تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

وسط اتهامات متبادلة بـ«الفساد»

أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
TT

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

دأب رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، على التلميح إلى غياب «الرقابة والشفافية» عن مشروعات إعادة الإعمار بشرق البلاد، التي يديرها «صندوق» يشرف عليه بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني».

وقال الدبيبة أكثر من مرة، إن أجهزة «تبني مشروعات في بعض مدن ليبيا دون أن تمر على الأجهزة الرقابية»، وهو ما عدّه محللون إشارة ضمنية إلى مشروعات إعمار شرق ليبيا. وسبق ذلك تصريح آخر للدبيبة ضمن فعاليات أقيمت في 9 ديسمبر (كانون الأول)، قدر فيه حجم الإنفاق في هذه المشروعات بأكثر من 40 مليار دينار خلال العام الحالي (الدولار يساوي 4.91 دينار).

وفي حين تجنب الدبيبة توجيه اتهامات مباشرة للصندوق والقائمين عليه، آثر الحديث عما «خصص لإحدى الجهات، غير الخاضعة للرقابة، في دفعة واحدة، ما يتجاوز ميزانية التنمية في ليبيا لأكثر من 4 سنوات». ويأتي حديث الدبيبة في أجواء تتصاعد فيها الاتهامات بـ«الفساد» بين جبهتي شرق ليبيا وغربها.

في هذا السياق، عدّ أستاذ القانون بجامعة طرابلس، فرج حمودة، عدم إخضاع «جهاز الإعمار» في شرق ليبيا لأجهزة الرقابة، «تصرفاً خارج نطاق القانون؛ حتى إن صدر عن جهة تشريعية»، متسائلاً عن سبب عدم اللجوء إلى القضاء الدستوري.

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي «الوحدة الوطنية» في طرابلس، والأخرى مكلَّفة من مجلس النواب، وتدير المنطقة الشرقية وأجزاء من الجنوب، ويقودها أسامة حمّاد.

ويترأس بلقاسم حفتر «صندوق إعمار ليبيا» منذ بداية عام 2024، بتكليف من مجلس النواب الذي مُنح امتيازات واسعة، وفق قانون سنّه البرلمان يستثني كل الإجراءات، والتعاقدات من الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة؛ وهما أرفع جهازين رقابيين سياديين في ليبيا.

بلقاسم حفتر يتفقد مشروعات يشرف عليها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

ويتمسك فرج حمودة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بالقول إن الأجهزة الرقابية تفرض رقابة سابقة ولاحقة على هذه المشروعات، حفاظاً على المال العام، محذراً مما يعتقد أنه «باب مفتوح على مصراعيه لمزيد من التجاوزات المالية، خصوصاً مع الإنفاق عالي التكلفة».

ولا توجد أرقام مفصلة لميزانية إعادة إعمار المنطقة الشرقية، التي ينفذها «الصندوق» بتعاون مع شركات عربية وأجنبية، لكن التكلفة الاستثمارية بلغت نحو 950 مليون دولار خلال الفترة الممتدة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول) الماضيين، وفق آخر أرقام مصرف ليبيا المركزي.

وفي مقابل ما ذهب إليه حمودة، يعتقد المحلل الاقتصادي الليبي، علي الصلح، أن إنشاء صندوق إعمار ليبيا «جاء متماشياً مع متطلبات المرحلة واحتياجات المواطنين، وفي ظل منافسة باتت واضحة، في مقارنة ما يبدو مع مشروعات تنفذها حكومة الدبيبة في العاصمة».

ورغم أن الصلح يقر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «إصدار قانون خاص للصندوق واستثناءه من الرقابة أصبحا محل جدل»، إلا أنه «تخلص من قيود ومراجعات قد تكون دون جدوى، وسرّع وتيرة جهود البناء والإعمار، بما لقي ارتياح المواطنين»، وفق اعتقاده.

وذهب الصلح إلى القول إن أهمية «تحديد حجم نفقات المال العام وغرضها يأتيان أولوية قبل الرقابة، دون مساءلة ومحاسبة حقيقيتين»، متسائلاً في المقابل عما رآها «نفقات عامة لحكومة (الوحدة) لا تخضع لمعايير واضحة».

صورة توضح حجم الدمار الذي تعرضت له أحياء درنة جراء الإعصار (أ.ف.ب)

ومؤخراً، ذكرت وكالة التحقيق الأميركية «سنتري» أن تكلفة إعادة الإعمار أثقلت كاهل الميزانية العامة، مما تسبب في أزمة لمصرف ليبيا المركزي.

لكن، وعلى نحو أبعد من الحديث عن الأرقام والشفافية، تبدو «المناكفة» تفسيراً مرجحاً لتلميحات الدبيبة، وفق عضو المجلس الأعلى للدولة، بلقاسم قزيط، الذي أشار إلى «غياب تام للرقابة والشفافية في ليبيا».

ويبدو أن الهدف من هذه التلميحات، حسب تصريح قزيط لـ«الشرق الأوسط»، هو «حشد خصوم حفتر في غرب البلاد»، متوقعاً «تبخر هذه الاتهامات حال إتمام صفقة توحيد». كما تحدث عما قال إنه «تواصل لم ينقطع بين رئيس حكومة (الوحدة) وقائد الجيش الوطني وصفقات أنجزت بينهما».

ومن بين عدة مدن بشرق ليبيا، كانت مدينة درنة هي الأكثر في تكبد فاتورة الخسائر البشرية والمادية جراء فيضانات سبتمبر 2023، إذ اختفت أحياء بكاملها، ودمرت مدارس وأسواق وبنيات تحتية عامة؛ إلى جانب آلاف الوفيات، ونزوح آلاف آخرين من منازلهم.

لكن درنة شهدت مؤخراً افتتاح عدد من المشروعات، التي يشرف عليها «صندوق إعادة إعمار ليبيا»، من بينها «جسر وادي الناقة»، ومقرّ مديرية أمن درنة، بالإضافة إلى مسجد الصحابة.


مقالات ذات صلة

صالح يتمسك بتشكيل «حكومة موحدة» لإجراء الانتخابات الليبية

شمال افريقيا صالح يجتمع مع شباب ووجهاء قبيلة ازوية من مختلف المناطق وأعيان ووجهاء قبيلة العبيدات (من مقطع فيديو بثّه مكتب صالح)

صالح يتمسك بتشكيل «حكومة موحدة» لإجراء الانتخابات الليبية

أكد رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، مجدداً، أن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هو «الحل» لأزمة بلاده، متمسكاً بتشكيل «حكومة موحدة».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا المشاركون في ملتقى ليبي رعته البعثة الأممية وعُقد بتونس لمناقشات منع نشوب النزاعات (البعثة الأممية)

اختصاصيون ليبيون يقترحون حلولاً لمواجهة العنف المجتمعي

انتهى ملتقى رعته البعثة الأممية إلى ليبيا وضمَّ شخصيات «قيادية مؤثرة» عدة إلى إعداد ميثاق استرشادي حول الوساطة وحل الخلافات والنزاعات في المجتمع الليبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة توضح حجم الدمار الذي تعرضت له أحياء درنة جراء الإعصار (أ.ف.ب)

تباين ليبي بشأن قانون لإنشاء «هيئة للطوارئ والأزمات»

يدافع عضو مجلس النواب الليبي، عبد السلام نصية، عن إنشاء «هيئة للطوارئ والكوارث»، في مقابل مَن يرى أن ليبيا بها مراكز بحثية عدة يمكنها الاضطلاع بالمهمة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا استمرار عمليات كسح مياه الأمطار (وكالة الأنباء الليبية)

ليبيا: استمرار جهود احتواء تداعيات السيول في توكرة وأجدابيا

اتهامات لحكومة الوحدة «المؤقتة» في ليبيا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بعدم اتخاذ إجراءات استباقية للتعامل مع أزمة سوء الأحوال الجوية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا كست صفحات التواصل الاجتماعي رفض المواطنين لقرار حماد بحجة انعكاسه على أسعار المواد الأساسية (أ.ف.ب)

توجّه لـ«رفع الدعم عن الوقود» يثير مخاوف الليبيين من الغلاء

أبدى سياسيون ومواطنون ليبيون تخوفهم من إعلان حكومة شرق ليبيا، موافقتها على مقترح لـ«رفع الدعم عن الوقود».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر تؤكد مجدداً دعمها الكامل لاستقرار السودان

جانب من المحادثات المصرية - السودانية في القاهرة (الخارجية المصرية)
جانب من المحادثات المصرية - السودانية في القاهرة (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد مجدداً دعمها الكامل لاستقرار السودان

جانب من المحادثات المصرية - السودانية في القاهرة (الخارجية المصرية)
جانب من المحادثات المصرية - السودانية في القاهرة (الخارجية المصرية)

بينما جددت مصر دعمها الكامل لاستقرار السودان، وتوافق وزيرا خارجية البلدين على «ضرورة حماية أمنهما المائي»؛ تصاعدت مخاوف خبراء في مصر بشأن أمان «سد النهضة» الإثيوبي، عقب وقوع «5 هزات أرضية في أديس أبابا، الأحد».

وأجرى وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي، محادثات مع نظيره السوداني الدكتور علي يوسف الشريف، الأحد، في القاهرة، وأكد «حرص بلاده على الوقوف بجانب السودان الشقيق في هذا الظرف الدقيق، والانخراط بفاعلية في الجهود الإقليمية والدولية الرامية لتحقيق الاستقرار في السودان، بما يصون مصالحه ويحافظ على سيادته ووحدة أراضيه».

وبحسب إفادة للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير تميم خلاف، فإن الوزير عبد العاطي استعرض «موقف مصر الداعم لوقف فوري لإطلاق النار في السودان»، مرحباً بقرارات «مجلس السيادة» بشأن الإسراع من وتيرة نفاذ المساعدات الإنسانية بالسودان عن طريق تمكين موظفي الأمم المتحدة من القيام بمهامهم، وإنشاء مراكز لتخزين المساعدات الإنسانية. كما أكد «حرص بلاده على استئناف عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي في أقرب وقت، ودعمه في الأطر الإقليمية والدولية متعددة الأطراف».

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «نحو 13 مليون سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره السوداني علي يوسف الشريف خلال لقاء في القاهرة (الخارجية المصرية)

ويرى نائب مدير مركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أيمن عبد الوهاب، أن «الدعم المصري لاستقرار السودان والجهود السياسية لوقف إطلاق النار مسألة ترتبط بعمق العلاقات بين البلدين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الدور المصري الداعم للسودان له مستويات تصوغها العلاقة بين البلدين، على رأسها أن استقرار السودان جزء من الأمن القومي المصري».

وتطرقت محادثات عبد العاطي والشريف إلى ملف «الأمن المائي». وبحسب «الخارجية المصرية»، فقد توافقا على ضرورة «الحفاظ على وتيرة التنسيق والتعاون بين الجانبين لحماية الأمن المائي لدولتَي المصبّ، والتمسك بقواعد القانون الدولي والتوافق في حوض النيل». كما أكدا «أهمية احترام سيادة الصومال ووحدته وسلامة أراضيه ومساندة جهوده في مكافحة (الإرهاب)».

يأتي التأكيد المصري - السوداني على ضرورة التنسيق لحماية أمنهما المائي، في ظل استمرار أزمة «سد النهضة» الذي أقامته إثيوبيا على رافد نهر النيل الرئيس، ويواجَه المشروع باعتراضات من مصر والسودان؛ للمطالبة باتفاق قانوني ينظِّم عمليات ملء وتشغيل «السد»، بما لا يضر بحصة كل منهما المائية.

امتحانات لطلاب سودانيين بمصر خلال وقت سابق (السفارة السودانية في القاهرة)

وتجددت، الأحد، مخاوف خبراء في مصر بشأن أمان «سد النهضة»، خاصة مع تزايد النشاط الزلزالي في إثيوبيا. ووفق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، فقد «شهدت إثيوبيا، الأحد، 5 زلازل جديدة، ليصل مجموع الهزات التي شهدتها أديس أبابا خلال العام الجاري إلى نحو 54 زلزالاً»، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «54 زلزالاً خلال عام واحد، مُعدل مخيف، خاصة مع تكرارها».

وبحسب شراقي، فإنه «يُخشى أن تتعرض إثيوبيا لزلزال أكبر؛ مما قد يؤثر على سلامة (السد) وقد يؤدي لانهياره»، لافتاً إلى أن «متوسط عدد الزلازل في إثيوبيا قبل بناء (السد) كان أقل من 5 هزات سنوياً».

أيضاً أشار عبد العاطي خلال لقاء نظيره السوداني في القاهرة، إلى أن «الحكومة المصرية بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي اتخذت الإجراءات اللازمة كافة لتجهيز عدد من المدارس المصرية لإتمام امتحانات أبناء الجالية السودانية في مصر»، وذلك في إطار «الحرص على مستقبلهم وتمكينهم من أداء امتحانات الثانوية العامة».

وفي يونيو (حزيران) الماضي، أغلقت السلطات المصرية المدارس السودانية العاملة في البلاد، لحين توفر اشتراطات قانونية لممارسة النشاط التعليمي، تشمل موافقات من وزارات التعليم والخارجية السودانية، والخارجية المصرية، وتوفير مقر يفي بجميع الجوانب التعليمية، وإرفاق بيانات خاصة بمالك المدرسة، بالإضافة إلى ملف كامل عن المراحل التعليمية، وعدد الطلاب المنتظر تسجيلهم.

ووفق تقديرات رسمية، تستضيف مصر نحو مليون و200 ألف سوداني فروا من الحرب السودانية، إلى جانب ملايين آخرين يعيشون في المدن المصرية منذ عقود.