بعد 6 سنوات من الجفاف... المغاربة يروون عطشهم من مياه البحر

محطات تقوم بتحليتها بفضل تقنية باتت أساسية لمواجهة قلة التساقطات

أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)
أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)
TT

بعد 6 سنوات من الجفاف... المغاربة يروون عطشهم من مياه البحر

أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)
أطفال من قرية سيدي بوشتة يتزودون بالمياه الصالحة للشرب بعد تحليتها (أ.ف.ب)

في قرية سيدي بوشتة المغربية لم يتوقَّع السكان الذين يعيشون على صيد السمك يوماً أنهم سيروون عطشهم بمياه المحيط الأطلسي بعد تحليتها بفضل محطات متنقلة، في تقنية باتت أساسية لمواجهة جفاف مزمن. بالقرب من هذه القرية الواقعة في محافظة آسفي وسط البلاد الغربي.

القصة بدأت عندما أُقيمت منشأة متنقلة صغيرة مؤلفة من صهريجين وحاويتين فوق رمال شاطئ رأس بدوزة تعمل على تحلية المياه لتوزع على نحو 45 ألفاً من سكان القرى المجاورة.

عمال يملأون حاويات شاحنات بالمياه المحلاة (أ.ف.ب)

وبينما تعتمد مدن ساحلية عدة، منذ عام 2022، على مصانع التحلية التقليدية لتلبية احتياجاتها كلياً، أو جزئياً، من مياه الشرب، لجأت السلطات إلى هذه المحطات الصغيرة المتنقلة، التي «مكَّنت من تفادي الأسوأ»، بحسب تصريح مدير الوكالة المحلية لتوزيع الماء والكهرباء ياسين الملياري لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

فرج بعد 6 سنوات من الانتظار

بعد 6 سنوات متتالية من الجفاف، لم يعد سد المسيرة، الواقع على بُعد نحو 220 كيلومتراً، شمال آسفي، قادراً على تلبية حاجات المنطقة من مياه الشرب، على غرار كل سدود البلاد، التي لا يتجاوز مخزونها معدل 28 في المائة. وإزاء هذا الإجهاد المائي الحاد، جهزت السلطات 44 محطة تحلية متنقلة، ابتداءً من أبريل (نيسان) 2023، بينما ثمة 219 أخرى في طور الإعداد، لتلبية حاجات نحو 3 ملايين من سكان الأرياف، وفق معطيات رسمية.

صورة لأحد مصانع تحلية المياه التقليدية في مجدينة آسفي (أ.ف.ب)

يقول الملياري إنه يمكن لهذه المحطات الصغيرة إنتاج 360 إلى 3600 متر مكعب يومياً من المياه؛ ما يجعلها «الحل الأفضل لسهولة تركيبها وإمكانية نقلها»، مشدداً أيضاً على تكلفتها المنخفضة التي تقارب 1.3 مليون دولار في المتوسط للوحدة.

«لم نتخيل ذلك»

في غفلة من المصطافين، تُضخ مياه البحر من شاطئ رأس بدوزة، وتُخضع للمعالجة، قبل أن تُضاف إليها المعادن الضرورية، ثم تُنقَل بعد ذلك في صهاريج لتوزع على سكان القرى المحتاجة «يومياً بالمجان في مجال يصل حتى 180 كيلومتراً»، على ما يؤكد الملياري.

يقول الصياد المتقاعد خير حسن (البالغ 74 عاماً): «حتى وقت قريب كان سكان قرية سيدي بوشتة يعتمدون على المياه الجوفية، لكنها نضبت مؤخراً... ولم نشهد مثل هذا الوضع منذ الثمانينات».

أسرة مغربية في رحلة يومية للتزود بالمياه المحلاة في قرية سيدي بوشتة (أ.ف.ب)

ويضيف كريم البالغ 27 سنة، وهو الآخر صياد سمك: «كنا نسمع أن مدناً أخرى تعتمد على مياه البحر، لكننا لم نكن نتخيل أننا سنلجأ إليها أيضاً». وقد أتى كريم رفقة عدد من سكان القرية الصغيرة إلى باحة المسجد؛ حيث وُضع خزانٌ بلاستيكي تُفرَغ فيه المياه المحلاة، ليأخذ حاجته. هنا يبدو الوضع أقل سوءاً مقارنة مع قرى أخرى نائية؛ حيث نقلت وسائل إعلام محلية معاناة قرويين من ندرة المياه خلال الصيف.

بينما تنذر التوقعات عموماً باستمرار الجفاف في أفق عام 2050، حيث يرتقب تراجع الأمطار بمعدل 11 في المائة، وارتفاع درجات الحرارة (+ 1.3 درجات)، وفق دراسة لوزارة الزراعة.

إنقاذ الزراعة

يعوِّل المغرب على مياه البحر أيضاً لإنقاذ الزراعة، التي خصص لها عام 2023 نحو 25 في المائة من المياه المحلاة في 12 محطة، وفق وزارة التجهيز والماء.

ويستهلك هذا القطاع أكثر من 80 في المائة من موارد البلاد المائية، ويوظف ثلث اليد العاملة النشطة. لكن الأولوية تعطى لتوفير مياه الشرب، بعدما واجهت مدن بأكملها خطر العطش، مثل آسفي، التي انقطع ربطها بسد المسيرة، ثاني أكبر سدود البلاد؛ حيث تراجع مخزون السد «من 75 في المائة، عام 2017، إلى 0.4 في المائة حالياً»، بحسب المسؤول في محطة التحلية التابعة للمكتب الشريف للفوسفات (رسمي)، عبد الغني آيت باحسو.

عملية شحن المياه المحلاة في صهاريج الشاحنات لحملها للسكان (أ.ف.ب)

وإزاء الخطر المحدّق، لجأت السلطات إلى رائد الفوسفات العالمي، الذي يستغل مصانع في المنطقة، لبناء محطة تحلية. وبهذا الخصوص يقول باحسو: «في ظرف وجيز... أصبحنا في سباق مع الزمن منذ 2022، وبدأ تزويد المدينة تدريجياً بالماء الشروب منذ أغسطس (آب) 2023. وبشكل تام، ابتداءً من فبراير (شباط)»، من العام ذاته.

ويُرتقَب توسعة المحطة لتزويد عاصمة السياحة مراكش (150 كيلومتراً شرقاً) ونواحيها، في أفق عام 2026. وبحسب معطيات رسمية، فقد بدأ بناء 6 محطات جديدة، أبرزها بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، في حين يُرتقَب الشروع في إنشاء 8 أخرى، بينها محطة بالرباط. علماً بأن العاصمة تفادت خطر العطش بفضل «طريق الماء»، وهي قناة بُنيَت على امتداد 67 كيلومتراً، تنقل المياه من منطقة سبو الماطرة شمالاً، منذ سبتمبر (أيلول) الماضي.

عملية تحلية المياه داخل مصنع الفوسفاط في آسفي (أ.ف.ب)

ورغم أن بعض سكان سيدي بوشتة يجدون مياه البحر المحلاة أقل عذوبة من مياه الينابيع، فإن حدة التقلبات المناخية تجعلها خياراً استراتيجياً في المغرب، الذي له واجهتان بحريتان شاسعتان. وقد أعلن الملك محمد السادس في خطاب مؤخراً أن المغرب يعول عليها لتوفير «أكثر من 1.7 مليار متر مكعب سنوياً»، و«تغطية أكثر من نصف حاجياته من الماء الصالح للشرب»، و«سقي مساحات فلاحية كبرى»، في أفق 2030.


مقالات ذات صلة

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

شمال افريقيا وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة مستقبلاً نظيره الهنغاري بيتر سيارتو (إ.ب.أ)

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

أعربت هنغاريا عن دعمها للجهود التي يبذلها المغرب لحل قضية الصحراء، ولمخطط الحكم الذاتي المقدم سنة 2007.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي (إ.ب.أ)

حكيمي يجدّد عقده مع سان جيرمان حتى 2029

مدّد الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي عقده مع باريس سان جيرمان بطل فرنسا لكرة القدم حتى عام 2029.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

الخلافات السياسية تعرقل صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر

كانت الجزائر تستورد ما بين مليونين و6 ملايين طن قمح فرنسي سنوياً؛ مما جعلها من أكبر زبائن فرنسا. غير أن الكميات المستوردة انخفضت بشكل لافت في السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رضوان الحسيني مدير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بوزارة الشؤون الخارجية المغربية (الشرق الأوسط)

المغرب يؤكد «التزامه الراسخ» بمكافحة الإرهاب النووي والإشعاعي

المغرب يؤكد التزامه بالأهداف الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب النووي، التي تدعو إلى نهج استباقي ومتعدد الأبعاد، لمحاربة هذه الآفة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية زكريا أبو خلال لاعب تولوز انضم لتشكيلة منتخب المغرب (أ.ف.ب)

الركراكي يستدعي أبو خلال لتشكيلة المغرب بدلاً من أخوماش

أعلن الاتحاد المغربي لكرة القدم الثلاثاء أن وليد الركراكي مدرب المنتخب الأول استدعى زكريا أبو خلال لتعويض غياب إلياس أخوماش.

«الشرق الأوسط» (الرباط)

اتهامات تلاحق الجيش و«الدعم السريع» باستهداف مخيمات النازحين بالفاشر

من مخيمات النزوح في الفاشر (أ.ف.ب)
من مخيمات النزوح في الفاشر (أ.ف.ب)
TT

اتهامات تلاحق الجيش و«الدعم السريع» باستهداف مخيمات النازحين بالفاشر

من مخيمات النزوح في الفاشر (أ.ف.ب)
من مخيمات النزوح في الفاشر (أ.ف.ب)

وجهت هيئات محلية، الثلاثاء، اتهامات جديدة للجيش و«الدعم السريع» بقصف مخيمات النازحين في الفاشر، فيما بحث وزيرا الخارجية السوداني والمصري، علي يوسف وبدر عبد العاطي، الثلاثاء، في بورتسودان (العاصمة الإدارية السودانية المؤقتة)، تفعيل آليات التعاون السياسية، وإحكام التنسيق بين قيادة البلدين في القضايا ذات الاهتمام المشترك على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وقالت الخارجية السودانية، في بيان، إن يوسف «تقدم بالشكر للشقيقة مصر على وقفتها الصلبة الداعمة للسودان وهو يخوض حرب الكرامة الوطنية ضد ميليشيا (الدعم السريع) المتمردة ومرتزقتها وداعميها الإقليميين».

وزيرا الخارجية المصري والسوداني (وكالة أنباء السودان)

وبدوره، جدد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، موقف بلاده «الداعم لسلامة السودان وسيادته ووحدته». وأكد أن «الشعب المصري يشاطر الشعب السوداني الشقيق في محنته، وسيكون سنداً له حتى يتجاوزها بسلام».

وذكر البيان أن المباحثات «تناولت أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين، وتذليل المعوقات التي تواجه السودانيين المقيمين في مصر مؤقتاً بسبب الحرب، وعلى وجه الخصوص في الجوانب الهجرية والتعليمية. واتفق الجانبان على وضع المعالجات العملية الناجعة لتلك القضايا في ضوء العلاقات الأزلية بين الشعبين الشقيقين».

من آثار القصف في الفاشر (مواقع التواصل)

ميدانياً، أدانت قيادة الفصائل المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني، الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها مخيمات النازحين في شمال دارفور (غرب البلاد)، بسبب القصف المدفعي المستمر من قبل «قوات الدعم السريع».

وقالت في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»: «إن الميليشيا بعد أن فشلت في مواجهة الجيش والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح في ميادين المعركة، لجأت إلى حبك الأكاذيب لتضليل الرأي العام، وإيجاد ذرائع لشرعنة استهداف الفئات الأكثر ضعفاً، بمن في ذلك النازحون الأبرياء والمدنيون العزل».

وطالب البيان المجتمع الدولي «باتخاذ تدابير حاسمة لمنع هذه الميليشيات من الاستمرار في ارتكاب الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين العزل».

وشدد على وضع «آليات للمحاسبة الرادعة، وضمان إنصاف الضحايا، ومنع الإفلات من العقاب، بما يسهم في وقف هذه الجرائم المتكررة». ودعا المحكمة الجنائية الدولية «وفقاً لتفويضها من مجلس الأمن الدولي، إلى البدء في التحقيق فوراً في الانتهاكات وجرائم الحرب الجديدة التي ترتكب ضد المدنيين، بما فيها التهجير القسري وحرق القرى».

جانب من النازحين في الفاشر (أ.ب)

وناشدت قيادة تلك الفصائل في بيانها، «الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية و(هيومن رايتس ووتش)، وجميع المنظمات الحقوقية الإنسانية، التحرك العاجل والفوري، لاتخاذ خطوات للوقوف بحزم إلى جانب الضحايا في معسكرات النازحين الذين تمارس في حقهم الإبادة الجماعية».

ووفقاً لـ«تنسيقية لجان مقاومة الفاشر» (كيان محلي)، قُتل أكثر من 7 أشخاص، وأصيب العشرات، الاثنين، جراء قصف مدفعي شنته «قوات الدعم السريع» على «مخيم زمزم» الذي يقع على بُعد 15 كيلومتراً جنوب المدينة.

بدورها، أعربت «المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين» عن «أسفها البالغ للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها (قوات الدعم السريع) بالقصف المدفعي العشوائي على مخيمي زمزم وأبشوك، وكذلك قصف الجيش السوداني بالطيران».

سوق مدمرة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية دارفور جراء المعارك (أرشيفية - أ.ف.ب)

وطالب المتحدث باسم المنسقية آدم رجال «كل أطراف النزاع، بالابتعاد عن معسكرات النازحين، وعدم استخدامها ميادين للمعارك». وقال في بيان: «إن مخيم زمزم تعرض لقصف مدفعي من (الدعم السريع)، كما قامت قوات الجيش بقصف جوي استهدف المواطنين، ما حوّل النازحين إلى دروع بشرية في المناطق المكتظة بالسكان، وأسفرت هذه العمليات العسكرية عن سقوط قتلى وجرحى بين الأبرياء».