السودان: سقوط سنجة بيد «الدعم السريع» قد يفتح طريق تمددها أكثر

خبراء يرجعون سهولة سقوط قاعدة الجيش الاستراتيجية لـ«خلل استخباري»

صورة أرشيفية لقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو مع قواته في جنوب دارفور (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو مع قواته في جنوب دارفور (أ.ف.ب)
TT

السودان: سقوط سنجة بيد «الدعم السريع» قد يفتح طريق تمددها أكثر

صورة أرشيفية لقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو مع قواته في جنوب دارفور (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو مع قواته في جنوب دارفور (أ.ف.ب)

تكشف حالة الارتباك الكبيرة في الجيش السوداني ومناصريه عقب استيلاء «قوات الدعم السريع» على «الفرقة 17 - سنجة»، عن الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، التي تتحكم بشبكة طرق تربط شرق البلاد بغربها وجنوبها، وقريبة من مناطق أخرى ساخنة... ولذلك؛ صمت الجيش عن الإدلاء بأي معلومات، ثم خرج عنه تصريح خجول بأنه «صامد ومتماسك ويقاتل العدو بثبات ومعنويات عالية»، وهو تصريح تعلن «الدعم السريع» عدم دقّته، من خلال تأكيدها أن قواتها أحكمت سيطرتها عليها منذ عشية السبت.

وتقاطعت بلاغات «الدعم» مع معلومات شهود عيان، وحركة النزوح الواسعة لسكان المدينة.

هاربون من المعارك في ولاية سنار (أ.ف.ب)

ومدينة سنجة هي حاضرة ولاية سنار على مبعدة من المدينة الأكبر في الولاية (التي تحمل الاسم نفسه) بنحو 55 كيلومتراً، ومن مدينة الدمازين حاضرة ولاية النيل الأزرق بنحو 160 كيلومتراً. وتتحكم بالطرق البرية الرابطة بين شرق البلاد وغربها وجنوبها، وعلى رأسها طريق سنار - ربك، وطريق الدمازين - سنار... وإلى جانب إنها عاصمة الولاية، ففيها رئاسة «الفرقة 17» التابعة للجيش؛ ما يجعل منها مفتاحاً لمناطق عسكرية أخرى تستهدفها قوات «الدعم السريع»، بما في ذلك حصار القوات الأساسية الموجودة في مدينة «سنار» من جهتي الجنوب والغرب، ووضعها في كماشة وحدات «الدعم» التي تسيطر على جبل موية وولاية الجزيرة.

وتفاجأ الجيش والمواطنون بظهور قائدي «الدعم السريع» في المنطقة، عبد الرحمن البيشي، وأبو عاقلة كيكل، وهما يعلنان من داخل مكتب قائد «الفرقة 17»، الاستيلاء على المدينة، وهو ما وصفه اللواء المتقاعد كمال إسماعيل بـ«الأمر المحيّر»، قائلاً: «إن الحرب في السودان شاملة، تنتفي فيها المفاجأة، وسنجة عاصمة ولاية، وبها فرقة عسكرية، وسقوطها بهذه السهولة، وسقوط ود مدني قبلها بالسهولة ذاتها، أمر محير حقاً».

وأرجع اللواء المتقاعد في إفادته لـ«الشرق الأوسط»، ما وصفه بـ«سهولة سقوط سنجة»، إلى «عدم تماسك الوضع داخل الجيش»، وقال: «هناك قصور في إدارة العمليات والإمداد؛ ما أدى إلى تدني الروح المعنوية»، وتابع: «سبق أن طالبنا بوقف الحرب، وعدم الانسياق لـ(الإخوان المسلمين)، باعتبارهم العدو الأول للجيش».

وأوضح اللواء إسماعيل: «إن (الدعم السريع) تستخدم تكتيكات أربكت الجيش، تناوشه في مناطق محددة، لكنها في الوقت نفسه، تتقدم لتحقيق أهداف استراتيجية في مناطق أخرى، بما تملك من خفة الحركة والقدرة على سرعة الانتشار».

من جهته، يقول الخبير العسكري المقدم المتقاعد الطيب المالكابي لـ«الشرق الأوسط»، إن سقوط الفرقة 17 بمدينة سنجة، أدى إلى عزل شرق البلاد عن جنوبها وغربها، ووضع منطقة سنار العسكرية بين ثلاث نيران. وأضاف: «سنار أصبحت محاصرة بين سنجة ومدني وجبل موية»، ويتابع: «سقوط سنجة كشف ظهر المناطق الشرقية والجنوبية، وعزلها نهائياً، فكل من القضارف والفاو، وولاية النيل الأزرق وحاضرتها الدمازين أصبحت معزولة عن خطوط الإمداد والتموين».

ويوضح المقدم مالكابي، أن سقوط مدن أخرى «أصبح مسألة وقت»؛ لأن خطوط إمداد القوات المسلحة «ستقطع تماماً، ولا سيما إمداد القاعدة الجوية في مطار كنانة بولاية النيل الأبيض». وقال: «قاعدة كنانة الجوية هي القاعدة العملياتية لطائرات أبابيل التي يستخدمها الجيش في عملياته الجوية، واستيلاء (الدعم السريع) على سنجة يخلق صعوبة كبيرة لحركة إمدادها بالوقود والسلاح؛ لأنها لا تملك مخازن استراتيجية للعمليات العسكرية، ولا مخازن استراتيجية لوقود الطائرات وقطع غيارها».

الصراع السوداني أجبر الآلاف على الفرار من ولايات مختلفة (أ.ف.ب)

عسكرياً، قال المقدم مالكابي، إن سقوط سنجة «يكشف عن تحول في تكتيكات (قوات الدعم السريع)، فبعد أن كان يستهدف المدينة الأكبر في الولاية، اتجه لاستهداف والسيطرة على المدينة الثانية». وقال: «لو واصلت (الدعم السريع) استخدام هذا التكتيك فإنها ستخنق المدن الكبيرة وتضعها في كماشة»، وتابع: «سنار هي المدينة الأولى في ولاية سنار، وكوستي المجاورة هي المدينة الأكبر في ولاية النيل الأبيض، لكن حاضرتَي هاتين الولايتين هما سنجة وربك».

وحذر «من أن يؤدي سقوط مدينة سنجة لفتح الطريق إلى منطقتَي خشم القربة وحلفا، وهما المدن الثانية في ولاية القضارف، ووضعها في كماشة من الجهات كافة».

وأرجع المقدم مالكابي سهولة استيلاء «الدعم السريع» على القاعدة العسكرية الاستراتيجية، إلى «عدم كفاية المعلومات الاستخباراتية لدى الجيش، ووقوعه في فخ تكتيكات (الدعم)». وقال: «استخبارات الجيش كانت تتوقع مهاجمة (الدعم السريع) مدن كوستي أو ربك في النيل الأبيض، أو معاودة الهجوم على مدينة سنار، وتستبعد تماماً سنجة».

«قوات الدعم السريع» السودانية (أ.ف.ب)

واستبعد الخبير العسكري احتمال تحريك قوات من سنار القريبة لاستعادة سنجة؛ «لأن ذلك سيعرّض القوات التي تم تجميعها هناك لحماية المدينة، لمخاطرة كبيرة؛ لأن (قوات الدعم السريع) موجودة في جبل موية القريبة منها، وقد تجدد الهجوم عليها مرة أخرى؛ ما يهدد بإسقاطها». وقال: «إذا حرك الجيش قوات من سنار لتحرير سنجة سيعرّضها لمخاطرة، فالمدن المحيطة بها: القطينة، جبل موية، سنجة، مدني، هي تحت سيطرة (الدعم السريع)، ويمكن في حال خروج القوات جنوباً أن تتحرك باتجاه سنار لإسقاطها»، وتابع: «إن المشكلة الأكبر التي ترتبت على سقوط سنجة، أن الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق عملياً أصبحت تابعة لـ(قوات الدعم السريع)».

ويقول المحل السياسي محمد لطيف لـ«الشرق الأوسط»، إن استيلاء «(الدعم السريع) على سنجة، يحقق لها انتصاراً سياسياً جديداً إلى جانب الانتصار العسكري، وقد يغير الموقف التفاوضي، ويجعلها تضع شروطاً تفاوضية جديدة».

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية)

ويرى لطيف، «أن استيلاء (قوات الدعم) على سنجة باعتبارها آصرة ربط لجهات السودان كلها، إلى جانب قربها من سنار، ومدني، وربك، والرهد، والفاو والقضارف، تفتح أمامها طرق الإمداد ومساحات الانتشار، وتقطعها عن الجيش، وتمكّنها من الحصول على موقع استراتيجي هي بأمس الحاجة إليه».

بيد أن لطيف يرى، أن انتشار «الدعم السريع» إلى سنجة يزيد من أعبائها السياسية، وقال: «كقوة عسكرية كلما انتشرت زادت أعباؤك والتزاماتك»، كاشفاً عن ما أطلق عليه «أثمان سياسية وإنسانية باهظة مقابل أي انتصار عسكري»، وأضاف: «هذا الثمن السياسي الذي تدفعه (الدعم السريع) مقابل أي انتصار عسكري، يتمثل في عمليات النهب والسلب والانتهاكات الكبيرة التي ترتكبها ضد المدنيين»، وتابع: «لن يشفع لـ(الدعم السريع) ترديدها أن تلك الانتهاكات والمجازر ترتكبها عناصر وعصابات تابعة لفلول الإسلاميين؛ لأنك ما دمت مسيطراً عسكرياً على أي منطقة، فإن تأمين المدنيين تحت مسؤوليتك».


مقالات ذات صلة

حكومة موازية لـ«الدعم السريع» في الخرطوم

شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

حكومة موازية لـ«الدعم السريع» في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيلَ إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد 19 شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

صحيفة سودانية: «الدعم السريع» تشكل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم

أفادت صحيفة «سودان تريبيون»، اليوم (الجمعة)، بأن «قوات الدعم السريع» أعلنت تشكيل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي: «الأزمة الإنسانية في السودان تعد الأكبر في زمننا، والتدخلات الخارجية في الحرب الدائرة يجب أن تتوقف».

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا سودانيون فروا من العنف المتصاعد بولاية الجزيرة يستريحون في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

«الخارجية الفرنسية» تحث طرفي الحرب في السودان على وقف القتال

حثّ وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الذي زار مخيمات لاجئين سودانيين في تشاد، الخميس، طرفي النزاع بالسودان على وقف الأعمال القتالية والدخول في مفاوضات.

«الشرق الأوسط» (أدري (تشاد))

مصر تتابع التحقيقات في مقتل أحد مواطنيها بإيطاليا

مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)
مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)
TT

مصر تتابع التحقيقات في مقتل أحد مواطنيها بإيطاليا

مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)
مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)

تتابع مصر التحقيقات التي تجريها السلطات الإيطالية في ميلانو حول ملابسات واقعة مقتل شاب مصري (19 عاماً). ووفق إفادة لوزارة الخارجية والهجرة المصرية، الجمعة، وجه وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي القنصلية المصرية في ميلانو بمتابعة إجراءات وسير التحقيقات مع السلطات الإيطالية، والوقوف على تقرير جهات الاختصاص لمعرفة ملابسات واقعة الوفاة، فور الانتهاء من التحقيقات.

وبحسب صحيفة «كوري ديلا سيرا» الإيطالية، فإن الحادث وقع بمنطقة «كورفيتو»، والشاب المصري سقط خلال وجوده على دراجة نارية «سكوتر» يقودها شاب تونسي، في أثناء محاولتهما الفرار من ملاحقة الشرطة «بسبب سير الشابين عكس الاتجاه بالطريق». وأوضحت الصحيفة أن المدعي العام فتح تحقيقاً في الحادث، بينما جرى توقيف الشاب التونسي قائد الدراجة النارية للتحقيق معه.

وتصدرت إيطاليا المرتبة الأولى من حيث استقبال المهاجرين المصريين في 2023 بحسب بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء»، فيما تقدر أعداد الجالية المصرية في إيطاليا بأكثر من 650 ألف مصري، بوصفها أكبر جالية مصرية في أوروبا التي يوجد فيها 1.5 مليون مصري على الأقل، وفق تقديرات شبه رسمية.

وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأوروبية، السفير جمال بيومي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مثل هذه الحوادث يصاحبها تحرك عاجل من القنصلية المصرية لمتابعة سير التحقيقات ونتائجها. وأضاف أن التعامل في التحقيقات يجري وفق قوانين الدولة التي وقع فيها الحادث، ويكون هناك تواصل بين مسؤول القنصلية وعائلة الضحية باستمرار مع تمكينهم من الاطلاع على ما يسمح به من معلومات حول القضية، مشيراً إلى "ضرورة عدم استباق نتائج التحقيقات حول ملابسات الواقعة.

وبحسب وسائل إعلام إيطالية فإن والد الشاب المصري يقيم في إيطاليا منذ 11 عاماً، ويتعاون مع السلطات الإيطالية في التحقيقات، وسبق أن طالب بـ«الكشف عن ملابسات وفاة نجله بناء على التحقيقات التي تجرى مع الشاب التونسي الموقوف، وأحد قوات الشرطة».

وتداول مغردون على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية، مقاطع فيديو، قالوا: «إنها لأعمال شغب في ميلانو ضد الشرطة على خلفية مقتل الشاب المصري»، فيما نفى والد الشاب المصري «علاقة الأسرة بهذه الأعمال»، وفق تقارير إعلامية.

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق قال: «إن مثل هذه الحوادث لا تؤثر عادة على العلاقات الدبلوماسية، خصوصاً حال التأكد من عدم وجود تعمد في الواقعة»، لافتاً إلى أنه حال «ارتكاب الضحية خطأ»، فإن القنصلية المصرية «لا يمكنها سوى محاولة العمل على إنهاء الإجراءات بأسرع وقت».