زلازل إثيوبيا المتكررة تثير قلقاً مصرياً بشأن سلامة «سد النهضة»

خبراء طالبوا بدراسات جيولوجية شاملة للمنطقة المحيطة

جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)
جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)
TT

زلازل إثيوبيا المتكررة تثير قلقاً مصرياً بشأن سلامة «سد النهضة»

جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)
جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)

مع ازدياد وتكرار النشاط الزلزالي في إثيوبيا، تسود مخاوف مصرية بشأن إجراءات الأمن والسلامة المطبقة في «سد النهضة» الإثيوبي، المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل، والذي يثير توترات مع دولتي المصب (مصر والسودان).

وطالب خبراء مصريون، أديس أبابا، بضرورة عمل دراسات جيولوجية شاملة للمنطقة المحيطة بالسد، مؤكدين أن النشاط الزلزالي زاد بصورة غير مسبوقة في إثيوبيا خلال السنوات الأخيرة، ما يتطلب الانتباه، وإن كان لا يزال بعيداً عن محيط السد.

وتقيم إثيوبيا السد منذ عام 2011، بداعي إنتاج الكهرباء. وتطالب مصر والسودان بإبرام «اتفاق قانوني ملزم» ينظم قواعد ملء وتشغيل «السد»، بما يؤمن حصتيهما من مياه النيل، فضلاً عن تجنب أضرار بيئية واقتصادية أخرى، لكن المفاوضات بين الأطراف الثلاثة لم تنجح في الوصول إلى ذلك الاتفاق على مدار السنوات الماضية.

جانب من آخر جولة مفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن نزاع السد - العام الماضي (وزارة الري المصرية)

وشهدت إثيوبيا مساء السبت، زلزالاً بقوة 5 درجات على مقياس ريختر، وهو الزلزال التاسع خلال شهر، والسادس والعشرون خلال العام الحالي، وفق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي.

ويقول شراقي، في منشور له بموقع «فيسبوك»، إن النشاط الزلزالي «ازداد في إثيوبيا بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة»، لافتاً إلى أن «متوسط النشاط الزلزالي في إثيوبيا كان نحو 6 زلازل في العام، لكنه وصل إلى 12 في عام 2022، و38 في 2023، وبلغ عدد الزلازل في العام الحالي 26 زلزالاً حتى الآن».

وبشأن معدل الأمان بـ«سد النهضة» مع تكرار الزلازل في إثيوبيا، قال شراقي لـ«الشرق الأوسط»: «من المهم وجود دراسات جيولوجية حديثة تتابع زيادة معدلات النشاط الزلزالي في إثيوبيا».

وبحسب شراقي، فإنه «توجد دراسات جيولوجية قديمة للمنطقة، تم على أساسها تحديد مواصفات فنية للسد، ولم تلتزم بها إثيوبيا أيضاً، ورفضت كل التقارير والخطط التي وضعها خبراء دوليون، ومنها خطة المكتب الاستشاري الفرنسي عام 2018».

وكشف شراقي أن مواصفات ومعدلات أمان «سد النهضة» قضية مثارة من قبل بدء إنشائه، فما بين عامي 1958 و1964 أجرى مكتب الاستصلاح الأميركي دراسات بطلب من حكومة أديس أبابا، وضع خلالها مواصفات السد الذي كان يسمى حينها «سد الحدود»، لأنه على الحدود السودانية، وكان من بين هذه المواصفات التي وضعت بسبب الطبيعة الزلزالية للمنطقة ألا يتجاوز حجم تخزين المياه خلف السد 11.1 مليار متر مكعب، لكن إثيوبيا تجاهلت كل الدراسات، ووصل تخزين السد إلى 64 مليار متر مكعب.

وسبق أن اتفقت مصر والسودان وإثيوبيا عام 2011 على تشكيل «لجنة دولية» لتقييم مشروع «سد النهضة»، ضمت في عضويتها خبيرين من السودان، وخبيرين من مصر، و4 خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية والأعمال الهيدرولوجية والبيئية والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود، من ألمانيا وفرنسا وجنوب أفريقيا.

وفي مايو (أيار) 2013، خلصت اللجنة الدولية في تقريرها الشامل إلى أن «إنشاء (السد) يحتاج إلى مزيد من الدراسات من جانب الحكومة الإثيوبية لمنع الآثار السلبية»، وأبدت اللجنة حينها عدداً من التحفظات، منها «تحفظات تتعلق بسلامة السد، وتأثير قلة تدفق المياه على دولتي المَصب».

في السياق ذاته، دعا أستاذ الاستشعار عن بعد بجامعة تشابمان الأميركية الدكتور هشام العسكري، إلى ضرورة «إجراء دراسات جيولوجية شاملة للمنطقة المحيطة بسد النهضة، وتقييم دوري لسلامته».

وأضاف العسكري، في مداخلة تلفزيونية مساء الأحد: «الزلازل التي وقعت في إثيوبيا مؤخراً تبعد نحو 500 كيلومتر عن سد النهضة، لكن هذا لا يعني أن السد في مأمن من الخطر، خصوصاً أن منطقة الفالق الأفريقي تشهد نشاطاً زلزالياً مزداداً».

وسبق أن طالبت القاهرة، الجانب الإثيوبي، بتقديم «دراسات فنية تفصيلية» بشأن «السد»، ومعاملات الأمان المتعلقة بالإنشاءات والتشغيل. وحذر وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور هاني سويلم، خلال «المنتدى العالمي العاشر للمياه» الذي عقد بإندونيسيا في مايو (أيار) الماضي، الجانب الإثيوبي، من مخاطر «الاستمرار في بناء (السد) دون تقديم دراسات فنية تفصيلية حول آثاره البيئية والاقتصادية على دول المَصب».

ويرى المستشار الأسبق لوزير الري المصري خبير الموارد المائية الدكتور ضياء الدين القوصي، ضرورة إجراء دراسات جيولوجية حديثة ومتابعة مستمرة للنشاط الزلزالي في المنطقة المحيطة بسد النهضة.

وقال القوصي لـ«الشرق الأوسط»: «رغم بعد المسافة بين مراكز الزلازل التي حدثت مؤخراً في إثيوبيا، والسد، فإن الخطر ما زال قائماً، حيث يمكن أن يتسبب السد نفسه بكمية المياه المخزنة في نشاط زلزالي، إذ يمكن لتسرب المياه بين الشقوق الصخرية أن يؤدي لاهتزاز القشرة الأرضية، خصوصاً مع وجود فالق أرضي، لذا فإن السد ليس بعيداً عن مخاطر الزلازل، ومن الممكن أن يحدث زلزال قريب منه».


مقالات ذات صلة

مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

خاص الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)

مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

بينما شهدت بداية ولاية ترمب حديثاً عن إلغاء الرئيس المصري خططاً لزيارة واشنطن، ينتهي العام بتكهنات عن اقتراب تنفيذ تلك الزيارة، وترحيب دونالد ترمب بها.

فتحیه الدخاخنی (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال لقائه عدداً من أعضاء مجلس الشيوخ المصري الخميس (الخارجية المصرية)

تلويح مصري بـ«إجراء قانوني دولي» في مواجهة أضرار محتملة لـ«سد النهضة»

لوحت مصر باتخاذ «إجراء قانوني دولي» حال وقوع أضرار ناتجة عن «سد النهضة» الإثيوبي.

أحمد جمال (القاهرة)
العالم العربي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن بلاده لن تتساهل أو تتسامح مع أي مساس أو إضرار بمياه نهر النيل «الذي تعتمد عليه مصر اعتماداً كاملاً».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

خاص وزير الخارجية المصري لـ«الشرق الأوسط»: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»

حاورت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي، بمكتبه بالعاصمة الإدارية الجديدة، حول عدد من الملفات التي تضطلع بها القاهرة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الري المصري هاني سويلم يتابع إجراءات تحديث مراكز التنبؤ والرصد في اجتماع الأربعاء (وزارة الموارد المائية والري المصرية)

تحديث مصري لنماذج التنبؤ ورصد المياه المقبلة من منابع النيل

تواصل الحكومة المصرية إجراءات متابعة تدفقات مياه نهر النيل بعد أن تعرضت أراضٍ زراعية للغرق خلال الأشهر الماضية.

أحمد جمال (القاهرة)

علاء عبد الفتاح يثير أزمة في بريطانيا... و«شماتة» مصرية

الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح مع عائلته بعد وصوله لندن (حساب شقيقته على فيسبوك)
الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح مع عائلته بعد وصوله لندن (حساب شقيقته على فيسبوك)
TT

علاء عبد الفتاح يثير أزمة في بريطانيا... و«شماتة» مصرية

الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح مع عائلته بعد وصوله لندن (حساب شقيقته على فيسبوك)
الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح مع عائلته بعد وصوله لندن (حساب شقيقته على فيسبوك)

أثار ترحيب رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر بوصول الناشط المصري- البريطاني علاء عبد الفتاح إلى لندن، بعد سنوات من سجنه في مصر، قبل صدور عفو رئاسي عنه، أزمة واسعة في بريطانيا؛ على خلفية تعرض ستارمر لانتقادات من سياسيين معارضين، وهو ما قوبل بـ«شماتة» مصرية ظهرت على منصات «السوشيال ميديا».

صورة أرشيفية للناشط علاء عبد الفتاح بعد حصوله على عفو رئاسي في القاهرة الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 (أ.ب)

وأصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في سبتمبر (أيلول) الماضي قراراً بالعفو عن عبد الفتاح، الصادر ضده في ديسمبر (كانون الأول) 2021 حكماً بسجنه لمدة 5 سنوات بتهمة «الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، ونشر وبث أخبار وبيانات كاذبة».

وخلال فترة سجنه حصل عبد الفتاح على الجنسية البريطانية عن طريق والدته ليلى سويف بصفته من مواليد المملكة، وبعد أن أصبح «مواطناً بريطانياً» جرت اتصالات عدّة بشأنه بين الحكومتين المصرية والبريطانية، قبل أن يتم الإفراج عنه ورفع اسمه من قوائم «الإرهاب» والسماح له بالسفر خارج البلاد.

ووصل عبد الفتاح إلى لندن، الجمعة الماضي، بعد أيام من قرار النائب العام رفع اسمه من قوائم «المنع من السفر». وعقب وصوله كتب ستارمر عبر حسابه على منصة «إكس» تدوينة يرحب فيها بوصول عبد الفتاح، عادَّاً أن «قضيته كانت أولوية قصوى لحكومته منذ توليه المسؤولية، وموجهاً الشكر للرئيس المصري لإصدار قرار بالعفو عنه».

غير أن ذلك الترحيب قوبل بانتقادات بريطانية واسعة. وكتب وزير العدل في حكومة الظل عضو البرلمان روبرت جينريك رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني ينتقد فيها ترحيب رئيس الوزراء بوصول عبد الفتاح إلى المملكة المتحدة، عادَّاً أن هذا الترحيب تجاوز كونه دعماً قنصلياً إلى تأييد سياسي علني غير مبرر.

وأشار إلى أن ذلك يتناقض مع تعهد الحكومة بمحاربة «معاداة السامية»، خاصة في ظل ما يصفه بسجل عبد الفتاح من «تصريحات متطرفة تحرّض على العنف ضد الإسرائيليين والشرطة»، مذكراً بتصريحات عدة سجلها الناشط المصري البريطاني عبر حساباته، ومتسائلاً عما إذ كان رئيس الوزراء البريطاني على علم بهذه التصريحات وما إذا كان يدين تلك التصريحات بشكل قاطع ومن دون أي تبرير.

ووصف نائب زعيم حزب الإصلاح البريطاني ريتشارد تايس بيان ستارمر بأنه «مثير للاشمئزاز» في تدوينة عبر حسابه على «فيسبوك»، فبينما أكد بتدوينة أخرى على «إكس» عدم المسامحة على منحه الجنسية البريطانية قبل سنوات.

وانتقدت النائبة البرلمانية ساره بوتشين في تدوينة عبر «إكس» ترحيب رئيس الحكومة بالناشط المصري البريطاني، ومتسائلة عن كيفية الترحيب بشخص «يدعو للعنف ضد النساء والفتيات ويتحدث عن قتل رجال الشرطة».

ولاقى الجدل البريطاني تفاعلاً في مصر وسط تعليقات حملت «شماتة» في موقف الحكومة البريطانية ودفاعها خلال السنوات الماضية عن عبد الفتاح ومطالب الإفراج عنه.

وقال المحامي البريطاني والمختص بالقانون الدولي أمجد سلفيتي لـ«الشرق الأوسط» إن «الجدل في الداخل البريطاني مرتبط بحسابات انتخابية وسياسات حزبية»، مشيراً إلى أن «الجنسية الممنوحة لشخص يحمل جنسية أخرى يمكن سحبها وفق شروط متعددة، وهو أمر قد يتم اللجوء إليه بالفعل في حالة عبد الفتاح».

وأضاف: «القانون البريطاني نظم إجراءات سحب الجنسية من الحاصلين عليها بالاكتساب المباشر وفق شروط عدة، منها المصلحة العامة أو الإضرار بالأمن القومي، الأمر الذي يتم بناءً على قرار من وزير الداخلية ويناقش في مجلس الوزراء، وفي حال حدوثه يكون للمتضرر منه الحق باللجوء إلى القضاء من أجل الحسم النهائي ما إذ كان سيحتفظ بالجنسية أم ستسحب منه».

وعدّ الكاتب والمحلل البريطاني عادل مرزوق في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن قضية علاء عبد الفتاح «تعكس بوضوح حالة الارتباك التي تعيشها السياسة البريطانية في ظل لحظة استقطاب حاد»، موضحاً أن «عودة علاء إلى لندن من حيث الشكل، لا تمثل اصطفافاً آيديولوجياً من الحكومة البريطانية معه، لكنها تحوّلت في السياق السياسي المحتقن قراراً ذا كلفة داخلية مرتفعة».

ويشير عضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التعامل البريطاني مع ملف علاء عبد الفتاح جاء من دون إدراك طبيعة الأسباب التي سُجن من أجلها»، مشيراً إلى أنه «ارتكب جرائم يعاقب عليها القانون، وثبت ذلك بأدلة واضحة وصدر بحقه حكم قضائي بالحبس، الأمر الذي تغافلت عنه الحكومة البريطانية خلال طلبات الإفراج عنه».

وعدّ أن «محاولة تقديمه بوصفه بطلاً قومياً أمر يعد بمثابة قلب للحقائق القانونية الراسخة»، لافتاً إلى أن «الجدل البريطاني المتأخر لقراءة ما قام به بالفعل وسجن على أساسه يعكس ما أوضح من مصر سلفاً».


الأمم المتحدة: أكثر من عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام في السودان

نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)
نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة: أكثر من عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام في السودان

نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)
نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)

نزح أكثر من عشرة آلاف شخص في غضون ثلاثة أيام خلال الأسبوع الحالي بولايات شمال دارفور وجنوب كردفان بالسودان، وسط استمرار المعارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع».

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، قالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة الأحد إن أكثر من سبعة آلاف شخص فروا من أم برو وكرنوي في شمال دارفور اللتين سيطرت عليهما قوات «الدعم السريع» قبل أيام.

وفي جنوب كردفان فرّ أكثر من ثلاثة آلاف شخص من مدينة كادوقلي التي تحاصرها قوات «الدعم السريع»، ويسيطر عليها الجيش، بينما يعاني السكان من المجاعة، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي جنوب كردفان أيضاً، التهمت النيران 45 مأوى للنازحين بعد اشتعالها في منطقة أبو جبيهة.

وأعلنت قوات «الدعم السريع» الأربعاء السيطرة على مدينتي أبو قمرة وأم برو في شمال دارفور، فيما أفادت مصادر محلية «وكالة الصحافة الفرنسية» بتقدم مقاتلي «الدعم السريع» باتجاه مناطق قبيلة الزغاوة على الحدود الشمالية الغربية للسودان، وتصاعد الاشتباكات بالمنطقة.

واشتدت المعارك في مدن كردفان خلال الأشهر الأخيرة منذ إحكام «الدعم السريع» قبضتها على كامل إقليم دارفور المجاور، بسيطرتها على مدينة الفاشر في أكتوبر (تشرين الأول).

ويتحارب الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات «الدعم السريع» بقيادة نائب البرهان سابقاً محمد حمدان دقلو منذ أبريل (نيسان) 2023 ما تسبب في «أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، حسب الأمم المتحدة.

ومنذ بداية الحرب نزح أكثر من 11 مليون شخص داخل السودان وخارجه، يعيش جزء كبير منهم في مخيمات مكتظة أو مدن نائية تعاني من نقص الغذاء والدواء والمياه النظيفة.


الجزائر تُفعّل «التسوية المشروطة» بديلاً لملاحقة المتورطين في قضايا فساد

وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)
وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)
TT

الجزائر تُفعّل «التسوية المشروطة» بديلاً لملاحقة المتورطين في قضايا فساد

وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)
وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)

شرعت الحكومة الجزائرية في اعتماد آلية قانونية تسمح بتأجيل الملاحقة القضائية لبعض الشركات مقابل استرجاع الأموال أو الأصول التي حوَّلتها أو تنازلت عنها خارج البلاد بطرق غير قانونية، فيما يُعرف باسم «مسار استرجاع الأموال المنهوبة»، والذي تم إطلاقه بعد سجن مسؤولين كبار عملوا في مرحلة الحكم السابقة.

وأعلن وزير العدل لطفي بوجمعة عن هذه الآلية خلال مؤتمر «الأمن القانوني كمحرّك للتنمية الاقتصادية» الذي انعقد بالعاصمة الجزائر، السبت، وشارك فيه الوزير الأول سيفي غريب وقضاة ومسؤولو الأجهزة الحكومية المكلفون بمحاربة الفساد.

الوزير الأول سيفي غريب ينتصف الصف الأول وعلى يمينه وزير العدل لطفي بوجمعة خلال مؤتمر الأمن القانوني والتنمية الاقتصادية (وزارة العدل)

وتتيح هذه الآلية، حسب بوجمعة، تسديد القروض البنكية وكل المستحقات والمبالغ التي تم الحصول عليها من ممارسات الفساد، بديلاً عن الملاحقة القضائية «مؤقتاً».

ولفت الوزير إلى أن ذلك لا يعني تخلي الدولة عن ملاحقة المتورطين في الفساد قضائياً، ولا إسقاط التهم عنهم، ولا منحهم عفواً، «بل هو تعليق مؤقت للإجراءات القضائية، ويبقى مشروطاً بالتزام الشركة محل شبهة فساد، بشكل كامل، بتنفيذ ما طُلب منها. وفي حال الإخلال بهذه الالتزامات تُستأنف المتابعة القضائية تلقائياً».

ويُعد هذا الإجراء بديلاً عن المتابعات الجزائية التقليدية، ويُطبق على الأشخاص المعنويين، أي الشركات، وليس بالضرورة على الأشخاص الطبيعيين؛ ويمكن متابعة المسؤولين بصفة فردية إذا ثبتت مسؤوليتهم الشخصية في الفساد، حسبما صرَّح بوجمعة.

وأشار وزير العدل إلى أن هذا «لا يشمل كل الجرائم، وإنما يقتصر على جرائم مالية واقتصادية محددة، خصوصاً تلك المتعلقة بتحويل الأموال إلى الخارج أو التصرف غير القانوني في الأصول».

اجتماع برلمانيين جزائريين مع مسؤولين بوزارة الخزانة الأميركية سنة 2023 في إطار مساعي استرداد «الأموال المنهوبة» (البرلمان الجزائري)

وفي مقابل الاستفادة من هذا الإجراء، يتم إلزام الشركة إما بإعادة الأموال المحولة إلى الخارج، وإما استرجاع الأصول محل المخالفة، وإما دفع قيمتها المعادِلة إذا تعذر الإرجاع، إضافة إلى تسديد الغرامات والضرائب وكل الحقوق المالية المترتبة عن أفعال الفساد المنسوبة إليها.

وقال بوجمعة: «في سياق تنفيذ الأحكام الجديدة لقانون الإجراءات الجزائية، أعطينا توجيهات للنيابة العامة بضرورة التطبيق السليم والموحد لإطار تحريك الدعاوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية، والمؤسسات الصناعية والتجارية العمومية».

استعادة الأموال «بسرعة»

إن الهدف من هذا التوجه، حسب قضاة مكلفين بملفات محاربة الفساد تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، هو تمكين الدولة من استرجاع الأموال بسرعة، والحفاظ على النشاط الاقتصادي ومناصب الشغل، وتشجيع الاستثمار، بدلاً من اللجوء إلى مسارات قضائية طويلة تؤدي في أحيان كثيرة إلى توقف المؤسسات وضياع الأموال خارج البلاد.

وقال أحد القضاة، مفضلاً عدم نشر اسمه: «يتمثل التوجه الجديد، حسب التوجيهات التي أسداها وزير العدل، في سعي الدولة إلى تحقيق توازن بين حماية المال العام، ومحاربة المخالفات من جهة، وضمان استمرارية النشاط الاقتصادي، وعدم تعطيل المؤسسات المنتجة من جهة أخرى، مع التأكيد على أن هذا الإجراء يبقى مشروطاً بالالتزام الكامل، ولا يُعد تهاوناً مع الفساد».

وفي إطار التعاون مع دول غربية استقبلت أموالاً عامة حُوّلت من الجزائر، أفادت صحيفة إسبانية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأن فندقاً يقع في مدينة برشلونة كان مملوكاً لرجل الأعمال الجزائري علي حداد، المحكوم عليه في قضايا فساد، أصبح ضمن أملاك الدولة الجزائرية.

فندق «إل بالاس» في برشلونة الذي استعادته الجزائر (صحف جزائرية)

ويتعلق الأمر، حسبها، بفندق «إل بالاس دي برشلونة»، الذي انتقلت ملكيته إلى «الصندوق الوطني للاستثمار» الجزائري خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، وذلك عبر آلية «الدفع مقابل الدين»، وفق ما أوردته الصحيفة.

وكان الفندق مملوكاً لحداد منذ سنة 2011، حيث اشتراه بمبلغ 40 مليون يورو، بحسب تحقيقات الأمن الجزائري. وصدر عليه حكم قضائي في 2020 بعقوبة سجن نافذة مدتها 10 سنوات بتهم تتعلق بـ«تبديد المال العام، وسوء استغلال النفوذ والفساد».

وسبق للقضاء الجزائري أن تقدم بطلب رسمي إلى السلطات القضائية الإسبانية لاسترجاع العقار، على أساس الاشتباه في أنه اقتُني بأموال تم تحويلها إلى الخارج بطرق غير قانونية.

إجراء «طوعي»

لم تنتقل ملكية الفندق عبر مسار قضائي أو تنفيذ حكم بالحجز، وإنما تم ذلك في إطار اتفاق رضائي مع علي حداد، وهو ما تؤكده طريقة التقييد في السجل العقاري بمدينة برشلونة، حيث سُجّل الإجراء على أساس «السداد مقابل الدين» وليس بوصفه تنفيذاً لأمر حجز صادر عن جهة قضائية.

وتعد آلية «السداد مقابل الدين» إجراءً طوعياً لا يتم إلا بموافقة جميع الأطراف المعنية.

وفي العاشر من أكتوبر الماضي، صرّح الرئيس عبد المجيد تبون خلال خطاب ألقاه أمام القيادة العسكرية بأن الجزائر نجحت في استرجاع أصول تُقدَّر قيمتها بنحو 30 مليار دولار، ملمّحاً إلى فندق «إل بالاس» من دون أن يذكره بالاسم، قائلاً: «في إسبانيا، تمكنت السلطات من استعادة فندق 5 نجوم جرى اقتناؤه بطرق غير مشروعة».

وزير الطاق السابق شكيب خليل (الشرق الأوسط)

كما وجّهت الجزائر خلال عام 2022 طلبات إنابة قضائية إلى عشرات الدول بهدف استرجاع ممتلكات تعود لرجال أعمال ووزراء ومسؤولين عسكريين من العهد السابق، من بينهم وزير الطاقة السابق شكيب خليل المقيم في الولايات المتحدة، ووزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب المقيم في فرنسا، إضافة إلى علي حداد.

وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب (الشرق الأوسط)

وفي هذا السياق، احتُجزت وديعة بقيمة 1.5 مليون يورو في بنك سويسري تعود لبوشوارب الذي يخضع لمذكرة توقيف دولية صدرت عقب إدانته غيابياً بالسجن 20 عاماً في قضايا فساد، غير أن القضاء الفرنسي رفض تسليم الوزير السابق إلى الجزائر، بدعوى «عدم توفر ضمانات كافية لمحاكمته، وفق شروط المحاكمة العادلة».