طرح التقارب المصري - التركي تساؤلات بشأن علاقة القاهرة بنيقوسيا وأثينا. في وقت تتطلع مصر إلى استضافة القمة الثلاثية العاشرة مع قبرص واليونان خلال الفترة المقبلة.
وبينما يرى بعض خبراء وبرلمانيين مصريين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «تطبيع العلاقات المصرية - التركية لا يتعارض مع مسار التعاون الثلاثي للقاهرة مع نيقوسيا وأثينا القائم منذ عام 2016»، أشاروا في هذا الصدد إلى أن «مصر ستبحث عن نقطة لتوازن علاقاتها مع قبرص واليونان من جهة، وتركيا من جهة أخرى». كما أكدوا أن «مصر يمكن أن تمثل جسر تواصل بين تركيا وقبرص واليونان لتعزيز التعاون في شرق المتوسط».
وزار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أنقرة، الأربعاء، بدعوة من نظيره التركي رجب طيب إردوغان، في زيارة عكست تطور العلاقات بين البلدين، بعد زيارة الرئيس التركي للقاهرة في فبراير (شباط) الماضي.
وقال السيسي خلال كلمته بمؤتمر صحافي مع نظيره التركي، إن «بلاده تتطلع إلى استمرار التهدئة الحالية في منطقة شرق المتوسط، والبناء عليها، وصولاً إلى تسوية الخلافات القائمة بين الدول المتشاطئة بالمنطقة، ليتسنى لنا جميعاً التعاون وتعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة بها، لتحقيق الرفاهية لشعوب المنطقة أجمع».
وخلال اتصالين هاتفين منفصلين لوزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، مساء الخميس، مع نظيريه القبرصي كونستانتينوس كومبوس، واليوناني جيورجوس جيرابيتريتيس، أكد «حرص بلاده على تعزيز علاقات الصداقة ومسارات التعاون المشترك».
واتفق عبد العاطي مع نظيريه اليوناني والقبرصي على «الالتقاء في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة (المقررة الشهر الحالي) لمتابعة مسار آلية التعاون الثلاثي، والإعداد للقمة الثلاثية العاشرة بين مصر وقبرص واليونان خلال الفترة المقبلة»، حسب إفادة لوزارة الخارجية المصرية.
ودشنت مصر وقبرص واليونان آلية للتعاون الثلاثي على مستوى القمة، وعُقد الاجتماع الأول لها في القاهرة نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، وتناوبت الدول الثلاثة استضافة اجتماعاتها بشكل دوري سنوياً. وعقدت الجولة التاسعة منها في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بالعاصمة اليونانية أثينا، فيما اجتمع وزراء خارجية الدول الثلاثة في نيويورك سبتمبر (أيلول) 2023 على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ولا يرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير عزت سعد، أي تعارض بين التقارب المصري - التركي وعلاقات تعاون القاهرة مع نيقوسيا وأثينا. وقال إن «آلية التعاون الثلاثي بين قبرص ومصر واليونان طورت العلاقات المشتركة وحققت مكاسب عديدة في إطار استراتيجية الطاقة بشرق المتوسط»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «العلاقات المصرية - التركية تأتي بموازاة ذلك، في إطار المصالح وتبادل المنافع المشتركة».
وأكد سعد «حرص مصر على استمرار مسار التعاون الثلاثي مع الجانب القبرصي واليوناني»، مشيراً إلى أن «حرب غزة أجلت دورية انعقاد قمة آلية التعاون الثلاثي العام الماضي».
في حين قال عضو الهيئة الاستشارية لـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، جمال عبد الجواد، إن «مصر حريصة على علاقاتها مع قبرص واليونان، لأهمية البلدين لها»، مشيراً إلى أن «القاهرة تنظر إلى أثينا ونيقوسيا كحلفاء لها مؤثرين في صنع القرار في الاتحاد الأوروبي». غير أنه عدَّ أن «مصر ستواجه صعوبات في البحث عن نقطة توازن في العلاقات مع الدولتين، في ظل علاقاتها الجيدة أخيراً مع تركيا». وأشار إلى أن «مصر يمكن أن تمثل جسر تواصل بين تركيا وقبرص واليونان لتعزيز التعاون في شرق المتوسط».
وعززت آلية «التعاون الثلاثي» من تعاون القاهرة مع الجانب القبرصي واليوناني، حيث وقعت مصر في أغسطس (آب) 2020 اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع اليونان، بينما يعود اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص إلى عام 2003. ودفعت شراكة الدول الثلاثة إلى تدشين «منتدى غاز شرق المتوسط» عام 2019.
في سياق ذلك، عدَّ عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب أيمن محسب، أن التقارب المصري - التركي قد يكون بداية لـ«تسوية الخلافات بين دول شرق المتوسط». وقال إن «تطبيع القاهرة لعلاقاتها مع أنقرة لن يؤثر على علاقاتها مع شركائها الآخرين نيقوسيا وأثينا».
وأوضح محسب أن «مصر يمكن أن تقوم بدور وساطة لإزالة الخلافات بين تركيا من جهة وقبرص واليونان من جهة أخرى»، مؤكداً أهمية «ترسيم الحدود البحرية المصرية مع تركيا بما يعزز الاستثمار في تلك المنطقة». وعد تلك الخطوة «مهمة» خصوصاً مع اعتراضات تركيا السابقة على ترسم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان.