تجدّدت الاشتباكات والقصف المدفعيّ المتبادل بين الجيش السودانيّ و«قوات الدعم السريع»، الثلاثاء، في الأحياء الغربية لمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور. وبموازاة ذلك تفاقمت أزمة النازحين في شمال دارفور، إذ قال ناشطون محليون يعملون في مجال الإغاثة بالولاية لـ«الشرق الأوسط» إن «الأيام القليلة الماضية شهدت وصول أكثر من 34 ألف نازح إلى محافظة طويلة (80 كيلومتراً غرب الفاشر)» هرباً من المعارك في الفاشر واستمرار حصارها من قبل «الدعم السريع».
وتحدث عناصر من «الدعم السريع» في فيديوهات على منصة «إكس» عما وصفوه بـ«انهيار خطوط المواجهة» للجيش السوداني، وقوات الحركات المسلحة المتحالفة بالفاشر.
وتفرض «الدعم السريع» حصاراً مُحكماً على المدينة في محاولة للسيطرة عليها، بعد أن أحكمت قبضتها على أربعٍ من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، وسط تحذيرات دولية وإقليمية من اجتياح المدينة التي تؤوي ملايين النازحين الفارين من مدن الإقليم المضطرب جرّاء الصراع.
ووفق ما نقل نشطاء في الفاشر على منصات التواصل الاجتماعي، فإن مصدر القصف العشوائي بالأسلحة الثقيلة الذي استهدف مباني سكنية مصدره شرق المدينة، حيث تتمركز «الدعم».
وقال مقيمون بالفاشر لــ«الشرق الأوسط» إن «تجدد الهجوم جاء بعد ساعات من أعنف اشتباكات شهدتها المدينة بين الأطراف المتحاربة منذ اندلاع القتال بينهم قبل أكثر من شهر». وأضافوا أن أصوات القصف المدفعي كانت قوية، وسُمعت في أرجاء واسعة بالمدينة.
وذكر شهود آخرون لـ«وكالة أنباء العالم العربي» أنّ أحياءً عدّة جنوب المدينة تعرّضت لقصف مدفعي مكثّف، مشيرين إلى سماع دويّ انفجارات قويّة وأصوات إطلاق رصاص شمال المدينة وشرقها مع تصاعد كثيف لأعمدة الدخان. وأكد الشهود أنّ شبكات الاتصالات والإنترنت غير متوفّرة في معظم أنحاء الفاشر منذ أيّام مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي.
وفي وقت سابق اليوم، أعلنت المحكمة الجنائيّة الدوليّة عبر منصة «إكس» أنّ المدّعي العام للمحكمة أطلق حملة تدعو إلى تقديم المعلومات والتعاون فيما يتعلّق بمزاعم ارتكاب جرائم في دارفور.
ودعا المكتب كلّ من لديه معلومات ذات صلة بالجرائم الدوليّة المزعومة في دارفور إلى تقديمها، بينما قال المدّعي العام إن المحكمة «تحقق بشكل عاجل بشأن مزاعم ارتكاب جرائم دوليّة واسعة النطاق في الفاشر بشمال دارفور والمناطق المحيطة بها».
أزمة النازحين
بدوره قال المتحدث باسم منطمة «اللاجئين والنازحين» الأهلية التي تنشط في الفاشر، آدم رجال، لــ«الشرق الأوسط» إن «قوات الدعم السريع تقدمت ووصلت إلى حي السلام وسط المدينة»، مبدياً تخوفه من أن تؤدي تلك المعارك إلى سقوط قتلى وإصابات جديدة بين المدنيين.
وأضاف رجال أنه خلال الأيام القليلة الماضية استقبلت محافظة طويلة، شمال دارفور، «أكثر من 34 ألف نازح، قدموا إليها عبر سيارات النقل الكبيرة والدواب وبعضهم راجلين»، مشيراً إلى أن «من بين الفارين أعداداً كبيرةً من النساء والأطفال».
ووفق رجال، لجأ الآلاف من النازحين إلى مناطق جبل مرة التي تقع تحت سيطرة قوات زعيم «حركة تحرير السودان»، عبد الواحد محمد أحمد النور، لكن التحدي الأكبر هو توفير المأوي والغذاء.
وقال الناشط المحلي إن مراكز الإيواء امتلأت بالنازحين القادمين من الفاشر، مضيفاً أن الأوضاع الإنسانية صعبة للغاية. ورأى أن «الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي غير مؤثرة على الأرض لدفع أطراف النزاع إلى وقف القتال». وطالب بالمزيد من الخطوات التي تضمن عدم تعرض السكان لأعمال عنف تعرض حياتهم لخطر الموت.
وذكر منسق «اللاجئين والنازحين» أن المواجهات بين أطراف النزاع تستهدف المستشفيات والمرافق الحيوية المدنية، ولا تراعي القوانين الدولية الإنسانية فيما يتعلق بقواعد الاشتباكات التي يتضرر منها المدنيون في الأحياء السكنية.
وكان حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، توعد بأن تكون الفاشر «مقبرة» لـ«الدعم السريع» وداعميها، ناصحاً الدول الداعمة لها بالتوقف عن مشاركتها فيما وصفه بـ«الإبادة الجماعية».
وأدت المعارك التي دارت خلال اليومين الماضين إلى إخلاء المستشفى الجنوبي الوحيد الذي يعمل في المدينة من المرضى والكوادر الطبية والأدوية والمعدات الطبية، وتم نقلهم إلى «المستشفى السعودي». ولا توجد مرافق طبية بمدينة الفاشر مهيأة لاستقبال أعداد كبيرة من المصابين.
من ناحية أخرى، اتّهمت ما تسمّى لجان مقاومة مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، «قوات الدعم السريع» بفرض حصار جزئي على قرية العزازي واقتحام وتهجير معظم القرى الواقعة جنوب قرية ود النورة. وتسيطر «قوات الدعم السريع» على المدينة منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.