جدل في مصر بشأن إجازة «السبت» بالمدارس

«التعليم» ترهن استمرار تطبيقها بمدى «كثافة الفصول»

وزير التعليم خلال جولة تفقدية في إحدى مدارس الشرقية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم خلال جولة تفقدية في إحدى مدارس الشرقية (وزارة التربية والتعليم)
TT

جدل في مصر بشأن إجازة «السبت» بالمدارس

وزير التعليم خلال جولة تفقدية في إحدى مدارس الشرقية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التعليم خلال جولة تفقدية في إحدى مدارس الشرقية (وزارة التربية والتعليم)

أثارت توجيهات وزارة التربية والتعليم المصرية للإدارات التعليمية في ربوع البلاد بإعادة النظر في إجازة يوم «السبت» بالمدارس (التعليم قبل الجامعي)، جدلاً بين المصريين.

وجاء الجدل لكون بعض المدارس سوف تحصل على إجازة لمدة يوم واحد أسبوعياً (وهو الجمعة) بدلاً من يومين (الجمعة والسبت). في حين أكدت «التعليم» أن القرار النهائي بشأن إجازة «السبت» سوف يُعلن قبل انطلاق العام الدراسي المقرر له في 21 سبتمبر (أيلول) المقبل.

ورغم تأكيدات «التعليم» على أن استمرار تطبيق إجازة «السبت» مرهون بمدى «كثافة الفصول»، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً واسعاً بسبب الأمر، فيما أشار المتحدث باسم وزارة التعليم، شادي زلطة، إلى أن الوزارة «ما زالت تدرس الأمر»، لكونه أحد مخرجات اللقاءات التي عقدها وزير التعليم، محمد عبد اللطيف، مع مديري الإدارات التعليمية خلال جولاته الميدانية الفترة الماضية. وعبّر عدد من الطلاب والأسر عن رفضهم إلغاء إجازة «السبت» عبر تدوينات على منصات التواصل الاجتماعي.

وأكدت «التعليم» أخيراً أنها تعمل على معالجة مشكلة الكثافات الطلابية داخل الفصول الدراسية بالمدارس بعدة مقترحات، منها «نقل المدارس الثانوية للفترة المسائية، والاستفادة منها في الفترة الصباحية للمرحلة الإعدادية، بسبب التجهيزات التكنولوجية المتوفرة في المدارس الثانوية، على أن تكون المدارس الإعدادية مستغلة من قبل طلاب المدارس الابتدائية، وهي آلية ستتسم بالمرونة في التطبيق وفقاً لطبيعة واحتياجات كل إدارة تعليمية».

ووفقاً لتصريحات وزير التعليم المصري، فإن القرارات التي سيتم البدء في تطبيقها بشأن العملية التعليمية اتخذت بعد مراجعة الخبراء المختصين ومراجعة النظام التعليمي لأهم 20 دولة لها الصدارة في مجال التعليم.

جانب من اجتماع وزير التعليم المصري مع معلمين (وزارة التربية والتعليم)

وترتبط إعادة النظر في إجازة «السبت» بطريقة توزيع الطلاب على الفصول الموجودة في كل إدارة تعليمية، حسب أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس، حسن شحاتة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن الوزارة تستهدف تخفيض أعداد الطلاب داخل الفصول بما يسمح بتوفير قدرة أفضل على استيعابهم. وأضاف أن أي تغيير بما يعتقده البعض أعباء إضافية يلقى اعتراضاً في البداية، لكن الحكم سيكون بعد التجربة، خصوصاً أن الهدف المرجو تحقيقه مرتبط بتحسين المنظومة التعليمية.

أما عضو «لجنة التعليم» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائبة جيهان البيومي، فترى أن المقترحات كافة التي تم الإعلان عن دخولها حيز التنفيذ تحمل حلحلة للمشكلات بما يتناسب مع الإمكانيات المتاحة وحسن توظيفها واستغلالها، لافتة إلى أن إعادة العمل في بعض الإدارات يوم «السبت» أمر يأتي كمحاولة لحل العجز في المدارس. وأضافت جيهان البيومي لـ«الشرق الأوسط» أن عودة العمل يوم «السبت» في المدارس سيسمح للطلاب بالاستفادة من المعامل والحصص بشكل أفضل، لافتة إلى أن ترك القرار لكل إدارة تعليمية أمر يأتي في إطار التباين الموجود في أعداد المدارس والاحتياجات، باعتباره حلاً عاجلاً لمشكلات تراكمت على مدار سنوات.

وحسب وزارة «التعليم»، فإن مصر لديها «أكبر نظام للتعليم قبل الجامعي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يضم أكثر من 25 مليون طالب، مع الحاجة إلى 250 ألف فصل جديد، وأكثر من 469 ألف معلم لسد عجز المعلمين في مختلف الصفوف الدراسية»، فيما أعلنت الوزارة أخيراً «اعتزامها السماح باستقبال طلبات مد العمل للمعلمين المفترض تقاعدهم خلال الفترة المقبلة على أن يكون المد لمدة عام قابل للتجديد».

عودة إلى جيهان البيومي التي نفت ما يتردد بشأن أن يكون إلغاء إجازة «السبت» بمثابة عبء إضافي على المعلمين؛ لأن غالبية المدرسين الموجودين داخل المنظومة التعليمية كانوا يعملون بشكل اعتيادي لمدة 6 أيام قبل تطبيق نظام عطلة يومين، مؤكدة أن قرارات وزير التعليم حتى الآن لم تستلزم أي إجراءات من شأنها إدخال تعديلات تشريعية، وبالتالي مناقشتها تحت قبة البرلمان، لافتة إلى أنه حال وجود حاجة لتعديلات تشريعية فإن مجلس النواب سوف يناقش ما تعرضه الوزارة في هذا السياق لاتخاذ موقف نهائي سواء بقبولها أو رفضها.

وهنا أشار أستاذ المناهج إلى أن ما جرى الإعلان عنه من «التعليم» حتى الآن أمور ستساعد الطالب على الاستفادة من التحصيل الدراسي بشكل كبير، الأمر الذي يتطلب تشجيعاً من أولياء الأمور لأبنائهم على العودة إلى المدرسة والانتظام بالحضور، خصوصاً أن الهدف الرئيسي من الإجراءات المتخذة استعادة التعلم داخل المدرسة والتصدي لظاهرة «الدروس الخصوصية».


مقالات ذات صلة

البرلمان المصري لمناقشة تقليص «الحبس الاحتياطي» في السجون

شمال افريقيا حنفي جبالي خلال اجتماعه مع وزراء ورؤساء أحزاب سياسية وحقوقيين لاستعراض تعديلات قانون الإجراءات الجنائية (النواب المصري)

البرلمان المصري لمناقشة تقليص «الحبس الاحتياطي» في السجون

يبدأ مجلس النواب المصري (البرلمان) مناقشة تعديلات شاملة على قانون «الإجراءات الجنائية» في البلاد، تتضمن تقليص مدد «الحبس الاحتياطي».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

«داخلية مصر» تنفي «ادعاءات» بشأن التعدي على مرتادي إحدى الكنائس

نفت وزارة الداخلية المصرية «ادعاءات» تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن «التعدي على مرتادي إحدى الكنائس بمحافظة القليوبية، إحدى محافظات القاهرة الكبرى.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيسان المصري والصومالي خلال مباحثات في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

مصر تؤكد دعمها لجهود الصومال في مكافحة الإرهاب

أكدت مصر دعمها الكامل لجهود الصومال في مكافحة الإرهاب، ومساعي مقديشو لتحقيق الأمن والاستقرار للشعب الصومالي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء هاني سويلم وسفيرة البحرين لدى مصر (وزارة الري المصرية)

مصر والبحرين تعززان تعاونهما لمواجهة التحديات المائية

أكد وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، حرص بلاده على تعزيز التعاون مع البحرين ومختلف الدول العربية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير التعليم السوداني الراحل محمود سر الختم الحوري (مجلس السيادة السوداني)

وفاة وزير التعليم السوداني خلال وجوده بالقاهرة

توفي وزير التعليم السوداني محمود سر الختم الحوري بالعاصمة المصرية القاهرة، مساء الجمعة، إثر تعرضه لأزمة «صحية».

أحمد إمبابي (القاهرة)

هل تحكم «قوات الدعم السريع» السودان بسيطرتها على الأرض؟

صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)
صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)
TT

هل تحكم «قوات الدعم السريع» السودان بسيطرتها على الأرض؟

صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)
صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)

دأب قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بـ«حميدتي»، على ترديد القول إن قواته ظلت منذ اندلاع الحرب «تقدم خيار السلام» رغم انتصاراتها الميدانية. وفي آخر خطاباته الأسبوع الماضي، اتهم ما أطلق عليها «أيادي الحركة الإسلامية» بعرقلة الوصول إلى السلام ومنع ذهاب الجيش للتفاوض، استجابةً للمبادرة الأميركية في جنيف. وظل يؤكد أنه «معنيّ باسترداد الحكم المدني الديمقراطي»، ويجدد اتهاماته لقيادة الجيش بأنها متشبثة بـ«السلطة على حساب الوطن»، فهل تخلو الساحة لـ«قوات الدعم السريع» لتحكم البلاد؟!

رئيس «مجلس السيادة» قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في آخر ما رشح عنه، أكد سردية القوات المسلحة أن «الحرب نتيجة انقلاب فاشل دبره قائد (قوات الدعم السريع)».

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)

ظل طرفا الحرب في السودان يتبادلان اتهامات الانقلاب بعضهما على بعض، والقول إن إشعال شرارة الحرب كان بسبب «شهوة السلطة»، في حين يطرح كل منهما سردية مختلفة، فتأتي خلاصة ذلك لتؤكد أن الجنرالين يتصارعان على السلطة، وأنهما تبنيا دوافع مختلفة؛ فالبرهان وأنصاره من الإسلاميين من جهة، يعلنون عزمهم على القضاء على «الدعم السريع»، و«حميدتي» وأنصاره من جهة أخرى، يتوعدون بانتزاع النصر وإعادة السلطة للمدنيين، لكن الأطروحتين لا تُخفيان «صراع السلطة»، وتحديد مَن يحكم البلاد.

وتستند سردية الجيش إلى أن «قوات الدعم السريع» نفذت انقلاباً عسكرياً فاشلاً بالتعاون مع دولة أجنبية، ودعم سياسي من تحالف «الحرية والتغيير»، بهجومها على مقر قائد الجيش لقتله أو إلقاء القبض عليه، صبيحة اندلاع الحرب 15 أبريل (نيسان) 2023، ومن ثمَّ إذاعة بيان الانقلاب، في حين تقول سردية «قوات الدعم السريع»، إن قائد الجيش وحلفاءه «أرادوا التخلص من (قوات الدعم) للانفراد بالسلطة، وإعادة الإسلاميين للحكم مجدداً، بالتعاون أيضاً مع دول في الإقليم».

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

في أيام الحرب الأولى، قال «حميدتي» إنه سيلقي القبض على البرهان، لتسليمه للعدالة أو قتله أثناء الحرب، وإن قواته لن تتوقف قبل تحقيق ذلك الهدف، لكن الرجل لاحقاً طور سرديته إلى أنه يريد «استعادة الانتقال المدني الديمقراطي»، خصوصاً بعد سيطرته على أجزاء واسعة من البلاد.

أما البرهان فقد ظل يؤكد مستنداً إلى جماعة الإسلام السياسي، وأنصار نظام «الإخوان» السابق، طروحه «انقلابه» الممثل في «إصلاح حال السودان، مقابل فوضى المدنيين وفشلهم»، لكنه ظل متمسكاً بكرسي «رئيس مجلس السيادة الانتقالي»، رغم الفراغ الذي تركه حل المجلس الشرعي وإبعاد المدنيين منه.

ولتكريس السلطة في يده، فإن البرهان، وبُعيد الانقلاب بقليل، عيّن «مدنيين» في المجلس العسكري، لكنه سرعان ما أقالهم، وبقي على رأس المجلس الذي كان يتكون من 11 عضواً، نصفهم مدنيون والنصف الآخر عسكريون، حسب الوثيقة الدستورية الحاكمة للبلاد، وأبقى على أربعة عسكريين بعد إقالة «حميدتي»، ثم بقرارات متباعدة عيَّن أعضاء جدداً بالمجلس من مؤيدي الجيش من الحركات المسلحة، لكن السلطة الفعلية بقيت بيده.

ولا يمكن، وفقاً للمراقبين، إخفاء «الصراع على السلطة» بين الجنرالين، لكن من ينتصر ليحكم، هو أمر تحدده الأوضاع المدنية والعسكرية والسياسية والدولية المحيطة بالمشهد السياسي في البلاد. فرغم سيطرة «قوات الدعم السريع» على مناطق واسعة من البلاد كلياً وجزئياً، فإن الجيش لا يزال يتمسك بـ«السيادة» رغم تراجعه الكبير.

آلية للجيش السوداني في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

في رؤية استشرافية، توقع المفكر السوداني الحاج وراق، قبيل الانقلاب العسكري ضد الحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك، صراع الجنرالين على السلطة، وصدامهما على ما سماها «غنيمة السلطة» بقوله: «طبيعة الحكم العسكري الاستفراد. ولا يوجد حكم عسكري برأسين، وكل حكم عسكري له رأس واحد، لذلك فإنهما (حتماً) سيقتتلان».

صدقت توقعات الوراق، وانقلب الرجلان، مثلما صدقت توقعاته بفشل الانقلاب، وهنا بدأ حميدتي «يتملص» من الانقلاب، وكان قد ذكر في عدة أحاديث صحافية أنه «تورط» في الانقلاب الذي أعاد الإسلاميين الذين أبعدتهم الثورة الشعبية إلى السلطة، موجهاً اتهاماته لرفيق الانقلاب بأنه أعادهم للواجهة، فزادت الشُّقة بين الرجلين، ووصلت القطيعة بينهما إلى حدّ «عدم تبادل السلام».

فشل الانقلاب الثنائي نتيجة المقاومة الشعبية الواسعة والجسورة التي واجهته، ولم يفلح العنف اللافت الذي مارسه الانقلابيون إزاء المدنيين، وقتل العشرات وجرح الآلاف منهم. ثم فشل الانقلاب في الحصول على تأييد إقليمي أو دولي، بل جمّد «الاتحاد الأفريقي» عضوية السودان مما خنق الانقلاب، فطفت خلافات الرجلين على السطح مبكراً.

تصاعدت حدة التوتر بين «طرفي الانقلاب»، وتوترت العلاقة الاجتماعية بينهما، مما كان ينذر بصراع «مسلح» وشيك، وإزاء ذلك توافقت القوى المدنية وقتها في «تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير» وقوى أخرى رافضة للانقلاب من حيث المبدأ، مع قادة الطرفين، ووقعوا اتفاقاً «إطارياً» قضى بتوحيد الجيش وخروجه من السلطة وإبعاد العناصر الإسلامية داخله، ثم دمج «قوات الدعم السريع» في قطاعاته.

المتظاهرون المطالبون بحكومة مدنية خلال احتجاجات كبيرة في الخرطوم 30 يونيو 2019 (غيتي)

لكنّ شِقاً من «الحركة الإسلامية» وحزب «المؤتمر الوطني»، رأى في الاتفاق الإطاري خطراً يتهدده، ويتهدد التخطيط للعودة للسلطة، والمكتسبات التي جاءت مع الانقلاب، فعمل على «إجهاضه» واستغلال الصراع بين الجنرالين على مدة دمج القوات، والهياكل القيادية. ويقول المناصرون لـ«قوات الدعم السريع» إن «الإسلاميين ورَّطوا الجيش في حرب لم يكن مستعداً لها باستخدام بعض عناصرهم، لقطع الطريق أمام اتفاق تهدئة كانت القوى المدنية قد أوشكت على عقده مع الرجلين، بالهجوم على معسكر (الدعم السريع) في المدينة الرياضية».

وتوعد قادة الجيش بحسم المعركة ضد «قوات الدعم السريع» في غضون ساعات، لكن تقديراتهم للموقف لم تكن سليمة، فاستمرت الحرب، ولا تزال. بل نتجت عنها سيطرة «قوات الدعم السريع» على بعض ولايات البلاد، وحاميات، وفرق الجيش بما في ذلك العاصمة الخرطوم، في حين اضطرت قيادة الجيش لنقل العاصمة إلى بورتسودان بشرق البلاد، ووصلت الحرب إلى كل ولايات البلاد ما عدا ولايتين يسيطر عليهما الجيش كلياً هما «كسلا والبحر الأحمر» من جملة ولايات البلاد الـ18.

الواقع الميداني الذي نتج عن الحرب أثار التساؤلات عمّا إذا كان بمقدور «قوات الدعم السريع» حكم السودان، لكن الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها في مناطق سيطرتها، أضعفت الاحتمال.

الدخان يتصاعد في مدينة أم درمان بالخرطوم جراء عمليات القصف (رويترز)

واستبعد المحلل السياسي محمد لطيف بدوره في حديث لـ«الشرق الأوسط» ذلك الاحتمال، وقال: «بغضّ النظر عن الأحاديث عن الانتهاكات - وهي مؤثرة لا شك - فإن تجربة (الدعم السريع) الإدارية في مناطق سيطرتها، كشفت عن ضعف كبير وثغرات واضحة».

بيد أن لطيف لم يستبعد أن يخلق استمرار الحرب «سيطرة مطلقة لـ(الدعم السريع)، تضع بموجبها الجميع أمام أمر واقع جديد تماماً»، وقال: «أفريقيا عامرة بالنماذج الشبيهة، وأعني انهيار دولة بالمعنى السياسي، وقيام دولة جديدة مكانها».

أما المحامي والناشط في مجال الحقوق، حاتم إلياس، فقد وضع شرطاً لحكم «قوات الدعم السريع» للبلاد، يتمثل في استعادة ثقة الشعب السوداني، وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «ذلك رهن قدرتها على ضبط تفلتات قواتها»، وأوضح: «نقطة الضعف الوحيدة لـ(قوات الدعم السريع) هي عدم قدرتها على ضبط تفلتات قواتها».

وقال إلياس: «(قوات الدعم السريع) واقعياً تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، وإذا استطاعت مسح الصورة الكارثية التي رسمتها تلك الانتهاكات، يمكنها حينها أن تحكم البلاد، وأن يعود الناس إلى مدنهم».

ولحكم البلاد، اشترط إلياس «وجود حليف مدني ذي قاعدة كبيرة، يستولي على السلطة عبر اتفاق سياسي وفني، يحتفظ فيه لـ(قوات الدعم) بدورها العسكري وحفظ النظام، فيما يحتفظ المدنيون بإدارة السلطة»، وتابع: «هنا يمكن أن تتصدى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) والقوى المدنية المناهضة للحرب لهذه المهمة».

مظاهرات صاخبة خرجت من الخرطوم احتفالاً بسقوط نظام البشير 2019 (إ.ب.أ)

وأمام تفريطها فيما سمّاها «المسؤولية التاريخية»، فإن القوى المدنية، حسب ظنه، تصبح «أقرب للجيش منها لـ(الدعم السريع)، على عكس ما يروج له بأنها حليف (الدعم السريع)»، وأوضح: «لو تبقت قرية واحدة في صحراء السودان تحت سيطرة الجيش، فإن (تقدم) ستظل تطالب بحضوره في أي اتفاق، لأنها تضمر أن أي شرعية أو اتفاق سياسي، لن يتم إلاّ بوجود الجيش السوداني، وأنه لو خرج من المعادلة تماماً، فهي ستذهب إليه وتستدعيه من الغياب كأن شرعية أي سلطة لا تكتمل إلا بحضوره».

فهل يستمر البرهان حاكماً للسودان تحقيقاً لـ«الأسطورة» المنسوبة لوالده بأنه «تنبأ له بحكم البلاد»، أم أن «المقاتل حميدتي» القادم من الصحراء، هو الذي سينقل مركز الحكم إلى مضارب البدو؟