كرّست سلطات شرق ليبيا من تمديد نفوذها باتجاه مدن الجنوب «المنسية»، على حساب نظيرتها بغرب البلاد، وذلك بتدشين مشروعات، وتوقيع «هدنة المصالحة» بين الأهالي و«التبو» بمدينة مرزق، بعد صراع دامٍ.
وفي مطار سبها الدولي، هبطت طائرات القيادات العسكرية والمدنية المقبلة من شرق البلاد للاجتماع في سبها بهذا العدد الكبير من المسؤولين، يتقدمهم المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وأسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، ليعلنوا من هناك دخول الجنوب خريطة التنمية «بعد سنوات من التهميش».
وينظر متابعون لتحركات سلطات شرق ليبيا باتجاه الجنوب، وتدشين المشروعات هناك، إليها على أنها تعزز من سيطرتها على شريط الحدود بالجنوب الغربي للبلاد، مما قد يزيد من حصار نظيرتها في العاصمة طرابلس.
وغداة توقيع اتفاق «هدنة المصالحة» على هامش المؤتمر، الذي أطلقته الحكومة الخميس، تحت شعار «من التهميش إلى الإعمار»، عبّر حماد عن «فخره كثيراً بما تحقق في تاريخ بلادنا الحديث من تجسيد لروح الأخوة والوطنية بين شركاء الوطن الواحد، من مكونات الأمة الليبية بمرزق».
وقال حماد عبر حسابه على منصة «إكس»: «مع نجاح اتفاق المصالحة الشاملة بين الأهالي ومكون التبو في مدينة سبها؛ فإننا نبارك عودة الحياة الطبيعية للمدينة، وإبعاد شبح الاقتتال عنها، وبدء التعايش بشكل سلمي بين سكانها القاطنين بها اليوم».
كما تحدث عن «ضمان عودة المواطنين النازحين خارج المدينة إليها من جديد؛ والذين عانوا ويلات الحروب والصراعات والنزوح خلال السنوات الماضية».
وكان سكان مُرزق قد تعرّضوا للتهجير القسري عام 2019 إثر اشتباكات قبلية دامية، قالوا إنها مع جماعة من «تبو أوزو التشادية» تقيم في المدينة، وأدت إلى مقتل 90 شخصاً، وجرح أكثر من 200 آخرين، وتدمير أعداد كبيرة من ديارهم، وإضرام النيران في مزارعهم.
ويتضمن الاتفاق التزام الطرفين بوقف الأعمال العدائية، وتفعيل الحوار لحل النزاعات بشكل سلمي. كما يتضمن تحديد شروط واضحة لوقف النزاع، وضمانات للامتثال، بالإضافة إلى آليات لمتابعة تنفيذ الهدنة، وحصر الأضرار والخسائر الناجمة وتعويض المتضررين، وجبر الضرر تحقيقاً للسلام والاستقرار بالمدينة بعد سنوات من الصراع.
وسبق أن أمرت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في أغسطس (آب) 2021، بصرف تعويضات لمواطني مرزق، الذين نزحوا عن ديارهم، لكنهم اشتكوا وقالوا حينها إنهم «لم يتلقوا أي تعويضات مالية لجبر ضررهم».
وفي مقابل إبقاء سلطات العاصمة على تمترسها في طرابلس، تسعى نظيرتها بشرق ليبيا إلى التوسع الدائم ناحية الجنوب.
ويأتي اجتماع «الإعمار» عقب تشكيل حكومة حماد في فبراير (شباط) الماضي، «قوة أمنية مشتركة تضم الأجهزة الأمنية والمديريات بالمنطقة الجنوبية؛ بهدف تعزيز الاستقرار».
في السياق ذاته، قال مكتب حفتر، الذي شارك في توقيع «هدنة المصالحة» الخاصة بمرزق، إن «مؤتمر الإعمار» يهدف إلى «وضع خطوات عملية لإعادة إعمار الجنوب»، مشيراً إلى أن مدنه «تعيش حالياً فترة من الأمن والاستقرار في ظل جهود القوات المسلحة العربية، مما يمهد الطريق لتحقيق تنمية شاملة وتحسين مستوى الخدمات والبنية التحتية».
ولم يحظَ الجنوب بتجمع عدد من قيادات ومسؤولي ليبيا، مثل الذي شهدته سبها مساء الخميس، حيث حضر بجانب حفتر وصالح وحماد، رئيس الأركان العامة الفريق أول عبد الرزق الناظوري، ورئيس أركان الوحدات الأمنية الفريق خالد حفتر ونائب رئيس الحكومة سالم الزادمة. كما شارك في الاحتفال وزراء ووكلاء وزارات الحكومة وعمداء بلديات الجنوب، ولفيف من القيادات العسكرية والأمنية، وعدد كبير من مكونات الجنوب الثقافية والاجتماعية والسياسية.
وأمام حضور جموع من قيادات الجنوب، قال صالح: «جئنا اليوم لندشن انطلاقة تنمية وإعماراً حقيقياً سيتيح الفرص لأبناء الجنوب لإظهار قدراتهم وكفاءاتهم، وحرصهم على تطوير مناطقهم، والمشاركة في نهضة تغطي مختلف المجالات».
وغمز صالح من قناة الميليشيات، وأضاف متسائلاً: «كيف يكون الانتقال السياسي سلساً وتدريجياً إذا كانت المجموعات المسلحة تحتل الشارع، وتصادر وظائف الدولة والسيطرة على مقراتها وإرهاب الموظفين، وابتزازهم مع وجود سجون خارج القانون؟».
واستنكر صالح «عمليات الاغتيال والشروع فيه لأسباب سياسية»، داعياً «إلى الوقوف صفاً واحداً؛ مهما كانت طبيعة الخلافات وحدّة الصراعات؛ ففي ظل هذه الظروف ليس لنا خيار إلا التفاهم واللقاء، ولن يستفيد من تشتتنا إلا الأعداء الذين ينهبون أموالنا ويدمرون دولتنا».
في سياق منفصل، واتصالاً بعملية اغتيال آمر «معسكر الأكاديمية البحرية»، الرائد عبد الرحمن ميلاد الملقب بـ«البيدجا»، أعلن مكتب النائب العام أن آمر «فرقة الإسناد الأولى»، محمد بحرون، الملقب بـ«الفار»، امتثل طوعاً لإجراءات التحقيق في القضية، وجرى سماع أقواله.
و«الفار» من القيادات الميليشياوية البارزة في مدينة الزاوية غرب ليبيا، وهذه الفرقة هي إحدى أذرعه. وسبق أن قالت النيابة العامة، الأربعاء، إنها أمرت بضبط 3 مشتبهين، أسفر البحث عن إثبات ضلوعهم في جريمة قتل «البيدجا»؛ ووجّهت مكونات وزارة الداخلية بإنفاذ هذا التدبير.
وأفاد مكتب النائب العام مساء الخميس، بأن وحدة شؤون الضبط القضائي بالمكتب تَسلمت آمر «فرقة الإسناد الأولى»، الذي امتثل طوعاً، حيث جرى سماع أقواله، وعرض نتائج الاستدلال على سلطة التحقيق.
وتعيش الزاوية هذه الأيام على ما يشبه فوهة بركان، بعد مقتل «البيدجا»، الذي سبق وحذرت قبيلته من التصعيد إذا لم تستجِب السلطات في طرابلس لمطالبها.
ونقلت صفحات بالزاوية اليوم (الجمعة)، أن سكان موالين لـ«البيدجا» أغلقوا طريق «مثلث اسبان» لمطالبة حكومة الدبيبة بحل «جهاز مكافحة التهديدات الأمنية»، الذي أسندت رئاسته لـ«الفار»، بزعم وقوفه وراء اغتيال «البيدجا».