زلازل إثيوبيا المتكررة تثير قلقاً مصرياً بشأن سلامة «سد النهضة»

خبراء طالبوا بدراسات جيولوجية شاملة للمنطقة المحيطة

جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)
جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)
TT

زلازل إثيوبيا المتكررة تثير قلقاً مصرياً بشأن سلامة «سد النهضة»

جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)
جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)

مع ازدياد وتكرار النشاط الزلزالي في إثيوبيا، تسود مخاوف مصرية بشأن إجراءات الأمن والسلامة المطبقة في «سد النهضة» الإثيوبي، المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل، والذي يثير توترات مع دولتي المصب (مصر والسودان).

وطالب خبراء مصريون، أديس أبابا، بضرورة عمل دراسات جيولوجية شاملة للمنطقة المحيطة بالسد، مؤكدين أن النشاط الزلزالي زاد بصورة غير مسبوقة في إثيوبيا خلال السنوات الأخيرة، ما يتطلب الانتباه، وإن كان لا يزال بعيداً عن محيط السد.

وتقيم إثيوبيا السد منذ عام 2011، بداعي إنتاج الكهرباء. وتطالب مصر والسودان بإبرام «اتفاق قانوني ملزم» ينظم قواعد ملء وتشغيل «السد»، بما يؤمن حصتيهما من مياه النيل، فضلاً عن تجنب أضرار بيئية واقتصادية أخرى، لكن المفاوضات بين الأطراف الثلاثة لم تنجح في الوصول إلى ذلك الاتفاق على مدار السنوات الماضية.

جانب من آخر جولة مفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن نزاع السد - العام الماضي (وزارة الري المصرية)

وشهدت إثيوبيا مساء السبت، زلزالاً بقوة 5 درجات على مقياس ريختر، وهو الزلزال التاسع خلال شهر، والسادس والعشرون خلال العام الحالي، وفق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي.

ويقول شراقي، في منشور له بموقع «فيسبوك»، إن النشاط الزلزالي «ازداد في إثيوبيا بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة»، لافتاً إلى أن «متوسط النشاط الزلزالي في إثيوبيا كان نحو 6 زلازل في العام، لكنه وصل إلى 12 في عام 2022، و38 في 2023، وبلغ عدد الزلازل في العام الحالي 26 زلزالاً حتى الآن».

وبشأن معدل الأمان بـ«سد النهضة» مع تكرار الزلازل في إثيوبيا، قال شراقي لـ«الشرق الأوسط»: «من المهم وجود دراسات جيولوجية حديثة تتابع زيادة معدلات النشاط الزلزالي في إثيوبيا».

وبحسب شراقي، فإنه «توجد دراسات جيولوجية قديمة للمنطقة، تم على أساسها تحديد مواصفات فنية للسد، ولم تلتزم بها إثيوبيا أيضاً، ورفضت كل التقارير والخطط التي وضعها خبراء دوليون، ومنها خطة المكتب الاستشاري الفرنسي عام 2018».

وكشف شراقي أن مواصفات ومعدلات أمان «سد النهضة» قضية مثارة من قبل بدء إنشائه، فما بين عامي 1958 و1964 أجرى مكتب الاستصلاح الأميركي دراسات بطلب من حكومة أديس أبابا، وضع خلالها مواصفات السد الذي كان يسمى حينها «سد الحدود»، لأنه على الحدود السودانية، وكان من بين هذه المواصفات التي وضعت بسبب الطبيعة الزلزالية للمنطقة ألا يتجاوز حجم تخزين المياه خلف السد 11.1 مليار متر مكعب، لكن إثيوبيا تجاهلت كل الدراسات، ووصل تخزين السد إلى 64 مليار متر مكعب.

وسبق أن اتفقت مصر والسودان وإثيوبيا عام 2011 على تشكيل «لجنة دولية» لتقييم مشروع «سد النهضة»، ضمت في عضويتها خبيرين من السودان، وخبيرين من مصر، و4 خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية والأعمال الهيدرولوجية والبيئية والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود، من ألمانيا وفرنسا وجنوب أفريقيا.

وفي مايو (أيار) 2013، خلصت اللجنة الدولية في تقريرها الشامل إلى أن «إنشاء (السد) يحتاج إلى مزيد من الدراسات من جانب الحكومة الإثيوبية لمنع الآثار السلبية»، وأبدت اللجنة حينها عدداً من التحفظات، منها «تحفظات تتعلق بسلامة السد، وتأثير قلة تدفق المياه على دولتي المَصب».

في السياق ذاته، دعا أستاذ الاستشعار عن بعد بجامعة تشابمان الأميركية الدكتور هشام العسكري، إلى ضرورة «إجراء دراسات جيولوجية شاملة للمنطقة المحيطة بسد النهضة، وتقييم دوري لسلامته».

وأضاف العسكري، في مداخلة تلفزيونية مساء الأحد: «الزلازل التي وقعت في إثيوبيا مؤخراً تبعد نحو 500 كيلومتر عن سد النهضة، لكن هذا لا يعني أن السد في مأمن من الخطر، خصوصاً أن منطقة الفالق الأفريقي تشهد نشاطاً زلزالياً مزداداً».

وسبق أن طالبت القاهرة، الجانب الإثيوبي، بتقديم «دراسات فنية تفصيلية» بشأن «السد»، ومعاملات الأمان المتعلقة بالإنشاءات والتشغيل. وحذر وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور هاني سويلم، خلال «المنتدى العالمي العاشر للمياه» الذي عقد بإندونيسيا في مايو (أيار) الماضي، الجانب الإثيوبي، من مخاطر «الاستمرار في بناء (السد) دون تقديم دراسات فنية تفصيلية حول آثاره البيئية والاقتصادية على دول المَصب».

ويرى المستشار الأسبق لوزير الري المصري خبير الموارد المائية الدكتور ضياء الدين القوصي، ضرورة إجراء دراسات جيولوجية حديثة ومتابعة مستمرة للنشاط الزلزالي في المنطقة المحيطة بسد النهضة.

وقال القوصي لـ«الشرق الأوسط»: «رغم بعد المسافة بين مراكز الزلازل التي حدثت مؤخراً في إثيوبيا، والسد، فإن الخطر ما زال قائماً، حيث يمكن أن يتسبب السد نفسه بكمية المياه المخزنة في نشاط زلزالي، إذ يمكن لتسرب المياه بين الشقوق الصخرية أن يؤدي لاهتزاز القشرة الأرضية، خصوصاً مع وجود فالق أرضي، لذا فإن السد ليس بعيداً عن مخاطر الزلازل، ومن الممكن أن يحدث زلزال قريب منه».


مقالات ذات صلة

هل تسبب «سد النهضة» الإثيوبي في غرق أراضٍ زراعية بمصر؟

العالم العربي سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

هل تسبب «سد النهضة» الإثيوبي في غرق أراضٍ زراعية بمصر؟

أثار تعرض أراضٍ زراعية بمصر للغرق إثر ارتفاع منسوب مياه النيل تساؤلات حول مدى تأثير «سد النهضة» الإثيوبي على السياسات المائية المصرية.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من إنشاءات «سد النهضة» (أ.ف.ب)

​«سد النهضة»: إثيوبيا تدعو إلى «حوار»... ومصر تشدد على «اتفاقٍ ملزم»

دعا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مصر والسودان إلى الحوار بشأن قضية «سد النهضة» في وقت تصر القاهرة على ضرورة إبرام اتفاق قانوني ملزم

أحمد إمبابي (القاهرة)
أفريقيا آبي أحمد يتفقد سير العمل بمشروع سد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا على «إكس»)

إثيوبيا تعلن أنها ستدشن سد النهضة خلال الأشهر الستة المقبلة

قال رئيس الوزراء الإثيوبي، الخميس، إن سد النهضة موضع الخلاف على النيل الأزرق سيدشن «خلال الأشهر الستة المقبلة».

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
شمال افريقيا «سد النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على إكس)

ما سيناريوهات مصر للتعامل مع احتمال انهيار «سد النهضة»؟

أبدى وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، قلق بلاده من احتمال انهيار «سد النهضة» الإثيوبي، متحدثاً عن مؤشرات تثير القلق بشأن متانة السد.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع تشاوري لوزراء الخارجية والري في مصر والسودان بالقاهرة (الخارجية المصرية)

مصر والسودان يحذران من استدراج دول حوض النيل إلى نزاع «سد النهضة»

أكدت مصر والسودان، إصرارهما على التوصل إلى «حلول سلمية وسياسية»، في النزاع القائم حول «سد النهضة» الإثيوبي، مع ضرورة إبقاء الخلاف بين الدول الثلاث.

أحمد إمبابي (القاهرة)

مسيّرات «الدعم السريع» تستهدف عطبرة للمرة الرابعة

فارون من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل 2025 (أ.ف.ب)
فارون من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل 2025 (أ.ف.ب)
TT

مسيّرات «الدعم السريع» تستهدف عطبرة للمرة الرابعة

فارون من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل 2025 (أ.ف.ب)
فارون من مخيم زمزم للنازحين بعد سقوطه تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» 13 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

لقي 10 مدنيين سودانيين مصرعهم وأصيب 21، وتعطلت محطة كهرباء مدينة عطبرة عن العمل، وانقطع التيار الكهربائي عن ولايتَي نهر النيل والبحر الأحمر، جراء هجوم بالطائرات المسيّرة انطلق من مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»، هو الرابع من نوعه الذي يستهدف المدينة الواقعة بولاية نهر النيل.

وقالت النيابة العامة السودانية في بيان على صفحتها الرسمية بمنصة «فيسبوك»، إن «(قوات الدعم السريع) شنت هجوماً بالطائرات المسيّرة، استهدف موقعاً مدنياً أدى لمقتل 10 مواطنين وإصابة 21 بجراح، من بينهم أفراد من أسرتين». ولم تعلق «قوات الدعم السريع» في الحال على الحادث.

وأصدر النائب العام الفاتح محمد طيفور، الذي يزور المدينة، توجيهات بتقييد دعوى جنائية عاجلة ضد مرتكبي الجريمة، تشمل المحرّضين والمشاركين في استهداف المدنيين والأعيان في المدينة، مع التأكيد على تسريع إجراءات تقديم الجناة للعدالة.

بدورها، قالت هيئة الكهرباء السودانية إن مسيّرات «قوات الدعم السريع»، استهدفت للمرة الرابعة محطة عطبرة التحويلية؛ ما أدى لقطع الإمدادات الكهربائية عن ولايتَي نهر النيل والبحر الأحمر، وإن قوات الدفاع المدني والفنيين يعملون على إخماد الحريق وتقييم آثار الاعتداء لوضع المعالجات المطلوبة.

واستهدفت «قوات الدعم السريع» الفترة الماضية عدداً من محطات الكهرباء في السودان، مستخدمة المسيّرات القتالية، وطالت هجماتها محطة كهرباء أم دباكر بولاية النيل الأبيض جنوب البلاد، ومنشآت الكهرباء في سد مروي بشمال البلاد.

وبعد استعادة الجيش السوداني للعاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وسنار، تمركزت «قوات الدعم السريع» بشكل رئيسي في مناطق غرب وجنوب مدينة أم درمان.

وتشهد المنطقة عمليات قتالية متواصلة ومتقطعة، استعاد بموجبها الجيش عدداً من مناطق سيطرة «الدعم السريع»، في حين غادرت أعداد كبيرة من «قوات الدعم السريع» إلى ولايات كردفان ودارفور غرب البلاد.

وتسببت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» المنشقة عنه، في مقتل الآلاف من المدنيين، وتهجير أكثر من 13 مليوناً من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليوناً، والتسبب في كارثة إنسانية عُدّت الأكبر، ووضعت أكثر من نصف سكان البلاد ضمن دائرة المجاعة.

قلق بريطاني

وفي الفاشر، تشهد المدينة هدوءاً حذراً، وذلك بعد الهجوم الذي شنته «قوات الدعم السريع» ليلاً، وقال الجيش السوداني إنه صده، مُلحقاً خسائر كبيرة بالقوات المهاجمة. ويعد الهجوم على الفاشر أول من أمس، هو أول هجوم ليلي تشنه «قوات الدعم السريع» على الفاشر، برغم حصار المدينة وتطويقها من كل الجهات لأكثر من عام.

من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، إن أعمال العنف المرتكبة في إقليم دارفور بالسودان «تحمل بصمات تطهير عرقي، وقد ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية». ودعا لامي الجيش السوداني و«قوّات الدعم السريع» إلى «خفض التصعيد على نحو مُلحّ». وقال في بيان صادر في ساعة متأخرة من مساء الخميس، إن بريطانيا ستواصل «استخدام كلّ السبل المتاحة لنا لمحاسبة المسؤولين عن الفظائع».

ديفيد لامي وزير الخارجية البريطاني (إكس)

وتسبّب قصف «قوّات الدعم السريع» لمدينة الفاشر المحاصرة، عاصمة ولاية شمال دارفور، في مقتل أكثر من ثلاثين مدنياً وإصابة العشرات، وفق ما أفاد ناشطون يوم الاثنين.

والفاشر هي آخر المدن الكبيرة في منطقة دارفور المترامية التي ما زالت تحت سيطرة الجيش. ووصف لامي التقارير الواردة عن العنف المرتكب في الفاشر ومحيطها بأنها «مروّعة». وذكّر بأن «بريطانيا جمعت الأسبوع الماضي الأسرة الدولية في لندن للمطالبة بإنهاء معاناة الشعب السوداني». غير أن «بعض أعمال العنف المرتكبة في دارفور تحمل بصمات التطهير العرقي، وقد ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية»، على ما قال وزير الخارجية البريطاني. ودعا لامي «قوّات الدعم السريع» إلى «رفع الحصار عن الفاشر»، مشدّداً على أن «الأطراف المتحاربة عليها إنهاء هذه المعاناة».

وطالب الجيش السوداني بضمان العبور الآمن للمدنيين الفارين من العنف. وحذّرت وكالات إغاثة دولية من تداعيات هجوم واسع النطاق لـ«قوّات الدعم السريع» على الفاشر؛ ما قد يتسبّب في موجة نزوح كبيرة جديدة. ووصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الوضع بـ«الجحيم على الأرض» بالنسبة إلى نحو 825 ألف طفل في الفاشر ومحيطها.