً إلى أن «كثيراً من النازحين في مصر تركوا ممتلكاتهم وقت الحرب، ويريدون العودة لديارهم مرة أخرى»، لكن «يترقّبون التوقيت المناسب».

وحسب آخر تحديث للمنظمة الدولية للهجرة، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإن «30 في المائة من سكان السودان نزحوا بسبب الحرب، بينهم 3 ملايين إلى دول الجوار».

مدير وحدة العلاقات الدولية بـ«المركز السوداني للفكر والدراسات الاستراتيجية» بمصر، مكي المغربي، يرى أن «اللاجئين الراغبين في العودة لن ينتظروا إجراءات الحكومة»، مشيراً إلى أنه «مع كل تقدم للجيش السوداني باستعادة مناطق كانت تسيطر عليها (قوات الدعم السريع) تتشكل روابط ومجموعات على منصات التواصل الاجتماعي لترتيب عودة سكان تلك المناطق».

وأوضح المغربي لـ«الشرق الأوسط» أن «استعادة الجيش لعاصمة ولاية الجزيرة سوف تشكل فرصة أكبر لعودة الفارين من الحرب»، وأرجع ذلك إلى «الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للمدينة»، وقال إن «ود مدني من أكثر المدن إنتاجاً بسبب الأراضي الزراعية الواسعة ووفرة المياه»، إلى جانب «المساحات الواسعة التي يمكن أن تستوعب آلاف السودانيين».

نازحون سودانيون مع مسؤولي منظمات أممية (المنظمة الدولية للهجرة)

وتعد مدينة ود مدني حلقة وصل بين جميع ولايات السودان، وتضم ثاني أكبر مستودعات للوقود بعد العاصمة الخرطوم، التي تعمل على تغذية وسط وغرب السودان، إلى جانب مشروع «الجزيرة الزراعي» الذي يشكّل رافداً اقتصادياً أساسياً للبلاد، في ظل وجود منطقة المناقل الصناعية.

المغربي ذكر أن «قضية العودة أصبحت احتياجاً ضرورياً لكثير من الأسر السودانية في دول الجوار بسبب الصعوبات المعيشية».

وفي وقت سابق، دفعت «صعوبات توفير مصادر دخل، وارتفاع فاتورة السكن والمعيشة بالمدن المصرية، إلى جانب غلق المدارس السودانية»، بعض أعضاء الجالية السودانية للعودة إلى بلادهم مرة أخرى أخيراً.