جوع وأمراض وعطش... مأساة إنسانية تتفاقم في دور الإيواء السودانية

نازحون في بورتسودان يعرضون لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل معاناتهم

أطفال سودانيون يتحلقون حول وجبة في مدرسة تؤوي نازحين في بورتسودان (رويترز)
أطفال سودانيون يتحلقون حول وجبة في مدرسة تؤوي نازحين في بورتسودان (رويترز)
TT

جوع وأمراض وعطش... مأساة إنسانية تتفاقم في دور الإيواء السودانية

أطفال سودانيون يتحلقون حول وجبة في مدرسة تؤوي نازحين في بورتسودان (رويترز)
أطفال سودانيون يتحلقون حول وجبة في مدرسة تؤوي نازحين في بورتسودان (رويترز)

تقول سلوى عبد القادر، النازحة المقيمة في دار «تقدم»: «نتشارك وجبة من العدس أو الفول في اليوم، نخرج بعدها للبحث عمّا يسدّ الجوع من الموائد التي تقيمها المنظمات وبعض الجهات التطوعية الخيرية».

وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد وجبات منتظمة في دور الإيواء، وتَسبَّب ذلك في تفشي أمراض سوء التغذية على وجه الخصوص وسط الأطفال والنساء والرجال من كبار السن».

ويعاني الآلاف من النازحين في مراكز الإيواء بمدينة بورتسودان الساحلية على البحر الأحمر، من قلة الطعام والماء في منطقة حارة جداً مع دخول فصل الصيف.

وقالت نازحة أخرى، إن شدة الجوع مرض أنهك أجسادهم، وإنهم لم يعودوا قادرين على تحمل هذه الظروف القاسية للبقاء على قيد الحياة.

تُشكّل النساء النسبة الكبرى من النازحين في دور الإيواء، وفي ظل عدم توفر وجبات، يقع عليهن عبء توفير الطعام لأطفالهن، وأزواجهن الذين أصبحوا دون عمل بسبب الحرب.

وأجبرت تلك الظروف النساء على العمل ساعات طويلة في الخدمات المنزلية وبيع الشاي والقهوة في الأسواق.

وقالت مديرة إدارة الطوارئ بوزارة الصحة الاتحادية، ليلى حمد النيل، إن النازحين يُعالَجون على نفقتهم الخاصة، وفي بعض الأحيان تسهم المنظمات في ذلك.

مرفأ بورتسودان على البحر الأحمر (سونا)

وأضافت: «في بعض مراكز الإيواء توجد عيادات، لكنها تعمل بنظام الاستجابة السريعة في حال تم التبليغ عن إصابات بحمى الضنك أو غيره من الأمراض المعدية».

وكشف نازحون عن تفاقم سوء التغذية وأمراض أخرى، مطالبين بتوفير مراكز صحية للكشف المبكر عن الحالات، وتوفير وجبات للمرضى.

وقال نازح آخر يدعى أبو بكر عبد العظيم لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أشهر كان الوضع أفضل، وكل شيء كان متوفراً، أما حالياً فأصبحت مراكز الإيواء خالية من أدنى مقومات الحياة. نحن بحاجة ماسة إلى الطعام ومياه الشرب». وتابع: «أصبح همُّنا كله أن نحصل على الماء البارد في مدينة تتجاوز درجة الحرارة بها 40 درجة مئوية في ساعات النهار».

النازح أبو بكر عبد العظيم بمركز إيواء في بورتسودان (الشرق الأوسط)

بدورها قالت النازحة زينب عبد الله، إن النازحين من ويلات الحرب يعيشون ظروفاً صعبة للغاية، تستدعي التدخل العاجل من السلطات الحكومية والمنظمات الإنسانية لإغاثتهم.

ووفق الأمم المتحدة، نزح ما لا يقل عن 10 ملايين سوداني، داخلياً وخارجياً؛هرباً من الاشتباكات بين الجيش و«قوات الدعم السريع» إلى مناطق خارج نطاق القتال، لكنهم يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء والرعاية الصحية.

وقالت بخيتة حامد (60 عاماً) إن زوجها أجرى عملية جراحية في القلب ويحتاج إلى مراجعة دورية، لكن لا مال لمقابلة الطبيب، مضيفة أنه «لا يقوى على الوقوف من شدة الألم»، وهو على هذه الحال منذ 3 أسابيع.

بخيتة حامد (الشرق الأوسط)

وتعيش النازحة وأسرتها في مركز إيواء في غرفة سقفها من «حديد الزنك»، يضاعف من معاناة المرضى، وتناشد الأطباء والخيرين مساعدتها.

وأغلب دور الإيواء، مدارس متهالكة وسيئة التهوية، وبعضها من الخيام المصنوعة من الأقمشة، ومع ارتفاع درجات الحرارة ترتفع احتمالية تعرض النازحين لضربات الشمس.

بدورها، قالت حواء عثمان إن مركز الإيواء الذي تقيم فيه مع أفراد عائلتها والمئات من النازحين الآخرين، لا تتوفر فيه مياه الشرب، ويضطرون إلى جلبها من مستشفى بالقرب منهم.

وأضافت: «لا نستطيع شراء المياه من السوق؛ لأن أغلبنا دون عمل بعد أن فقدنا وظائفنا جراء الحرب وتشردنا»، مبديةً خشيتها من «الموت عطشاً إذا استمرّت هذه الحال».

مواطن ينتظر ملء صهريج ماء في بورتسودان (أ.ف.ب)

وشكا النازحون من عدم تلقيهم أي مساعدات إنسانية وطبية من السلطات، أو من المواد الغذائية والصحية التي وصلت إلى البلاد، دعماً من دول الجوار للمتضررين من الحرب.

ويعتمد الملايين من النازحين والعالقين حالياً في مناطق القتال في العاصمة الخرطوم وولايات دارفور وشرق وشمال البلاد، في الحصول على الطعام الذي لا يتعدى وجبة واحدة في اليوم، على المطابخ الشعبية التي تسيّرها غرف الطوارئ، من الدعم الذي تحصل عليه من المتبرعين والخيرين من داخل وخارج البلاد.

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

ما دلالات العقوبات الأوروبية ضد مسؤولين سودانيين؟

تحليل إخباري أطفال لاجئون سودانيون يتلقون العلاج أبريل الماضي في مخيم حدودي بتشاد (أ.ب)

ما دلالات العقوبات الأوروبية ضد مسؤولين سودانيين؟

استهدفت عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي قبل أيام 6 شخصيات سودانية تمتلك قدرات سياسية وعسكرية ومالية الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن دلالتها وما تعنيه لمستقبل الحرب.

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))
شمال افريقيا فتيات يحملن صفائح بلاستيكية على رؤوسهن لجمع المياه من أعلى التل بعد هطول أمطار غزيرة بالقرب من مخيم رابانغ للنازحين في السودان (أ.ف.ب)

نصف سكان السودان يواجهون «انعدام الأمن الغذائي الحاد»

حذّر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مرصد دولي لمراقبة الجوع، اليوم (الخميس)، من خطر المجاعة في 14 منطقة في أنحاء السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)

الحرب تزيد من معاناة مرضى السرطان في السودان

دمرت الحرب في السودان -إلى حد بعيد- البنية التحتية للمرافق الصحية، وخرج 70 % منها من الخدمة، مما زاد من معاناة مرضى السرطان في البلاد.

«الشرق الأوسط» (القضارف (السودان))
شمال افريقيا طفل سوداني نازح من دارفور يتلقى العلاج في مستشفى للاجئين شرق تشاد (إ.ب.أ)

«أطباء السودان»: الحرب أوقعت 40 ألف قتيل

قدّر المتحدث باسم «نقابة الأطباء» في السودان، أحمد عباس، أن أكثر من 40 ألف شخص قتلوا في الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عام.

وجدان طلحة (بورتسودان) محمد أمين ياسين (ود مدني)
شمال افريقيا الصراع السوداني أجبر الآلاف على الفرار من ولايات مختلفة (أ.ف.ب)

السودان: تجدد الاشتباكات في جبل موية بعد سيطرة «الدعم»

تجددت اشتباكات متقطعة الثلاثاء في منطقة جبل موية الواقعة غرب ولاية سنار (جنوب شرقي السودان) بعد سيطرة قوات «الدعم السريع» عليها في أعقاب معارك مع قوات الجيش.

محمد أمين ياسين (ودمدني (السودان))

ما دلالات العقوبات الأوروبية ضد مسؤولين سودانيين؟

أطفال لاجئون سودانيون يتلقون العلاج أبريل الماضي في مخيم حدودي بتشاد (أ.ب)
أطفال لاجئون سودانيون يتلقون العلاج أبريل الماضي في مخيم حدودي بتشاد (أ.ب)
TT

ما دلالات العقوبات الأوروبية ضد مسؤولين سودانيين؟

أطفال لاجئون سودانيون يتلقون العلاج أبريل الماضي في مخيم حدودي بتشاد (أ.ب)
أطفال لاجئون سودانيون يتلقون العلاج أبريل الماضي في مخيم حدودي بتشاد (أ.ب)

استهدفت عقوبات، فرضها الاتحاد الأوربي، قبل أيام، 6 شخصيات سودانية تمتلك قدرات سياسية وعسكرية ومالية، الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن دلالتها وما تعنيه لمستقبل الحرب الممتدة لأكثر من 14 شهراً بين الجيش وقوات «الدعم السريع».

وتُظهر النظرة المدققة على أسماء ومسؤوليات مَن شملتهم العقوبات، جانباً من أهدافها، إذ عوقب مدير منظومة الدفاعات الصناعية العسكرية، ميرغني إدريس، والذي يُعد المسؤول الأول عن توريد السلاح للجيش السوداني، بما في ذلك الأسلحة والذخائر، فضلاً عما يُنسب إليه من دور في الحصول على مُسيّرات إيران، وصفقات السلاح في «السوق السوداء».

فريق أمن ميرغني إدريس مدير المنظومة الدفاعية السودانية

العقوبات طالت كذلك من جانب الجيش، قائد القوات الجوية، الطاهر محمد العوض، الذي سبق أن أدانه «الأوروبي» بشن غارات جوية عشوائية أوقعت مئات القتلى والجرحى في مختلف جبهات القتال، وعلى وجه الخصوص في الفاشر؛ عاصمة ولاية شمال دارفور.

قائد سلاح الطيران السوداني الطاهر محمد العوض

وفي خطوة لافتة بسبب توجيهها ضد شخصية سياسية، عاقب «الأوروبي» الأمين العام لما يسمى «الحركة الإسلامية»، علي أحمد كرتي؛ لكن الرجل تتهمه قوى سياسية مناوئة بإشعال الحرب التي بدأت، في 15 أبريل (نيسان) من العام الماضي، بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، وينسب إليه البعض دوراً كبيراً في التأثير على قرار الجيش بمواصلة الحرب، وتعطيل المُضي نحو محادثات سلام.

علي كرتي الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» في السودان (غيتي)

وعلى مستوى «الدعم السريع»، طالت العقوبات قائدها في غرب دارفور، عبد الرحمن جمعة، والمتهم بارتكاب «فظائع وانتهاكات»، والتحريض على القتل بدوافع عِرقية، كما ضمت القائمة مستشاراً مالياً وزعيم قبيلة بارزاً لم يُذكر اسمه، من عشيرة المحاميد المتعاطفة مع «الدعم السريع» في غرب إقليم دارفور.

دبلوماسي رفيع في الاتحاد الأوروبي، مطّلع على الملف السوداني، تحدّث إلى «الشرق الأوسط»، شريطة عدم ذكر اسمه، وقال إن «سياق العقوبات يستهدف إعطاء فرصة للحلول التفاوضية لحل أزمة السودان».

وأضاف الدبلوماسي أنه من «الصعب جداً» إيقاف الحرب، في ظل تلقي طرف لإمداد عسكري متواصل، في حن يبحث الطرف الآخر عن التزود بعتاد عسكري من مصادر متعددة.

ورأى الدبلوماسي أن «العقوبات الأوروبية على الأفراد وسيلة ضغط وردع لمنع وقوع مزيد من الانتهاكات ضد المدنيين حالياً ومستقبَلاً». وعدّ أنها كذلك «تنبيه إلى القدرة الأوروبية على رفع مستوى العقوبات لتطول قيادات عليا في الجيش السوداني و(الدعم السريع)، ولا يريد أن يلجأ إليها في الوقت الراهن، بما يصعّب أو يُعرقل مساعي عملية التفاوض السلمي».

وبشأن دلالة معاقبة القيادي الإسلامي كرتي، قال الدبلوماسي الأوروبي: «هذه رسالة تحذير للكف عن تصعيد القتال عبر كتائبه واختراقه للجيش السوداني، وقد تطول العقوبات المقبلة قيادات أخرى بارزة في الحركة الإسلامية».

بدوره قال المتحدث الرسمي باسم تحالف القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، بكري الجاك، لــ«الشرق الأوسط»، إن العقوبات الأوروبية، إضافة إلى العقوبات الأميركية التي وجهتها لشركات تابعة للجيش و«الدعم»، تمثل سياسة «العصا والجزرة»، لكن لم يكن لها تأثير كبير على المجهود الحربي لدى الطرفين.

وأعرب الجاك عن ترحيب «تقدم» ودعمها آليات الضغط عبر العقوبات، وذلك على الرغم من إقراره بصعوبة الحديث عن فاعليتها وتأثيرها على الواقع الميداني.

ورأى الجاك أن «مخاطبة مخاوف ومصالح أطراف القتال ليست كافية، ومن المفترض أن تكون هناك رؤية واضحة من المجتمع الدولي للترتيبات المستقبلية، وهذا يتطلب مقاربة مختلفة، لكن هذه العقوبات في المرحلة الحالية نعدُّها (تحركاً إيجابياً) قد يسهم في وقف الحرب».

بدوره قال المحلل السياسي، الجميل الفاضل، إنه «يجب النظر لهذه العقوبات من زوايا عدة؛ لكونها استهدفت قائد سلاح الجو الذي يعتمد عليه الجيش السوداني بشكل أساسي في الحرب، وما يخلفه من وقوع ضحايا وسط المدنيين جراء الغارات الجوية».

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية)

وأضاف الفاضل أن إدراج القائد العسكري ميرغني إدريس ضمن العقوبات الأوروبية يرجع إلى «عدِّه المسؤول الأول عن التصنيع الحربي المرتبط بمصادر تمويل الحرب، ويقع عليه العبء الكبير في توفير السلاح للجيش السوداني».

كما لفت إلى أن معاقبة القيادي الإسلامي كرتي بمثابة «رسالة ذات مغزي، تودُّ من خلالها القوى الأوروبية أن تؤكد معرفتها الدقيقة وإلمامها التام بالصراع الدائر في السودان، وتورطه في الحرب وتأجيجها».

ووفق المحلل السياسي، فإن العقوبات الأوروبية على «الإسلاميين السودانيين» جرت بعناية بوصفهم «العقل المدبر للصراع في السودان، من أجل العودة إلى الحكم مرة أخرى».

وذكر الفاضل أن «الأوروبي يسعى، من خلال تلك العقوبات، لردع الفاعلين ومن يقفون وراء الحرب».

وعدّ أن العقوبات كذلك رسائل تحذيرية لبعض الأفراد الذين يموّلون الحرب.

لكن مسؤولاً عسكرياً سابقاً في الجيش السوداني ينظر إلى تلك العقوبات على أنها تُوجه في الأساس إلى قادة عسكريين فاعلين للكف عن الاستمرار في أفعال قد تُوقعهم تحت طائلة «جرائم الحرب»، وتعرِّضهم للمساءلة القانونية داخلياً، أو ملاحقة جنائية في المحاكم الدولية.

وقال المسؤول، الذي شغل رتبة رفيعة سابقاً، إنه «ربما لا تؤثر هذه العقوبات على المؤسسات العسكرية حالياً، لكنها قد تردع الأفراد المسؤولين في الطرفين من التورط بشكل فاضح في انتهاكات قد تجرُّهم إلى دائرة المساءلة القانونية، في وقت لاحق».