شبح الانقسام يلوح مجدداً على «المصرف المركزي الليبي»

الدولار يتجاوز 8 دنانير في «السوق الموازية»

واجهة مصرف ليبيا المركزي على ساحل البحر المتوسط في طرابلس (رويترز)
واجهة مصرف ليبيا المركزي على ساحل البحر المتوسط في طرابلس (رويترز)
TT

شبح الانقسام يلوح مجدداً على «المصرف المركزي الليبي»

واجهة مصرف ليبيا المركزي على ساحل البحر المتوسط في طرابلس (رويترز)
واجهة مصرف ليبيا المركزي على ساحل البحر المتوسط في طرابلس (رويترز)

زادت المفاوضات المتعثرة بين الأطراف الليبية بشأن أزمة المصرف المركزي، مخاوف عودة الانقسام ثانية إلى المؤسسة المالية الأكبر في البلد النفطي، بعد قرابة عام من توحيده بإسناد دولي وأممي.

ولم تتوصل الأطراف المتصارعة في غرب ليبيا وشرقها، على إدارة المصرف الكائن بالعاصمة طرابلس، إلى حل توافقي، وهو ما تسبب في إغلاق حقول وموانئ النفط، وأعاد شبح انقسام المصرف مجدداً.

موظف يقوم بلفّ رزمة من النقود داخل مصرف في مدينة مصراتة الساحلية الغربية بليبيا (أ.ف.ب)

وأمام حالة من الترقب لما هو متوقع، قال الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد امطيريد: «إن الانقسام المالي أصبح حقيقة، بعد التعدي على المصرف المركزي من قبل سلطات طرابلس».

وظلّ المصرف المركزي طيلة عقد من الزمان منقسماً بين إدارتين، الأولى في غرب ليبيا، والثانية في شرقها، إلى أن جرى توحيده في أغسطس (آب) 2023 بعد مساعٍ أممية ودولية.

وتذكّر امطيريد في حديث إلى «الشرق الأوسط» أنه «بعد سنوات من الانقسام السابق في مجلس إدارة المصرف، الذي أخذ وقتاً حتى عادت الأمور بين المؤسستين المالية والتشريعية إلى نصابها، دخلنا الآن مرحلة انعدام الثقة وتداخل الاختصاصات»، وقال: «إن المجلس الرئاسي غير معني، قانونياً أو تشريعياً، بتغيير محافظ المصرف».

ويرى أن المؤسسة النقدية «باتت اليوم منعزلة عن باقي مؤسسات الدولة التشريعية والمالية، بعدما سيطرت عليه حكومة (الوحدة الوطنية) المؤقتة»، متهماً رئيسها عبد الحميد الدبيبة، بـ«ارتكاب تجاوزات أوصلت ليبيا إلى انقسامات في المصرف المركزي والمجلس الأعلى للدولة».

ويُخيم شبح انقسام المؤسسة النقدية، في ظل تراجع ملحوظ في قيمة الدينار الليبي أمام الدولار الأميركي في «السوق السوداء» (الدولار يساوي 4.74 في السوق الرسمية، في حين يصل سعره في السوق الموازية 8.14 دينار) حتى بعد ظهر الأحد.

وفيما عدّ امطيريد هذا الارتفاع في سعر صرف الدولار «سابقة لم تحدث من قبل»، تزايدت مخاوف الليبيين من تصاعد تداعيات الأزمة وتأثيرها على ارتفاع أسعار السلع، إضافة إلى نقص المخزون السلعي من دواء وغذاء.

وسبق لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أن أبدى تخوّفه الأسبوع الماضي من ارتفاع سعر صرف الدولار، وحذّر من أنه «في طريقه لتجاوز الـ10 دنانير، ما لم تُحل أزمة المصرف، وإرجاع الأمور إلى وضعها الطبيعي».

ويقصد صالح بـ«إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي؛ أن يَعْدل المجلس الرئاسي عن عزل محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، ومن ثم تعود سلطات شرق ليبيا إلى تشغيل النفط المغلق».

الصديق الكبير (رويترز)

وبدأ الصراع على المصرف المركزي عندما أصدر رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، قراراً بإزاحة الكبير، وتعيين محافظ جديد بشكل مؤقت خلفاً له، لكن هذا القرار قُوبل بالرفض من سلطات شرق ليبيا، فأسرعت بإغلاق حقول النفط.

ويرى الخبير الاقتصادي الليبي، محمد الشحاتي، أن «المخاوف من التقسيم لم تختفِ، حتى بعد الاتفاق على توحيد المصرف 2023، الذي تزامن حينها مع تخفيض سعر صرف الدينار الليبي مقابل الدولار».

وقال الشحاتي في حديث إلى «الشرق الأوسط»: «إن البيئة السياسية انزلقت إلى موقع جديد تختلف فيه أوزان وأحجام القوى المسيطرة على تدفق النقد وتدفق النفط؛ ولا أظن أن التقسيم الحالي للنفوذ داخل المصرف المركزي متوازٍ مع هذه المعطيات».

وانقسم المصرف المركزي إلى مؤسستين؛ الأولى في طرابلس، والثانية في بنغازي، عام 2014، بعد معارك شهدتها البلاد. وأدى الانقسام حينها، وما أعقبه من طباعة أموال جديدة، إلى تراجع قيمة الدينار الليبي أمام الدولار الأميركي.

ويلفت الشحاتي إلى أن «الأمر اليوم أكثر حدة ولا مجال فيه للخطأ؛ حيث سيفقد الطرف المخطئ، سواء في اختيار مَن يمثله في المصرف، أو حليفه الدولي، المبادرة؛ وقد يسقط من العملية السياسية برمتها في الخطوة المقبلة»، وانتهى إلى أن «هذا ما يعتمر في قلوب وعقول الليبيين، وهم يراقبون صراع الديكة ليس على مخزن النقود فحسب بل على القناة الدولية التي تربطهم مع العالم».

ووسط ترقب في ليبيا لما قد تسفر عنه الأيام المقبلة من تأثيرات سلبية نتيجة الصراع الدائر على إدارة المصرف وغلق النفط، ذهب امطيريد إلى أن تداعيات هذا الانقسام المتوقع «ستعني تقسيم الإيرادات المالية بوصفها مرحلة أولى؛ وهذا من شأنه أن يوطّن الحكم المحلي في الشرق والغرب والجنوب»، وفي حال ظل الوضع على ما هو عليه، فإن الدولة الليبية «ستذهب إلى الانقسام»، وهذا سيعقبه «توزيع الإيرادات المالية على الأقاليم الثلاثة طرابلس وفزان وبرقة»؛ وسط توقعات بانقسام ليبيا إلى «دولتين أو ثلاث دويلات» بالعودة إلى دستور 1951.

وهاجس تقسيم ليبيا ليس جديداً هو الآخر، فقد سبق أن أبدت أطراف دولية عدة، من بينها سفراء دول الاتحاد الأوروبي وبعثته إلى ليبيا، «قلقها» من «تقسيم مؤسسات الحكم» في البلاد، لكن السلطات الحاكمة تستعبد حدوث ذلك.

وكان الاتحاد قد أبدى مشاطرته نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني خوري، قلقها بشأن «التقسيم الفعلي للبلاد ومؤسسات الحكم الموازية»، داعية الأطراف الليبية المعنية جميعها إلى «تقديم الدعم الحقيقي لجهود البعثة وتعزيزها».


مقالات ذات صلة

الدبيبة يبحث التعاون مع ألمانيا في «الطاقة البديلة»

شمال افريقيا اجتماع الدبيبة مع سفير ألمانيا في طرابلس (حكومة الوحدة)

الدبيبة يبحث التعاون مع ألمانيا في «الطاقة البديلة»

سيطر ملف «الطاقة البديلة» على لقاء رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، مع السفير الألماني الجديد رالف طراف لدى ليبيا.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا وفد الاتحاد الأفريقي بقيادة الرئيس الموريتاني في اجتماع مع «الرئاسي» بطرابلس (المجلس الرئاسي)

​«المصالحة الليبية»… مسار يعترضه الانقسام و«الحسابات الجهوية»

يعتقد أحد المعنيين بملف «المصالحة الوطنية» في ليبيا أن الحسابات الشخصية لغالبية ساسة البلاد تحول دون نجاحها وسط مساعٍ أفريقية لتحريك هذا المسار

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا خوري أمام مجلس الأمن الدولي (البعثة الأممية)

ليبيا: ترقّب لتدشين خوري «ملتقى الحوار السياسي»

عكست الإحاطة الأخيرة للمبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني خوري، نوعاً من الترقب لجهة إعلانها قريباً عن تدشين «ملتقى للحوار السياسي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا المنفي خلال لقائه الوفد الأفريقي (المجلس الرئاسي)

تركيا تجري مناورات بحرية بسواحل ليبيا... والدبيبة يعد بـ«إنجازات كبيرة»

أكد رئيس حكومة «الوحدة المؤقتة» في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، أن حكومته «تواصل السعي نحو تحقيق إنجازات كبيرة».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا المنفي مستقبلاً الرئيس الموريتاني (المكتب الإعلامي للدبيبة)

الاتحاد الأفريقي لحلحلة الأزمة الليبية من بوابة «المصالحة»

احتضنت العاصمة الليبية اجتماعين منفصلين للاتحاد الأفريقي سعياً لإنقاذ العملية السياسية الليبية المتجمدة، عبر تجديد مسار «المصالحة الوطنية» الذي كان قد تعطّل.

جمال جوهر (القاهرة)

الخرطوم: عشرات القتلى والجرحى بقصف لطيران الجيش

جانب من الحرب الدائرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
جانب من الحرب الدائرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
TT

الخرطوم: عشرات القتلى والجرحى بقصف لطيران الجيش

جانب من الحرب الدائرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (رويترز)
جانب من الحرب الدائرة بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

قُتل 23 شخصاً، وجُرح أكثر من 40 آخرين، السبت، إثر قصف طيران الجيش السوداني سوقاً مجاورة لأحد المعسكرات الرئيسية لـ«قوات الدعم السريع» في الخرطوم، حيث يدور قتال «شوارع عنيف» وسط غموض وتكتم شديدين من الطرفين حول مسار المعارك، وإلى كفة من تميل المواجهات التي دخلت أسبوعها الثالث.

وتقع السوق في منطقة تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» بالقرب من معسكر رئيسي لها في المدينة الرياضية جنوب العاصمة السودانية.

ويلقي الجيش بكل ثقله مسنوداً بـ«كتائب البراء بن مالك» لإعادة السيطرة على المدينة.

وتشير أنباء إلى أن قواته تتقدم في منطقة المقرن على الضفة الغربية عند ملتقى النيلين (الأزرق والأبيض)، وسيطرت على بعض المباني الشاهقة، بينما تتحدث منصات محسوبة على «قوات الدعم السريع» عن صدّ محاولات عبور جديدة لجسر النيل الأبيض الرابط بين أم درمان والخرطوم، وتكبيد المهاجمين خسائر كبيرة في الأرواح.