القضاء السوداني يشكل لجنة جديدة للنظر في قرارات تصفية حكم البشير

قضاة وقانونيون يعتبرون القرار لفك أموال «فلول النظام المعزول»

عمر البشير حكم السودان بقبضة من حديد وأطيح به بعد 30 عاماً (أرشيفية)
عمر البشير حكم السودان بقبضة من حديد وأطيح به بعد 30 عاماً (أرشيفية)
TT
20

القضاء السوداني يشكل لجنة جديدة للنظر في قرارات تصفية حكم البشير

عمر البشير حكم السودان بقبضة من حديد وأطيح به بعد 30 عاماً (أرشيفية)
عمر البشير حكم السودان بقبضة من حديد وأطيح به بعد 30 عاماً (أرشيفية)

أثار قرار رئيس القضاء في السودان، عبد العزيز عبد الرحمن عابدين، تشكيل لجنة مكونة من 3 قضاة للنظر في الطعون والقرارات التي أصدرتها لجنة تفكيك وإزالة تمكين نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، الكثير من الجدل حول دواعي هذه الخطوة في هذا التوقيت، التي رأى قضاة ومحامون أنها تأتي بعد عودة قيادات النظام من الإسلاميين إلى المشهد السياسي.

وعقب انقلاب رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على الحكومة المدنية في البلاد في 25 من أكتوبر (تشرين الأول) جمد عمل اللجنة، وأعاد تشكيلها بواسطة القاضي محمد علي محمد بابكر، الشهير باسم «أبو سبيحة»، المحسوب على الإسلاميين.

مظاهرات صاخبة خرجت من الخرطوم احتفالاً بسقوط نظام البشير عام 2019 (إ.ب.أ)
مظاهرات صاخبة خرجت من الخرطوم احتفالاً بسقوط نظام البشير عام 2019 (إ.ب.أ)

وأبطل «أبو سبيحة» الكثير من القرارات التي أصدرتها لجنة إزالة التمكين، التي استردت ملايين الدولارات التي تحصل عليها عناصر النظام المعزول بطرق غير مشروعة.

وتكونت لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بموجب الوثيقة الدستورية، التي جرى توقيعها في أغسطس (آب) 2019 بين تحالف قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري حينها، لتعمل على استرداد الأموال العامة التي يعتقد أن قادة النظام السابق حصلوا عليها بطرق غير مشروعة، كما تتولى اللجنة فصل وإبعاد المنتسبين للنظام المعزول من مفاصل المؤسسات المهمة.

وصادرت اللجنة مئات الأصول وقطع الأراضي والعقارات المملوكة لرموز في نظام البشير، أو حلفاء له من أصحاب الشركات والاستثمارات حتى الأجنبية منها، كما جرى توقيف عدد كبير من المتهمين بالإثراء الحرام وفقاً لقانون اللجنة.

قائد الجيش الفريق البرهان بين جنود القاعدة البحرية في بورتسودان 28 أغسطس (أ.ف.ب)
قائد الجيش الفريق البرهان بين جنود القاعدة البحرية في بورتسودان 28 أغسطس (أ.ف.ب)

وقال قاضي درجة أولى لـ«الشرق الأوسط» إن القرار يأتي للنظر في القرارات التي أصدرتها لجنة التفكيك، ولم تنظر فيها الدائرة القانونية السابقة التي كان يرأسها القاضي بابكر (أبو سبيحة) أصبحت معلقة بسبب ظروف الحرب في البلاد، مضيفاً: ربما تكون هناك جهات أخرى تريد الاستئناف لدى اللجنة السابقة في قرارات لجنة إزالة التفكيك.

وأشار إلى أن هذا القرار يفتح الباب واسعاً للطعن والاستئناف في الكثير من قرارات لجنة إزالة التفكيك، بما في ذلك الإجراءات الخاصة بحل النقابات والهيئات التي كانت تتبع النظام المعزول.

وأضاف القاضي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن هذا القرار يؤكد أن كل القرارات التي نظرت فيها لجنة القاضي «أبو سبيحة» «خاطئة»؛ لأنها لم تتبع التدرج المنصوص عليه في قانون لجنة إزالة التفكيك والفساد «الموضوعي والإجرائي»، التي تم إلغاؤها بعد انقلاب 25 أكتوبر.

الدخان يتصاعد نتيجة القتال في العاصمة السودانية (أرشيفية - أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد نتيجة القتال في العاصمة السودانية (أرشيفية - أ.ف.ب)

بدوره، قال القانوني معز حضرة لـ«الشرق الأوسط» إن القرار بتشكيل لجنة ليس جديداً، وهو إعادة تشكيل لجنة القاضي «أبو سبيحة» بعد تقاعده عن العمل، بعدما أصبحت الدائرة القانونية التي كان يرأسها كمرحلة استئنافية غير موجودة.

وأضاف أنه يعتقد أن فلول حزب المؤتمر الوطني «المنحل» الذين لم تفك أموالهم المصادرة بواسطة اللجنة السابقة، تقدموا بقرارات إلى عضو مجلس السيادة، إبراهيم جابر، الذي ترأس اللجنة بعد انقلاب 25 أكتوبر.

وكشف عن أن جابر قام بفك كل الأموال والعقارات المملوكة لأعوان النظام المعزول، بحكم انتمائه للتنظيم الإسلامي، ومسؤوليته عن أموال الإسلاميين في عدد من الدول.

وقال حضرة إنه بعد اندلاع الحرب في البلاد عاد «فلول المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية»، وطالبوا بإلغاء قرارات لجنة التفكيك التي صادرت أموالهم.

وأوضح: وفقاً لقانون لجنة التفكيك لا يستطيع رئيس اللجنة، إبراهيم جابر، فعل شيء، لذلك عملوا على إعادة تكوين اللجنة القضائية من جديد لفك ما تبقى من أموال منسوبي المؤتمر الوطني المحجوزة بواسطة القضاء.

وأشار إلى أن صدور مثل هذا القرار في وقت تعاني البلاد من الحرب وآثارها الكارثية على الشعب السوداني، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك سيطرة فلول النظام المعزول على كل أجهزة الدولة، بما في ذلك القضاء والنيابة وغيرهما، مضيفاً: هذا ليس الوقت المناسب لفك أموال أشخاص متهمين في قضايا جنائية وشبهة فساد، ما يعد استخداماً سيئاً لأجهزة العدالة.

وقال عضو لجنة إزالة التمكين «المجمدة»، وجدي صالح، إن صدور قرار من رئيس القضاء بتشكيل دائرة للنظر في القرارات الصادرة من لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو (حزيران) 1989، هو امتداد لسلسة من الإجراءات التي اتخذها انقلاب 25 أكتوبر في مواجهة كل القرارات التي صدرت خلال الفترة الانتقالية، وإلغاء كل قرارات وسياسات لجنة التفكيك لخلق واقع جديد يسيطر عليه فلول النظام السابق، بإعادة تمكينه داخل مؤسسات الدولة والخدمة المدنية، وإعادة الأموال التي نهبوها، والتي تم استردادها لخزينة العامة.

وأضاف أن القضاء هو واجهة لإصدار مثل هذه القرارات حتى توحي بأنها إجراءات قانونية، لكن الحقيقة غير ذلك، على حد تعبيره.

وعَدّ وجدي صالح أن قرار إعادة تشكيل الدائرة القانونية التي كان يرأسها القاضي أبو سبيحة، ومنحها حق النظر في الطلبات التي تقدم إليها بموجب قانون الإجراءات المدنية والمقصود المنازعات في التنفيذ؛ هدفه تمرير قرارات جديدة تنتقص من قرارات سابقة لحماية مصالح النظام المعزول.

وأوضح صالح أن سلطات الانقلاب اتخذت إجراءات عديدة بإلغاء القرارات الصادرة من لجنة التفكيك وتم تسليم الأموال لوزارة المالية.

وقال إن القرار غير «مستغرب» بعد أن تمت تهيئة المشهد بانقلاب 25 أكتوبر، الذي لم ينجح، وإعادة ترتيب الأوضاع من جديد بإشعال الحرب في 15 أبريل (نيسان) 2023، اعتقاداً من الانقلابيين بأن هذا هو الوقت المناسب لإلغاء هذه القرارات والقضاء على ما كل له من صلة بثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة، التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير.

وذكر صالح أن القرار يتزامن مع عودة فلول النظام المعزول، الذين تمت إدانتهم بجرائم جنائية وفساد مالي خلال فترة حكمهم، وأن ظهورهم العلني مع المسؤولين في قيادة الجيش السوداني، يؤكد أن هذا القرار يستكمل حلقة عودتهم للسلطة مرة أخرى.


مقالات ذات صلة

خلافات عميقة تضرب أكبر حزب سياسي في السودان

شمال افريقيا الصادق المهدي (يمين) وابنه الأكبر عبد الرحمن في فعالية دينية لطائفة الأنصار (أرشيفية - غيتي)

خلافات عميقة تضرب أكبر حزب سياسي في السودان

تفجرت الخلافات داخل «حزب الأمة القومي»، وانتقلت من خلافات داخلية إلى حرب بيانات علنية بين مؤسسات الحزب.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا المصري محمد شعبان خلال حواره مع «وكالة الصحافة الفرنسية» (أ.ف.ب)

مصريون ناجون من سجون «الدعم السريع» في السودان يروون معاناتهم

على مدى ما يقرب من عامين، نُقل عماد معوض مرات كثيرة من مكان احتجاز إلى آخر في السودان؛ حيث اعتقلته «قوات الدعم السريع» مع عدد آخر من المصريين بتهمة «التجسس».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا البرهان (أ.ف.ب)

البرهان: لا تراجع عن هزيمة وسحق قوات «الدعم السريع»

قال رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان اليوم (السبت)، إنه لا تراجع عن هزيمة وسحق قوات «الدعم السريع»

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني في مدينة أم درمان (أرشيفية - رويترز)

الجيش السوداني يسترد منطقة استراتيجية في أم درمان

أعلن الجيش السوداني، يوم السبت، استرداد واحد من أكبر معاقل «قوات الدعم السريع» الرئيسية في غرب مدينة أم درمان، وهي منطقة «سوق ليبيا».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا محادثات وزير الخارجية المصري ونظيره السوداني في القاهرة (الخارجية المصرية)

محادثات مصرية - سودانية تتناول المستجدات الميدانية في الخرطوم

جددت مصر «التأكيد على دعمها للمؤسسات الوطنية السودانية في استعادة الاستقرار والسلام».

أحمد إمبابي (القاهرة )

مصر: كيف تُسهم تحلية مياه البحر في تحجيم أزمة «الشح»؟

جانب من مشروع تحلية مياه البحر في العين السخنة (خريطة مشاريع مصر)
جانب من مشروع تحلية مياه البحر في العين السخنة (خريطة مشاريع مصر)
TT
20

مصر: كيف تُسهم تحلية مياه البحر في تحجيم أزمة «الشح»؟

جانب من مشروع تحلية مياه البحر في العين السخنة (خريطة مشاريع مصر)
جانب من مشروع تحلية مياه البحر في العين السخنة (خريطة مشاريع مصر)

أثارت جهود الحكومة المصرية في ملف تحلية مياه البحر للحد من أزمة «الشح المائي»، تساؤلات بشأن هذه التحركات في خدمة «ملف المياه بالبلاد»، خصوصاً بعد إنشاء كثير من محطات التحلية.

وتعاني مصر من «عجز مائي» يقدَّر بنحو 54 مليار متر مكعب سنوياً، حيث تبلغ مواردها المائية نحو 60 مليار متر مكعب سنوياً، تقابلها احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً، حسب تصريحات لوزير الري المصري، هاني سويلم، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

كان رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قد قال في فبراير (شباط) الماضي، إن «حكومته تستهدف الوصول بكمية المياه المحلاة من البحر يومياً إلى 5 ملايين متر مكعب». كما شدد الشهر الماضي، على «أهمية اتخاذ مختلف الخطوات العملية مع الشركات الجادة التي تُبدي استعداداً لتنفيذ مشروعات كبيرة في مجال تحلية مياه البحر»، وفق بيان لـ«مجلس الوزراء».

تأتي التحركات الحكومية، في ظل استمرار أزمة «سد النهضة» الذي أقامته أديس أبابا على رافد نهر النيل الرئيسي، وتطالب دولتا المصب (مصر والسودان) باتفاق قانوني مُلزم ينظم عمليات «ملء وتشغيل السد».

وحسب أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، عباس شراقي، فإن مصر قطعت شوطاً كبيراً في ملف تحلية مياه البحر خلال السنوات الخمس الماضية، مما أسهم في مضاعفة الكميات المنتجة لنحو 10 أضعاف.

وأشار إلى أن «مصر كان يوجد بها نحو 60 محطة لتحلية المياه، لكن إنتاجها كان متواضعاً بنحو 100 ألف متر مكعب في اليوم، والآن بعد إنشاء كثير من المحطات عالية القدرة الإنتاجية، أصبح الإنتاج اليومي يصل إلى نحو مليون و200 ألف متر مكعب». لكنه أوضح أن هذا الملف «لا يزال محل عناية وخطط مستقبلية قيد التنفيذ».

مصطفى مدبولي خلال متابعته في وقت سابق ملف تحلية مياه البحر (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي خلال متابعته في وقت سابق ملف تحلية مياه البحر (مجلس الوزراء المصري)

وتضع مصر استراتيجية لتحلية مياه البحر تتضمن «5 خطط خمسية» خلال الفترة من 2025 إلى 2050 حسب وزير الإسكان المصري، شريف الشربيني، الذي قال أخيراً، إن «الخطة الأولى تبدأ من 2025 حتى 2030 وتشتمل على 23 مشروعاً بإجمالي إنتاج يبلغ 2.655 مليون متر مكعب يومياً».

ورغم الطفرة الكبيرة التي تحققت في ملف تحلية مياه البحر، فإن شراقي يرى انفصالاً بين هذا الملف و«العجز المائي»، على اعتبار أن «مياه التحلية تكلفتها عالية نسبياً، حيث تبلغ نحو دولار للمتر المكعب الواحد (الدولار يساوي 50.5 جنيه في البنوك المصرية)، كما أنها توظف بشكل أساسي إما في الشرب في المدن الساحلية أو في المشاريع الاستثمارية، بينما يتمثل العجز المائي في مصر بالأساس في توفير مياه للزراعة».

ودشَّنت مصر في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019 محطة «العين السخنة» التي تعد «الكبرى على مستوى العالم»، حسب «الهيئة العامة للاستعلامات». وتعمل على «تنقية 136 ألف متر مكعب يومياً لصالح المنطقة الاستثمارية والمنطقة الصناعية شمال غربي خليج السويس».

وأضاف شراقي لـ«الشرق الأوسط» أن «تكلفة مياه البحر المحلاة تظل ذات جدوى اقتصادية كبيرة عند توجيهها للشرب في المدن الساحلية التي تشهد امتدادات عمرانية وصناعية وسياحية، وتستطيع العوائد الكبيرة للسياحة أو الصناعة تغطية تكلفتها، لكن عند توجيهها للزراعة فإنها تفقد جدواها الاقتصادية؛ إذ تعد تكلفتها أعلى من المحاصيل التي ستُزرع بها». وأشار إلى أن «العجز المائي» يتم تعويضه من خلال عدة سبل من بينها «تحلية مياه الصرف الزراعي لإعادة استخدامها مرة أخرى في الري، واستنباط سلالات جديدة من المحاصيل التي لا تحتاج إلى كميات مياه كبيرة».

مصر تعتمد بشكل رئيسي على مياه النيل في تلبية احتياجاتها (أرشيفية - مجلس الوزراء المصري)
مصر تعتمد بشكل رئيسي على مياه النيل في تلبية احتياجاتها (أرشيفية - مجلس الوزراء المصري)

لكنَّ خبير المياه الدولي، ضياء الدين القوصي، يرى أن ثمة وسائل يمكن من خلالها الاستفادة من المياه المحلاة، بحيث تصبح إضافة إلى مياه النيل، ومن ثم استخدامها في الزراعة، وتقليص العجز المائي.

وتقدَّر حصة مصر في مياه نهر النيل بـ55.5 مليار متر مكعب، تعتمد عليها بنحو 97 في المائة في استخدامات الشرب والزراعة.

ووفق القوصي، فإن أولى هذه المزايا «وجود كميات هائلة من المياه الجوفية في مصر»، مشيراً إلى أن إنشاء محطات لـ«تحلية هذه المياه بالطاقة المتجددة، يُمكن أن يخفض تكلفة الإنتاج، ومن ثم تعظيم الاستفادة». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الميزة الأخرى لمصر، هي امتلاكها نحو 3 آلاف كيلومتر شواطئ، بين البحر المتوسط والأحمر والعقبة والسويس، مقترحاً أن تتم الاستفادة منها في شكل إنشاء محطات صغيرة تفي بأغراض التجمعات السكنية في هذه المناطق، مما يوفر مصروفات نقل المياه إلى المدن الساحلية.