تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

«الرئاسي» يدعو لحوار مع «النواب» لإقرار القانون

المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)

أبدى سياسيون ومحللون ليبيون تخوفهم من وقوع أزمة جديدة، تتعلق بالمطالبة بـ«قانون موحد للميزانية»، في وقت لا تزال فيه البلاد تتعافى من تأثير أزمة المصرف المركزي.

وتأتي هذه المخاوف بعد دعوة مستشار رئيس المجلس الرئاسي، زياد دغيم، البعثة الأممية، قبيل توقيع اتفاق المصرف المركزي، إلى «قيادة آلية حوار مع مجلس النواب، للوصول إلى قانون ميزانية موحدة، أو الاتفاق على ترتيبات مالية مؤقتة».

المصرف المركزي بالعاصمة طرابلس (صفحة المصرف على فيسبوك)

وعدَّ رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، مطالبة المجلس الرئاسي في هذا التوقيت «بدايةً لظهور قضية خلافية جديدة». ويعتقد زهيو أن هذا المطلب من المجلس الرئاسي يعد «نوعاً من الضغط على كل من البعثة ومجلسَي النواب و(الأعلى للدولة) للقبول بمشاركته، وحليفه المتمثل في رئيس حكومة (الوحدة الوطنية) عبد الحميد الدبيبة، في إدارة عوائد الثروة النفطية». ولفت زهيو إلى مطالبة المجلس الرئاسي بتعيينه مجلس إدارة المصرف المركزي، أو تشكيل لجنة ترتيبات مالية مؤقتة بقيادة محمد المنفي.

البرلمان الليبي أقر مشروع قانون ميزانية موحدة لعام 2024 بقيمة 37 مليار دولار (النواب)

وكان البرلمان الليبي قد أقر في يوليو (تموز) الماضي، مشروع قانون ميزانية موحدة لعام 2024، بقيمة 180 مليار دينار (37 مليار دولار)، إلا أن المجلس الأعلى للدولة رفضها، وقال حينها إنها «أُقرَّت دون التشاور معه»؛ وعدَّ ذلك «مخالفة للاتفاق السياسي والتشريعات النافذة».

وخلال رسالته إلى خوري، قال مستشار المنفي، إن قانون الميزانية الذي أقره البرلمان «خلا من اشتراطات دستورية، توجب تقديم مشروع قانون الميزانية من السلطة التنفيذية، والتشاور مع المجلس الأعلى للدولة قبل تقديم المشروع».

وأوضح زهيو لـ«الشرق الأوسط» أن دغيم «يعرف أن البرلمان لن يقبل التخلي عن مشروع القانون الذي سبق أن أقره قبل 3 أشهر؛ وحتى لو قبل فلن يكون الوصول لهذا القانون متاحاً حالياً، نظراً لانقسام المجلس الأعلى للدولة».

من اجتماع سابق لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

ونجحت البعثة الأممية في التوصل لاتفاق ينهي الصراع على إدارة المصرف المركزي، بتعيين قيادة جديدة له. ووفقاً لبنود الاتفاق، تُسند للمحافظ الجديد بالتشاور مع البرلمان مهمة ترشيح أعضاء مجلس إدارة الجديد للمصرف خلال أسبوعين من تسلم مهامه.

من جهته، يعتقد المحلل السياسي الليبي، محمد امطيريد، أن دعوة المجلس الرئاسي لقانون جديد للميزانية، عبارة عن «نوع من الضغط لضمان تقاسم الإيرادات مع القوى الأبرز بالمنطقة الشرقية، المتمثلة في القيادة العامة لـ(الجيش الوطني) بقيادة المشير خليفة حفتر».

غير أن دغيم دافع في تصريحات صحافية عن مطلب «الرئاسي»، وقال إن «السبب الرئيسي لتفجير الأزمة الحالية هو عدم وجود قانون ميزانية يعيد للمصرف المركزي دوره الفني، بعيداً عن الدور السياسي أو تحديد أولويات الإنفاق».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة ومقرها طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب، بقيادة أسامة حماد.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة (الوحدة)

ولم يبتعد المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، عن الآراء السابقة؛ حيث عدَّ ما يحدث مناورة من قبل مستشار المجلس الرئاسي «لضمان حصول الأطراف بالمنطقة الغربية على نصيبهم من كعكة تقاسم (المركزي)، مثلما تحاول بقية القوى الأخرى». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن كافة الأطراف في الساحة «تسعى للحصول على نصيب من الثروة»، بما يمكن توصيفه بمعركة «كسر العظم»، كون هذا «هو السبيل الوحيد لبقائهم في سُدة السلطة؛ خصوصاً وأن لديهم حلفاء وموالين ينفقون عليهم».

يشار إلى أن مستشار المنفي قال إن «وجود قانون ميزانية موحد لسنة 2024، يتطلب 3 اشتراطات دستورية لم تتحقق فيما أصدره البرلمان»، مشيراً إلى أن «الاشتراطات تتمثل في تقديم مشروع قانون للميزانية من السلطة التنفيذية، على أن تتشاور تلك السلطة مع المجلس الأعلى للدولة بشأنه؛ ثم يقر مجلس النواب المشروع، وفق التعديل السادس للإعلان الدستوري».


مقالات ذات صلة

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من مهاجرين غير نظاميين بعد تحريرهم من عصابة للاتجار بالبشر في جنوب شرقي ليبيا (جهاز البحث الجنائي)

لماذا يتجه بعض الليبيين للهروب إلى أوروبا عبر «المتوسط»؟

منذ سنوات، تتعالى أصوات التحذير من ارتياد شباب ليبيين قوارب الموت إلى الشواطئ الأوروبية.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا مشاركون في المناورات البحرية التي نفذتها «أفريكوم» (السفارة الأميركية)

تعهد أميركي بدعم القوات البحرية الليبية

تعهدت واشنطن بمواصلة العمل لدعم القوات البحرية الليبية في تعزيز جهود الأمن البحري الموحدة.

خالد محمود (القاهرة )

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

قُتل 5 أشخاص وأصيب آخرون بالرصاص في قرية في ولاية الجزيرة (وسط السودان) إثر هجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» الأربعاء، ليضاف إلى 40 آخرين قُتلوا في بلدات أخرى بالولاية التي تشهد أعمال عنف منذ نحو شهر في وسط البلاد الذي دمّرته الحرب الدائرة منذ عام ونصف العام، على ما أفادت مصادر طبية ومحلية في الولاية، الأربعاء.

ولليوم الثاني على التوالي، عاود عناصر من «قوات الدعم السريع» الهجوم على قرية «التكينة» (وسط الجزيرة)، مستخدمة بعض الأسلحة الثقيلة، مخلّفة 5 قتلى، كما نفذ الطيران الحربي للجيش ضربات جوية لوقف تقدمها من اقتحام المنطقة. وفي وقت سابق، حذَّر كيان «مؤتمر الجزيرة» الذي يرصد انتهاكات الحرب، من وقوع مجزرة وشيكة تخطط لها «قوات الدعم السريع» تستهدف أهالي المنطقة، التي تحتضن أعداداً كبيرة من النازحين الفارين من القرى المجاورة. وقال سكان في التكينة إن المسلحين من أبناء المنطقة تصدُّوا للقوة التي حاولت التوغل من جهة الحي الغربي.

«الدعم»: مؤامرة لخلق مواجهة مع المدنيين

بدورها، قالت «قوات الدعم السريع»، إنها ترصد أبعاد مؤامرة يقودها عناصر من النظام السابق (الحركة الإسلامية) وما تسميه «ميليشيات البرهان» تقوم بحشد المواطنين وتسليحهم في ولاية الجزيرة بهدف «خلق مواجهة بين قواتنا والمدنيين». وأضافت في بيان باسم المتحدث الرسمي، الفاتح قرشي، أن هناك فيديوهات موثقة على وسائل التواصل الاجتماعي تكشف عن وجود «مخطط لتسليح المواطنين في قرى الجزيرة وتظهر الفلول (عناصر النظام السابق) وبعض المخدوعين من قرية التكينة وقرى أخرى، يتوعدون بمهاجمة قواتنا».

عائلة نازحة بعد مغادرتها منزلها في جزيرة توتي في الخرطوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

وناشدت أهالي القرى النأي بأنفسهم عن «مخطط الفلول ومحاولات الزج بالمواطنين في القتال باسم المقاومة الشعبية»، مؤكدة أنها لن تتهاون في التعامل بحزم مع المسلحين و«كتائب فلول الحركة الإسلامية».

في هذا السياق، أكد طبيب في مستشفى ود رواح إلى الشمال من قرية ود عشيب التي تعرضت للهجوم، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» مقتل 40، مشيراً إلى أن «القتلى الأربعين أصيبوا إصابة مباشرة بالرصاص». وطلب الطبيب عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته بعد تعرّض الفرق الطبية لهجمات. وقال شهود في قرية ود عشيب إن «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً مع الجيش السوداني منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، شنَّت هجومها مساء الثلاثاء على القرية الواقعة على بعد 100 كلم شمال عاصمة الولاية ود مدني. وقال شاهد في اتصال هاتفي مع الوكالة إن «الهجوم استُؤنف صباح» الأربعاء، موضحاً أن المهاجمين يرتكبون «أعمال نهب».

الأمم المتحدة قلقة

ويندرج الهجوم الأخير في سلسلة هجمات نفذتها «قوات الدعم السريع» خلال الشهر الماضي على قرى بولاية الجزيرة، في أعقاب انشقاق قائد كبير فيها انضم إلى الجيش في أكتوبر (تشرين الأول).

مشهد للدمار في أحد شوارع أم درمان القديمة نتيجة الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» (رويترز)

ومنذ ذلك التاريخ، وثَّقت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 340 ألف شخص من سكان الولاية وهي منطقة زراعية رئيسة كانت تُعدّ سلة الخبز في السودان. وحذَّر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الجمعة، من أن اندلاع أعمال العنف هناك «يعرّض حياة عشرات الآلاف من الأشخاص للخطر».

وتعرَّضت قرى شرق محافظة الجزيرة لحصار كامل في الأسابيع الأخيرة؛ مما تسبب بكارثة إنسانية فيها، بحسب الأمم المتحدة وشهود عيان وجماعات حقوقية. وفي قرية الهلالية، لم يعد بإمكان السكان الحصول على الضروريات الأساسية وأُصيب العشرات منهم بالمرض. ويصل الكثير من النازحين إلى الولايات المجاورة بعد «السير لأيام عدة... وليس عليهم سوى الملابس التي يرتدونها»، وفق ما قال دوجاريك، الجمعة. وحتى في المناطق التي نجت من القتال، يواجه مئات الآلاف من النازحين الأوبئة، بما في ذلك الكوليرا والمجاعة الوشيكة، في غياب المأوى الملائم أو وسائل الرعاية. وقال دوجاريك: «إنهم مضطرون إلى النوم في العراء، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى».

80 % من المرافق الصحية مغلقة

وتقدّر الأمم المتحدة ومسؤولون صحيون أن النزاع تسبب بإغلاق 80 في المائة من المرافق الصحية في المناطق المتضررة. وتقول الأمم المتحدة إن السودان يواجه حالياً واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة، حيث يعاني 26 مليون شخص الجوع الحاد.

من جهة ثانية، شنَّ الطيران الحربي للجيش السوداني سلسلة من الغارات الجوية على مواقع «الدعم السريع» شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وفقاً لمصادر محلية. وعاد الهدوء النسبي، الأربعاء، إلى الفاشر التي تشهد منذ أسابيع مستمرة معارك ضارية بعد توغل «قوات الدعم السريع» إلى وسط الفاشر.

مشروع توطين ألماني

من جهة ثانية، قالت وزيرة التنمية الألمانية، سفينيا شولتسه، خلال زيارتها لتشاد، الأربعاء، إن برلين تعتزم دعم مشروع يهدف إلى دمج اللاجئين السودانيين في تشاد. وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، تعتزم حكومة تشاد تخصيص 100 ألف هكتار من الأراضي مجاناً، ليتم منح نصفها لأسر اللاجئين والنصف الآخر للأسر المعوزة في المجتمعات المضيفة. ومن المقرر أن يتم تخصيص هكتار واحد لكل أسرة.

صورة جوية لملاجئ مؤقتة للسودانيين الذين فرّوا من الصراع بدارفور بأدري في تشاد (رويترز)

ومن المقرر أن يقدم برنامج الأغذية العالمي الدعم لهذه الأسر؛ لجعل الأراضي صالحة للاستخدام. وقالت شولتسه، خلال زيارتها لمعبر أدري الحدودي شرق تشاد: «للأسف، علينا أن نفترض أن العودة إلى السودان لن تكون ممكنة لمعظم اللاجئين في المستقبل المنظور». وأضافت شولتسه أن المساعدات الإنسانية ليست حلاً دائماً. وقالت: «لهذا السبب يُعدّ هذا النهج، الذي يمنح اللاجئين والمجتمعات المضيفة الأراضي ويجعلها صالحة للاستخدام مجدداً كالحقول والمراعي، خطوة رائدة، حيث إن الذين يمتلكون أراضي خصبة يمكنهم توفير احتياجاتهم بأنفسهم». وقالت مديرة منظمة «وورلد فيجن ألمانيا»، جانين ليتماير، إن نحو 250 ألف لاجئ يعيشون حالياً ظروفاً صعبة، بمساكن مؤقتة بدائية في منطقة أدري وحدها. وأضافت ليتماير أن الأشخاص في كثير من الحالات يعيشون تحت أغطية من القماش المشمع المشدود على جذوع الأشجار أو الأعمدة.