السودان: المسيّرات تتساقط على عطبرة... فمَن يقف وراءها؟

طائرات انتحارية استهدفت معسكراً لسلاح المدفعية

مخيم في مدينة القضارف بشرق السودان لنازحين فروا من ولاية الجزيرة يوم 23 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
مخيم في مدينة القضارف بشرق السودان لنازحين فروا من ولاية الجزيرة يوم 23 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

السودان: المسيّرات تتساقط على عطبرة... فمَن يقف وراءها؟

مخيم في مدينة القضارف بشرق السودان لنازحين فروا من ولاية الجزيرة يوم 23 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
مخيم في مدينة القضارف بشرق السودان لنازحين فروا من ولاية الجزيرة يوم 23 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

انتُشل أطفال أحياء من تحت ركام منزلهم الذي تعرض، فجر الأربعاء، لسقوط طائرة مسيّرة «انتحارية»، على ما يبدو، في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، شمال السودان. ولم تتبنَّ أي جهة مسؤوليتها عن الحادثة بشكل فوري، لكن اتهامات وُجّهت إلى «قوات الدعم السريع» التي تتقاتل مع الجيش على السلطة منذ ما يقرب من 18 شهراً.

وعلى مدى 4 أيام متتالية، تصدت المضادات الأرضية للجيش السوداني لعشرات المسيّرات (درون) التي استهدفت مناطق متفرقة من الولاية، دون تحديد المناطق التي انطلقت منها.

وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن طائرات مسيّرة استهدفت، فجر الأربعاء، أبنية سكنية تابعة للمعسكر الشرقي لسلاح المدفعية بعطبرة، وهو من أعرق الأسلحة للجيش السوداني.

وقال سكان في المدينة: «صحونا على دوي انفجار عنيف هز الضاحية». وأضافوا أن المسيّرات كانت تستهدف «بشكل مباشر فرقة عسكرية تابعة للجيش».

ومنذ اندلاع الصراع الحالي في البلاد في 15 أبريل (نيسان) 2023، غالباً ما كانت الاتهامات توجّه إلى «قوات الدعم السريع» باستهداف مناطق مدنية تقع تحت سيطرة الجيش، لكنها دأبت على نفي أي صلة لها بهجمات المسيّرات.

وقال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»: «لا تتوفر معلومات كافية حتى الآن عن الجهة التي أطلقت المسيّرات (فجر الأربعاء) أو الأماكن التي انطلقت منها».

وأضاف أنه في ظل الصراع الدائر بالبلاد «من الطبيعي أن توجّه الاتهامات إلى (قوات الدعم السريع)، باعتبار أن المناطق المستهدفة تقع تحت سيطرة الجيش».

وتزايدت هجمات الطائرات المسيّرة المجهولة على مقار الجيش في شمال البلاد وشرقها؛ حيث تعرّض قبل أيام المهبط الجوي بالفرقة الثالثة مشاة في مدينة شندي بولاية نهر النيل، شمال السودان، إلى هجوم بأربع طائرات مسيّرة انتحارية.

وفي يوليو (تموز) الماضي، نجا قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان من محاولة اغتيال، إثر تعرضه لهجوم شنته طائرات من دون طيار «درون» مجهولة، استهدفت استعراضاً عسكرياً كان يشارك فيه بمنطقة جبيت العسكرية شرق البلاد.

وأثار ذلك الهجوم أسئلة بشأن الجهة التي أطلقتها ومن أين، وما إذا كانت قادمة من جهة «قوات الدعم السريع»، أم أن طرفاً ثالثاً قد يكون ضالعاً في محاولة لتصفية قائد الجيش.

وقبل ذلك بأشهر، قُتل نحو 15 شخصاً وأصيب آخرون، غالبيتهم من المدنيين، جراء هجوم بطائرة مسيّرة استهدفت إفطاراً جماعياً نظّمته «كتيبة البراء بن مالك» المحسوبة على الإسلاميين، ما دفع بعض الأوساط إلى التشكيك في نيران صديقة وراء الاستهداف.

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

وجاء الهجوم على تلك المجموعة بعد أيام قليلة من تصريحات كان قد أطلقها نائب القائد العام للجيش السوداني، شمس الدين كباشي، عن وجود مجموعات مسلحة خارج الجيش، في إشارة إلى ضرورة تقنين «المقاومة الشعبية» والمتطوعين (المرتبطين بالإسلاميين) داخل معسكرات تابعة للقوات المسلحة.

وتعرضت عطبرة، الأحد الماضي، لانقطاع مفاجئ في التيار الكهربائي، تزامناً مع سماع أصوات المضادات الأرضية التابعة للجيش السوداني، وهو الهجوم الرابع على التوالي باستخدام طائرات مسيّرة انتحارية.

وأفاد شهود عيان بأن الطائرات المسيّرة كانت تستهدف بشكل مباشر مطار المدينة.

لكن مصادر رفيعة في «قوات الدعم السريع» تحدثت لـ«الشرق الأوسط» نفت أي صلة لها بالهجمات الأخيرة التي استهدفت ولاية نهر النيل، أو أي مناطق خارج جبهات القتال التي تسيطر عليها.

وقالت إن ما يجري هو على الأرجح «تصفية حسابات داخل معسكر الجيش السوداني»، معتبرة «أن هناك تيارات إسلامية تريد أن تبعث برسائل قوية إلى قادة الجيش بأنها هي من يسيطر على اتخاذ القرار في المؤسسة العسكرية».

وأضافت المصادر: «هذا ما ظللنا نتحدث عنه كثيراً... إن قادة الجيش الحاليين لا يملكون أي سلطة. القرار بيد الحركة الإسلامية التي أشعلت الحرب، وتسعى إلى استمرارها للعودة إلى السلطة مرة ثانية».

وقال خبير عسكري طلب عدم كشف هويته إن «من المحتمل أن تكون المسيّرات من طرف (قوات الدعم السريع) فعلاً، لكنها قد تكون من طرف ثالث أيضاً»، مشيراً إلى أن «قوات الدعم السريع» تمتلك ربما مسيّرات تستطيع الوصول إلى أي منطقة من البلاد.

ورجح الخبير أن يكون المقصود بالهجمات المتواصلة على مدى أكثر من 4 أيام متتالية في ولاية نهر النيل، توجيه رسالة من «قوات الدعم السريع» بأنها تملك القدرة على نقل الصراع إلى شمال البلاد، وهي مناطق ظلت خارج نطاق القتال منذ انفجار الصراع الحالي في البلاد.

وقال الخبير: «أستبعد أن تكون الهجمات بالمسيّرات من طرف ثالث يوالي الجيش السوداني، باعتبار أنه ليست له مصلحة في ترويع المواطنين وتشريدهم بما يصب في مصلحة (قوات الدعم السريع)، العدو الرئيسي بالنسبة لهم»، لكنه أشار إلى احتمال وجود خرق أمني مكّن الجهة التي أطلقت المسيّرات من الوصول إلى أهداف عسكرية أو مدنية داخل مدينة عطبرة.


مقالات ذات صلة

البرهان يعين دبلوماسياً سودانياً سابقاً رئيساً جديداً للحكومة

العالم العربي رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

البرهان يعين دبلوماسياً سودانياً سابقاً رئيساً جديداً للحكومة

أصدر قائد الجيش السوداني والحاكم الفعلي للسودان عبد الفتاح البرهان، قراراً، الأربعاء، بتعيين دفع الله الحاج رئيساً جديداً للحكومة في البلد الذي تعصف به الحرب.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا لقطة من فيديو بثه «الدعم السريع» لعناصر في الفاشر عبر «تلغرام» الثلاثاء

«الدعم السريع» توجه نداءً للجيش والقوة المشتركة بإخلاء الفاشر

عاد الهدوء الحذر يخيم على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان، بعد يوم من هجوم كبير شنته «قوات الدعم السريع» على المدينة من كل المحاور، وصده الجيش.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا أشخاص يسيرون أمام مركبات مدمرة في الخرطوم يوم 28 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

أكثر من 20 قتيلاً في قصف مدفعي لـ«الدعم السريع» على مخيم للنازحين غرب السودان

قُتل أكثر من 20 مدنياً وجُرح 40 آخرون في الأيام الثلاثة الأخيرة في قصف لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم للنازحين تضربه المجاعة في غرب السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا 
حرب المسيرات في السودان دمرت كثيراً من المرافق العامة (رويترز)

السودان: «الدعم السريع» تصعّد حرب المسيّرات

تجددت هجمات المسيّرات التابعة لـ«قوات الدعم السريع» لليوم الثاني على التوالي، مستهدفةً عدة مواقع عسكرية وبنية تحتية في السودان، من بينها مصفاة الجيلي للبترول.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مع جنوده أثناء زيارة سابقة إلى الخرطوم (صفحة الجيش السوداني)

تصاعد استخدام المسيّرات في الحرب السودانية

تجددت هجمات الطائرات المُسيرة التابعة لـ«قوات الدعم السريع» لليوم الثاني على التوالي، مستهدفة عدة مواقع عسكرية وبنية تحتية في السودان.

أحمد يونس (كمبالا)

مصر تصادق على اتفاقية «نقل المحكومين» مع الإمارات

مجلس النواب المصري (وزارة الشؤون النيابية والتواصل السياسي)
مجلس النواب المصري (وزارة الشؤون النيابية والتواصل السياسي)
TT

مصر تصادق على اتفاقية «نقل المحكومين» مع الإمارات

مجلس النواب المصري (وزارة الشؤون النيابية والتواصل السياسي)
مجلس النواب المصري (وزارة الشؤون النيابية والتواصل السياسي)

صدَّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، على «اتفاقية نقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحريات»، الموقعة بين بلاده والإمارات، التي «تقضي بنقل المدانين بأحكام قضائية إلى الوطن الأصلي لقضاء مدة العقوبة».

ووافق مجلس النواب المصري (البرلمان)، على الاتفاقية، الشهر الماضي، وسط جدل بشأن اشتراط «موافقة السجين» قبل التبادل.

ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بتصديق السيسي عليها، حسب برلمانيين مصريين، أشاروا إلى أن «المستفيد منها، أسر المحكوم عليهم، لتقديمها تسهيلات بنقل (السجين)، إلى موطنه الأصلي لاستكمال مدة العقوبة».

ونشرت الجريدة الرسمية في مصر، الأربعاء، موافقة السيسي على اتفاقية «نقل المحكوم عليهم» مع الإمارات.

وكان البلدان وقعا على اتفاقية «نقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية» في يناير (كانون الثاني) عام 2024، وناقش البرلمان المصري الاتفاقية في يناير الماضي، في إطار «علاقات التعاون بالمجال القضائي بين البلدين».

وتضمنت الاتفاقية 19 مادة، مقسمة إلى أربعة أبواب، وتضمن الباب الأول أحكام نقل المحكوم عليهم، والثاني تناول «الإجراءات المتبعة الخاصة بنقل المدانين»، فيما تضمن الباب الثالث «اختصاصات السلطة المركزية، وسبل تسوية الخلافات التي تنشأ حول تطبيق وتفسير الاتفاقية»، ونص الباب الرابع على «مدة ومجال سريان الاتفاقية، وكيفية تعديلها وإنهائها»، وفق تقرير اللجنة المشتركة للجنتي «الدفاع» و«التشريعية» بمجلس النواب المصري.

مناقشات «النواب» المصري لاتفاقية تبادل المحكوم عليهم بين مصر والإمارات في مارس الماضي (مجلس النواب المصري)

وخلال جلسة البرلمان المصري، المعنية بالموافقة على الاتفاقية، في مارس (آذار) الماضي، قال رئيس «اللجنة التشريعية» بمجلس النواب، المستشار إبراهيم الهنيدي، إن «الاتفاقية تهدف في مجملها إلى تهيئة السبل الكفيلة لإصلاح المحكوم عليه وإعادة تأهيله باعتباره الفرض الأساسي للجزاء الجنائي»، وأضاف أنها «إحدى اتفاقيات التعاون القانوني والقضائي، وتأتي في إطار احترام حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية».

وأثارت موافقة البرلمان المصري على الاتفاقية، حينها، تكهنات بشأن إمكانية طلب القاهرة استرداد المعارض المصري عبد الرحمن القرضاوي، المحتجز في أبوظبي، والملاحق قضائياً في مصر.

لكن عضو «لجنة الدفاع والأمن القومي» بمجلس النواب، يحيى كدواني، استبعد مجدداً، الأربعاء، أن يكون الهدف من الاتفاقية «نقل نجل القرضاوي إلى مصر»، وقال إن «الاتفاقية لا تستهدف أشخاصاً، لكن توفر خدمة إنسانية لأسر المحكوم عليهم، بتسهيل لقاءات (السجناء) وذويهم، حال نقلهم لموطنهم الأصلي».

وأوضح كدواني لـ«الشرق الأوسط»، أن «المستفيد الأكبر من الاتفاقية أسر المحكوم عليهم بين البلدين، حال توافر شروط نقل (السجين)»، وقال إن «الاتفاقية تعكس عمق التعاون القضائي بين القاهرة وأبوظبي».

ووفق المادة الثالثة من الاتفاقية، يقدم طلب نقل السجين من «دولة الإدانة، ودولة التنفيذ، ومن المحكوم عليه، أو من ممثله القانوني، أو من زوجه، أو أحد أقاربه، حتى الدرجة الرابعة».

وحسب عضو «لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية» بالبرلمان المصري، إيهاب رمزي، فإن «الاتفاقية تطبق مبدأ المعاملة بالمثل، وهو مبدأ قانوني منصوص عليه، في علاقات التعاون بين الدول».

وأضاف رمزي لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتفاقية تضع شروطاً لعملية نقل المحكوم عليهم، من بينها اشتراط موافقته أو بناء على طلب من ذويه، كما أنها حددت ضوابط لرفض طلب نقل (السجين)».

ويُرفض طلب نقل المحكوم عليه، في حالة «إذا رأت دولة الإدانة في عملية النقل مساساً بسيادتها أو أمنها أو نظامها العام أو مصالحها»، أو «إذا قضي بالبراءة عن الأفعال نفسها في دولة التنفيذ»، أو «إذا انقضت وقائع الدعوى المدان فيها، في دولة التنفيذ»، وفق نص المادة الرابعة للاتفاقية.