التعديل الوزاري... هل هو مؤشر على تغيير جوهري في سياسات الرئيس التونسي؟

محللون يرجحون أن يكون القرار تمهيداً للانتخابات الرئاسية المقبلة

التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس التونسي فتح باب التأويلات على مصراعيه (الرئاسة)
التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس التونسي فتح باب التأويلات على مصراعيه (الرئاسة)
TT

التعديل الوزاري... هل هو مؤشر على تغيير جوهري في سياسات الرئيس التونسي؟

التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس التونسي فتح باب التأويلات على مصراعيه (الرئاسة)
التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس التونسي فتح باب التأويلات على مصراعيه (الرئاسة)

فتح التعديل الوزاري المحدود، الذي أجراه الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي أطاح بوزيرين مقربين منه، باب التأويلات على مصراعيه بين المحللين والمراقبين، حيث عدّه البعض مؤشراً على تغيير جوهري في سياسات الرئيس سعيد، في حين رجح آخرون أن يكون القرار تمهيداً للانتخابات الرئاسية المنتظرة في الخريف المقبل.

وأجرى الرئيس التونسي يوم السبت تعديلاً وزارياً، شمل تغيير وزيري الداخلية كمال الفقي، والشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، وهما يعدان من مهندسي نظام الرئيس سعيد ورفاقه، منذ انطلاق مشواره السياسي عام 2019. ولم تكشف رئاسة الجمهورية عن تفاصيل بشأن أسباب تغيير الوزيرين.

مظاهرة إعلاميين تونسيين احتجاجاً على ما عدوه «تضييقاً على الحريات» (إ.ب.أ)

ووصف المحلل السياسي، صلاح الدين الجورشي، التعديل الوزاري بأنه «سياسي بدرجة أولى»، وقال لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إن دلالته السياسية واضحة؛ نظراً لكون وزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية يعدان من ركائز الحزام الرئاسي منذ 25 يوليو (تموز) إلى الآن، وبالتالي فإن التخلي عنهما في هذا الظرف بالذات فيه إشارة واضحة إلى أن رئيس الجمهورية ربما يكون قد قيم الوضع بطريقة مختلفة، وعدّ أن هناك مصلحة له في التغيير. وأضاف الجورشي موضحاً أن التغيير «جاء في ظل أزمة سياسية واضحة من خلال المواجهة مع المحامين والصحافيين والإعلاميين، وهذا يدل على أن أزمة الحريات بلغت درجة أصبحت تنذر باحتمال دخول البلاد في أزمة سياسية عميقة، لذلك لا يجب أن نفصل بين مقدمات التعديل وطبيعته».

مظاهرة مساندة للمعتقلين السياسيين طالبت الرئيس سعيد بإطلاق سراحهم (موقع حركة النهضة)

وتنتقد منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوقية تونسية وضع الحريات في البلاد، وتؤكد على أنها تشهد «انتكاسة» منذ سيطرة الرئيس سعيد على أغلب السلطات، عقب إجراءات استثنائية أقرّها سنة 2021، قبل أن يحل البرلمان ويقيل الحكومة، ثم إقرار دستور جديد للبلاد. واشتدت الانتقادات بعد أن أصدر سعيد مرسوماً يعاقب على نشر «أخبار كاذبة»، عبر شبكات وأنظمة المعلومات والاتصالات، لأنه أصبح يمثل «تضييقاً» على حرية التعبير، وفق هذه المنظمات، ومن بينها نقابة الصحافيين، التي تشدد على أن أكثر من 60 شخصاً، بينهم صحافيون ومحامون وسياسيون معارضون حوكموا بناء على المرسوم.

رفاق الأمس

تساءل الجورشي إن كان هذا التعديل الوزاري «سيؤدي إلى تغيير جوهري في سياسة سعيد؟»، قبل أن يجيب قائلاً: «هذا أمر يصعب الجزم به، ولا يمكن توقعه إطلاقاً. علينا أن ننتظر قليلاً لمعرفة التبعات العملية السياسية والتشريعية لهذا التعديل». وأثارت موجة الاعتقالات في صفوف المنتقدين والمعارضين ردود فعل دولية، عبّرت عن قلق إزاء «تراجع» الحقوق والحريات في البلاد، وهو ما اتضح في بيانات كثيرة لكل من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وواشنطن، وهي دول شريكة اقتصادياً لتونس. ورد سعيد بشكل صارم، قائلاً إن «الحريات مضمونة وهي حقيقة واقعة... وليست شكلية».

المتهمون بالتآمر ضد أمن الدولة والذين تطالب الجمعيات الحقوقية بإطلاق سراحهم (الموقع الرسمي لغازي الشواشي)

من جانبه، يرى أستاذ القانون الدستوري، محمد الصغير الزكراوي، أن قرار التعديل الوزاري «لا يدخل في إطار سياسات عمومية أو إصلاحات جوهرية». وبيّن أنه «في عهد الرئيس سعيد حدثت عدة تغييرات، لكنها كانت دائماً جزئية وليست عميقة، ولا تدخل في نطاق سياسات عمومية أو إصلاحات كبيرة... لكن ما أفهمه أنه بإقالة وزير الداخلية ووزير الشؤون الاجتماعية، فقد تخلص الرئيس من أصحاب المشروع ورفاق الأمس، وكأنهما أصبحا يشكلان عبئاً».

الانتخابات الرئاسية

لم تعلن هيئة الانتخابات في تونس عن موعد محدد للانتخابات الرئاسية المنتظرة في الخريف، كما لم يعلن سعيد نيته الترشح لها، لكن هذا الموعد أصبح يثير اهتماماً متزايداً من الطبقة السياسية في البلاد، والتي تربط كل التطورات به. وفيما أكد الرئيس التونسي أن الانتخابات الرئاسية ستقام في موعدها، طالبت أحزاب سياسية معارضة بـ«تنقية المناخ السياسي»، وتوفير ضمانات النزاهة والشفافية للمشاركة في الانتخابات.

محللون يرجحون أن يكون التعديل الوزاري تمهيداً للانتخابات الرئاسية المقبلة (الشرق الأوسط)

وعبّر عدد من السياسيين عن عزمهم الترشح للانتخابات المنتظرة ومنافسة سعيد، الذي تضعه مؤسسات استطلاع الرأي في مقدمة نيات تصويت الناخبين بفارق كبير. وبهذا الخصوص يقول الجورشي إن رئيس الجمهورية «معني بهذه الانتخابات، لكن يجب أن تكون ديمقراطية ويقبلها التونسيون والعالم الخارجي، وأن تتم في ظروف مناسبة، ولا يمكن أن نفصل هذا الأمر عن التعديل الوزاري». لكنّ المحلل السياسي بدا حذراً وقال إن الرئيس «لا يعتمد التكتيك في سياساته، ولم يتراجع عن أي قرارات رغم الفشل الذي رافق بعضها... ولا يمكن أن نؤكد حدوث تغييرات جوهرية لسياسات الرئيس قبل الانتخابات». من جانبه، أشاد «مشروع حراك 25 جويلية» المساند للرئيس بإقالة وزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية. ودعا إلى تعديل المرسوم 54، وحلحلة الأزمة السياسية التي «تسبب فيها المقالون»، وقال إنه يؤيد تسوية وضعية الصحافيين والمحامين والمدونين الموقوفين بسبب المرسوم، وتهدئة الأوضاع الاجتماعية المشحونة، والتمهيد لانتخابات حرة ونزيهة في مناخ سياسي سليم. وقال حسام بن أحمد، المتحدث باسم «مشروع حراك 25 جويلية» إن «التعديل الوزاري جاء بناء على تقييم قامت به رئاسة الجمهورية، إذ رأى الرئيس أن من الضروري إدخال تعديلات نحو الإصلاح، قبل الدخول في الانتخابات المقبلة». وفي هذا السياق، قال الزكراوي، أستاذ القانون الدستوري، إن إقالة وزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية «جاءت استجابة لمطالب من بعض المساندين للرئيس». غير أنه عدّ أن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها تونس «تكمن في التنمية الاقتصادية والسياسات العمومية، ولا يمكن حلها بإقالة وزيرين».


مقالات ذات صلة

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
أفريقيا الرئيس التونسي قيس سعيد في جلسة عمل مع كاتب الدولة للأمن الوطني سفيان بالصادق بعد حملة أمنية غير مسبوقة وشاملة ضد كبار المهربين وتجار المخدرات (الرئاسة التونسية)

تونس: حملات أمنية غير مسبوقة على كبار المهربين وإيقاف محكومين

كشف القاضي فريد بن جحا، الناطق باسم محاكم محافظتي المنستير والمهدية الساحليتين، عن أن قوات حرس الخوافر اكتشفت مؤخراً نحو 20 جثة لفظها البحر نحو محافظة المهدية.

كمال بن يونس (تونس)
شمال افريقيا سنية الدهماني عرفت بانتقادها الشديد للسلطات (الشرق الأوسط)

محكمة تونسية تقضي بسجن إحدى أبرز منتقدات الرئيس

أصدرت محكمة تونسية، الخميس، حكماً بسجن المحامية والمُعلِّقة بوسائل الإعلام سنية الدهماني لمدة عامين.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس قيس سعيد يحتفل مع مؤيديه بعد الإعلان عن فوزه بولاية ثانية (أ.ف.ب)

هيئة الانتخابات التونسية تهدد بمتابعة من يتهمها بـ«التزوير»

أصدرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية بلاغاً، أكدت فيه أنّ «كل اتهام مجاني لهيئة الانتخابات بتدليس أو تزوير النتائج، ستتم معاينته بصفة قانونية».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من احتفالات أنصار سعيد (أ.ب)

سعيّد لولاية رئاسية ثانية بغالبية 89 %

صوّت أكثر من 2.7 مليون ناخب، حسب ما أعلن رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، ومثلت الفئة العمرية من 36 إلى 60 عاماً 65 في المائة من نسبة المشاركين.

«الشرق الأوسط» (تونس)

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
TT

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)
زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

ألقى «النفوذ الروسي» في ليبيا بظلاله على تقديرات محللين ليبيين بشأن أبعاد زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى البلاد، ريتشارد نورلاند، غير المسبوقة إلى الجنوب الليبي.

ولم تُكشف تفاصيل كافية عن نتائج مباحثات نورلاند مع رئيس أركان القوات البرية التابعة للقيادة العامة، الفريق صدام، نجل المشير خليفة حفتر، في مدينة سبها الجنوبية، في وقت سابق هذا الأسبوع. لكنّ متابعين تحدثوا عن «رمزية» زيارة نورلاند إلى سبها، خصوصاً أنها «الأولى لمسؤول أميركي للمدينة الجنوبية، في ظل أوضاع أمنية مستقرة بعد موجات انفلات أمني سابقة»، وفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة درنة، يوسف الفارسي.

المبعوث الأميركي إلى ليبيا والقائم بالأعمال خلال زيارة لسبها (السفارة الأميركية على إكس)

ويبدو أنه لم تغب «ظلال الخطة الاستراتيجية العشرية لليبيا، ومحاولات احتواء النفوذ الروسي عن زيارة المبعوث الأميركي إلى الجنوب الليبي»، في رأي عضو معهد السياسات الخارجية بجامعة «جون هوبكنز»، حافظ الغويل، الذي يرى أن «امتداد نفوذ روسيا في الجنوب الليبي ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند»، علماً بأن تسريبات ظهرت منذ مارس (آذار) الماضي تتحدث عن أكثر من جسر جوي تقوده طائرات شحن عسكرية روسية نحو قاعدة براك الشاطئ، الواقعة جنوب البلاد.

من لقاء سابق للدبيبة مع مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز في طرابلس (الحكومة)

ومنذ أقل من عامين أطلقت إدارة بايدن ما يعرف بـ«استراتيجية الولايات المتحدة لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار - الخطة الاستراتيجية العشرية لليبيا»، وتهدف هذه الخطة من بين بنودها إلى «دمج الجنوب الليبي المهمش تاريخياً في الهياكل الوطنية، مما يؤدي إلى توحيد أوسع، وتأمين الحدود الجنوبية».

ومع أن نورلاند اكتفى عقب لقاء صدام حفتر بحديث عام عن الدور الحيوي الذي يلعبه جنوب ليبيا في استقرار المنطقة، وحماية سيادة ليبيا، والتغلب على الانقسامات، فإن زيارته حسب الدكتور أحمد الأطرش، أستاذ العلوم السياسية بـ«جامعة طرابلس»: «قد لا تخرج عن سياقات صراع نفوذ مع موسكو، واستكشاف التمدد الروسي في المنطقة».

وكان اللافت أيضاً حديث المبعوث الأميركي عن دعم الجهود الليبية لتوحيد المؤسسات الأمنية، عبر «الانخراط مع القادة العسكريين الليبيين من جميع أنحاء البلاد»، وهو ما رآه الأطرش في تصريح إلى «الشرق الأوسط» غطاء لحقيقة هذه الزيارة، التي تستهدف موسكو بالأساس، مقللاً من رؤى تستند إلى لقاء سابق جمع بين وزير الداخلية المكلف في غرب البلاد، عماد الطرابلسي وصدام، وهو تصرف أحادي.

من زيارة سابقة لنائب وزير الدفاع الروسي رفقة وفد رفيع المستوى من الحكومة الروسية إلى بنغازي (الشرق الأوسط)

في المقابل، ذهب فريق من المحللين إلى الحديث عن مخاوف أميركية شديدة من توسيع ما سموه بالأنشطة الصينية في ليبيا، إذ إن الجنوب الليبي، وفق المحلل السياسي عز الدين عقيل «يمكن أن يكون محطة مهمة بقطع طريق الحرير الصيني، واستخدامه أيضاً بوصفه قاعدة لإزعاج ومواجهة الصينيين بأفريقيا».

ويستند عقيل إلى ما ذُكر بشأن الصين في إحاطة «الدبلوماسية الأميركية جنيفر غافيتو، حيث كان من المقرر تعيينها سفيرة لواشنطن في طرابلس قبل أن تعتذر في صيف هذا العام».

وفي يونيو (حزيران) الماضي، نبهت غافيتو في بيان أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إلى «النجاحات العميقة» لشركات مرتبطة بالصين في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ليبيا.

وسبق أن حصلت الصين على حقوق تعدين الذهب الليبي في الجزء الجنوبي من البلاد «بشروط مغرية للغاية» في عهد رئيس الحكومة الليبية السابق، فتحي باشاغا، وفق المستشار في مؤسسة «أنفرا غلوبال بارتنرز»، جوناثان باس، الذي لفت إلى دعم بكين القائد العام لقوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر.

يُشار إلى أن منطقة الساحل شهدت خلال العامين الأخيرين الإطاحة ببعض الأنظمة الراسخة الموالية لفرنسا، تزامناً مع انخراط روسيا في المنطقة، بوصفها حليفة للأنظمة الجديدة.

اللافت أنه غداة زيارة نورلاند إلى سبها، كان السفير الروسي لدى ليبيا أيدار أغانين خلف عجلة قيادة الشاحنة الروسية «أورال»، محتفياً، في لقطة لا تخلو من الدلالات، بدخولها السوق الليبية، بعد وصولها بالفعل إلى البلاد ضمن المئات منها إلى جانب الشاحنة «أورال».