كيف تحولت مراكز احتجاز «المهاجرين» في ليبيا إلى بؤر لـ«التعذيب والابتزاز»

شهود أكدوا ارتكاب «انتهاكات وأعمال عنف وتجويع» في داخلها

عملية ترحيل مهاجرين إلى نيجيريا (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية بطرابلس)
عملية ترحيل مهاجرين إلى نيجيريا (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية بطرابلس)
TT

كيف تحولت مراكز احتجاز «المهاجرين» في ليبيا إلى بؤر لـ«التعذيب والابتزاز»

عملية ترحيل مهاجرين إلى نيجيريا (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية بطرابلس)
عملية ترحيل مهاجرين إلى نيجيريا (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية بطرابلس)

«كنت أتمنى الموت كل ليلة، على أن أعيش يوماً آخر في هذا المكان»، بهذه الكلمات لخص السوري، صابر الخطيب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تجربة احتجازه في مركز بئر الغنم، الواقع جنوب غربي العاصمة الليبية، قبل أن يتمكن من الهجرة إلى أوروبا.

ويعد معسكر بئر الغنم واحداً من مقار الاحتجاز في ليبيا التي تعكس تردي الأوضاع الإنسانية بها، وتكشف عن ارتكاب «انتهاكات وأعمال ابتزاز وعنف بحق المهاجرين».

ويرى الباحث الليبي في قضايا المهاجرين وطالبي اللجوء، طارق لملوم، أن ليبيا تضم قرابة 24 مركز احتجاز، يودع فيها المهاجرون عقب اعتقالهم في أثناء عبورهم إلى شواطئ أوروبا، أو خلال وجودهم بالبلاد، «ويمارَس بها كثير من المعاملة السيئة والانتهاكات».

قبيل ترحيل مهاجرين إلى نيجيريا (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية بطرابلس)

وأوضح لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» وجود كثير من المراكز التي تتعدد الشكاوى منها، ومن بينها «بئر الغنم»، بالإضافة إلى مركز غوط الشعال، وإيواء العسة، التابع لحرس الحدود بوزارة الداخلية، والمخصص حالياً لاحتجاز المهاجرين الذين يجري إرجاعهم من المناطق الحدودية.

ووفقاً لحديث الخطيب الذي كُللت محاولته بالهجرة إلى أوروبا عن طريق مفوضية اللاجئين، بعد عام من تعرضه للاعتقال داخل أكثر من 13 مركز توقيف واحتجاز في ليبيا، فإن «بئر الغنم» كان «الأسوأ على الإطلاق»، مشيراً إلى أنه سُجن به مرتين في أقل من عام، وفي كل مرة لم تُكتب له النجاة إلا بعد قيام أسرته بتحويل مبلغ مالي لبعض المسؤولين فيه، عبر وسطاء، وصلت قيمته إلى نحو 1200 دولار في المرة الأولى، و2300 دولار في المرة الثانية. (الدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية).

عدد من المهاجرين السريين الذين جرى اعتراضهم داخل الحدود الليبية (الشرق الأوسط)

وقال الخطيب لـ«الشرق الأوسط» إن «عنابر المركز من الصاج؛ ما يحولها إلى ما يشبه الفرن، مع شدة ارتفاع درجات الحرارة، خصوصاً أنه يوجد بمنطقة صحراوية، فضلاً عن عدم سماح الحراس بالخروج منها للفناء ورؤية الشمس، إلا لمن أصيب منهم بمرض جلدي كالجرب، أو انتشار القمل برأسه، وذلك مرة كل أسبوع».

ووصف المواطن السوري دورات المياه بمركز بئر الغنم بأنها «غير آدمية، ومع ذلك نُضطر للنوم بجانبها، رغم رائحتها الكريهة مع وجود قرابة 500 فرد بالمركز، حيث ينام كل 4 على فراش واحد صغير على الأرض، أما الطعام فهو شحيح جداً».

بهذا الخصوص يقول الخطيب: «كل محتجز يسد رمقه بملعقتين من الأرز والمكرونة للبقاء على قيد الحياة، لحين قيام المسؤولين عن المركز، أو وسطاء عنهم، بالتواصل مع عائلاتنا لطلب المال مقابل الإفراج عنا، مستخدمين هواتفنا التي قاموا بمصادرتها عند وصولنا للمركز».

وزاد المواطن السوري من تصويره للفظائع التي عاشها في مقار الاحتجاز، قائلاً: «التعذيب هو الشيء الوحيد المتوافر بكثرة هناك... فقد كانوا يضربوننا بالعصا والخراطيم البلاستيكية الغليظة، وعادة ما كانوا يطبقون علينا عقاباً جماعياً إذا أعلن أحد إضرابه عن الطعام، أو قام بطرق الباب لاستدعاء الحراس لنجدة من سقط من زملائهم من شدة الجوع والإعياء».

ورصد التقرير السنوي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في ليبيا وقوع «حالات تعذيب وسوء معاملة، وقتل خارج نطاق القضاء، واتجار بالأشخاص وسخرة، وابتزاز في مركزي بئر الغنم والعسة».

ولا يختلف الحال في شرق البلاد وجنوبها عن غربها، وفقاً للملوم الذي قال موضحاً: «يتعرض المهاجرون لانتهاكات عديدة بمركز قنفودة في بنغازي، و5 مراكز أخرى في مدن أجدابيا والبيضاء والشحات وطبرق وسبها».

مهاجرون أفارقة جرى ترحيلهم من ليبيا عبر وساطة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (الشرق الأوسط)

ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، فقد قامت الأجهزة الليبية خلال الفترة الممتدة ما بين يناير (كانون الثاني) وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2023 من إعادة أكثر من 15 ألف مهاجر وطالب لجوء، كانوا يحاولون عبور البحر المتوسط وإعادتهم إلى ليبيا. موضحاً أن «السلطات الليبية لا تمتلك إحصاءً للمحتجزين من المهاجرين أو قوائم بأسمائهم، ويجري الاكتفاء بحصر أصحاب كل جنسية في كل مركز احتجاز».

وسلط الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا، عبد المنعم الحر، الضوء على تباين أوضاع السجون، ومراكز الاحتجاز من منطقة لأخرى بعموم البلاد. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المراكز التي تشرف عليها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والتي توجد داخل العاصمة «تتمتع بدرجة أكبر من الانضباط من قبل المسؤولين عليها، مقارنة بالمراكز التي توجد في الضواحي».

وأضاف الحر في معرض حديثه عن الأوضاع المعيشية، موضحاً أنه «لا يتوافر للمحتجزين سوى وجبة طعام واحدة باليوم في بعض الأحيان»، لافتاً إلى «هيمنة بعض عصابات الجريمة المنظمة على بعض السجون، ومراكز الاحتجاز غير الرسمية كما هي الحال بمدينة بني وليد، وفق شهادات الناجين منها، حيث تعرض مهاجرون ومواطنون ليبيون أيضاً لشتى أنواع التعذيب».

ويرى الحر أن استمرار الانقسام السياسي والحكومي «يلعب دوراً كبيراً في تراخي المحاسبة عما يقع بكثير من السجون ومراكز الاحتجاز من انتهاكات، كما يهدر ما يجري من محاولات جادة من قبل السلطات، خصوصاً مكتب النائب العام، ووزارة العدل بطرابلس لتحسين وضعية عدد من السجون».


مقالات ذات صلة

«النواب» الليبي يستدعي حكومة حمّاد للمساءلة عن نشاطها

شمال افريقيا جلسة مجلس النواب في درنة

«النواب» الليبي يستدعي حكومة حمّاد للمساءلة عن نشاطها

قال رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، إن الجلسة المقبلة ستستعرض أعمال حكومة حماد ومشاريعها وخططها خلال العامين الحالي والمقبل.

خالد محمود
شمال افريقيا من شرفة قصر «المنار» ببنغازي زفّ السنوسي لشعبه عام 1951 بشارة الاستقلال وقال: «نتيجة جهاد أمتنا قد تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة»

ليبيا تحتفل بالذكرى 73 لاستقلالها... وتخوف من «الاحتلال»

على وقع مطالب واحتجاجات ليبية بطرد «المرتزقة والقواعد العسكرية»، تحتفل البلاد بالذكرى 73 للاستقلال، وسط انقسام سياسي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعها مجلس النواب لوصول أعضائه إلى مدينة درنة

ليبيا: اجتماع مرتقب لأعضاء مجلسي النواب و«الدولة» في درنة

أعلن عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب الليبي، وصول عدد من أعضائه إلى درنة التي ستستضيف، الاثنين، جلسة رسمية هي الأولى للمجلس بالمدينة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)

مدينة ليبية تنتفض ضد «المرتزقة»... وحكومة الدبيبة

احتشد مئات المتظاهرين في مدينة بني وليد، شمال غربي ليبيا، الموالية لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي للتظاهر، منددين بـ«المرتزقة» والقوات والقواعد الأجنبية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع أعضاء بمجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» في بوزنيقة بالمغرب (المتحدث باسم مجلس النواب)

تباين ليبي بشأن تفعيل مخرجات «اجتماع بوزنيقة»

أعلن ممثلون عن مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا، نهاية الأسبوع الماضي، توصلهم إلى اتفاق يستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«النواب» الليبي يستدعي حكومة حمّاد للمساءلة عن نشاطها

جلسة مجلس النواب في درنة
جلسة مجلس النواب في درنة
TT

«النواب» الليبي يستدعي حكومة حمّاد للمساءلة عن نشاطها

جلسة مجلس النواب في درنة
جلسة مجلس النواب في درنة

قرر مجلس النواب الليبي في أول اجتماع رسمي له بمدينة درنة، برئاسة رئيسه عقيلة صالح، استدعاء كل أعضاء حكومة «الاستقرار»، برئاسة أسامة حماد، للمساءلة في جلسته المقبلة، وأرجع ذلك لإطلاع الشعب على ما قامت به، بوصفها «الحكومة الشرعية» الخاضعة للمحاسبة أمام السلطة التشريعية.

وقال صالح، الاثنين، إن الجلسة المرتقبة ستستعرض أعمال الحكومة ومشاريعها وخططها خلال العامين الحالي والمقبل، مؤكداً استمرار الإعمار والتنمية، كما لفت إلى إقامة صندوق إعادة الإعمار لبعض المشاريع الحيوية في درنة، التي تبعد عن العاصمة طرابلس، نحو 1300 كيلو متر (شرق).

واستغل صالح، حضور بعض أعضاء «المجلس الأعلى للدولة»، الجلسة، للإشادة بـ«دورهم الفعال لمعالجة الأزمة الليبية»؛ والاتفاق على توحيد السلطة وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب الآجال، مشيداً بالتقارب بين المجلسين ومتمنياً استمراره.

وقبل إعلان صالح تعليق الجلسة، التي تم بثها على الهواء مباشرة، لاستكمال بنود جدول أعمالها في الجلسة المقبلة، وافق مجلس النواب بالإجماع على تكليف «صندوق التنمية وإعادة الإعمار»، بإنشاء متحف وطني في درنة، تخليداً لذكرى العاصفة «دانيال»، التي خلفت العام الماضي، دماراً واسعاً في شرق البلاد، وأودت بحياة أكثر من 4 آلاف شخص، وألحقت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية.

واقترح يوسف العقوري، رئيس «لجنة التحقق من الأموال الليبية المجمدة بالخارج» بالمجلس، مسودة قانون مكافحة غسيل وتهريب الأموال وتمويل الإرهاب لعرضها على المجلس، وعدّ إقراره «خطوة مهمة نحو تعزيز الشفافية ومحاربة الجرائم المتعلقة بالأموال، ما سينعكس مزيداً من الاستقرار على المؤسسات المالية الوطنية».

ووصف العقوري أوضاع الاقتصاد الليبي، بأنها مستقرة حالياً، مشيراً إلى حرص المجلس على إعطاء قضية الاستقرار الاقتصادي، الأولوية القصوى، نظراً لتأثيره على مستوى معيشة المواطن الليبي.

في غضون ذلك، جددت الولايات المتحدة التزامها بتعزيز الشراكات في جميع أنحاء ليبيا، ودعم الجهود المبذولة لحماية سيادة البلاد.

وقالت السفارة الأميركية في بيان لها الاثنين، عبر منصة «إكس»، إن ملحقها العسكري بحث مع مسؤولين أمنيين من شرق ليبيا وغربها، «الفرص المتاحة لتبادل الخبرات في المجالات العسكرية والأمنية، وكيفية دعم الولايات المتحدة للتعاون بين المؤسسات العسكرية في جميع أنحاء البلاد».

بدورها، أعلنت حكومة «الوحدة» المؤقتة، اختتام المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا، بالعاصمة طرابلس، مساء الأحد، دون الإعلان عن نتائجه، مشيرة إلى مرافقة محمود حمزة، مسؤول الاستخبارات العسكرية التابعة لقوات الحكومة، المشاركين في المؤتمر بجولة داخل المدينة، شملت أبرز معالمها التاريخية والثقافية.

وقالت الحكومة إن المؤتمر الذي انعقد بمبادرة ليبية، بمشاركة تونس، والجزائر، والسودان، وتشاد، والنيجر، «جاء بهدف تعزيز التنسيق الأمني والتعاون المشترك، كما ناقش قضايا مكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، والهجرة غير النظامية، إضافة إلى أهمية توحيد الجهود لضمان أمن الحدود وتعزيز الاستقرار الإقليمي».

بدورها، ناقشت وزيرة الشؤون الاجتماعية وفاء الكيلاني، مع السفير التركي غوفين بيجيتش، مذكرة التفاهم لتعزيز التعاون في المجال الاجتماعي، وتنسيق برامج مشتركة لدعم الطفولة وتطوير الخدمات الاجتماعية، كما بحثا سبل تعزيز الشراكة عبر تبادل الخبرات وتنفيذ مشاريع لتحسين جودة الخدمات الاجتماعية.

من جانبه، قال رالف تراف سفير ألمانيا، إنه ناقش مساء الأحد، مع نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، التطورات السياسية الحالية في ليبيا، وأكدا دعم جهود المبعوثة الأممية ستيفاني خوري، لتسهيل العملية السياسية.

وأكد اللافي أهمية إيجاد حلول توافقية تقود إلى انتخابات حرة ونزيهة، تضمن الاستقرار المستدام في ليبيا، مشيراً إلى أن المبادرة الأممية تُعدّ فرصة حقيقية لإعادة توحيد مؤسسات الدولة، وتحقيق تطلعات الشعب الليبي في الاستقرار والديمقراطية، مشدداً على أهمية التنسيق الدولي والإقليمي، لدعم هذه الخطوات وضمان نجاحها.

ونقل عن السفير الألماني حرص حكومته على دعم جهود التعاون مع «المجلس الرئاسي»، بما يسهم في إنجاح مشروع المصالحة الوطنية، وتعزيز الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.

في شأن مختلف، عززت السلطات في شرق ليبيا، لليوم الثاني، من استعداداتها لمواجهة هطول أمطار غزيرة وجريان الأودية، بسبب منخفض جوي، عبر حالة طوارئ واسعة تسببت في إخلاء عدة منازل بمدينة بنغازي.

ونقلت وسائل إعلام عن وليد بوبكر، المتحدث باسم جهاز البحث الجنائي في المدينة، إعلانه إخلاء المواطنين القاطنين على مسارات الأودية لمدة أسبوع، ضمن إجراءات احترازية اتخذت أيضاً في مدن أخرى، وأوضح أن الإخلاء شمل عدة مسارات، تحسباً لارتفاع منسوب المياه وحدوث فيضانات.