تعرف العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي احتقاناً حاداً منذ إلغاء باماكو بشكل أحادي «اتفاق المصالحة والسلام»، الذي وقعته مع المعارضة عام 2015، متهمة الجزائر، راعية الاتفاق، بـ«التدخل في شؤون مالي الداخلية».
وعرف التوتر تصعيداً في اليومين الأخيرين، بمناسبة أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، حيث تبادل وزير خارجية الجزائر، أحمد عطاف، والمتحدث باسم الحكومة المالية العقيد عبد اللاي مايغا، تصريحات في منتهى الحدة، وذلك على خلفية استعانة السلطة العسكرية بمجموعات «فاغنر» الروسية في هجومات لها على مواقع «أزواد» الطوارق المعارضة بالشمال الحدودي، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، والتي تجددت في أغسطس (آب) الماضي، بوقوعها داخل التراب الجزائري، والتي خلّفت مقتل 21 مدنياً، بحسب المعارضة التي تطالب باستقلال الشمال.
والمعروف أن «اتفاق السلام» وقعه الطرفان المتنازعان عام 2015 في الجزائر، التي قادت سلطاتها وساطة بينهما، من دون أي نجاح في تنفيذه على الأرض. وتغيرت موازين القوى في البلاد بعد انقلاب 21 مايو (أيار) 2021، الذي جاء بالعقيد عاصيمي غويتا إلى السلطة. فقد رفض الحاكم الجديد أي تفاوض مع المعارضة، التي وصفها بـ«الإرهاب»، واتهم الجزائر بـ«إيواء إرهابيين»، بسبب استقبال رئيسها قادة معارضين، خصوصاً رجل الدين محمود ديكو، المعروف بمواقفه غير المهادنة تجاه مايغا.
وانتقد وزير الدولة المتحدث باسم الحكومة المالية، عبد اللاي مايغا، المسؤولين الجزائريين بشدة، الأحد، خلال تدخله في الجمعية العامة. واستهدف بشكل مركّز وزير الخارجية عطاف، وسفير الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع، وقال إن بلدهما «يؤوي إرهابيين»، في إشارة إلى المعارضين.
ولاحظ المسؤول المالي أن بلاده «تتعرض لتدخل خطير في شؤونها الداخلية، ومنذ انتهاء العمل باتفاق الجزائر في 25 يناير (كانون الثاني) 2024، لا تعبر مالي إلا عن أمنية واحدة، وهي أن ترتاح روحه في سلام».
وخاطب مايغا عطاف مباشرة بقوله: «أيها الوزير، الاتفاق قد مات بالفعل. تعويذاتكم لن تعيد له الحياة. ولكل رصاصة تُطلق ضدنا سنرد بالمثل، ولكل كلمة تُستخدم بشكل غير لائق، سنرد بالمثل. أما الممثلون الدائمون الجزائريون، فإلى جانب تقديم المأوى والطعام، بالتأكيد مع أطباق لذيذة للإرهابيين والمارقين، فإن دورهم كرسول مضطرب لا يسهم في تعزيز علاقات الجوار الطيبة».
ورد الوزير الجزائري على هذه الاتهامات، أمس الاثنين، في كلمة له بالمكان نفسه، جاء فيها: «لقد تفوّه ممثل دولة من هذا الفضاء، وتجرّأ على بلدي بكلام وضيع لا يليق البتة بوقار مقام كهذا. ولا يصح البتة مجاراته في الاندفاع اللفظي التافه والدنيء». عادّاً «مثل هذه اللغة المنحطة قليلة الأدب، لن يرد عليها بلدي إلا بلغة مؤدبة وراقية، تعكس بصدق وفاءه وإخلاصه لما يجمعه بدول وشعوب المنطقة من روابط متجذرة، لا تتأثر ولا تهتز بالعوامل الظرفية العابرة، على سوئها، وعلى رداءة من يقفون وراء إذكائها».
وجاءت هذه الملاسنة الحادة في سياق تراشق لفظي، لا يقل قساوة، جمع ممثلي البلدين في مقرات الأمم المتحدة بجنيف مطلع الشهر الماضي، على خلفية مطالبة الجزائر مجلس الأمن بفرض عقوبات على مالي، إثر هجوم شنه الجيش بدعم من «فاغنر»، على مواقع المعارضة بالمدينة الحدودية تين زاواتين في 25 أغسطس الماضي. وخلّف القصف الذي تم بمسيرة 21 قتيلاً مدنياً، من بينهم 11 طفلاً، حسب بيانات للمعارضة المالية.
وأكد رشيد بلادهان، ممثل الجزائر، يومها أن موقف بلاده من العملية العسكرية «يهدف إلى تسليط الضوء على دورنا تجاه جيراننا وأشقائنا في مالي، فلم يكن أبداً لنا أي نية لإلحاق ضرر بدولتهم»، وشدد على «ضرورة التمييز بين الأعمال الإرهابية وأعمال المقاومة المشروعة»، وكان يقصد بذلك أن عناصر «أزواد» الطوارق ليسوا إرهابيين في نظر الجزائر.
ونفى ممثل مالي وقوع قتلى مدنيين في تين زاواتين، مبرزاً أن تصريحات الجزائريين بخصوص العملية «لا تعدو أن تكون معلومات صحافية خاطئة روجت لدعاية الإرهابيين في منطقتنا».