لوّحت مصر باتخاذ «إجراء قانوني دولي» حال وقوع أضرار ناتجة عن «سد النهضة» الإثيوبي، وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الخميس، إن «أي ضرر قد يلحق بمصر نتيجة للمشروع سيُقابل برد فعل في إطار ما يكفله القانون الدولي من حقوق، على رأسها حق الدفاع عن النفس وحماية الأمن القومي»، مشدداً على «أن مصر لن تتهاون في حماية مقدرات شعبها ومواردها الحيوية».
جاءت تصريحات عبد العاطي، التي أدلى بها خلال جلسة عقدها مع لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، بعد أيام من تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «مطلب بلاده الوحيد هو عدم المساس بحقوقها في مياه النيل والتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن السد الإثيوبي»، نافياً توجيه أي «تهديد إلى إثيوبيا».
وأعلنت مصر في ديسمبر (كانون الأول) 2023 فشل آخر جولة للمفاوضات بشأن السد، وإغلاق المسار التفاوضي بعد جولات متعددة على مدار سنوات طويلة.
لكن الوزير عبد العاطي أشار في المقابل إلى تحركات «تشمل التواصل مع الشركاء الدوليين، والاستفادة من الأطر القانونية الدولية، بهدف ضمان عدم المساس بحصة مصر التاريخية من مياه النيل، باعتبارها قضية وجود وليست مجرد ملف فني أو سياسي».
وشدد على أن «مصر ستواصل العمل وفق رؤية متوازنة تجمع بين ضبط النفس والحزم، والتمسك بالقانون الدولي، مع الاستعداد لاتخاذ ما يلزم من خطوات لحماية مصالحها المائية والاستراتيجية، بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة».

وخلال هذا الشهر رفعت إثيوبيا من حدة لهجتها تجاه مصر في سياق النزاع المستمر حول سد النهضة، واتهمت القاهرة «بالسعي إلى احتكار مياه نهر النيل استناداً إلى اتفاقات أُبرمت خلال الحقبة الاستعمارية»، وزعمت أن مصر «عرقلة مسار المفاوضات الممتدة منذ أكثر من عقد».
وفسّر أستاذ القانون الدولي العام محمد محمود مهران، تصريحات عبد العاطي، باللجوء إلى القانون الدولي، لافتاً إلى أنها «تعني تحديداً تفعيل المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الخاصة بحق الدفاع الشرعي عن النفس، وهذا يعني أن مصر تحتفظ بحقها في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية أمنها المائي».
وأضاف مهران في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الرد القانوني الدولي يتضمن أيضاً «اللجوء الفوري لمجلس الأمن لاعتبار التهديد المائي الإثيوبي تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وإمكانية تفعيل دور الجمعية العامة للأمم المتحدة للضغط عليها لطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول الانتهاكات الإثيوبية، وتفعيل آليات المسؤولية الدولية لمطالبة إثيوبيا بالتعويضات عن كل الأضرار».
ولفت خبير القانون الدولي إلى أن «تصريح عبد العاطي يحمل تحذيراً واضحاً بأن مصر استنفدت كل الوسائل الودية وباتت مستعدة للانتقال لمرحلة جديدة أكثر حسماً».
بدوره، قال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، إن «وزير الخارجية المصري استند في حديثه الأخير إلى ميثاق الأمم المتحدة وفقاً للفصلين السادس والسابع، بخاصة حال تعرضت مصر إلى الخطر الجسيم أو واجهت تعنتاً في التوزيع العادل والمنصف لمياه نهر النيل، باعتباره نهراً دولياً وكذلك إثبات ما تتعرض له من فقر مائي نتيجة تراجع كميات المياه الواردة ومقارنتها بعدد السكان، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للمواطنين».

ويركز «الفصل السادس» على الحلول السلمية للمنازعات عبر التفاوض والوساطة وغيرها، بينما «الفصل السابع» يمنح مجلس الأمن صلاحية اتخاذ إجراءات أكثر حدة بما في ذلك التدخل العسكري.
والتزمت مصر بأسس حل النزاع عبر الطرق السلمية التي يكلفها «الفصل السادس» وفقاً لما أوضحه حليمة لـ«الشرق الأوسط»، الذي أشار إلى أن أبرز الأضرار المحتملة على مصر «قد تشمل حالات الجفاف أو الجفاف الممتد أو تعرض السد للانهيار».
ويرى حليمة أن «مصر تنفتح أيضاً على الخيارات الدبلوماسية بما يضمن الضغط على إثيوبيا لإعادة النظر في تصرفاتها الأحادية بشأن إدارة وتشغيل السد، والوصول إلى اتفاق قانوني ملزم يحظى بتأييد إقليمي ودولي والمنظمات المعنية، كما أن القاهرة تنفتح على دخول وسيط لديه من التأثير ويسعى لقبول الطرفين لتسوية الأزمة والتعويل على الولايات المتحدة في هذا الأمر».
وتعتمد مصر على نهر النيل مورداً رئيسياً لتلبية احتياجاتها المائية، وتحصل على حصة مياه سنوية تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، وهي تقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات سابقة لوزارة الري المصرية.










