ما دلالات العقوبات الأوروبية ضد مسؤولين سودانيين؟

طالت عسكريين وسياسيين من الجيش و«الدعم»

أطفال لاجئون سودانيون يتلقون العلاج أبريل الماضي في مخيم حدودي بتشاد (أ.ب)
أطفال لاجئون سودانيون يتلقون العلاج أبريل الماضي في مخيم حدودي بتشاد (أ.ب)
TT
20

ما دلالات العقوبات الأوروبية ضد مسؤولين سودانيين؟

أطفال لاجئون سودانيون يتلقون العلاج أبريل الماضي في مخيم حدودي بتشاد (أ.ب)
أطفال لاجئون سودانيون يتلقون العلاج أبريل الماضي في مخيم حدودي بتشاد (أ.ب)

استهدفت عقوبات، فرضها الاتحاد الأوربي، قبل أيام، 6 شخصيات سودانية تمتلك قدرات سياسية وعسكرية ومالية، الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن دلالتها وما تعنيه لمستقبل الحرب الممتدة لأكثر من 14 شهراً بين الجيش وقوات «الدعم السريع».

وتُظهر النظرة المدققة على أسماء ومسؤوليات مَن شملتهم العقوبات، جانباً من أهدافها، إذ عوقب مدير منظومة الدفاعات الصناعية العسكرية، ميرغني إدريس، والذي يُعد المسؤول الأول عن توريد السلاح للجيش السوداني، بما في ذلك الأسلحة والذخائر، فضلاً عما يُنسب إليه من دور في الحصول على مُسيّرات إيران، وصفقات السلاح في «السوق السوداء».

فريق أمن ميرغني إدريس مدير المنظومة الدفاعية السودانية
فريق أمن ميرغني إدريس مدير المنظومة الدفاعية السودانية

العقوبات طالت كذلك من جانب الجيش، قائد القوات الجوية، الطاهر محمد العوض، الذي سبق أن أدانه «الأوروبي» بشن غارات جوية عشوائية أوقعت مئات القتلى والجرحى في مختلف جبهات القتال، وعلى وجه الخصوص في الفاشر؛ عاصمة ولاية شمال دارفور.

قائد سلاح الطيران السوداني الطاهر محمد العوض
قائد سلاح الطيران السوداني الطاهر محمد العوض

وفي خطوة لافتة بسبب توجيهها ضد شخصية سياسية، عاقب «الأوروبي» الأمين العام لما يسمى «الحركة الإسلامية»، علي أحمد كرتي؛ لكن الرجل تتهمه قوى سياسية مناوئة بإشعال الحرب التي بدأت، في 15 أبريل (نيسان) من العام الماضي، بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، وينسب إليه البعض دوراً كبيراً في التأثير على قرار الجيش بمواصلة الحرب، وتعطيل المُضي نحو محادثات سلام.

علي كرتي الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» في السودان (غيتي)
علي كرتي الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» في السودان (غيتي)

وعلى مستوى «الدعم السريع»، طالت العقوبات قائدها في غرب دارفور، عبد الرحمن جمعة، والمتهم بارتكاب «فظائع وانتهاكات»، والتحريض على القتل بدوافع عِرقية، كما ضمت القائمة مستشاراً مالياً وزعيم قبيلة بارزاً لم يُذكر اسمه، من عشيرة المحاميد المتعاطفة مع «الدعم السريع» في غرب إقليم دارفور.

دبلوماسي رفيع في الاتحاد الأوروبي، مطّلع على الملف السوداني، تحدّث إلى «الشرق الأوسط»، شريطة عدم ذكر اسمه، وقال إن «سياق العقوبات يستهدف إعطاء فرصة للحلول التفاوضية لحل أزمة السودان».

وأضاف الدبلوماسي أنه من «الصعب جداً» إيقاف الحرب، في ظل تلقي طرف لإمداد عسكري متواصل، في حن يبحث الطرف الآخر عن التزود بعتاد عسكري من مصادر متعددة.

ورأى الدبلوماسي أن «العقوبات الأوروبية على الأفراد وسيلة ضغط وردع لمنع وقوع مزيد من الانتهاكات ضد المدنيين حالياً ومستقبَلاً». وعدّ أنها كذلك «تنبيه إلى القدرة الأوروبية على رفع مستوى العقوبات لتطول قيادات عليا في الجيش السوداني و(الدعم السريع)، ولا يريد أن يلجأ إليها في الوقت الراهن، بما يصعّب أو يُعرقل مساعي عملية التفاوض السلمي».

وبشأن دلالة معاقبة القيادي الإسلامي كرتي، قال الدبلوماسي الأوروبي: «هذه رسالة تحذير للكف عن تصعيد القتال عبر كتائبه واختراقه للجيش السوداني، وقد تطول العقوبات المقبلة قيادات أخرى بارزة في الحركة الإسلامية».

بدوره قال المتحدث الرسمي باسم تحالف القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، بكري الجاك، لــ«الشرق الأوسط»، إن العقوبات الأوروبية، إضافة إلى العقوبات الأميركية التي وجهتها لشركات تابعة للجيش و«الدعم»، تمثل سياسة «العصا والجزرة»، لكن لم يكن لها تأثير كبير على المجهود الحربي لدى الطرفين.

وأعرب الجاك عن ترحيب «تقدم» ودعمها آليات الضغط عبر العقوبات، وذلك على الرغم من إقراره بصعوبة الحديث عن فاعليتها وتأثيرها على الواقع الميداني.

ورأى الجاك أن «مخاطبة مخاوف ومصالح أطراف القتال ليست كافية، ومن المفترض أن تكون هناك رؤية واضحة من المجتمع الدولي للترتيبات المستقبلية، وهذا يتطلب مقاربة مختلفة، لكن هذه العقوبات في المرحلة الحالية نعدُّها (تحركاً إيجابياً) قد يسهم في وقف الحرب».

بدوره قال المحلل السياسي، الجميل الفاضل، إنه «يجب النظر لهذه العقوبات من زوايا عدة؛ لكونها استهدفت قائد سلاح الجو الذي يعتمد عليه الجيش السوداني بشكل أساسي في الحرب، وما يخلفه من وقوع ضحايا وسط المدنيين جراء الغارات الجوية».

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية)
قائد الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية)

وأضاف الفاضل أن إدراج القائد العسكري ميرغني إدريس ضمن العقوبات الأوروبية يرجع إلى «عدِّه المسؤول الأول عن التصنيع الحربي المرتبط بمصادر تمويل الحرب، ويقع عليه العبء الكبير في توفير السلاح للجيش السوداني».

كما لفت إلى أن معاقبة القيادي الإسلامي كرتي بمثابة «رسالة ذات مغزي، تودُّ من خلالها القوى الأوروبية أن تؤكد معرفتها الدقيقة وإلمامها التام بالصراع الدائر في السودان، وتورطه في الحرب وتأجيجها».

ووفق المحلل السياسي، فإن العقوبات الأوروبية على «الإسلاميين السودانيين» جرت بعناية بوصفهم «العقل المدبر للصراع في السودان، من أجل العودة إلى الحكم مرة أخرى».

وذكر الفاضل أن «الأوروبي يسعى، من خلال تلك العقوبات، لردع الفاعلين ومن يقفون وراء الحرب».

وعدّ أن العقوبات كذلك رسائل تحذيرية لبعض الأفراد الذين يموّلون الحرب.

لكن مسؤولاً عسكرياً سابقاً في الجيش السوداني ينظر إلى تلك العقوبات على أنها تُوجه في الأساس إلى قادة عسكريين فاعلين للكف عن الاستمرار في أفعال قد تُوقعهم تحت طائلة «جرائم الحرب»، وتعرِّضهم للمساءلة القانونية داخلياً، أو ملاحقة جنائية في المحاكم الدولية.

وقال المسؤول، الذي شغل رتبة رفيعة سابقاً، إنه «ربما لا تؤثر هذه العقوبات على المؤسسات العسكرية حالياً، لكنها قد تردع الأفراد المسؤولين في الطرفين من التورط بشكل فاضح في انتهاكات قد تجرُّهم إلى دائرة المساءلة القانونية، في وقت لاحق».


مقالات ذات صلة

أكثر من 20 قتيلاً في قصف مدفعي لـ«الدعم السريع» على مخيم للنازحين غرب السودان

شمال افريقيا أشخاص يسيرون أمام مركبات مدمرة في الخرطوم يوم 28 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

أكثر من 20 قتيلاً في قصف مدفعي لـ«الدعم السريع» على مخيم للنازحين غرب السودان

قُتل أكثر من 20 مدنياً وجُرح 40 آخرون في الأيام الثلاثة الأخيرة في قصف لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم للنازحين تضربه المجاعة في غرب السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا السيسي يلتقي البرهان في قصر الاتحادية بالقاهرة 28 أبريل 2025 (الرئاسة المصرية)

السيسي والبرهان يبحثان الأمن المائي وإعادة إعمار السودان

عززت مصر من دعمها للسودان، في ضوء ظروف الحرب الداخلية، وذلك خلال مباحثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

السيسي والبرهان يتفقان على تكثيف الجهود لتوفير الدعم للسودانيين

بحث الرئيس المصري في اجتماع مع رئيس مجلس السيادة السوداني، الاثنين، التطورات الميدانية الأخيرة في السودان، والتقدم الذي حققه الجيش باستعادة السيطرة على الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا 
حرب المسيرات في السودان دمرت كثيراً من المرافق العامة (رويترز)

السودان: «الدعم السريع» تصعّد حرب المسيّرات

تجددت هجمات المسيّرات التابعة لـ«قوات الدعم السريع» لليوم الثاني على التوالي، مستهدفةً عدة مواقع عسكرية وبنية تحتية في السودان، من بينها مصفاة الجيلي للبترول.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا البرهان (وسط) لدى حضوره افتتاح مبادرة لدعم أسر الضحايا الذين قتلوا وجرحوا في الحرب في بورتسودان 26 أبريل 2025. (أ.ف.ب)

البرهان: واثقون بالنصر... وسنوقف هجمات المسيّرات

طمأن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الشعب السوداني، بشأن المسيّرات التي تطلقها «قوات الدعم السريع» على محطات الكهرباء، وقال: «لن تسمعوا بها قريباً»

وجدان طلحة (بورتسودان)

المغرب وتحالف دول الساحل لتسريع مبادرة «الولوج للمحيط الأطلسي»

الملك محمد السادس خلال لقائه وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي النيجر (أ.ف.ب)
الملك محمد السادس خلال لقائه وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي النيجر (أ.ف.ب)
TT
20

المغرب وتحالف دول الساحل لتسريع مبادرة «الولوج للمحيط الأطلسي»

الملك محمد السادس خلال لقائه وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي النيجر (أ.ف.ب)
الملك محمد السادس خلال لقائه وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي النيجر (أ.ف.ب)

أعلن وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي النيجر إثر لقائهم في الرباط الإثنين العاهل المغربي الملك محمد السادس التزامهم «تسريع» تطبيق مبادرة المملكة لتمكين دولهم من الولوج للمحيط الأطلسي، وفق ما أفادت وكالة الأنباء المغربية.

وقالت الوكالة إن الملك استقبل وزراء خارجية بوركينا فاسو كاراموكو جون ماري تراوري، ومالي عبد الله ديوب، والنيجر باكاري ياوو سانغاري، «في إطار العلاقات القوية والعريقة» التي تجمع بين دولهم والمملكة. وأشاد الوزراء، على وجه الخصوص، بمبادرة المغرب لتمكين دول الساحل الثلاث من الولوج إلى المحيط الأطلسي، «مجدّدين انخراطهم التام والتزامهم من أجل تسريع تفعيلها»، بحسب نفس المصدر.

وكان الملك محمد السادس أعلن عن هذا المشروع في خطاب القاه في العام 2023 وقال فيه «نقترح إطلاق مبادرة على المستوى الدولي تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي»، الذي يمتد على سواحل الصحراء المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.

لكن لم يعلن حتى الآن عن جدول زمني لتنفيذ هذه المبادرة التي يُنتظر أن تتجسّد في شبكة من الطرق والبنى التحتية.

وأعرب الوزراء الثلاثة عن تقديرهم «للمبادرة التي تأتي في وقت تعيش فيه بلداننا نوعا من الحجر السياسي والاقتصادي»، وفق ما قال وزير خارجية بوركينا فاسو كاراموكو جون ماري تراوري لوسائل إعلام مغربية رسمية عقب اللقاء مع الملك.

من جهته، أشار نظيره المالي عبد الله ديوب إلى أهمية «تنويع الولوج إلى البحر» بالنسبة للبلدان الثلاثة. بدوره، اعتبر الوزير النيجيري باكاري ياوو سانغاري المشروع المغربي بمثابة «فرصة لبلداننا (...) المعزولة».

وبوركينا فاسو ومالي النيجر هي بلدان حبيسة شكّلت تحالفا في ما بينها وتحكمها أنظمة عسكرية وصلت إلى السلطة إثر انقلابات بين عامي 2020 و2023 وتقاربت مع روسيا بعد تخليها عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة.

ومؤخرا توترت علاقات هذه الدول مع الجزائر، الغريم الإقليمي للمغرب، حيث أعلنت مطلع أبريل (نيسان) استدعاء سفرائها لدى الجزائر التي اتهمتها بإسقاط طائرة مسيّرة تابعة لجيش باماكو في شمال الأراضي المالية قرب الحدود الجزائرية في نهاية مارس (آذار).