تباين ليبي بشأن قانون لإنشاء «هيئة للطوارئ والأزمات»

وسط دعوات لإيجاد حلول جذرية لمواجهة الكوارث الطبيعية من سيول وفيضانات

صورة توضح حجم الدمار الذي تعرضت له أحياء درنة جراء الإعصار (أ.ف.ب)
صورة توضح حجم الدمار الذي تعرضت له أحياء درنة جراء الإعصار (أ.ف.ب)
TT

تباين ليبي بشأن قانون لإنشاء «هيئة للطوارئ والأزمات»

صورة توضح حجم الدمار الذي تعرضت له أحياء درنة جراء الإعصار (أ.ف.ب)
صورة توضح حجم الدمار الذي تعرضت له أحياء درنة جراء الإعصار (أ.ف.ب)

تباينت آراء سياسيين واختصاصيين ليبيين بشأن مناقشة مجلس النواب مقترح قانون إنشاء «الهيئة الليبية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث»، وسط مؤيد ومعارض.

وكان مجلس النواب قرر عقب إعصار «دانيال» الذي ضرب درنة ومدن ومناطق بالشرق الليبي، العام الماضي، تشكيل لجنة لدراسة مشروع قانون لإنشاء «هيئة وطنية للطوارئ والأزمات والكوارث»، وظل الأمر محل دراسة مجتمعية ومن قِبَل مختصين، لكن المجلس قرر الأسبوع الماضي إخضاع مشروع القانون للمناقشة تمهيداً لإقراره.

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (مكتب صالح)

والتباين في ردود الفعل عادة ينشأ في ليبيا على خلفية انقسام سياسي، لذا عندما رأى البعض أن تدشين هذه الهيئة «ضرورة لاستباق الكوارث»، ذهب آخرون إلى أن الأمر يفتح الباب لـ«مزيد من الإنفاق دون جدوى».

رئيس لجنة دراسة مشروع القانون، عضو مجلس النواب، عبد السلام نصية، يرى أن الكارثة التي أحلّت بدرنة، وحوادث أخرى شهدتها البلاد في السنوات الماضية، «أثبتت الحاجة الشديدة إلى هيئة منظمة تعنى بملف الكوارث والأزمات»، لافتاً إلى أن من شأنها «إطلاق التحذيرات ووضع خطط الاستعداد مروراً بالتعامل مع الأزمة أياً كانت درجة خطورتها، بفرق مدربة، وانتهاء بمرحلة معالجة الآثار والتداعيات».

وبمواجهة مَن يرون أن هناك مراكز علمية عدة، تهتم بإدارة الكوارث مما يجعل من إنشاء هيئة جديدة باباً للإنفاق الزائد، قال لـ«الشرق الأوسط» إن اللجنة وعلى مدار العام الماضي «درست أوضاع تلك المؤسسات والمراكز، واتضح أن أغلبها ذات طبيعة بحثية فقط»، منوهاً إلى أنها «لا تملك وضع الخطط لتفادي الكارثة أو التقليل من مخاطرها».

وفي رده على مَن يطالبون بالتمهل في تأسيس الهيئة لحين إجراء الانتخابات ومعالجة الانقسام الحكومي والمؤسسي الراهن، تساءل نصية: «وهل يمكن ضمان عدم وقوع كارثة جديدة؟»، وقال: «لن نؤجل تدشين الهيئة ونعرض حياة الليبيين للخطر لوجود خلاف سياسي».

ونوه إلى أن الهيئة «ستكون علمية؛ وبالتالي نتوقع ألا يتم إقحامها في أي تجاذبات سياسية، وبالتالي لن يتم الاعتراض على عملها الذي سيقدم لكل أبناء ليبيا؛ وسنبدأ بالتشريع ثم التدريب للعنصر البشري وجلب المعدات».

محيط مستشفى ترهونة العام بعدما أغرقته الأمطار 5 ديسمبر (مؤسسة رؤية لعلوم الفضاء)

وتتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا، الأولى: «الوحدة الوطنية» المؤقتة، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس بالغرب الليبي مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب بقيادة أسامة حماد.

بالمقابل، انتقد عضو المجلس الأعلى للدولة، علي السويح، «السعي لإنشاء مزيد من الهيئات في الوقت الراهن، في ظل وجود البديل الذي يمكن تفعيله»، متخوفاً من «عرقلة عملها أو حصره في إقليم أو مدن دون غيرها؛ أو مواجهتها كغيرها من المؤسسات بمصير محتوم من الانقسام في ظل التنازع على السلطة».

وقال السويح لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا هيئة الاستعلام الوطني، وهي تعنى بكل ما يخص الكوارث والأزمات، وبالتالي يمكن تفعيل إمكاناتها ومعالجة أي خلل بها، ولو مؤقتاً، لحين إجراء الانتخابات».

ويرى أن «أي كيان جديد يتطلب موارد مالية لتدشينه وتسيير عمله، ولم يتم توضيح مصير المراكز البحثية المعنية بهذا الملف، وما تضمه من خبراء ومتخصصين حال إنشاء تلك الهيئة الجديدة».

جلسة مجلس النواب في درنة

ويعتقد السويح أن «الأولوية حالياً يجب أن تتركز حول معالجة الأزمة السياسية وتوحيد السلطة التنفيذية، التي طالما ظلت منقسمة ستهدد أي عمل جاد يخدم الليبيين، خصوصاً مع وجود تحذير من قِبَل كل حكومة بعدم التعاطي مع منافستها».

وترى الباحثة بـ«المنظمة الليبية للعمل البيئي والمناخي» (ليكاو)، ياسمين الأحمر، أن ليبيا في حاجة إلى تطوير آليات الاستجابة للأزمات والكوارث الطبيعية التي قد تتعرض لها، وخصوصاً أن البلاد مرشحة لمواجهة أزمات متزايدة جراء التغيرات المناخية.

وعدَّت ياسمين الأحمر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن وجود هيئة متخصصة في الكوارث والطوارئ «سيكون له تأثير كبير في تحسين استجابة ليبيا للأزمات، عبر ما ستضعه من خطط استباقية لتقليل المخاطر، من خلال توفير تحذيرات علمية دقيقة»، كما ستعزز من قدرة البلاد على الاستجابة السريعة والفعالة في حالات الطوارئ، «مما يسهم في تقليل الخسائر».

وتعرضت مدن عدة في عموم ليبيا، وخصوصاً ترهونة وغريان، لأمطار غزيرة أسفرت عن خسائر بشرية ومادية. وعبر منصات التواصل دعا كثير من الليبيين لضرورة إيجاد حلول جذرية لمواجهة الكوارث الطبيعية من سيول وفيضانات، وأيضاً معالجة ضعف البنية التحتية.

إلا أن ياسمين الأحمر، دعت إلى الاستفادة من المراكز البحثية القائمة «وما تضطلع به من أدوار، مثل مركز الأرصاد الجوية، ومركز الزلازل، وهيئة السلامة الوطنية؛ وذلك عبر دمج الهيئة الجديدة مع هذه الهيئات لتعزيز الكفاءة وتقليل التكاليف».

وأوضحت الباحثة الليبية والأكاديمية بجامعة طرابلس، أن هناك بعض التحديات التي تواجه تأسيس الهيئة، من بينها التمويل المستدام لضمان عملها بفعالية، ونوهت إلى ضرورة «السعي لتحسين شبكات البنية التحتية في البلاد؛ وهو ما يعني أن نجاح الهيئة يعتمد على تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الأكاديمي».


مقالات ذات صلة

تباين ليبي حيال التعامل مع الإدارة السورية الجديدة

شمال افريقيا جانب من زيارة سابقة لوفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إلى دمشق (حكومة «الوحدة»)

تباين ليبي حيال التعامل مع الإدارة السورية الجديدة

يرى سياسيون ليبيون أن زيارة وفد حكومة «الوحدة» إلى سوريا وإن كان عنوانها الترحيب ودعم الإدارة الجديدة بقيادة الشرع، فإنها تسلط الضوء على التباين السياسي.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع صدام حفتر مع وفد قبيلة المزاوغة (رئاسة أركان القوات البرية بالجيش الوطني)

توتر عسكري جنوب ليبيا بعد سيطرة قوات حفتر على معسكر لـ«الرئاسي»

سادت حالة من التوتر العسكري بجنوب ليبيا، إثر تقارير تتحدث عن سيطرة قوات «الجيش الوطني» بقيادة المشير حفتر على معسكر تابع للمجلس الرئاسي، وسط صمت من الجانبين.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا أحمد الشرع مستقبلاً وليد اللافي وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية في حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة السبت الماضي (أ.ب)

مسؤول عسكري ليبي ينفي «هروب» 60 ضابطاً سورياً إلى بنغازي

نفى مسؤول عسكري ليبي ما يتردد بشأن «هروب» ضباط سوريين من حميميم إلى بنغازي، في وقت قال فيه مسؤول عسكري ليبي سابق أيضاً، إن بلده «لن تكون ملاذاً للفارين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع الدبيبة بعدد من أعضاء هيئة صياغة الدستور (حكومة «الوحدة»)

ليبيا: انقسام بين أعضاء «تأسيسية الدستور» بشأن «المواد الخلافية»

وسط مساعٍ يبذلها رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، للدفع قدماً نحو الاستفتاء على الدستور، يسود انقسام بين بعض أعضاء الهيئة التأسيسية بشأن بعض مواده.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الدبيبة مع السفير البريطاني لدى ليبيا (حكومة الوحدة)

ليبيا: «الوحدة» تطالب بـ«الانتخابات»... وصالح يتمسك بتشكيل «حكومة جديدة»

 جددت حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة عبر وزيرها للدولة للاتصال والشؤون السياسية ضرورة الذهاب المباشر للانتخابات بهدف إنهاء المراحل الانتقالية.

خالد محمود (القاهرة)

تباين ليبي حيال التعامل مع الإدارة السورية الجديدة

جانب من زيارة سابقة لوفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إلى دمشق (حكومة «الوحدة»)
جانب من زيارة سابقة لوفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إلى دمشق (حكومة «الوحدة»)
TT

تباين ليبي حيال التعامل مع الإدارة السورية الجديدة

جانب من زيارة سابقة لوفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إلى دمشق (حكومة «الوحدة»)
جانب من زيارة سابقة لوفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إلى دمشق (حكومة «الوحدة»)

تباينت ردود فعل جبهتي شرق ليبيا وغربها حيال التعامل مع الإدارة السورية الجديدة، خصوصاً بعد أن أنهى وفد حكومة «الوحدة الوطنية»، الذي ترأسه وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية، وليد اللافي، زيارة إلى دمشق، أثارت بعض الجدل داخلياً، في حين لا تزال سلطات شرق ليبيا تترقب تطورات الأمور.

ووفقاً لرؤية نخب سياسية، فإن زيارة وفد حكومة «الوحدة» إلى سوريا، وإن كان عنوانها الترحيب ودعم الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، فإنها تنبئ عن محاولة لتسليط الضوء على التباين السياسي في المواقف بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة حيال قادة دمشق الجدد.

بداية، يرى عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، «يحاول إيصال رسالة تفيد بأنه وحلفاءه الأتراك اصطفوا مبكراً مع الفريق المنتصر في سوريا»، كما يرى أنه «انضمام لمواقف أنقرة الداعم الأبرز للقيادة السورية الجديدة».

ونوه التكبالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن حكومة الدبيبة «تعتقد أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يبارك ما يجري في دمشق؛ وهو ما يعني أن واشنطن قد لا تمانع مستقبلاً بقاءها على رأس السلطة في طرابلس».

ويرى التكبالي أن «قيادات شرق ليبيا السياسية والعسكرية تكتفي حالياً بمراقبة ما يحدث من تطورات بالمنطقة»، بجانب الأوضاع في سوريا.

وكان رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، قد التقى الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في فبراير (شباط) 2023، ضمن زيارة قام بها اتحاد البرلمان العربي إلى دمشق.

وأشار التكبالي إلى أن ما يتردد عن «تعهد حكومة الدبيبة بتقديم 50 مليون دولار لسوريا أشعل الانتقادات بمواجهتها على منصات التواصل الاجتماعي».

جانب من زيارة سابقة لوفد حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إلى دمشق (حكومة «الوحدة»)

وبشأن إمكانية ترحيل «المرتزقة السوريين» من غرب ليبيا، قال التكبالي إن «كثيراً من النخب السياسية تستبعد أن تثمر هذه الزيارة عن ترحيل هذه العناصر التي جلبتها تركيا إلى طرابلس بداية عام 2020، بهدف دعم قوات حكومة (الوفاق الوطني) خلال الحرب على العاصمة، ومن المعلوم أن هؤلاء لن يغادروا إلا بأوامر أنقرة».

وعبر منصات التواصل الاجتماعي، رحّب البعض بزيارة وفد «الوحدة» إلى دمشق، بوصفها دعماً لإرادة الشعب السوري، في حين طالبت أصوات أخرى بالتركيز على الأوضاع الداخلية في ليبيا، وحل مشكلة السيولة وتحسين البنية التحتية.

من جهته، عدّ وكيل وزارة الخارجية الأسبق، السفير حسن الصغير، زيارة اللافي إلى دمشق بأنها «مجاملة من حكومة الدبيبة لحليف أنقرة الجديد»، وأشار إلى أن «ما سيحدد العلاقة بين الشرق الليبي وتلك الإدارة الجديدة هو الموقف التركي».

وقال الصغير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانت علاقة سوريا جيدة مع شرق ليبيا فستكون المعاملة بالمثل، والعكس صحيح؛ فالقرار في أنقرة وليس بدمشق».

وشهدت العلاقات بين أنقرة وشرق ليبيا تقدماً كبيراً خلال العامين الماضيين، تمثلت في زيارة صالح إلى أنقرة أكثر من مرة، وأيضاً زيارات نجلي حفتر صدام وبالقاسم، كما عقدا لقاءات مع كبار المسؤولين بالحكومة التركية.

ولم يستبعد الصغير «عودة بعض أعضاء التنظيمات المتطرفة الليبية»، إلى البلاد، التي قال إنها «انضمت لتنظيمات متطرفة سورية خلال صراعها مع نظام الأسد في 2012 و2013».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقرّاً لها، والثانية مكلفة من البرلمان بقيادة أسامة حماد، وتحظى بدعم «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب.

من جهته، عدّ عضو مجلس النواب الليبي، صالح افحيمة، زيارة وفد «الوحدة» «مناكفة سياسية» لمنافستها حكومة حماد، وقال في إدراج له إن توقيت الزيارة «يعكس سعياً لاستباق أي تحركات دبلوماسية من قبل حكومة حماد تجاه سوريا، وبناء علاقات مع الإدارة الجديدة، إلى جانب محاولة الوجود بالساحة الإقليمية باستغلال الزخم الحالي حول دمشق».

في المقابل، ذهب المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش إلى أن زيارة وفد «الوحدة» لدمشق تعد مماثلة لزيارات أخرى أجرتها وفود من دول عدة، للتعرف على الإدارة الجديدة، وإعلان الدعم للشعب السوري.

واستبعد فركاش في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ما يردده البعض عن احتمالية «سعي حكومة الدبيية لتدشين تحالف سوري - ليبي في مواجهة التمدد الروسي في المنطقة»، لافتاً إلى أن الدبيبة طلب من موسكو توضيحات بشأن الأنباء المتداولة عن نقل عتادها العسكري إلى الشرق الليبي.