مناكفات انتخابية فرنسية بظل جزائري

سجال بين اليمين واليسار على خلفية «جرائم الاستعمار» وحرب غزة

الرئيسان الجزائري والفرنسي خلال قمة مجموعة السبع بإيطاليا في يونيو الحالي (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي خلال قمة مجموعة السبع بإيطاليا في يونيو الحالي (الرئاسة الجزائرية)
TT

مناكفات انتخابية فرنسية بظل جزائري

الرئيسان الجزائري والفرنسي خلال قمة مجموعة السبع بإيطاليا في يونيو الحالي (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي خلال قمة مجموعة السبع بإيطاليا في يونيو الحالي (الرئاسة الجزائرية)

ألقت ملفات جزائرية، بظلالها على المناكفات الانتخابية البرلمانية الفرنسية، المقرّرة نهاية الشهر الحالي، وتجدّدت الخلافات بين الناشطة اليسارية الفرنسية ذات الأصول الفلسطينية، ريما حسن، ورئيس حزب «التجمع الوطني» اليميني المتشدد جوردان بارديلا، على خلفية مقارنة بين «مذابح إسرائيل في غزة، وجرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر».

وأشارت الناشطة والوجه البارز في حزب «فرنسا الأبية»، ريما حسن، من جديد إلى الجزائر في مواجهاتها مع اليمين المتطرف، بمناسبة العرض الذي قدّمه بارديلا، الاثنين، بباريس، والخاص بالانتخابات التي ستجرى على دورتين، في الثلاثين من الشهر الحالي، والسابع من الشهر المقبل.

وعندما سُئل بارديلا عن مدى استعداده للاعتراف بدولة فلسطينية إذا أصبح رئيساً للحكومة، قال: «الاعتراف اليوم بدولة فلسطينية يعني الاعتراف بالإرهاب»، مؤكداً أن حزبه تخلّى عن دعم الموقف الفرنسي بخصوص مقترح «حل الدولتين».

والمعروف في فرنسا أن تيار اليمين المتطرف يدعم بشكل علني ودون تحفّظ الحكومة الإسرائيلية، ويعارض بشدة فكرة الاعتراف بجرائم فرنسا في الجزائر خلال فترة الاحتلال (1830- 1962).

وجاء الرد بسرعة من ريما حسن، التي تخوض حملة لصالح المعسكر المناوئ لليمين، «الجبهة الشعبية الجديدة»، فقد كتبت على حسابها بمنصة «إكس»: «الغطرسة الاستعمارية نفسها التي كانت لهذا الحزب مع الجزائر، والتي يطبقها الآن على فلسطين»، في إشارة ضمناً إلى جان ماري لوبان، مؤسس «الجبهة الوطنية» اليمينية، التي تأسّس على أنقاضها «التجمع الوطني»، وعُرف لوبان بممارسات التعذيب بالجزائر، حيث كان ضابطاً مظلّياً خلال ثورة التحرير الجزائرية (1954 - 1962).

وكتبت ريما أيضاً في التغريدة نفسها: «ستتبع فلسطين طريق الجزائر، طريق تقرير المصير والاستقلال، مع أو من دون موافقة من لا يزالون يحلمون بأن يكونوا مستعمرين».

ويشار إلى أن الفرنسية - الفلسطينية انتُخبت نائباً في البرلمان الأوروبي عن ائتلاف اليسار، خلال الانتخابات التي جرت في الأسبوع الأول من يونيو (حزيران) الحالي، وشهدت تقدماً لافتاً لليمين الفرنسي المتطرف، ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة اتهم القضاء الفرنسي ريما حسن بـ«الإشادة بالإرهاب»، بسبب مواقفها المؤيدة للمقاومة الفلسطينية.

الفرنسية الفلسطينية الأصل ريما حسن (يسار) خلال تجمّع مندّد بجرائم إسرائيل في غزة (إكس)

وقبل أسابيع نشبت مُلاسَنة حادة بين ريما وماريون مارشال لوبان، التي كانت في خضم الحملة الانتخابية عن حزب «الاسترداد». نشرت ريما، بمناسبة إحياء ذكرى «مجازر 8 مايو 1945» في الجزائر، تغريدة تقارن المذابح التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي شرق الجزائر، بالمجزرة الجارية في غزة. وجاء فيها: «ما تفعله إسرائيل بفلسطين لا يختلف كثيراً عما كانت تفعله فرنسا بالجزائر».

وردّت حفيدة لوبان على الشبكة نفسها بسخرية: «أنا مستعدة لدعم طلبها للجوء في الجزائر»، ثم ردّت عليها المناضلة اليسارية بحسابها بالمنصة ذاتها، قائلة: «تحيا الجزائر، كما تعلمون، هذا البلد كان جدك يستعمره ويعذّب شعبه».

وأمام احتمال قوي بأن تشهد فرنسا، الشهر المقبل، تشكيل حكومة من اليمين المتطرف لأول مرة في تاريخها، نشأت مخاوف بالجزائر، ما قد يؤثر وبشكل كبير على العلاقة بين البلدين، علماً بأن الرئيس عبد المجيد تبون سيؤدي زيارة دولة إلى فرنسا الخريف المقبل.

وتشمل هذه المخاوف «قضية التأشيرات» و«اتفاق 1968»، الذي يؤطر الجانب الإنساني في العلاقات الثنائية، كما ينصرف اهتمام السلطات الجزائرية بشكل خاص إلى مصير آلاف المهاجرين الجزائريين غير النظاميين في فرنسا، وإدارة «ملف الذاكرة» المعقد، الذي يرفضه اليمين المتشدد بقوة، لما يتضمّنه من أفكار حول «الاعتذار عن الماضي الاستعماري».


مقالات ذات صلة

الاحتقان بين الجزائر ومالي يصل إلى ذروته

شمال افريقيا الوفد الجزائري خلل مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة (الخارجية الجزائرية)

الاحتقان بين الجزائر ومالي يصل إلى ذروته

تعرف العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي احتقاناً حاداً منذ إلغاء باماكو بشكل أحادي «اتفاق المصالحة والسلام»، الذي وقعته مع المعارضة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الجزائري والفرنسي عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

حملة فرنسية لمراجعة «اتفاق الهجرة» مع الجزائر

جرى التوقيع على اتفاق الهجرة في 27 ديسمبر (كانون الأول) 1968، بهدف تنظيم حركة العمال الجزائريين بفرنسا بعد استقلال البلاد في 1962.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا السكان المتضررون طالبوا الرئيس تبون بـ«تدخل سريع لإنقاذهم من الوباء» (د.ب.أ)

السلطات الجزائرية تعلن مناطق شاسعة «بؤرة وباء»

أعلنت السلطات الجزائرية، السبت، مناطق شاسعة بأقصى الجنوب الشرقي «بؤرة وباء»، وذلك إثر تفشي الملاريا والدفتيريا وسط السكان.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف (إ.ب.أ)

الجزائر تعيد فرض تأشيرات دخول على مواطني المغرب

قررت الجزائر «إعادة العمل الفوري» بفرض تأشيرات دخول على حاملي جوازات السفر المغربية، وفق ما أكدت وزارة الخارجية، على خلفية نشاطات «تمسّ باستقرار» البلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الخليج وزير الخارجية السعودي يلتقي نظيره الجزائري في نيويورك (واس)

مباحثات سعودية في نيويورك تناقش أوضاع غزة وتطورات لبنان

عقد الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، سلسلة لقاءات ثنائية مع نظرائه في دول عدة، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

تفاعل مصري مع عرض طلاب الكليات العسكرية خلال ذكرى «حرب أكتوبر»

الرئيس عبد الفتاح السيسي يكرّم خريجي الكليات العسكرية (الرئاسة المصرية)
الرئيس عبد الفتاح السيسي يكرّم خريجي الكليات العسكرية (الرئاسة المصرية)
TT

تفاعل مصري مع عرض طلاب الكليات العسكرية خلال ذكرى «حرب أكتوبر»

الرئيس عبد الفتاح السيسي يكرّم خريجي الكليات العسكرية (الرئاسة المصرية)
الرئيس عبد الفتاح السيسي يكرّم خريجي الكليات العسكرية (الرئاسة المصرية)

احتفاء واسع على منصات التواصل الاجتماعي بالجيش المصري مع قرب الذكرى الـ51 لحرب 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1973 ضد إسرائيل، زاد من وتيرته «عرض باهر» لطلاب الكليات العسكرية، مساء الخميس، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، وسط إشادات بـ«القدرات والتنظيم» في ظل اضطرابات إقليمية تتصاعد.

التفاعل اللافت، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يحمل رسائل للداخل عبر «طمأنة المصريين على قوة وقدرات الجيش» مع تنامي التوترات بالمنطقة، وللخارج بـ«تأكيد الجاهزية للردع وحماية البلاد ومواجهة أي تحديات»، خاصة مع تصاعد مخاطر عديدة على حدود مصر شرقاً، واقتراب الحرب الإسرائيلية على غزة من العام وتوسعها تجاه لبنان.

وتصدرت هاشتاغات (وسوم) «#الكلية_الحربية»، و«#مصر_أمان_بجيشها»، و«#العرض_العسكري»، و«#الأكاديمية_العسكرية»، منصة «إكس» الجمعة، وذلك بعد ساعات من عروض عسكرية تخللت حفل تخريج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية 2024 بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة) حضره الرئيس المصري، ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مساء الخميس.

الرئيس المصري خلال حفل طلاب الكليات العسكرية (الرئاسة المصرية)

وشهد الحفل العسكري عروضاً أبهرت متفاعلين بمنصات التواصل، ومنها «ظهور مجموعة من طائرات الهليكوبتر طراز (الجازيل) تحمل علم مصر، كما شكّل طلاب الأكاديمية والكليات العسكرية علم البلاد ليزيّن ساحة الاحتفال»، بحسب ما نقلته «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية في البلاد.

والفعالية، بحسب الوكالة الرسمية، تضمنت أيضاً «تقديم عرض قوات الصاعقة الذي استُهل بظهور طائرة (أباتشي) برفقة هليكوبتر طراز (أوجيستا) تقوم بتأمين مهمة العمل لتنفيذ عملية اقتحام رأسي لأبراج ميدان الجبال، مع استعراض المهارات في التغلب على الموانع المختلفة، وإخلاءات لأسلحة وأفراد مصابة مستخدمين الكباري المعلقة للعبور من قمة مرتفعة إلى أخرى»، إضافةً إلى «عرض محاكاة لقيام مجموعة من العناصر الإرهابية باختطاف 3 حافلات ومجموعة من الرهائن، قبل أن تقوم وحدة من قوات مكافحة الإرهاب بإيقاف الرتل والسيطرة عليه، فضلاً عن عرض محاكاة لسيطرة مجموعة من العناصر الإرهابية على مبنى وتمكّن قوات الصاعقة من اقتحام المبنى والسيطرة عليه وإخلائه».

وفي كلمته، قال الرئيس المصري: «نحيي ذكرى انتصارات أكتوبر العظيمة التي تتزامن مع احتفالنا بتخريج دفعات جديدة من طلبة الأكاديمية العسكرية المصرية لينضموا إلى ساحات الشرف والبطولة مدافعين عن أمن مصر وسلامة شعبها».

وأضاف السيسي: «احتفالنا هذا العام بذكرى نصر أكتوبر المجيد في ظرف بالغ الدقة فى تاريخ منطقتنا التي تموج بأحداث دامية متصاعدة تعصف بمقدرات شعوبها وتهدد أمن وسلامة بلدانها، يذكرنا بما حققه المصريون بالتماسك وتحمل الصعاب من أجل بناء قواتنا المسلحة للحفاظ على سلامة هذا الوطن الغالي، وتبديد أي أوهام لدى أي طرف».

وبرأي الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء سمير فرج، فإن ذلك العرض العسكري «أسعد المصريين، وبدّد أي مخاوف أو قلق من تصاعد الأحداث في المنطقة، والجيش أكد لهم بهذا العرض أنه عظيم وقوي وقادر على أن يحمي البلاد». واستدرك فرج بقوله: «لكنها كانت ليلة سوداء على كل من لديهم أوهام بمساس استقرار مصر»، لافتاً إلى أن هذا العرض الذي وصفه بأنه «أقوى عرض في تاريخ القوات المسلحة» المصرية، حمل «رسائل طمأنة وردع» في الوقت نفسه.

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، أبدى مغردون انبهارهم بالعرض العسكري، وتداولوا عدداً من مقاطع الفيديو للعرض، وكتبوا: «سيظل رمز علم مصر خفاقاً». وعلق آخرون بقولهم إن «العرض ليس فقط استعراضاً لمسيرة أعرق الجيوش»، لكنه «رسالة مهمة» في ظل الاضطرابات الإقليمية.

وترى عميد كلية الإعلام في جامعة القاهرة الأسبق، الدكتورة ليلى عبد المجيد، أن «هذا التفاعل الواسع، تأكيد على فرحة المصريين ومساندتهم للجيش، ورسالة شكر له على ظهوره بهذا الشيء المفرح والباهر والذي يؤكد فيه أنه مستعد وقادر على حماية أمن الوطن مهما كانت التهديدات».

ووفق عبد المجيد، فإن هذا التفاعل الكبير مع العرض العسكري الفريد والمتميز «تأكيد على أن المصريين شعروا بحالة طمأنة وفخر في ظل القلق المحيط بالمنطقة مع التصعيد الإسرائيلي في لبنان».