هل يحيي الرفض المصري لتشغيل «معبر رفح» مفاوضات انسحاب إسرائيل؟

القاهرة تتمسك بالعودة لما قبل 7 مايو

معبر رفح (أرشيفية - د.ب.أ)
معبر رفح (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

هل يحيي الرفض المصري لتشغيل «معبر رفح» مفاوضات انسحاب إسرائيل؟

معبر رفح (أرشيفية - د.ب.أ)
معبر رفح (أرشيفية - د.ب.أ)

جددت القاهرة، الاثنين، رفض تشغيل معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة إلا بانسحاب إسرائيلي من الجانب الفلسطيني للمعبر، الذي يعد شرياناً رئيسياً للقطاع المهدد بمجاعة في ظل الحرب والحصار الإسرائيلي المستمر منذ نحو 9 أشهر.

التأكيد المصري الذي جاء غداة تهديد رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، باستمرار السيطرة العسكرية على كامل القطاع، في اليوم التالي للحرب، يراه خبراء معنيون في أحاديث منفصلة مع «الشرق الأوسط»، رسائل استباقية لمفاوضات محتملة وتنبيهاً من القاهرة بعدم تغير موقفها بشأن المعبر، متوقعين أن يكون حل أزمة المعبر ضمن الحل الكلي وترتيبات اليوم التالي من حرب غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ويعد معبر رفح شرياناً اقتصادياً وأمنياً على الحدود بين مصر وقطاع غزة، يُسهل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وخروج المسافرين والمصابين منه، إلا أنه مع سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح، منذ السابع من مايو (أيار) الماضي، علّقت القاهرة التنسيق مع تل أبيب بشأنه.

جنود إسرائيليون يتفقدون شاحنة مصرية تحمل مساعدات إنسانية لقطاع غزة عند معبر كرم أبو سالم في جنوب إسرائيل (أ.ب)

وتطالب مصر بانسحاب الجيش الإسرائيلي، تنفيذاً لاتفاقية المعابر الموقّعة في عام 2005، وتنص على أن تدير السلطة الفلسطينية المعبر برقابة أوروبية.

ويوم الاثنين، قال مصدر مصري رفيع المستوى، لـ«قناة القاهرة الإخبارية»، إن «مصر تؤكد مجدداً رفضها أي تشغيل لمعبر رفح بوجود الاحتلال الإسرائيلي»، لافتاً إلى أن مصر نسقت مع الأمم المتحدة لدخول 2272 شاحنة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية إلى غزةـ من خلال معبر كرم أبو سالم بشكل مؤقت لحين تشغيل المعبر.

حديث المصدر المصري، جاء غداة تصريحات لرئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بشأن اليوم التالي للحرب على غزة، مع «القناة 14» الإسرائيلية، قائلاً: «ستستمر السيطرة العسكرية في أيدي الجيش الإسرائيلي على القطاع».

وكان أول مسار للتفاوض بشأن معبر رفح، بدأ في 2 يونيو (حزيران) الحالي في القاهرة، حيث أكد مصدر رفيع المستوى، لقناة «القاهرة الإخبارية»، آنذاك انتهاء اجتماع مصري - إسرائيلي - أميركي، بمطالبة مصرية بانسحاب إسرائيل قبل تشغيله.

وجاءت أول مفاوضات ثلاثية بشأن المعبر، وسط طرح وسائل إعلام غربية وإسرائيلية سيناريوهات لإدارة المعبر؛ منها محادثات أميركية مع منظمة أوروبية لتولي الإدارة، وفق صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، وحديث صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن أن شركة أمن أميركية خاصة ستتولى الإدارة.

معبر رفح بين غزة ومصر كما بدا بعد تدميره بحسب صور متداولة على مواقع التواصل (رويترز)

ومع استمرار عدم حدوث اختراق لأزمة المعبر بعد الاجتماع، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، قبل أسبوع، إن بلاده تعمل مع حكومتي مصر وإسرائيل على إعادة فتح معبر رفح، تزامناً مع حرق الجيش الإسرائيلي، تماماً صالة المغادرين وعدداً من مرافق الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقبل الحديث الأميركي، بنحو أسبوع، طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر دولي بالأردن، بـ«اتخاذ خطوات فورية وفعالة وملموسة لإلزام إسرائيل بالانسحاب من مدينة رفح بجنوب قطاع غزة، والتوقف عن استخدام سلاح التجويع، وإلزامها بإزالة العراقيل أمام دخول المساعدات للمعابر كافة».

استباق لمفاوضات

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، علي الحفني، لا يستبعد في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن يلي تصريحات القاهرة عقد اجتماع ثلاثي مصري - إسرائيلي - أميركي؛ لبحث أزمة المعبر، وأن تكون تلك التصريحات للتنبيه بشأن عدم تغير الموقف المصري، مؤكداً «أهمية عقد هذه الاجتماعات باعتبار أن نهج التفاوض هو الكفيل بالوصول لحلول واتفاق».

أرشيفية لشاحنات تنتظر عند معبر رفح (رويترز)

ويدعو الحفني إلى «عدم استغراب عقد مثل هذه اللقاءات الثلاثية الفترة المقبلة؛ لبحث تدابير وخطوات ما بعد حرب غزة»، مؤكداً أنه «من المستحيل أن تبقى الحرب لغزة إلى ما لا نهاية؛ لذا تلك المفاوضات لا بد أن تتم مبكراُ وتناقش كل الملفات».

ويرى أن أي مفاوضات محتملة بشأن المعبر سترى موقفاً مصرياً واضحاً وثابتاً، يتمسك بانسحاب إسرائيلي، وعدم قبول أي أمر واقع، متوقعاً أن يكون تحركاً أميركياً مع إسرائيل في هذا الصدد لحلحلة الأزمة.

رسائل متبادلة

الخبير الاستراتيجي والعسكري، مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق بأكاديمية ناصر العسكرية، اللواء محمد الغباري، يرى في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن تأكيد مصر عبر مصدر رفيع المستوى، يعني أنه رسالة استباقية قبيل مفاوضات محتملة بشأن المعبر، ورد غير مباشر على تصريحات نتنياهو بشأن السيطرة المستقبلية.

ويعتقد أن الموقف المصري سيستمر دون قبول أي حلول وسط، وأنه قائم على هدف استراتيجي هو بقاء إدارة فلسطينية للمعبر، كما تنص اتفاقية المعابر، تمهيداً لدعم حقها لإدارة القطاع فيما بعد، في اليوم التالي للحرب، مع عدم قبول أي سيناريوهات تطرحها إسرائيل بخلاف ذلك.

ويرجّح أن يستمر هذا الخلاف بين القاهرة وتل أبيب، وتستمر الرسائل المتبادلة إعلامياً، لافتاً إلى أن عودة تبادل الرسائل تعني أن الأزمة في طريقها للحل.

ويستدرك: «ستحل أزمة معبر رفح وقت حل أزمة غزة ككل، وستكون إعادة فتح المعبر ضمن ترتيبات اليوم التالي للحرب».


مقالات ذات صلة

هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

تحليل إخباري فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

مساعٍ وجولات كثيرة قادها الوسطاء، مصر وقطر والولايات المتحدة، لإنهاء أطول حرب شهدها قطاع غزة، أسفرت عن هدنة نهاية نوفمبر 2023 استمرت أسبوعاً واحداً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس أركان الجيش المصري يتفقد منظومة التأمين لخط الحدود الشمالية الشرقية ومعبر رفح البري (المتحدث العسكري)

رسائل مصرية حادة لإسرائيل تنذر بمزيد من التصعيد

بعثت مصر بـ«رسائل حادة» إلى إسرائيل رداً على تصعيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتمسكه بالبقاء في محور «فيلادلفيا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي نتنياهو أمام خريطة قطاع غزة ويخبر المشاهدين بأن إسرائيل يجب أن تحتفظ بالسيطرة على «محور فيلادلفيا» (أ.ف.ب)

مصر تُصعّد ضد إسرائيل وتحمّلها عواقب «تأزيم الموقف»

أدت تصريحات جديدة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بشأن البقاء في محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، إلى رد من القاهرة شمل تحذيراً من تداعيات «التعنت المستمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري رجل يحمل جثة فلسطيني قُتل في غارة إسرائيلية بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: «مقترح أخير» للوسطاء على أمل تقليل الفجوات

تحرّكات جديدة من الوسطاء لإحداث حلحلة بملف مفاوضات هدنة غزة، مع حديث أميركي عن استعداد واشنطن لتقديم «مقترح نهائي» لإبرام صفقة تبادل أسرى.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي رد فعل فلسطينية خلال جنازة قتلى سقطوا في غارات إسرائيلية على دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

«هدنة غزة»: «تفاصيل دقيقة» تهدد مفاوضات القاهرة

جهود مكثفة للوسطاء لتجاوز نقاط الخلاف المتبقية والوصول إلى هدنة تنهي الحرب في قطاع غزة، وسط حديث أميركي عن انتقال المناقشات لمرحلة «التفاصيل الدقيقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)

أبدى سياسيون ومحللون ليبيون تخوفهم من وقوع أزمة جديدة، تتعلق بالمطالبة بـ«قانون موحد للميزانية»، في وقت لا تزال فيه البلاد تتعافى من تأثير أزمة المصرف المركزي.

وتأتي هذه المخاوف بعد دعوة مستشار رئيس المجلس الرئاسي، زياد دغيم، البعثة الأممية، قبيل توقيع اتفاق المصرف المركزي، إلى «قيادة آلية حوار مع مجلس النواب، للوصول إلى قانون ميزانية موحدة، أو الاتفاق على ترتيبات مالية مؤقتة».

المصرف المركزي بالعاصمة طرابلس (صفحة المصرف على فيسبوك)

وعدَّ رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، مطالبة المجلس الرئاسي في هذا التوقيت «بدايةً لظهور قضية خلافية جديدة». ويعتقد زهيو أن هذا المطلب من المجلس الرئاسي يعد «نوعاً من الضغط على كل من البعثة ومجلسَي النواب و(الأعلى للدولة) للقبول بمشاركته، وحليفه المتمثل في رئيس حكومة (الوحدة الوطنية) عبد الحميد الدبيبة، في إدارة عوائد الثروة النفطية». ولفت زهيو إلى مطالبة المجلس الرئاسي بتعيينه مجلس إدارة المصرف المركزي، أو تشكيل لجنة ترتيبات مالية مؤقتة بقيادة محمد المنفي.

البرلمان الليبي أقر مشروع قانون ميزانية موحدة لعام 2024 بقيمة 37 مليار دولار (النواب)

وكان البرلمان الليبي قد أقر في يوليو (تموز) الماضي، مشروع قانون ميزانية موحدة لعام 2024، بقيمة 180 مليار دينار (37 مليار دولار)، إلا أن المجلس الأعلى للدولة رفضها، وقال حينها إنها «أُقرَّت دون التشاور معه»؛ وعدَّ ذلك «مخالفة للاتفاق السياسي والتشريعات النافذة».

وخلال رسالته إلى خوري، قال مستشار المنفي، إن قانون الميزانية الذي أقره البرلمان «خلا من اشتراطات دستورية، توجب تقديم مشروع قانون الميزانية من السلطة التنفيذية، والتشاور مع المجلس الأعلى للدولة قبل تقديم المشروع».

وأوضح زهيو لـ«الشرق الأوسط» أن دغيم «يعرف أن البرلمان لن يقبل التخلي عن مشروع القانون الذي سبق أن أقره قبل 3 أشهر؛ وحتى لو قبل فلن يكون الوصول لهذا القانون متاحاً حالياً، نظراً لانقسام المجلس الأعلى للدولة».

من اجتماع سابق لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

ونجحت البعثة الأممية في التوصل لاتفاق ينهي الصراع على إدارة المصرف المركزي، بتعيين قيادة جديدة له. ووفقاً لبنود الاتفاق، تُسند للمحافظ الجديد بالتشاور مع البرلمان مهمة ترشيح أعضاء مجلس إدارة الجديد للمصرف خلال أسبوعين من تسلم مهامه.

من جهته، يعتقد المحلل السياسي الليبي، محمد امطيريد، أن دعوة المجلس الرئاسي لقانون جديد للميزانية، عبارة عن «نوع من الضغط لضمان تقاسم الإيرادات مع القوى الأبرز بالمنطقة الشرقية، المتمثلة في القيادة العامة لـ(الجيش الوطني) بقيادة المشير خليفة حفتر».

غير أن دغيم دافع في تصريحات صحافية عن مطلب «الرئاسي»، وقال إن «السبب الرئيسي لتفجير الأزمة الحالية هو عدم وجود قانون ميزانية يعيد للمصرف المركزي دوره الفني، بعيداً عن الدور السياسي أو تحديد أولويات الإنفاق».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة ومقرها طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب، بقيادة أسامة حماد.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة (الوحدة)

ولم يبتعد المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، عن الآراء السابقة؛ حيث عدَّ ما يحدث مناورة من قبل مستشار المجلس الرئاسي «لضمان حصول الأطراف بالمنطقة الغربية على نصيبهم من كعكة تقاسم (المركزي)، مثلما تحاول بقية القوى الأخرى». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن كافة الأطراف في الساحة «تسعى للحصول على نصيب من الثروة»، بما يمكن توصيفه بمعركة «كسر العظم»، كون هذا «هو السبيل الوحيد لبقائهم في سُدة السلطة؛ خصوصاً وأن لديهم حلفاء وموالين ينفقون عليهم».

يشار إلى أن مستشار المنفي قال إن «وجود قانون ميزانية موحد لسنة 2024، يتطلب 3 اشتراطات دستورية لم تتحقق فيما أصدره البرلمان»، مشيراً إلى أن «الاشتراطات تتمثل في تقديم مشروع قانون للميزانية من السلطة التنفيذية، على أن تتشاور تلك السلطة مع المجلس الأعلى للدولة بشأنه؛ ثم يقر مجلس النواب المشروع، وفق التعديل السادس للإعلان الدستوري».