سوء التغذية الحاد يهدد حياة آلاف الأطفال في السودان

غالبيتهم من النازحين بسبب الحرب

الطفلة رونق مع والدتها حليمة (الشرق الاوسط)
الطفلة رونق مع والدتها حليمة (الشرق الاوسط)
TT

سوء التغذية الحاد يهدد حياة آلاف الأطفال في السودان

الطفلة رونق مع والدتها حليمة (الشرق الاوسط)
الطفلة رونق مع والدتها حليمة (الشرق الاوسط)

أُدخلت الطفلة رونق (7 أشهر) «مستشفى بورتسودان» وهي تعاني من سوء التغذية الحاد، ورغم مُضيّ أسبوع على قرار الأطباء تنويمها في العناية المركزة، فإن استجابتها للعلاج بطيئة.

أخبر الأطباء والدتها حليمة عبد الله بأن حالة ابنتها الصحية تستدعي البقاء أياماً، وربما أسابيع أخرى، في العناية الفائقة بالمستشفى.

ومع الارتفاع الحاد في معدلات سوء التغذية بين الأطفال، خصص «مستشفى بورتسودان» قسماً خاصاً لاستقبال الأعداد الكبيرة التي تتوافد يومياً.

قالت حليمة لــ«الشرق الأوسط» إن ابنتها رونق، التي أُدخلت المستشفى بسبب سوء التغذية، مصابة بثقب في القلب، مضيفة أن «حجمها صغير، وتزن ما بين 3 و4 كيلوغرامات، ولم يزد وزنها رغم شرب لبن التغذية».

حليمة نزحت من ولاية النيل الأبيض إلى مدينة بورتسودان الساحلية في أقصى شرق البلاد؛ حتى تتمكن من إجراء عملية قلب لابنتها، لكنها لا تملك المال لدفع تكاليفها.

قالت إنه بعد أكثر من شهر من الانتظار منحها «ديوان الزكاة» مبلغ 100 ألف جنيه سوداني (أقل من 50 دولاراً). وأردفت وهي تذرف الدموع: «أنا متألمة لحالة ابنتي. لا أعرف ماذا أفعل».

الطفلة رونق في سرير التنويم (الشرق الأوسط)

بدوره، قال المدير الطبي في المستشفى، أيمن عبد القادر، لــ«الشرق الأوسط»: «نستقبل يومياً عشرات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. والمستشفى يقدم العلاج مجاناً، ويُشترى بعض الأدوية من الخارج بأسعار رخيصة».

وذكر أن «منظمة الأمم للطفولة (اليونيسيف)» توفر «الألبان والبسكويت» للمرضى، بينما تلتزم منظمة الصحة العالمية بتوفير بعض الأدوية. وأضاف أن العدد الكبير لإصابات سوء التغذية يحتاج إلى زيادة الاصطفاف الطبي لتقديم الخدمة للمرضى.

وفي حين تشير تقارير المنظمات الدولية والمحلية إلى أن أكثر من مليوني طفل في السودان معرضون للموت جراء المجاعة، توقعت «اليونيسيف» إصابة نحو 730 ألف طفل بسوء التغذية الحاد في العام الحالي.

ومنذ اندلاع القتال في السودان بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) من العام الماضي، تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى مئات الآلاف من العالقين في مناطق الاشتباكات، وأصبحت المواد الغذائية شبه معدومة، وانتشرت الأمراض، مما أثر على تغذية الأطفال، وأدى إلى زيادة حالات سوء التغذية.

وأفاد أحدث تقرير من أداة «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في العالم» خلال أغسطس (آب) الحالي، بأن أكثر من 25.6 مليون سوداني (نصف عدد السكان) يعانون من الجوع الحاد.

د. أيمن عبد القادر المدير الطبي لـ«مستشفى بورتسودان»... (الشرق الأوسط)

في أحد العنابر تجلس نعمات يعقوب على طرف سرير يرقد عليه طفلها الصغير (3 سنوات) الذي يعاني من سوء التغذية، في انتظار الطبيب ليخبرها بسبب الارتفاع المستمر في درجة حرارته. قالت بصوت مخنوق: «كل ما أتمناه شفاء ابني من هذا المرض، وأن يعود ليلعب مع إخوته وأقرانه».

وأشارت إلى كيس بلاستيكي صغير معلق على طرف السرير، قائلة: «كل هذه الأدوية أشتريها من خارج المستشفى لعلها تشفي طفلي».

ويعاني القسم المخصص للأطفال المصابين بسوء التغذية في «مستشفى بورتسودان» من قلة الأَسِرَّة، وفي بعض الأحيان يُنوَّم كل طفلين في سرير واحد. ولا توجد تهوية جيدة. ورغم توفر مكيفات الهواء، فإن المرضى من الأطفال، ومرافقيهم، يتصببون عرقاً من شدة الحرارة.

وقالت أمهات لـ«الشرق الأوسط» إنهن يخشين من إصابة بقية أطفالهن بسوء التغذية، حيث إنه لا تتوفر في ملاجئ الإيواء وجبات منتظمة، وفي الغالب تكون من «العدس أو الفول».

منى الهادي مديرة إدارة الإحصاء في «مستشفى بورتسودان»... (الشرق الأوسط)

من جانبها، قالت رئيسة إدارة الإحصاء في قسم حوادث الأطفال، منى الهادي، إن القسم الخاص بالأطفال المصابين بسوء التغذية يعالج الحالات من عمر شهر إلى 5 سنوات. وأضافت أن 75 في المائة من الحالات التي تصل إلى المستشفى، تعود في غالبيتها إلى نازحين بسبب الحرب.

وأشارت إلى أن حالات الإصابة بسوء التغذية في زيادة مستمرة، وأنه في الأسبوع الماضي سُجل نحو 466 حالة من مختلف ولايات البلاد. وفي يوليو (تموز) الماضي استقبل «مستشفى بورتسودان» 2193 طفلاً من المصابين بسوء التغذية.


مقالات ذات صلة

واشنطن تمهل الجيش السوداني 3 أيام للمشاركة في مفاوضات جنيف

شمال افريقيا البرهان يحيي مستقبليه خلال حفل تخرج للضباط بقاعدة جبيت العسكرية (أرشيفية - رويترز)

واشنطن تمهل الجيش السوداني 3 أيام للمشاركة في مفاوضات جنيف

المبعوث الأميركي: نتنظر في غضون يومين أو ثلاثة أيام أن يلحق وفد الجيش السوداني بالمفاوضات.

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))
شمال افريقيا خالد عمر يوسف (مواقع التواصل)

وزير سابق: البرهان و«الإخوان» رهنوا السودان والسودانيين لغاياتهم السياسية

حمّل وزير سابق وقيادي في تنسيقية «تقدم» قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، المسؤولية عن الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من 15 شهراً

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سوداني يجلس وسط الدمار في قريته بالقرب من مدينة دنقلا بشمال السودان يوم 11 أغسطس 2024 حيث دمرت مياه الفيضانات المنطقة مما أدى إلى تعطيل النقل وتدمير المنازل وتشريد آلاف الناس (أ.ف.ب)

«منظمة الهجرة»: عشرات آلاف السودانيين عُرضة للموت إذا لم يكثف العالم التبرعات

أعلنت «المنظمة الدولية للهجرة»، اليوم (الثلاثاء)، أن العالم لا يبذل ما يكفي من الجهود لمكافحة أكبر أزمة نزوح في العالم بالسودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا 
المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيريلو (رويترز)

تحذير أممي: السودان عند نقطة انهيار كارثية

أعلنت الولايات المتحدة، أمس، تمسكها ببدء محادثات بشأن السودان هذا الأسبوع في جنيف، «حتى في غياب» ممثلي الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، الذي أبدى تحفظات.

شمال افريقيا محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أ.ف.ب)

حميدتي: سنشارك في مفاوضات سويسرا لوقف الحرب السودانية فوراً

أقر قائد «الدعم السريع» بأن البلاد «تمر بحالة من الانهيار جراء الحرب التي تسببت بفوضى، وفراغ أمني كبير»

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))

«النواب» الليبي يعلن «منفرداً» إنهاء ولاية «الرئاسي» و«الوحدة»

صورة من جلسة مجلس النواب في بنغازي (المجلس)
صورة من جلسة مجلس النواب في بنغازي (المجلس)
TT

«النواب» الليبي يعلن «منفرداً» إنهاء ولاية «الرئاسي» و«الوحدة»

صورة من جلسة مجلس النواب في بنغازي (المجلس)
صورة من جلسة مجلس النواب في بنغازي (المجلس)

في تصعيد جديد للنزاع على السلطة في ليبيا، أعلن مجلس النواب، برئاسة عقيلة صالح، أنه طوى رسمياً، وفي خطوة منفردة، صفحة المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة» المؤقتة، في قرار من شأنه إثارة مزيد من التوتر والصراع على السلطة في البلاد.

عدد من الذين حضروا جلسة مجلس النواب في بنغازي (المجلس)

وأعلن مجلس النواب أنه صوّت بالإجماع، في جلسته الرسمية، التي عقدت الثلاثاء، بمقره في مدينة بنغازي (شرق)، على إنهاء ولاية السلطة التنفيذية، التي جاءت بالمرحلة التمهيدية، في إشارة إلى حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وعدّ غريمتها «الاستقرار»، برئاسة أسامة حماد، هي «الحكومة الشرعية»، حتى اختيار «حكومة جديدة موحدة».

وقال عبد الله بليحق، الناطق الرسمي باسم المجلس، إنه صوّت بالإجماع أيضاً على اعتبار القائد الأعلى للجيش هو عقيلة رئيس مجلس النواب، كما جاء بالإعلان الدستوري، وقرار مجلس النواب بهذا الشأن.

القرارات الجديدة تعني أن مجلس النواب لم يعد يعدّ حكومة الدبيبة موجودة (الوحدة)

وتعني هذه القرارات أن مجلس النواب نزع من المجلس الرئاسي صلاحيته بوصفه القائد الأعلى للجيش، ولم يعد يعدّ حكومة «الوحدة» موجودة، معلناً الموافقة على مذكرة تقدم بها خمسون نائباً بشأن العودة إلى الإعلان الدستوري 2011.

وكان صالح قد أبلغ أعضاء المجلس في الجلسة، التي عقدت، (الثلاثاء)، أن المرحلة التمهيدية، التي جاءت بالمجلس الرئاسي الحالي وحكومة الدبيبة «انتهت بانتهاء المدد المحددة لها»، وطالب بإعادة النظر في اتفاق جنيف للمرحلة التمهيدية، لا سيما أنه لم يُضمّن في الإعلان الدستوري الذي يعد السند لكل السلطات.

وقال صالح: «بحكم تجاربي السابقة لا أجد غير تقسيم الثروة بين الأقاليم حلاً للأزمة في ليبيا، ينهي حالة الاشتباك التي أرهقت البلاد والعباد»، وأوضح أن مدة ولاية الحكومة عام واحد، وأن يتم تجديدها لعام إضافي فقط، أي أن حكومة «الوحدة» انتهت صلاحيتها منذ أكثر من 5 سنوات، مشيراً إلى فشل هذه الأخيرة في أداء مهامها وعجزها عن تنظيم الانتخابات.

عقيلة صالح أكد أن مجلس النواب يسعى لتحقيق سلطة واحدة في البلاد (النواب)

وتابع صالح موضحاً: «نسعى في مجلس النواب لتحقيق سلطة واحدة، قادرة على السيطرة والعدالة بين الشعب»، لافتاً إلى أن العاصمة طرابلس وقعت تحت سيطرة عصابات مسلحة، أعلنت وجودها وقوتها بعد انتخابات مجلس النواب. مضيفاً: «لم أسع ولم أعمل لتمديد نفسي بوصفي رئيساً لمجلس النواب، ولم نتآمر لتأجيل الانتخابات، وأرفض عودة الاقتتال وتقسيم ليبيا».

كما نفى صالح أنه أعطى الإذن بتوريط ليبيا في أي اتفاقيات دولية، أو أنه رضخ للضغوط الدولية مهما كانت. وقال بهذا الخصوص: «قدمنا كثيراً من التنازلات من أجل التوصل إلى اتفاق يرضي الجميع، لكن توجد أطراف تسعى لإبقاء الأوضاع كما هي»، لافتاً إلى «أننا أمام مرحلة مفصلية، ويجب علينا إنهاء المركزية وتسمية المحافظات».

وبعدما عدّ أن المراحل التي تلت «ثورة 17 فبراير»، شهدت تحولاً إلى صراع عسكري في غياب الدولة، وانهيار المؤسسات، قال صالح إن «حصاد حكومة الوحدة أسوأ ما فيه عدم تنظيم الانتخابات في موعدها، التي كانت تحظى بدعم شعبي ودولي».

محمد المنفي عقد اجتماعاً طارئاً مع نائبيه لمناقشة قرار مجلس النواب (إ.ب.أ)

ولم يصدر على الفور أي بيان رسمي من المجلس الرئاسي، لكن مصادر مقربة منه قالت إن رئيسه محمد المنفي عقد اجتماعاً طارئاً مع نائبيه عبد الله اللافي وموسى الكوني لمناقشة قرار مجلس النواب، فيما نقلت وسائل إعلام محلية عن مستشاره، زياد دغيم، أن حديث صالح «حمل كثيراً من المغالطات القانونية».

ودخل خالد المشري، الذي يقترب من رئاسة «المجلس الأعلى للدولة»، على اعتبار أن الخلاف على رئاسة المجلس لا يزال قائماً، على خط الأزمة سريعاً، وقال في بيان، (الثلاثاء)، إن القرار الذي اتخذه رئيس مجلس النواب، بشأن سحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي «باطل»، ورأى أن ذلك يخالف المادة (12) من الأحكام الإضافية للاتفاق السياسي، الموقّع بمدينة الصخيرات بالمغرب عام 2015.

وكان مجلس النواب قد انتقد قرار المنفي بإنشاء هيئة مستقلة للاستفتاء والاستعلام الوطني، تتبعه وتتولى إجراء استفتاءات ملزمة، وعده تجاوزاً لصلاحياته المقررة باتفاق جنيف.

كما اتهم البرلمان المجلس الرئاسي بتجاوز صلاحياته، بإنشاء هيئات بذمة مالية مستقلة، وقال إنه لا مبرر لإنشاء مؤسسات موازية، وخلص إلى أن هذا القرار «مخالف للإعلان الدستوري، وخطوة خطيرة غير مبررة»، وطالب المنفي بسحبه فوراً، وأن يبين للشعب الليبي ما قدمه المجلس في أهم ملفين اختص بهما، وفق اتفاق جنيف، وهما الملف الأمني، وملف المصالحة الوطنية.

لقاء المشير حفتر مع وزير خارجية الكونغو (الجيش الوطني)

من جهته، أعرب القائد العام لـ«الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، خلال لقائه مساء الاثنين في بنغازي مع وزير الخارجية بحكومة الكونغو برازافيل، جان كلود جاكوسو، عن تقديره لجهود الكونغو ومفوضية الاتحاد الأفريقي للوصول إلى وضع حلول للأزمة الليبية، كما أشاد بدعمهم للمصالحة الوطنية، التي تعد خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار الدائم، والتعايش السلمي بين مختلف مكونات الشعب الليبي.