«سد النهضة»: مصر والسودان تجددان رفضهما المساس بحقوقهما المائية

القاهرة انتقدت فرض أديس أبابا «سياسة الأمر الواقع»

وزير الري المصري خلال لقائه مع أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال لقائه مع أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)
TT

«سد النهضة»: مصر والسودان تجددان رفضهما المساس بحقوقهما المائية

وزير الري المصري خلال لقائه مع أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال لقائه مع أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)

جددت مصر والسودان رفضهما «أي مساس بحقوقهما المائية من نهر النيل»، وأكدا على «مخاطر إنشاء (سد النهضة) الإثيوبي، من دون أي تشاور مع دولتي المصب»، وأشارا إلى أن تحركات أديس أبابا لفرض سياسة الأمر الواقع «تمثل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي».

ويتطابق الموقف المصري السوداني، بشأن قضية الأمن المائي، بعدّها «قضية وجودية للبلدين»، وشدد خبراء ودبلوماسيون سابقون على «أهمية الموقف الموحد لمصر والسودان تجاه السد الإثيوبي، في ضوء عدم اكتراث الحكومة الإثيوبية بمطالب ومخاوف دولتي المصب».

وتقيم إثيوبيا مشروع سد النهضة على رافد نهر النيل الرئيسي، منذ 2011، ويواجه مشروع السد باعتراضات من دولتي المصب مصر والسودان، للمطالبة باتفاق قانوني ينظم عمليات ملء وتشغيل السد، بما لا يضر بحصتيهما المائية، وخاضت الدول الثلاث جولات متعددة للتفاوض على مدى نحو 13 عاماً دون الوصول لاتفاق حول قواعد «تشغيل السد».

وناقش وزير الري المصري، هاني سويلم، مع الأمينة العامة للمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية بالسودان، منى على، تأثيرات سد النهضة الإثيوبي على البلدين، وأكدا على «رفض أي عمل أو إجراء يمس حقوق مصر والسودان في مياه النيل، أو أي إجراءات توقع الضرر بمصالح البلدين المائية»، حسب إفادة لوزارة الري المصرية.

وزير الري المصري خلال لقائه أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)

وانتقد سويلم التحركات الإثيوبية المنفردة والأحادية في قضية السد، وقال إن «الطرف الآخر (في إشارة لإثيوبيا)، يرغب فقط في تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية للتوصل لحل»، وجدد التأكيد على «ضرورة التزام الدول المتشاطئة على الأنهار الدولية بقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق»، وفق البيان.

وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، «اكتمال بناء ومل سد النهضة»، وقال في كلمة ألقاها أمام برلمان بلاده نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «إن اكتمال بناء السد لن يسبب أي ضرر بدولتي المصب مصر والسودان»، بينما ترى القاهرة أن السد الإثيوبي «يمثل خطراً وجودياً عليها»، وقالت الخارجية المصرية، في خطاب قدمته لمجلس الأمن، خلال أغسطس (آب) الماضي، أن «السياسات الإثيوبية غير القانونية سيكون لها آثارها السلبية الخطيرة على دولتَي المَصبّ».

وشدد وزير الري المصري على أهمية «وجود تعاون مائي فعّال على أحواض الأنهار الدولية»، عادّاً ذلك «مسألة وجودية لا غنى عنها بالنسبة لبلاده»، ومشيراً إلى «مخاطر إنشاء سد النهضة، دون أي تشاور أو دراسات كافية تتعلق بالسلامة، أو بالتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المجاورة»، وأن ذلك «يمثل انتهاكاً للقانون الدولي».

فيما أشارت الأمينة العامة لمجلس البيئة السوداني إلى التأثيرات السلبية للسد الإثيوبي على بلادها، وطالبت بـ«ضرورة تكاتف الجهود لمواجهة المخاطر التي تسببها حالات الجفاف الاصطناعي، الذي يأتي نتيجة إقامة السدود الكبرى على الأنهار»، حسب الري المصرية.

وتطالب مصر والسودان، منذ إعلان إثيوبيا عن إنشاء السد في أبريل (نيسان) 2011، بدراسات للأثر البيئي، وفق خبير المياه الدولي، ضياء القوصي، مؤكداً أن «الجانب الإثيوبي لم يكترث للمطالب المصرية والسودانية»، ومشيراً إلى أن «مشروع السد يسبب أثاراً بيئية ضخمة، على إثيوبيا ودولتي المصب، وقد يؤدي إلى فيضانات أو تصحر في السودان».

وباعتقاد القوصي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، فإن «تنسيق آليات تشغيل السد الإثيوبي، بين الدول الثلاث، أمر حتمي وضروري؛ لتقليل أضراره على دولتي المصب»، وقال إن «السد مقام على نهر دولي، ووفقاً لقواعد القانون الدولي، يجب أن تؤخذ القرارات بالإجماع بين الدول المشاركة فيه».

وفي وقت سابق، أكد وزير الري المصري «تمسك بلاده بضرورة العمل وفق قاعدة (الإجماع)، في إدارة وحل الخلافات المائية مع دول حوض النيل»، وشدد في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على «ضرورة إدارة الموارد المائية العابرة للحدود بشكل متكامل، وفق مبادئ القانون الدولي للمياه، وأن تكون آلية اتخاذ القرار بها بالإجماع لعدم إهدار حقوق أي دولة من دول الحوض».

وزير الري المصري خلال مشاركته في مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بالرياض (الري المصرية)

ويرى الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، السفير أحمد حجاج، أن «تأكيد مصر والسودان على موقفهما الموحد تجاه مشروع السد الإثيوبي، تحرك مهم ومطلوب»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «تحذير القاهرة والخرطوم المستمر من مخاطر السد يعكس رفضهما أي مساس بحقوقهما المائية».

وناقش وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع نظيره السوداني، علي يوسف الشريف، خلال زيارته للسودان الأسبوع الماضي، «ملف الأمن المائي، ومواقف البلدين المتطابقة بوصفهما دولتي مصب نهر النيل»، واتفقا على «استمرار التنسيق والتعاون الوثيق بشكل مشترك، لحفظ وصون الأمن المائي المصري السوداني».

وفي منظور حجاج، فإن «إطالة أمد قضية سد النهضة تستدعي التأكيد على موقف دولتي المصب، نظراً لتأثيرات السد على البلدين»، وقال إن «الجانب الإثيوبي لا يضع أي اعتبار للمعاهدات الدولية، ولا يعترف بحقوق مصر والسودان المائية»، إلى جانب «تجاهل التحذيرات المستمرة من الخبراء بسبب المخاطر البيئية والإنشائية للسد الإثيوبي».

وخلال مشاركته في إحدى جلسات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بالرياض، السبت، تحدث وزير الري المصري عن التحديات المائية التي تواجهها بلاده، وقال إن «مصر تصنف ضمن أكثر الدول جفافاً في العالم، مع معدلات أمطار من بين الأدنى عالمياً، مع اعتمادها بشكل شبه كامل على مياه نهر النيل»، مشيراً إلى أن ذلك «يدفع بلاده للتوسع في معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة».

وتنظر القاهرة لأمنها المائي، باعتباره «قضية وجودية»، إذ تعاني مصر عجزاً مائياً يبلغ 55 بالمائة، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 بالمائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات الري المصرية.


مقالات ذات صلة

مصر تستعرض خطتها لتعويض «عجز مائي» يقدَّر بـ54 مليار متر مكعب

شمال افريقيا سويلم خلال فعاليات «اليوم المصري - الألماني للتعاون التنموي» (وزارة الموارد المائية)

مصر تستعرض خطتها لتعويض «عجز مائي» يقدَّر بـ54 مليار متر مكعب

قال وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم، الاثنين، إن بلاده تطبق خطة شاملة لتعظيم الاستفادة من مواردها المائية المحدودة.

محمد عبده حسنين (القاهرة)
شمال افريقيا مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

حملت مصر مجدداً ما تصفه بـ«التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»، الذي تقيمه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويواجه باعتراضات دولتي المصب.

عصام فضل (القاهرة)
العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا الوزير المصري سويلم يلتقي السفير الألماني بالقاهرة (وزارة الموارد المائية والري)

مصر تحذّر دول نهر النيل من تفعيل اتفاقية «عنتيبي»

حذّرت مصر دول نهر النيل، من تفعيل «الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل»، المعروفة باسم اتفاقية «عنتيبي»، مؤكّدةً أنها بشكلها الحالي «تخالف قواعد القانون الدولي».

أحمد إمبابي (القاهرة)
العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

هيمن كل من الحرب في غزة وملف «سد النهضة» الإثيوبي على تقييمات سياسيين وبرلمانيين مصريين بشأن انعكاس نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية على مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الأمم المتحدة»: 3 ملايين طفل سوداني يواجهون خطر سوء تغذية حاد

TT

«الأمم المتحدة»: 3 ملايين طفل سوداني يواجهون خطر سوء تغذية حاد

صورة ملتقطة في يناير 2024، تظهر نساءً وأطفالاً في مخيم زمزم للنازحين، بالقرب من الفاشر في شمال دارفور، السودان (رويترز)
صورة ملتقطة في يناير 2024، تظهر نساءً وأطفالاً في مخيم زمزم للنازحين، بالقرب من الفاشر في شمال دارفور، السودان (رويترز)

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليوم (الجمعة)، إن نحو 3.2 ملايين طفل دون الخامسة يواجهون خطر الإصابة بسوء التغذية الحاد في السودان الذي يشهد حرباً عنيفة.

وأوضحت إيفا هيندز، مسؤولة المناصرة والاتصال في فرع السودان في منظمة «يونيسف» لوكالة الصحافة الفرنسية: «من هذا العدد، يتوقع أن يعاني 772 ألف طفل من سوء التغذية الحاد».

وترى «يونيسف» أن صعوبة الوصول إلى الرعاية الطبية ومياه الشرب، بالإضافة إلى انعدام النظافة الصحية، والعادات الغذائية غير المناسبة، خصوصاً للرضع والأطفال والنساء، فضلاً عن انعدام الأمن الغذائي، أسباب هيكلية رئيسية لانتشار سوء التغذية الحاد.

وانتشرت المجاعة في 5 مناطق في السودان، وفقاً لوكالات أممية استندت إلى التقرير المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي صدر حديثاً وتدعمه الأمم المتحدة.

وتوقع التقرير أن تعاني 5 مناطق إضافية من المجاعة في منطقة دارفور في غرب السودان بين الشهر الحالي ومايو (أيار) 2025.

إلى ذلك، تواجه 17 منطقة أخرى في غرب السودان ووسطه خطر انتشار المجاعة.

وقالت هيندز: «من دون تأمين إمكانية وصول المساعدات الإنسانية فوراً، وبلا عوائق، ما يسهل تعزيز الاستجابة في قطاعات عدة بشكل كبير، من المرجح أن يتفاقم سوء التغذية في هذه المناطق».

ومنذ أبريل (نيسان) 2023 تدور حرب في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي». وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح 12 مليون شخص وتسبب بأزمة إنسانية حادة.

ووصفت الأمم المتحدة الوضع في السودان بأنه أكبر أزمة نزوح في العالم.

ورفضت الحكومة السودانية التقارير التي تؤكد انتشار المجاعة، في حين تشكو وكالات الإغاثة من صعوبة إيصال المساعدات بسبب العنف المستمر وعقبات بيروقراطية.