مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

وزير الري قال إن التصرفات الأحادية لأديس أبابا تتسبب في «ارتباك» و«تخبط كبير»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»
TT

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

مصر تحمّل «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»

حمّلت مصر مجدداً «التعنت الإثيوبي» مسؤولية تعثر مفاوضات «سد النهضة»، الذي تقيمه أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويواجه باعتراضات دولتي المصب (مصر والسودان). وقال وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، الاثنين، إن «التصرفات الأحادية الإثيوبية تتسبب في تخبط كبير في منظومة إدارة المياه بنظام النهر، وارتباك في منظومة إدارة السدود».

واستعرض سويلم، خلال لقائه عدداً من أعضاء دورة التمثيل الدبلوماسي العسكري المصري بالخارج، رؤية مصر للتعامل مع قضية «سد النهضة»، وتاريخ المفاوضات، ونقاط الاختلاف مع إثيوبيا، مع «إبراز أوجه التعنت الإثيوبي خلال العملية التفاوضية، وخطورة التصرفات الإثيوبية الأحادية».

سويلم يلتقي عدداً من أعضاء دورة التمثيل الدبلوماسي العسكري المصري بالخارج (وزارة الري المصرية)

وفشلت آخر جولة مفاوضات بشأن «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا والسودان في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي دون التوصل لاتفاق.

وقال الوزير المصري إن «دول منابع حوض النيل تتمتع بوفرة في مواردها المائية، إذ يصل حجم الأمطار المتساقطة على حوض نهر النيل إلى حوالى 1600 مليار متر مكعب سنوياً، بينما يصل حجم الأمطار المتساقطة على دول حوض النيل - داخل حوض نهر النيل أو غيره من الأحواض بهذه الدول - إلى حوالي 7000 مليار متر مكعب سنوياً، في وقت تصل حصة مصر من المياه إلى 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، تعتمد عليها مصر بنسبة 98 في المائة لتوفير مواردها المائية».

وحذر خبراء مصريون من عدم التوصل لاتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» يضمن حقوق دولتي المصب، وقال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «خطورة عدم التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة لا تتوقف عند ما يثيره السد من مخاوف، إذ إنه قد يتحول لسابقة تدفع دولاً أخرى من دول المصب إلى إنشاء سدود دون اتفاقيات ودون التشاور مع دولتي المصب».

وأكد شراقي أن «النهج الإثيوبي في بناء سد النهضة في كل مراحله ينطوي على قدر كبير من التخبط وعدم الوضوح، ففي الوقت الراهن مثلاً لا نعرف متى تعمل توربينات توليد الكهرباء ومتى تتوقف». وحسب شراقي، فإن «الممارسات الإثيوبية بشأن سد النهضة تعمق الخلافات بين دول حوض النيل وتتسبب في توترات».

وتحرص مصر، وفق وزير الري، على دعم جهود التنمية المستدامة في دول حوض النيل بتنفيذ «العديد من المشروعات في مجال المياه لخدمة المواطنين في هذه الدول مثل مشروعات تطهير المجاري المائية من الحشائش، وإنشاء سدود لحصاد مياه الأمطار، وآبار جوفية تعمل بالطاقة الشمسية بالمناطق النائية، وإنشاء مراكز للتنبؤ بالأمطار وقياس نوعية المياه بتكلفة إجمالية 100 مليون دولار لكافة المشروعات».

وزير الموارد المائية والري المصري يلقي كلمة عن التحديات المائية لبلاده (وزارة الري المصرية)

ويرى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر الدكتور أيمن عبد الوهاب أن «استمرار السياسات الإثيوبية الأحادية يزيد مخاطر توتر العلاقات بين دول حوض النيل، ويحول قضية المياه إلى أداة للصراع، خصوصاً مع ازدياد متطلبات التنمية بالعديد من دول الحوض»، وحسب تصريحات عبد الوهاب لـ«الشرق الأوسط»، فإنه «لا يمكن إدارة ملف المياه بين دول حوض النيل دون اتفاق قانوني بشأن سد النهضة».

بدورها، أشارت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتورة أماني الطويل، إلى خلاف آخر بين مصر وإثيوبيا يتعلق بما يعرف بـ«اتفاقية عنتيبي»، وهي الاتفاقية التي أبرمت عام 2010، وتعارضها مصر والسودان، وتسمح لدول المنبع بإنشاء مشروعات مائية دون التوافق مع دولتي المصب.

وقالت الطويل لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتفاقية أحدثت شرخاً في العلاقات بين دول المنابع والمصب، وهو ما سيؤدي إلى عرقلة أي جهود تنموية أو مشروعات مائية بدول حوض النيل، لأن الشرط الأساسي للمؤسسات الدولية المانحة هو وجود توافق وإجماع بين دول الحوض حول هذه المشروعات».

ووفق الطويل، فإن «السياسات الإثيوبية الإقليمية في مجملها تؤثر سلباً على العلاقات بين دول حوض النيل».


مقالات ذات صلة

ما فرص عودة الوساطة الأميركية لحل نزاع «السد الإثيوبي»؟

العالم العربي ترمب خلال استقباله وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا خلال ولايته الأولى في نوفمبر 2019 (البيت الأبيض)

ما فرص عودة الوساطة الأميركية لحل نزاع «السد الإثيوبي»؟

طرح اتصال بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترمب، تساؤلات حول فرص عودة واشنطن للوساطة مرة أخرى حول نزاع «سد النهضة» الإثيوبي.

أحمد إمبابي (القاهرة)
العالم العربي سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)

مصر تتحدث عن «تجربة مريرة» عمرها 13 عاماً في ملف السد الإثيوبي

جدّدت مصر الحديث عن صعوبات مسار التفاوض مع إثيوبيا بشأن قضية «سد النهضة»، مؤكدة أنها «خاضت تجربة مريرة لمدة 13 عاماً».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا سويلم خلال فعاليات «اليوم المصري - الألماني للتعاون التنموي» (وزارة الموارد المائية)

مصر تستعرض خطتها لتعويض «عجز مائي» يقدَّر بـ54 مليار متر مكعب

قال وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم، الاثنين، إن بلاده تطبق خطة شاملة لتعظيم الاستفادة من مواردها المائية المحدودة.

محمد عبده حسنين (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الري المصري خلال لقائه مع أمين عام المجلس الأعلى للبيئة بالسودان (الري المصرية)

«سد النهضة»: مصر والسودان تجددان رفضهما المساس بحقوقهما المائية

جددت مصر والسودان رفضهما «أي مساس بحقوقهما المائية من نهر النيل»، وأكد البلدان على «مخاطر إنشاء (سد النهضة) الإثيوبي، دون أي تشاور مع دولتي المصب».

أحمد إمبابي (القاهرة )
العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)

المساعدات الأميركية... «ورقة ضغط» تُشعل الغضب في مصر

الرئيس الأميركي ونظيره المصري على هامش اجتماعات الأمم المتحدة عام 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي ونظيره المصري على هامش اجتماعات الأمم المتحدة عام 2018 (الرئاسة المصرية)
TT

المساعدات الأميركية... «ورقة ضغط» تُشعل الغضب في مصر

الرئيس الأميركي ونظيره المصري على هامش اجتماعات الأمم المتحدة عام 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي ونظيره المصري على هامش اجتماعات الأمم المتحدة عام 2018 (الرئاسة المصرية)

تلويح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بتعليق مساعدات بلاده إلى مصر، حال لم تقبل بتهجير الفلسطينيين إليها، أشعل غضباً واسعاً بين المصريين، ظهر جلياً على منصات التواصل الاجتماعي، في وقت تواصلت خلاله لقاءات يجريها وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، بواشنطن مع مسؤولين كبار، تطرقت لأهمية إعمار قطاع غزة دون إخراج أهلها، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تنفيذاً لحل الدولتين.

الإعلان الأميركي الأحدث بشأن المساعدات، التي تقدر بنحو 1.5 مليار دولار دعماً اقتصادياً وعسكرياً، الذي جاء محاولة لـ«الضغط للقبول بالتهجير لن يؤثر على مصر التي لديها أوراق عديدة للرد»، بحسب تصريحات رئيس مجلس الشؤون الخارجية المصري، ووزير الخارجية الأسبق السفير محمد العرابي لـ«الشرق الأوسط»، وتأكيدات من نواب مصريين وناشطين بارزين بمنصات التواصل الاجتماعي.

ومنذ 25 يناير (كانون الثاني) اقترح ترمب استقبال مصر والأردن لفلسطينيين بعد تهجيرهم من غزة، قبل أن تبدأ سلسلة من الرفض المصري والعربي كان أبرزها حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي، في 29 من الشهر الماضي بأن «تهجير الفلسطينيين ظلم لن نشارك فيه»، مررواً ببيانات للخارجية ومجلس النواب ترفض ذلك الاقتراح دون ذكر اسم الرئيس الأميركي، وصولاً لاجتماع سداسي عربي بالقاهرة أكد الأمر ذاته.

لم يتوقف ترمب عن تصريحاته باستقبال مصر للفلسطينيين، وكذلك الاتصالات المصرية التي توجت، بإعلان القاهرة استضافة قمة عربية طارئة أواخر فبراير (شباط) الحالي لبحث تطورات القضية الفلسطينية، وبدء زيارة لوزير الخارجية بدر عبد العاطي، لواشنطن.

وخلال لقاءات بواشنطن جمعت عبد العاطي، مع نظيره الأميركي، ماركو روبيو، وكذلك ستيف ويتكوف، مبعوث ترمب للشرق الأوسط ومسؤولين بمجلسي النواب والشيوخ، جددت القاهرة رفض تهجير الفلسطينيين وأهمية إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق بيانات صحافية للخارجية المصرية يومي الاثنين والثلاثاء.

وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الأميركي في واشنطن (الخارجية المصرية)

وبالتزامن مع زيارة عبد العاطي المستمرة إلى واشنطن، أعلن ترمب، الاثنين، أنّ بلاده «ربما» تقطع المساعدات عن مصر والأردن إذا لم يقبلا استقبال فلسطينيي غزة، فيما أعاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، في اتصال هاتفي مع رئيسة وزراء الدنمارك ميتا فريدريكسن، التأكيد على «ضرورة بدء عمليات إعادة إعمار قطاع غزة بهدف جعله قابلاً للحياة، وذلك دون تهجير سكانه الفلسطينيين».

وباعتقاد السفير محمد العرابي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» فإن «الإدارة المهتزة للأمور من جانب ترمب لا تتناسب مع حجم العلاقات بين البلدين ولا أثر لحديثه على الموقف المصري».

ورجح العرابي أن «يتدارك (ترمب) ما قاله بشأن المساعدات لاحقاً بغض النظر عن المضي في مخططه بشأن التهجير أم لا، خاصة بعد تنبيه متوقع من المؤسسات الأميركية لا سيما البنتاغون أو الخارجية وغيرهما له بأن الحديث عن مصر التي يعلمون وزنها الاستراتيجي يجب أن يكون فيه قدر من الرويّة».

ويرى أن «مصر لا تنزعج من تلك التصريحات التي لا تخدم بقاء أسس السلام بالمنطقة ولديها الكثير من الأوراق التي ترد بها»، لافتاً إلى أن وزير الخارجية خلال زيارته «سيوضح للإدارة الأميركية الموقف المصري كاملاً وثوابته».

الرفض البرلماني المصري لتصريحات ترمب كان حاضراً بقوة، بينهم النائب البارز مصطفى بكري في منشور عبر منصة «إكس»، قائلاً: «مواقف مصر ثابتة، ولن تخضع للتهديد أو الوعيد أو مطالبكم غير المشروعة»، وحذر من أن هذا التهديد «لن يؤدي إلى تحقيق السلام ولن يجبر مصر على التخلي عن ثوابتها».

وتحدث النائب محمود بدر في رسالة مماثلة، بمنشور عبر «إكس»، قائلاً إن مصر «عمرها ما رهنت إرادتها السياسية على مساعدتكم يا ترمب»، مؤكداً أن مصر رفضت من قبل «صفقة القرن» ولم تخش قطع المعونة وستسقط خطة التهجير.

ويرى الكاتب المصري محمد صلاح، في منشور عبر «إكس»، أن المساعدات الأميركية لمصر هي جزء من اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، وإلغاء بند المساعدات أو الإخلال به يعطي الحق لمصر في مراجعة الاتفاق برمته.

ونبه صلاح إلى أن «المساعدات الأميركية لمصر هي ترجمة لعلاقات سياسية بين البلدين وليست إعانة لبلد يعتمد اقتصاده على المساعدات الخارجية»، مشدداً على أن «مصر لا تبتز ولا تبيع كرامتها مقابل مساعدات من أي جهة».

وبينما يتواصل الغضب بمنصات التواصل، لم تعلق مصر رسمياً على تصريحات ترمب، وفي هذا الصدد، يرى السفير العرابي، أنه «ليس لازماً أن ترد القاهرة على كل تصريح يصدره ترمب، هناك غضب واضح، ومشروع ترمب بشأن التهجير نقول عنه دبلوماسياً (non-starter) أي لن يبدأ، وأوراق مصر عديدة للرد ودورها المؤثر في الإقليم لا يمكن إنكاره».

وينبه العرابي إلى أن «واشنطن ستعود للقاهرة طلباً لدورها واعترافاً بقيمتها في المنطقة، في ظل تعثر اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، وتعليق (حماس) لتسليم الأسرى مؤقتاً، وتهديد ترمب بجحيم حال لم تسلم جميع الرهائن السبت المقبل».