مصر تعمق حضورها في القرن الأفريقي على خلفية التوترات مع إثيوبيا

رئيس المخابرات ووزير الخارجية زارا أسمرة

توافقت مصر وإريتريا على أهمية الحفاظ على وحدة الصومال وسيادته على كامل أراضيه (الخارجية المصرية على «فيسبوك»)
توافقت مصر وإريتريا على أهمية الحفاظ على وحدة الصومال وسيادته على كامل أراضيه (الخارجية المصرية على «فيسبوك»)
TT

مصر تعمق حضورها في القرن الأفريقي على خلفية التوترات مع إثيوبيا

توافقت مصر وإريتريا على أهمية الحفاظ على وحدة الصومال وسيادته على كامل أراضيه (الخارجية المصرية على «فيسبوك»)
توافقت مصر وإريتريا على أهمية الحفاظ على وحدة الصومال وسيادته على كامل أراضيه (الخارجية المصرية على «فيسبوك»)

في إطار جهود القاهرة لتعميق حضورها في منطقة القرن الأفريقي، ومجابهة أزماته على خلفية التوترات مع إثيوبيا، زار رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، ووزير الخارجية والهجرة المصري الدكتور بدر عبد العاطي، السبت، العاصمة الإريترية أسمرة، ما عده خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بمثابة «تحرك متوقع يحمل أبعاداً سياسية وأمنية».

وعقد المسؤولان المصريان لقاءً مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، نقلا خلاله رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي «تناولت سبل دعم وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى متابعة التطورات السياسية والأمنية في المنطقة»، وفق إفادة رسمية لوزارة الخارجية المصرية.

وتوافقت مصر وإريتريا على «أهمية تكثيف الجهود ومواصلة التشاور لتحقيق الاستقرار في السودان، ودعم مؤسسات الدولة الوطنية، فضلاً عن الحفاظ على وحدة الصومال وسيادته على كامل أراضيه»، بحسب «الخارجية المصرية».

وخلال اللقاء عرض الرئيس الإريتري «رؤيته بشأن تطورات الأوضاع في البحر الأحمر، على ضوء أهمية توفير الظروف المواتية لاستعادة الحركة الطبيعية للملاحة البحرية والتجارة الدولية عبر مضيق باب المندب».

كما استعرض أفورقي «التطورات في القرن الأفريقي، والتحديات التي تشهدها المنطقة، وسبل تعزيز الأمن والاستقرار فيها».

رئيس المخابرات المصرية ووزير الخارجية يزوران إريتريا (الخارجية المصرية على «فيسبوك»)

تأتي الزيارة في وقت تتصاعد فيه التوترات بين مصر والصومال من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر، إثر توقيع أديس أبابا اتفاقية مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي في بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية. الأمر الذي رفضه الصومال، وسط دعم عربي ومصري، حيث وقعت القاهرة اتفاق دفاع مشترك مع مقديشو.

وتصاعدت التوترات بعد ذلك، وأعلن الصومال، نهاية أغسطس (آب) الماضي، «وصول معدات ووفود عسكرية مصرية للعاصمة مقديشو، في إطار مشاركة مصر بقوات حفظ السلام»، وهو ما عارضته أديس أبابا، متوعدة بأنها «لن تقف مكتوفة الأيدي».

من جانبه، أشار نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، السفير صلاح حليمة، إلى أن زيارة المسؤولَين المصريَين لإريتريا «تحمل بعداً أمنياً وسياسياً». وقال إن «الزيارة تستهدف تعزيز الوجود المصري في القرن الأفريقي، وتنسيق المواقف بين القاهرة وأسمرة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة».

وأضاف حليمة أن «الزيارة تكتسب أهميتها في ضوء ملفات عدة، على رأسها توترات الملاحة في البحر الأحمر، وتداعياتها على قناة السويس، إضافة إلى الوضع في السودان، والتطورات في الأزمة بين الصومال وإثيوبيا».

البعد الأمني والسياسي الذي أشار إليه حليمة يتعلق أساساً «بتنسيق المواقف بين القاهرة وأسمرة، في مواجهة ما تشكله التحركات الإثيوبية الأخيرة من تهديد لأمن القرن الأفريقي»، لافتاً إلى «مذكرة التفاهم» بين أديس أبابا وإقليم «أرض الصومال»، التي «رُفِضت مصرياً وعربياً». وقال إن «إريتريا من الدول المتضررة من التحركات الإثيوبية، وكذلك باقي دول منطقة القرن الأفريقي».

اللواء عباس كامل والدكتور بدر عبد العاطي في أسمرة (الخارجية المصرية على «فيسبوك»)

واتفقت معه مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتورة أماني الطويل. وقالت إن «التحرك المصري نحو إريتريا متوقع في ظل السياسات الإثيوبية التي تُشكل اعتداء على سيادة الصومال، وتهديداً للأمن في القرن الأفريقي».

وأكدت أن «الزيارة مهمة لتعزيز الحضور المصري في القرن الأفريقي، وتنسيق المواقف، في مواجهة أديس أبابا التي تتخذ من آلية الصراع أساساً لتفاعلاتها في المنطقة». ونوهت بـ«أهمية منطقة باب المندب للأمن القومي المصري، وما تشكله من تأثير على الاقتصاد وحركة الملاحة في البحر الأحمر».

وتصاعدت التوترات بمنطقة البحر الأحمر، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مع استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية، السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة». ودفعت تلك الهجمات شركات شحن عالمية لتغيير مسارها متجنبة المرور في البحر الأحمر، ما كان له تداعيات على الاقتصاد وحركة التجارة العالمية، وتسبب في تراجع إيرادات قناة السويس المصرية.

وكان الرئيس المصري قد استقبل في أغسطس الماضي، وزير الخارجية الإريتري، عثمان صالح، لبحث «الأوضاع الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا والتهديدات في القرن الأفريقي والبحر الأحمر». وأكد الجانبان «حرصهما على مواصلة التنسيق المشترك والتشاور على مختلف المستويات، وذلك على النحو الذي يدعم الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي» بحسب إفادة رسمية للرئاسة المصرية في حينه.

وصول رئيس المخابرات المصرية ووزير الخارجية إلى أسمرة (الخارجية المصرية على «فيسبوك»)

وزار الرئيس الإريتري مصر في فبراير (شباط) الماضي، حيث عقد جلسة مباحثات مع السيسي تناولت تعزيز التعاون بين البلدين، إضافة إلى «مستجدات الأوضاع الإقليمية، وعلى رأسها التطورات بالبحر الأحمر». حيث أكد الرئيسان «أهمية عدم التصعيد واحتواء الموقف لما تشهده المنطقة من تطورات خطيرة». وشهدت الفترة الماضية لقاءات عدة جمعت السيسي وأفورقي، أكدت في مجملها تعزيز التعاون الثنائي، والتنسيق لمعالجة قضايا القرن الأفريقي، كان من بينها لقاء على هامش القمة «العربية - الإسلامية» التي عقدت في الرياض، نوفمبر الماضي. كما شارك أفورقي في قمة دول جوار السودان التي استضافتها مصر في يوليو (تموز) الماضي.


مقالات ذات صلة

قانون «الانتخاب المباشر» الصومالي... تحوّل ديمقراطي أم توسيع للانقسام؟

شمال افريقيا البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)

قانون «الانتخاب المباشر» الصومالي... تحوّل ديمقراطي أم توسيع للانقسام؟

صادق نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي الصومالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية عقب «تصويت 169 نائباً لصالحه».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)

صراع النفوذ بالقرن الأفريقي... «حرب باردة» تُنذر بصدام إقليمي

تتزايد دوافع اللاعبين الدوليين والإقليميين للتمركز في منطقة «القرن الأفريقي» وهو الأمر الذي حوّلها ميداناً لـ«حرب باردة» ينتظر شرارة لينفجر صداماً إقليمياً.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تتجه الأنظار نحو مصير مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا والتي تعارضها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وصلت إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
TT

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)
من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

عمَّق اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري، بوعلام صنصال، من الفجوة في العلاقات بين الجزائر وباريس، إلى حد يصعب معه توقع تقليصها في وقت قريب، حسب تقدير مراقبين.

ومنذ السبت 16 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، يوجد الكاتب السبعيني في مقار الأمن الجزائري، حيث يجري استجوابه حول تصريحات صحافية أطلقها في فرنسا، حملت شبهة «تحقير الوطن»، على أساس مزاعم بأن «أجزاء كبيرة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب»، وأن قادة الاستعمار الفرنسي «كانوا سبباً في اقتطاعها مرتكبين بذلك حماقة». كما قال إن «بوليساريو» التي تطالب باستقلال الصحراء عن المغرب، «من صنع الجزائر لضرب استقرار المغرب».

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وكان يمكن أن تمر «قضية صنصال» من دون أن تسهم في مزيد من التصعيد مع فرنسا، لولا ما نسبته وسائل إعلام باريسية للرئيس إيمانويل ماكرون، بأنه «قلق» من اعتقال مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، وبأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه.

وهاجمت الصحافة الجزائرية الصادرة الأحد، في معظمها، الطيف السياسي الفرنسي، بسبب «تعاطف اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني»، مع الكاتب، قياساً إلى قربه من هذه الأوساط منذ سنين طويلة، وقد أكد ذلك بنفسه، بموقفه المؤيد للعدوان الإسرائيلي على غزة، منذ «طوفان الأقصى» (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، فضلاً عن معارضته مطلب سلطات بلده الأصلي، الجزائر، «باعتراف فرنسا بجرائمها خلال فترة الاستعمار» (1830- 1962).

وتزامنت «أزمة صنصال» مع أزمة كاتب فرنسي جزائري آخر، هو كمال داوود، الفائز منذ أسابيع قليلة بجائزة «غونكور» المرموقة عن روايته «حور العين». وفجَّر هذا العمل الأدبي غضباً في الجزائر، بحجة أنه «انتهك محظور العشرية السوداء»؛ بسبب تناول الرواية قصة فتاة تعرضت للذبح على أيدي متطرفين مسلحين. علماً أن جزائرية أعلنت، الخميس الماضي، عن رفع دعوى قضائية ضد كمال داوود بتهمة «سرقة قصتها» التي أسقطها، حسبها، على الشخصية المحورية في الرواية.

كما يلام داوود الذي عاش في الجزائر حتى سنة 2021، على «إفراطه في ممارسة جلد الذات إرضاءً للفرنسيين»، خصوصاً أنه لا يتردد في مهاجمة الجزائريين بسبب «العنف المستشري فيهم». ولامس داوود التيار العنصري والتيارات الدينية في فرنسا، بخصوص الحرب في غزة. وصرح للصحافة مراراً: «لا أنتمي إلى جيل الثورة، وعلى هذا الأساس لست معنياً بمسألة تجريم الاستعمار والتوبة عن ممارساته».

ويرى قطاع من الجزائريين أن فرنسا منحت داوود جنسيتها (عام 2020 بقرار من الرئيس ماكرون)، «في مقابل أن يستفز بلاده في تاريخها وسيادتها (الذاكرة والاستعمار)، ويثخن في جرح غائر (مرحلة الاقتتال مع الإرهاب) لم تشفَ منه بعد».

الروائي الفرنسي الجزائري كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وكانت العلاقات بين البلدين معقَدة بما فيه الكفاية منذ الصيف الماضي، عندما سحبت الجزائر سفيرها من باريس؛ احتجاجاً على اعترافها بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، وحينها شجبت «قيام حلف بين الاستعمار القديم والجديد»، وتقصد البلدين، علماً أن العلاقات بين العاصمتين المغاربيتين مقطوعة رسمياً منذ 2021.

وفي الأصل، كان الخلاف الجزائري - الفرنسي مرتبطاً بـ«الذاكرة وأوجاع الاستعمار»، وهو ملف حال دون تطبيع العلاقات بينهما منذ استقلال الجزائر عام 1962. وقامت محاولات لإحداث «مصالحة بين الذاكرتين»، على إثر زيارة أداها ماكرون إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، لكن «منغصات» كثيرة منعت التقارب في هذا المجال، منها مساعٍ أطلقها اليمين التقليدي واليمين المتشدد، خلال هذا العام، لإلغاء «اتفاق الهجرة 1968»، الذي يسيّر مسائل الإقامة والدارسة والتجارة و«لمّ الشمل العائلي»، بالنسبة للجزائريين في فرنسا.

وعدَّت الجزائر هذا المسعى بمثابة استفزاز لها من جانب كل الطبقة السياسية الفرنسية، حكومة وأحزاباً، حتى وإن لم يحققوا الهدف. ومما زاد العلاقات صعوبة، رفض فرنسا، منذ أشهر، طلباً جزائرياً لاسترجاع أغراض الأمير عبد القادر الجزائري، المحجوزة في قصر بوسط فرنسا، حيث عاش قائد المقاومة الشعبية ضد الاستعمار في القرن الـ19، أسيراً بين عامي 1848 و1852. وتسبب هذا الرفض في إلغاء زيارة للرئيس الجزائري إلى باريس، بعد أن كان تم الاتفاق على إجرائها خريف هذا العام.