موريتانيا… هل بدأ التحضير للحوار السياسي؟

بعد مائة يوم من تعيينه… الوزير الأول يلتقي قادة الأغلبية الرئاسية

قادة أحزاب الأغلبية الرئاسية الحاكمة في اجتماع مع الوزير الأول الموريتاني (الوزارة الأولى)
قادة أحزاب الأغلبية الرئاسية الحاكمة في اجتماع مع الوزير الأول الموريتاني (الوزارة الأولى)
TT

موريتانيا… هل بدأ التحضير للحوار السياسي؟

قادة أحزاب الأغلبية الرئاسية الحاكمة في اجتماع مع الوزير الأول الموريتاني (الوزارة الأولى)
قادة أحزاب الأغلبية الرئاسية الحاكمة في اجتماع مع الوزير الأول الموريتاني (الوزارة الأولى)

بعد أن أكملت حكومة الوزير الأول الموريتاني، المختار ولد اجاي، المائة يوم الأولى منذ تعيينها بعد فوز الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بولاية رئاسية ثانية في يونيو (حزيران) الماضي، عقد الوزير الأول لقاءات مع قادة الأحزاب السياسية، فيما اعتبر تحضيراً لحوار سياسي يطوي صفحة التصعيد والتوتر السياسي في البلاد.

واستدعى الوزير الأول قادة أحزاب الأغلبية الرئاسية الحاكمة، وعقد معهم اجتماعاً الثلاثاء في مباني الوزارة الأولى، شدد فيه على أن حكومته «ماضية في عقد اللقاءات مع كل الطيف السياسي المكون للأغلبية الرئاسية»، بهدف «تبادل المعلومات إرساءً لمزيد من التنسيق والتشاور».

وقالت الوزارة الأولى في بيان صحافي إن «اللقاء كرس لتبادل الآراء حول سبل تعزيز آليات التنسيق والتشاور بين الحكومة وهذه الأحزاب حول القضايا الوطنية المهمة، وضرورة العمل المشترك استجابة لتطلعات المواطنين في العيش الكريم وتوطيد اللحمة الوطنية وترسيخ الحكم الرشيد وتنقية الأجواء السياسية في البلاد».

الوزير الأول الجديد سبق أن تعهد بتنظيم حوار مسؤول وصريح ولا يقصي أحداً (الوزارة الأولى)

ورغم أن الوزارة الأولى لم تشر في البيان إلى «الحوار السياسي» فإن المهتمين بالشأن السياسي في موريتانيا يعتقدون أن اللقاء يدخل في سياق مساعي الحكومة لتنظيم حوار وطني في غضون أشهر.

ترتيب داخلي

في هذا السياق، يقول الكاتب الصحافي والمحلل السياسي سيدي محمد ولد بلعمش: إن «استدعاء الوزير الأول لرؤساء أحزاب الأغلبية الرئاسية الحاكمة يأتي في إطار ترتيب البيت الداخلي لهذه الأحزاب الذي تصدع كثيراً منذ الانتخابات التشريعية (2023)».

ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الوزير الأول أراد من خلال اللقاء أن يوضح طبيعة العلاقة بين أحزاب الأغلبية والحكومة، حيث إن «الأحزاب السياسية الداعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تمثلُ الذراع السياسية للحكومة، فيما تشملُ الحكومة الذراع التنفيذية لهذه الأحزاب».

وقال الكاتب الصحافي «يبدو أن الوزير الأول الجديد مهتم بتصحيح العلاقة بين حكومته وأحزاب الأغلبية الرئاسية، بل وتعزيز العلاقة وتطويرها، استعداداً لحوار سياسي ستشارك فيه أحزاب المعارضة».

وأوضح المحلل السياسي ولد بلعمش أن الوزير الأول الجديد، الذي يوصف كثيراً بأنه «متحمس وقوي»، هو «واحد من الشخصيات السياسية القليلة في الأغلبية الرئاسية الحاكمة التي تتمتع بعلاقة جيدة مع أحزاب المعارضة، وبخاصة مع الناشط الحقوقي بيرام الداه اعبيد الذي حلَّ ثانياً في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومطلبه الأول هو تنظيم حوار سياسي».

ويشير المحلل السياسي إلى أن شبكة علاقات الوزير الأول الجديد «مكنته من تسلم الملف السياسي، ونقله إلى الوزارة الأولى، بعد سنوات من معالجته على مستوى رئاسة الجمهورية»... واستدل على ذلك بأن الوزير الأول منذ تعيينه في شهر أغسطس (آب) الماضي «التقى العديد من الشخصيات السياسية المعروفة، كان من أبرزها أحمد ولد داداه، الزعيم التاريخي للمعارضة الموريتانية».

وخلال مأموريته الأولى (2019 – 2024)، كان ولد الغزواني يتولى إدارة الملف السياسي بشكل شخصي، حيث يلتقي بالأحزاب السياسية والشخصيات البارزة، ويتدخل في بعض الأحيان لإنهاء التصعيد بين المعارضة والأغلبية الداعمة له، ولكنه بعد فوزه بالولاية الرئاسية الثانية الممتدة حتى 2029 أسند الملف السياسي للوزير الأول، الذي كان يشغل في السابق منصب مدير ديوانه ويوصف بأنه أحد المقربين منه.

الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني (أ.ف.ب - أرشيفية)

ويثير تصاعد التوتر السياسي في أعقاب كل انتخابات مخاوف الموريتانيين، بخاصة بعد أن تكررت أعمال العنف عقب رئاسيات 2019 و2024، ما يرغم السلطات في كل مرة على قطع خدمة الإنترنت، وتعزيز الإجراءات الأمنية في العديد من مدن البلاد، واعتقال المئات من المتورطين في أعمال الشغب.

وبعد تنصيبه مطلع أغسطس الماضي، تعهد ولد الغزواني بتنظيم حوار وطني يشارك فيه الجميع من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن وحدة الصف الداخلي ويغلق الباب أمام أي أعمال عنف في المستقبل.

وحين قدم الوزير الأول الموريتاني الجديد برنامج عمل حكومته أمام البرلمان قبل ثلاثة أشهر، قال إن حكومته ستعملُ على تنظيم «حوار سياسي من أبرز أجنداته مراجعة المدونة الانتخابية وتحسينها بما يخدم المزيد من المشاركة والشفافية والمصداقية»، كما تعهد بالعمل على «مراجعة قانون الأحزاب السياسية».

ووصف الوزير الأول الحوار المرتقب بأنه «سيكون مسؤولاً وصريحاً وشاملاً، ولا يقصي أحداً، ولا يستثني موضوعاً جوهرياً، والهدف منه إعادة التفكير بكثير من التأني في منظومة حوكمتنا ونموذجنا الديمقراطي».

وتثير أحزاب المعارضة الكثير من الشكوك حول المنظومة الانتخابية، وبخاصة «اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات» التي تشرف على تنظيم أي اقتراع في البلاد، وهو ما يدفع الكثير من الأحزاب إلى رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات، ما يقود إلى أعمال عنف في الشارع.


مقالات ذات صلة

​الرئاسة السورية تصدر قراراً بتشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني

المشرق العربي صورة ملتقطة في 3 يناير 2025 بالعاصمة السورية دمشق تظهر الرئيس السوري أحمد الشرع أثناء اجتماع بالقصر الرئاسي (د.ب.أ)

​الرئاسة السورية تصدر قراراً بتشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني

ذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) الأربعاء أن الرئاسة السورية أصدرت قراراً بتشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني من أجل بحث مستقبل البلاد

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الحوار العالمي «كايسيد»، أن برامجهم تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم.

«الشرق الأوسط» (لشبونة)
يوميات الشرق تقمص الشخصية واستدعاء ملامحها في أدوار مختلفة (صفحة الفنانة حنان مطاوع على فيسبوك)

حنان مطاوع: المنصات الرقمية خطفت الأضواء من السينما

أبدت الفنانة المصرية حنان مطاوع رغبتها في تجسيد شخصية فرعونية، وأكدت أنها لم تتوقع أن يكون مشهدها ضيفة شرف في مسلسل «رقم سري» سيثير ضجة كبيرة.

مصطفى ياسين (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان أحمد مجدي يهتم بحضور المهرجانات ممثلاً ومخرجاً (حسابه على إنستغرام)

الفنان أحمد مجدي: أعمل بـ«3 أرواح» منتجاً وممثلاً ومخرجاً

قال الفنان المصري أحمد مجدي إن مسلسل «نقطة سودة» الذي يُعرض حالياً منحه مساحة جيدة للاستعداد لشخصية «علي» التي يؤديها وتشهد تحولات درامية عديدة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان أمير المصري في «مهرجان القاهرة السينمائي» (صفحته على «إنستغرام»)

أمير المصري لـ«الشرق الأوسط»: خضت تدريبات شاقة من أجل «العملاق»

أكد الفنان المصري - البريطاني أمير المصري أنه يترقب عرض فيلمين جديدين له خلال عام 2025، هما الفيلم المصري «صيف 67» والبريطاني «العملاق».

انتصار دردير (القاهرة )

حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
TT

حديث الحرب المتصاعد بين مصر وإسرائيل لا يجد أنصاراً بين السياسيين

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)
جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الشرقية من قناة السويس خلال معارك حرب أكتوبر 1973 (أرشيفية - أ.ب)

استبعدت مصادر مصرية مطلعة أن يؤدي التوتر المنعكس في وسائل الإعلام بين مصر وإسرائيل إلى أزمة عسكرية أو سياسية كبيرة بين البلدين، وقللت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» من احتمال تفجر الأوضاع، رغم ارتفاع حدة التراشق في وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي، على مدى الأيام القليلة الماضية.

ومنذ وقّع الطرفان اتفاقاً للسلام في سبعينات القرن الماضي، لم تشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل توتراً متصاعداً كالذي حدث منذ اندلاع الحرب الحالية في غزة قبل 15 شهراً.

وبجانب التوتر النابع من الخلافات حول طريقة حل القضية الفلسطينية، فإن الخلافات زادت حدتها منذ مايو (أيار) الماضي، حينما استولت إسرائيل على محور «فيلادلفيا» الحدودي، وكذلك معبر رفح الحدودي مع مصر، واتهامها لمصر بأنها لم تقم بما يكفي لمنع وصول السلاح عبر الأنفاق لقطاع غزة، وهو ما نفته القاهرة واعتبرته خرقاً لبنود معاهدة السلام، وردت عليه بتكثيف قواتها العسكرية بالقرب من الحدود، بحسب ما رصدته صور وتقارير إعلامية.

وما لبثت أن هدأت وتيرة الخلافات بعض الشيء بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» بوساطة مصرية - قطرية - أميركية، إلا أن التوتر تصاعد مجدداً بعدما طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقترح تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، وأيدته في ذلك إسرائيل، وأعلن مسؤولون بها أنهم شرعوا في اتخاذ خطوات لتنفيذه، وهو ما أدانته القاهرة بشدة، وتوالت ردود الفعل الرسمية المصرية الرافضة، مع دعم عربي ودولي واسع لموقف القاهرة.

بالتوازي مع ذلك، زادت حدة التراشق بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في مصر وإسرائيل، ما دفع البعض لإثارة تخوفات من احتمال تفجر الأوضاع وبلوغها الصدام العسكري بين الطرفين.

لكن وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لن يحدث «صدام عسكري» بين مصر وإسرائيل، مشدداً على أن إسرائيل «منهكة»، وليست لديها القدرة العسكرية حالياً لدخول مواجهة مع دولة بحجم مصر.

وشدد على أن التوترات الحادثة حالياً في العلاقات، أو في وسائل الإعلام، طبيعية بسبب أحداث حرب غزة والخلافات حولها، وستستمر طوال استمرار هذه الحرب، لكن «لن تتصعد» أكثر من ذلك، «فكل منهما يعرف قدرة الآخر»، كما أن مصر حريصة على السلام في المنطقة.

واتفق معه الخبير العسكري المصري، سمير فرج، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن كل ما يثار خاصة في الإعلام الإسرائيلي عن مواجهة عسكرية مع مصر «مجرد كلام» ليس له أساس من الصحة، ولا واقعية للتنفيذ.

وشدد على أن إسرائيل «لن تغامر» بدخول حرب نظامية مع مصر، في الوقت الذي تخوض فيه القوات الإسرائيلية نزاعاً منذ عام ونصف عام مع جماعات المقاومة المسلحة في فلسطين أو لبنان.

وشدد على أن عدوّ إسرائيل الأول في المنطقة هو إيران بسبب البرنامج النووي لطهران، ولن تغامر بمعاهدة السلام مع مصر.

وفي عام 1979، وقّعت مصر مع إسرائيل معاهدة السلام، وأكدت فيها الدولتان التزامهما «بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد».

وتمنع الاتفاقية التهديد باستخدام القوة أو استخدامها بين طرفيها، وتلزمهما بحل كافة المنازعات التي تنشأ «بالوسائل السلمية».

ونظمت الاتفاقية التاريخية كذلك شكل الوجود العسكري على الحدود بين البلدين، وشُكلت بموجبها لجنة تنسيق عسكرية مشتركة لمراقبة تنفيذ الاتفاقية والالتزام بها.

وكيل المخابرات المصرية السابق اللواء محمد رشاد، أكد أن «اتفاقية كامب ديفيد تتضمن بنوداً نصت على عدم اعتداء أي طرف على الآخر»، ولكن ما حدث أن إسرائيل احتلت محور فيلادلفيا بالمخالفة للاتفاقية، وهو ما يعدّ تهديداً للأمن القومي المصري، ومن ثم حشدت مصر قواتها في المنطقة (ب) والمنطقة (ج) قرب حدود إسرائيل، والتي كانت تنص الاتفاقية على وجود قوات محدودة فيهما.

رشاد الذي كان يشغل رئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات المصرية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر حشدت قواتها هناك لصد أي تهديد لأمنها القومي كرد على ما فعلته إسرائيل باحتلال محور فيلادلفيا»، مشيراً إلى أن «إسرائيل حالياً تدعي أن مصر خالفت معاهدة السلام، ومصر ترد عليها بأن المخالفة جاءت من تل أبيب أولاً، فحينما تنسحب إسرائيل من فيلادلفيا، وقتها يمكن مطالبة مصر بسحب قواتها من قرب الحدود المصرية - الإسرائيلية».

ولكن في الوقت نفسه، يرى رشاد أنه «لن يصل الأمر إلى الصدام العسكري، فهناك لجنة عسكرية بين الطرفين تناقش هذه الأمور وتعمل على حلها، وهناك حرص من الدولتين على استمرار معاهدة السلام».

وبموجب ملحق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، فإن محور فيلادلفيا هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005، فيما عُرف بخطة «فك الارتباط».

وأعادت إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا، الذي يعد منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية، كما يمثل ممراً ثلاثي الاتجاهات بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة يمتد على مسافة 14 كيلومتراً، وترفض الانسحاب منه.

جغرافياً يمتد هذا الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، من البحر المتوسط شمالاً وحتى معبر كرم أبو سالم جنوباً.

وتؤمن إسرائيل بأن هذا المحور الحدودي مع مصر هو بوابة «حماس» الرئيسية للحصول على الأسلحة المهربة عبر أنفاق تمُرّ تحته، لكن مصر ترى أن حدودها تحت السيطرة، ولا أنفاق ولا تهريب عبر أراضيها.

ورغم تصاعد التوترات الإعلامية بين البلدين بسبب احتلال إسرائيل هذا المحور، وكذلك نشر القوات المصرية قرب الحدود، فلم يصدر أي تهديد رسمي من القاهرة أو تل أبيب باحتمال الدخول في مواجهة عسكرية بين الطرفين.