مصر لدعم موقفها في نزاع «سد النهضة» بتحركات مكثفة بنيويورك

القاهرة ترفض «الممارسات الأحادية»... وأديس أبابا تواصل الملء

وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الصيني في نيويورك (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الصيني في نيويورك (الخارجية المصرية)
TT

مصر لدعم موقفها في نزاع «سد النهضة» بتحركات مكثفة بنيويورك

وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الصيني في نيويورك (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الصيني في نيويورك (الخارجية المصرية)

كثّفت مصر من تحركاتها الدبلوماسية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لدعم موقفها في نزاع سد النهضة الإثيوبي. وبينما تؤكد القاهرة «محورية حقوقها المائية» من مياه النيل وترفض «الممارسات الأحادية» من جانب أديس أبابا، تواصل إثيوبيا ملء «السد».

وشدّد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت، على «أهمية قضية الأمن المائي وسد النهضة بالنسبة إلى بلاده».

وتبني إثيوبيا سد النهضة على رافد نهر النيل الرئيسي منذ 2011 لإنتاج كهرباء تلبي احتياجات 60 في المائة من المنازل. ويواجه مشروع «السد» باعتراضات من دولتي المصب مصر والسودان، للمطالبة باتفاق قانوني ينظّم عمليات ملئه وتشغيله، بما لا يضر بحصتيهما المائية.

وحذّرت وزارة الخارجية المصرية، في خطاب إلى مجلس الأمن، نهاية أغسطس (آب) الماضي، من «التأثيرات الخطيرة للسد على حصتي مصر والسودان المائية». وقالت إن «السد الإثيوبي يمثّل خطراً وجودياً على مصر». وأشارت إلى «انتهاء مسارات المفاوضات بشأن سد النهضة بعد 13 عاماً من التفاوض بنيات صادقة». وأرجعت ذلك إلى أن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل إلى حل».

وشدد وزير الخارجية المصري، خلال لقائه نظيره الصيني، وانغ يي، في نيويورك، على «أهمية قضية الأمن المائي والسد الإثيوبي بالنسبة إلى مصر»، وعدّها «قضية وجودية تتعلّق بشكل مباشر بالأمن القومي المصري، ولا يمكن التهاون بشأنها». كما أكد «رفض بلاده أي ممارسات أحادية تضرّ بمصالح دولتي المصب وتخالف القواعد الدولية المستقرة في حوكمة المياه العابرة للحدود»، حسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، السبت.

وسبق ذلك تأكيد وزير الخارجية المصري موقف بلاده نفسه من قضية السد الإثيوبي، خلال لقائه وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، جون باس، في نيويورك، مساء الجمعة. وحذّر عبد العاطي من أن «بلاده لن تتهاون بشأن قضية (السد)». كما أشار عبد العاطي خلال «قمة المستقبل» بالأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، إلى «ضرورة إعطاء قضية الندرة المائية والأمن المائي الاهتمام البالغ من المجتمع الدولي»، مطالباً «عدم ترك الأمر لأهواء دول معينة، وإن كانت هي دول المنبع، لفرض سياسات أحادية خاطئة تهدد مصالح وشواغل دول المصب».

ويرى نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، السفير صلاح حليمة، أن «وزير الخارجية المصري يقوم بدور نشط ومكثف لحشد التأييد الدولي لدعم الموقف المصري في قضية سد النهضة». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحركات المصرية تتسم بالالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية، التي تخالفها إثيوبيا، بالتصرفات الأحادية في مشروع (السد)».

ووفق حليمة فإن «التحركات المصرية تستهدف تأكيد تهديد السد الإثيوبي للحياة في مصر»، وإظهار «المخاطر الوجودية المرتبطة بعمليات تشغيل السد وملئه، ما يعطي الحق للقاهرة في اللجوء إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، لطلب التدخل، دفاعاً عن حقها وأمنها». وأشار إلى أن «هناك تأييداً للموقف المصري أكدته لقاءات وزير الخارجية المصري مع المسؤولين الدوليين في نيويورك».

وكان وزير الخارجية المصري قد أشار، في تصريحات إعلامية بنيويورك، الأسبوع الماضي، إلى «حشد بلاده الدعم والتأييد الدولي لموقفها في ضرورة الوصول لاتفاق قانوني ملزم بشأن السد الإثيوبي، وكيفية تشغيله، بما لا يضر بدولتي المصب»، وقال إن «حصة مصر المائية (55.5 مليار متر مكعب) تكاد تكفي 60 في المائة من الاحتياجات المائية السنوية لمصر، وبالتالي لا يمكن التفريط في قطرة واحدة منها».

جانب من سد النهضة الإثيوبي (رويترز)

من جانبه، أكد أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، ضرورة قيام مصر بـ«تشكيل رأي عام دولي داعم لحقوقها المائية في قضية (السد)»، مشيراً إلى أهمية «ممارسة المجتمع الدولي ضغوطاً على الجانب الإثيوبي، والوصول لاتفاق قانوني بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، حتى لا يتطور الخلاف».

وكان مجلس الأمن قد أصدر بياناً في سبتمبر (أيلول) 2021 حثّ فيه مصر وإثيوبيا والسودان على «استئناف المفاوضات؛ بهدف وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزم للأطراف بشأن ملء (السد) وتشغيله ضمن إطار زمني معقول».

وعدّ شراقي أن «تدخل الأمم المتحدة بات ضرورياً، بسبب المخاطر الطبيعية التي يشكّلها مشروع السد الإثيوبي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «وصول عملية تخزين المياه في (السد) للسعة القصوى سيؤدي إلى زيادة نشاط الزلازل بالمنطقة، وفي حال سنوات الفيضان المرتفع، قد يشكّل مخاطر على بنيته»، مشيراً إلى أن «المشروع يمثّل تهديداً للحياة على السودان؛ ما يستوجب تدخل مجلس الأمن».

وشهدت إثيوبيا، الجمعة، زلزالاً في منطقة الأخدود، التي تبعد 570 كيلومتراً شرق منطقة «سد النهضة»، حسب أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، الذي قال إنه «من المتوقع زيادة النشاط الزلزالي في إثيوبيا خصوصاً في منطقة (السد)».

يأتي هذا في وقت تواصل فيه إثيوبيا ملء «السد». وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في أغسطس الماضي، «اكتمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق بشكل كامل بحلول ديسمبر (كانون الأول) المقبل». وقال إن «إجمالي المياه المحتجزة مع مرحلة الملء الخامس للسد، بلغ 62.5 مليار متر مكعب»، متوقعاً أن تصل نسبة المياه المحتجزة بنهاية العام «ما بين 70 و71 مليار متر مكعب».


مقالات ذات صلة

هل يعود نجوم الكرة المصريون للدوري الليبي؟

رياضة عربية محمود «كهربا» أحد أبرز اللاعبين المصريين المحترفين في الدوري الليبي (صفحة اللاعب على «فيسبوك»)

هل يعود نجوم الكرة المصريون للدوري الليبي؟

مع مؤشرات عن هدوء الأوضاع الأمنية والسياسية في ليبيا، عقب تشكيل لجنة الهدنة في طرابلس، وما ترتب عليه من قرار الاتحاد الليبي لكرة القدم استئناف مباريات الدوري.

محمد عجم (القاهرة )
العالم العربي محادثات سعودية - مصرية الثلاثاء تتناول عدداً من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك (مجلس الوزراء المصري)

مصر تتطلع لتفعيل المجلس الأعلى التنسيقي مع السعودية

أعرب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الثلاثاء، عن تقديره دور السعودية على المستوى الإقليمي الداعم للقضايا العربية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي وزير الدفاع المصري يتفقد جواً عدداً من نقاط التأمين الحدودية المتمركزة بنطاق المنطقة الغربية العسكرية (المتحدث العسكري)

وزير الدفاع المصري يشيد بدور مقاتلي المنطقة الغربية في صد «التهديدات»

أشاد وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد المجيد صقر، الثلاثاء، بما وصفه بـ«الدور المهم»، الذي يقوم به مقاتلو المنطقة الغربية العسكرية في حماية البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي نوال الدجوي خلال حصولها على الدكتوراه الفخرية من إنجلترا (جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب - «فيسبوك»)

مصر: جدل «سرقة» الدجوي يتصاعد عقب ظهور خلافات أسرية

تصاعد الجدل في مصر حول بلاغ «سرقة» شقة رئيسة مجلس أمناء جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب، نوال الدجوي، وذلك عقب حديث عن خلافات أسرية حول الميراث.

رحاب عليوة (القاهرة)
العالم العربي الأتوبيس الترددي يشق طريقه قريباً في القاهرة (وزارة النقل)

الحكومة المصرية تحاصر «فوضى الميكروباص» بـ«الأتوبيس الترددي»

يشكو مواطنون ومسؤولون في مصر من أزمات عدة يتسبب فيها «الميكروباص»، رغم كونه وسيلة نقل حيوية داخل المدن المصرية، من بينها عدم الالتزام بالقوانين المرورية.

رحاب عليوة (القاهرة)

«الجثث»... سلاح حكومة «الوحدة» الليبية لـ«إدانة» الككلي وفلوله

المقر الذي يقول «اللواء 444» إنه عثر فيه على «مقبرة جماعية» ويعود إلى نجل الككلي (اللواء 444 قتال التابع للدبيبة)
المقر الذي يقول «اللواء 444» إنه عثر فيه على «مقبرة جماعية» ويعود إلى نجل الككلي (اللواء 444 قتال التابع للدبيبة)
TT

«الجثث»... سلاح حكومة «الوحدة» الليبية لـ«إدانة» الككلي وفلوله

المقر الذي يقول «اللواء 444» إنه عثر فيه على «مقبرة جماعية» ويعود إلى نجل الككلي (اللواء 444 قتال التابع للدبيبة)
المقر الذي يقول «اللواء 444» إنه عثر فيه على «مقبرة جماعية» ويعود إلى نجل الككلي (اللواء 444 قتال التابع للدبيبة)

زادت حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، من التصعيد ضد «جهاز دعم الاستقرار»، الذي فككته بعد مقتل آمره، عبد الغني الككلي، الشهير بـ«غنيوة».

وبدت قوات الدبيبة منشغلةً - وفق متابعين ليبيين- بترتيب مرحلة ما بعد اغتيال الككلي، بالحديث عن «جرائمه»، التي سبق أن تغاضت عنها، بحسب تقارير دولية، مستخدمةً «الجثث» التي تقول إنها تستخرجها من «مقبرة جماعية» بمنطقة نفوذ نجله في أبوسليم.

عينات من الأدلة التي تم تجميعها (اللواء 444 قتال التابع للدبيبة)

ويقرُّ حقوقيون ليبيون بـ«تورط» جهاز الككلي في «جرائم» عدة، تتعلق بالإخفاء القسري لمواطنين خلال السنوات الماضية، لكنهم «يشكِّكون» في هذه الجثث، التي قالوا: «ربما تكون نُقلت من أماكن أخرى للتدليل على ما تريده حكومة الوحدة».

وتتحدَّث وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» عن وجود ثلاجة بمستشفى الحوادث في أبوسليم (منطقة نفوذ الككلي)، تضم 58 جثة مجهولة الهوية، قالت إنها استخرجت منها 23 حتى الآن.

وأوضحت الوزارة أن الكشف عن هذه الجثث جاء «بناءً على بلاغ وارد إلى المحامي العام بطرابلس من إدارة مستشفى الحوادث في أبوسليم»، لافتةً إلى أن الإفادة أشارت إلى «وجود ثلاجة كانت تحت حماية (جهاز دعم الاستقرار) سابقاً، وتحتوي على 58 جثة مجهولة الهوية، تم تخزينها منذ فترة، دون إبلاغ النيابة العامة، أو مراكز الشرطة المختصة».

وقالت الوزارة إن الأجهزة المختصة بدأت، صباح الاثنين، «تنفيذ التعليمات الصادرة عن النيابة العامة، حيث تولى جهاز المباحث الجنائية، بالتعاون مع جهاز الطب والطوارئ، وتحت إشراف مباشر من النيابة العامة، عمليات الكشف والمعاينة الفنية للجثامين».

وانتهت الوزارة إلى أنه «حتى الآن، تم الكشف على 23 جثة، واتُّخذت بشأنها الإجراءات القانونية اللازمة كافة، بما في ذلك توثيق البيانات ورفع العينات».

المقر الذي يقول «اللواء 444» أنه عثر فيه على «مقبرة جماعية» ويعود إلى نجل الككلي (اللواء 444 قتال التابع للدبيبة)

وسبق أن علَّقت منظمة العفو الدولية، في بيانات رسمية، على تصاعد نفوذ الككلي في طرابلس، على الرغم «من تاريخ حافل بجرائم مشمولة في القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، ارتكبتها الميليشيات تحت قيادته، ووُثِّقت على نحو وافٍ».

الأمر لم يتوقف على الثلاجة، التي عُثر فيها على 58 جثة، بل وصل إلى اكتشاف «مقبرة جماعية» في مقر مملوك لبلقاسم، نجل الككلي.

وقال «اللواء 444 قتال»، التابع للدبيبة، إن أفراد الفرق المختصة من هيئة البحث والتعرف على المفقودين، رفقة جهاز المباحث الجنائية، وبإشراف مباشر من النيابة العامة، «يواصلون العمل على إخراج الجثث من المقبرة المكتشَفة في مقر نجل الككلي»، مبرزاً أن هذا التحرك «جاء بناءً على التحقيقات والاعترافات التي تحصَّل عليها اللواء من المقبوض عليهم من التابعين للعصابة»، في إشارة إلى فلول الككلي.

وقُتل الككلي، الأسبوع الماضي، داخل معسكر التكبالي، مقر «اللواء 444 قتال»، في عملية وصفتها حكومة «الوحدة» المؤقتة، بـ«الأمنية المعقدة».

وأوضح «اللواء» أن «اعترافات أحد المقبوض عليهم دلَّت على وجود الفتاة المختطفة (رؤية)، ضمن الجثث التي آوتهم المقبرة من ضحايا بلقاسم الككلي». «كما أسهمت في تحديد هوية أحد الجثامين، وعزَّزت الفرق المختصة تلك الرواية بأخذ عينات، ومطابقتها عبر تحليل الحمض النوويّ».

وأوضح «اللواء» أن «بعض الجثث تم حرقها»، مشيراً إلى أنه «لتحرّي الدقة، أعادت الفرق المختصة إجراء التحاليل باستخدام معدات أكثر دقة، وسيتم إعلان نتائجها قريباً، لا سيما النتائج المتعلقة بالرفات الذي يعود لجثة المفقودة (رؤية)».

وكانت الفتاة رؤية قد اختفت في منطقة أبوسليم خلال السنوات الماضية، ويعتقد أن ميليشيا الككلي وراء ذلك. لكن لم يتضح الأمر بعد.

وانتهى اللواء متحدثاً عن «بشاعة الإجرام»، الذي طال أصحاب الجثث، سواء كانت الفتاة (رؤية) أم سواها؛ «مما يعكس شناعة عصابة غنيوة»، وفق قوله.

المقر يعود إلى نجل الككلي (اللواء 444 قتال التابع للدبيبة)

وقال أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، إنه «عندما كانت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية توثِّق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها ميليشيا (دعم الاستقرار)، كانت (الوحدة) تدافع عنها، وتتنكر لحقيقة هذه التقارير الصادرة بهذا الشأن».

وأضاف حمزة في تصريح صحافي: «اليوم تحاول الحكومة تبرئة نفسها من الاشتراك في المسؤولية القانونية حيال التواطؤ مع هذه الميليشيا وقادتها، والتستر على جرائمهم».

جانب من الأدلة التي تم العثور عليها في «المقبرة الجماعية» (اللواء 444 قتال التابع للدبيبة)

وكانت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ«العفو الدولية»، قد قالت إن «الميليشيا تحت قيادة الككلي دأبت على إرهاب الأفراد في حي أبوسليم بطرابلس لأكثر من عقد، وذلك بممارسة الإخفاء القسري والتعذيب، وتنفيذ عمليات القتل غير المشروع». ودعت حنيها إلى «إجراء تحقيقات بشأنه؛ ومقاضاته في إطار محاكمة عادلة، إذا توفرت أدلة كافية مقبولة»، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، إلاّ بعد أن دبَّ خلافٌ بين الدبيبة والككلي، قُتل على أثره وفق أرجح الروايات.