تونس: انفراج سياسي أم بدء «ماراثون الانتخابات الرئاسية»؟

بعد تعيين قاضيين على رأس وزارة الداخلية

كاتب الدولة للأمن الوطني القاضي سفيان بن الصادق مصافحاً الرئيس سعيد (موقع رئاسة الجمهورية)
كاتب الدولة للأمن الوطني القاضي سفيان بن الصادق مصافحاً الرئيس سعيد (موقع رئاسة الجمهورية)
TT

تونس: انفراج سياسي أم بدء «ماراثون الانتخابات الرئاسية»؟

كاتب الدولة للأمن الوطني القاضي سفيان بن الصادق مصافحاً الرئيس سعيد (موقع رئاسة الجمهورية)
كاتب الدولة للأمن الوطني القاضي سفيان بن الصادق مصافحاً الرئيس سعيد (موقع رئاسة الجمهورية)

فاجأ الرئيس التونسي، قيس سعيد، التونسيين والمراقبين بتعديل حكومي جزئي أسفر عن تعيين قاضيين على رأس وزارة الداخلية؛ الوزير ونائبه، وخبير قانوني وإداري دولي على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية التي تلعب في تونس منذ عقود دوراً سياسياً كبيراً جداً، لا سيما من حيث العلاقة بملفات النقابات والإضرابات و«الأمن الاجتماعي» والانتخابات.

وأسفر هذا التعديل عن إبعاد اثنين من أبرز «الوزراء السياسيين» في الحكومة؛ هما: كمال الفقي وزير الداخلية، ومالك الزاهي وزير الشؤون الاجتماعية

الرئيس التونسي قيس سعيد في اجتماع سابق مع وزير الداخلية المُقال كمال الفقي (موقع رئاسة الجمهورية)

وكان الاثنان من بين «أكثر الوزراء السياسيين نفوذاً» ومن بين «أعضاء الفريق الانتخابي» للرئيس سعيد في 2019. كما كانا يوصفان في وسائل الإعلام بأنهما من بين «أقرب المستشارين» إلى «قصر قرطاج» في القضايا السياسية والنقابية والأمنية، وذلك في مرحلة بدأت فيها البلاد تستعد للانتخابات الرئاسية المقررة الخريف المقبل.

فماذا يعني هذا التعديل الحكومي الجزئي؛ الذي تقرر بعد أشهر من إبعاد «وزراء سياسيين آخرين» بينهم القيادي السابق في «اتحاد نقابات العمال» وحزب «الشعب القومي العربي» وزير التربية محمد علي البوغديري، ووزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين، والمحامي نصر الدين النصيبي؟ وكان شرف الدين والنصيبي في رئاسة فريق الحملة الانتخابية لقيس سعيد عام 2019.

انفراج سياسي وإعلامي؟

تكشف ردود الفعل في وسائل الإعلام التونسية التقليدية والاجتماعية عن «ترحيب» بالتغيير لأسباب عدة؛ بينها أنه جاء بعد «التصعيد» في علاقات السلطات بالنقابات والمعارضة وهيئات المحامين والصحافيين والقضاة، وتعاقب الاحتجاجات والإضرابات المتصلة بملف الحريات من جهة؛ والأزمة الاجتماعية الاقتصادية من جهة ثانية.

الرئيس التونسي عدّ الانتقادات الغربية «تدخلاً سافراً» في شؤون بلاده (أ.ب)

وقد حمّل عدد من قادة المعارضة والنقابات مراراً مسؤولية «التصعيد» و«الأخطاء» لبعض المسؤولين في الحكومة؛ بينهم خصوصاً كمال الفقي ومالك الزاهي؛ بل إن نقيب المحامين حاتم المزيو وبعض رفاقه في هيئة المحامين نزهوا مراراً الرئيس قيس سعيد، وطالبوه علناً بأن «يتدخل دعماً للحريات»، بصفته ممثلاً للسلطة العليا في البلاد، وبأن يتدارك «الغلطات» التي قد يكون تورط فيها بعض الأمنيين والموظفين والمسؤولين؛ بينها ما لها علاقة بملفات الحريات العامة والفردية وحقوق المحامين والقضاة والإعلاميين...».

وأعرب بعض المحامين والمعارضين عن تفاؤلهم بـ«انفراج سياسي» بعد هذا التعديل الحكومي الذي أسفر عن تعيين قاضيين وخبير قانوني دولي على رأس وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية.

ومن بين ما يدعم به البعض موقفه «المتفائل» انتماء الوزراء الثلاثة إلى «جيل المسؤولين الشبان» الذين تقل أعمارهم عن الخمسين، فضلاً عن تخرجهم في كليات الحقوق بتونس ومدينة سوسة، (140 كيلومتراً جنوب العاصمة)، وكانوا من بين طلاب الرئيس سعيد وزملائه قبل 30 عاماً ومن بين المقربين إليه ومن مستشاريه الذين تخرجوا في الكليات القانونية نفسها.

ورقة الانتخابات الرئاسية

في المقابل تكشف ردود الفعل على هذا «التعديل الحكومي السياسي» وعلى تغيير طاقم وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية، عن وجود تيار يقلل من «الرسائل السياسية والحقوقية»وراء التعديل الحكومي، ويعدّ هؤلاء أن هدف الفريق الحاكم الحالي «تعيين مزيد من التكنوقراط» على رأس أبرز مؤسسات الدولة؛ بما فيها الأمنية والاجتماعية والسياسية، استعداداً للانتخابات المقبلة.

شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس (الشرق الأوسط)

ويقول هؤلاء إن الرئيس سعيد الذي ترشح لانتخابات 2019 «من خارج كل المنظومات الحاكمة والمعارضة منذ 70 عاماً» قطع خطوة جديدة في استعداداته للانتخابات الرئاسية المقبلة عبر «التبرؤ كذلك من المسؤولين عن الغلطات والإخفاقات خلال الأعوام والأشهر الماضية»؛ بمن فيهم أقرب مستشاريه السابقين ووزيرا الداخلية والشؤون الاجتماعية وفريقاهما.

ويتوقع كثيرون أن تكون على رأس أولويات وزير الداخلية الجديد خالد النوري ونائبه سفيان بن الصادق ووزير الشؤون الاجتماعية الجديد كمال المدوري «تحسين هامش الحريات في البلاد، وإنجاز إصلاحات سياسية، وإقناع فاعلين سياسيين ونقابيين بارزين بدعم الرئيس سعيد وأنصاره قبل خوضه السباق الانتخابي المقبل»؛ أي توسيع «حزامه السياسي» قبل الإعلان عن بدء «الماراثون الانتخابي الجديد».


مقالات ذات صلة

قيس سعيد يجدد في عيد الجيش رفضه لأي وجود عسكري أجنبي بتونس

شمال افريقيا الرئيس التونسي يستعرض حرس الشرف في عيد الجيش (وكالة أنباء تونس أفريقيا)

قيس سعيد يجدد في عيد الجيش رفضه لأي وجود عسكري أجنبي بتونس

يخصص «البنتاغون» دعماً للجيش التونسي بنحو مليار دولار منذ ثورة 2011 كما تحظى تونس منذ 2015 بصفة الحليف للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو).

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون سريون تم اعتراض قاربهم من طرف خفر السواحل التونسية (أ.ف.ب)

تونس: انتشال 462 جثة واعتراض أكثر من 30 ألف مهاجر

قالت وزارة الداخلية التونسية في بيانات إنها انتشلت 462 جثة لمهاجرين غرقى، واعترضت أكثر من 30 ألف شخص خلال محاولتهم اجتياز الحدود البحرية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا طلاب تونسيون يصلون لإجراء امتحان البكالوريا في 6 يونيو 2012 بمدرسة ثانوية بتونس (متداولة)

منع ارتداء الكوفية الفلسطينية في الامتحانات بتونس يثير تفاعلاً

أثار قرار وزارة التربية التونسية، الأحد 2 يونيو 2024، منع ارتداء الكوفية الفلسطينية داخل قاعات امتحانات الباكالوريا التونسية، تفاعلاً في البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس التونسي فتح باب التأويلات على مصراعيه (الرئاسة)

التعديل الوزاري... هل هو مؤشر على تغيير جوهري في سياسات الرئيس التونسي؟

عدّ بعض التونسيين التعديل الوزاري مؤشراً على تغيير جوهري بسياسات الرئيس سعيد في حين رجح آخرون أن يكون القرار تمهيداً للانتخابات الرئاسية المنتظرة

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا وزير الداخلية الجديد القاضي خالد النوري يؤدي القسم أمام الرئيس سعيّد (موقع رئاسة الجمهورية)

تونس: «استبعاد السياسيين» وتعيين «التكنوقراط» على رأس مؤسسات الأمن السياسي والاجتماعي

أسفر هذا التعديل عن إقالة وزير الداخلية والناشط السياسي السابق كمال الفقي، وتعيين القاضي خالد النوري المحافظ السابق لولاية أريانة شرق العاصمة، وزيراً جديداً.

كمال بن يونس (تونس)

الحرب تزيد من معاناة مرضى السرطان في السودان

الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)
الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)
TT

الحرب تزيد من معاناة مرضى السرطان في السودان

الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)
الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)

تحتاج زوجة السوداني محمد الجنيد المصابة بالسرطان إلى علاج بالأشعة؛ لكن بعدما مزقت الحرب السودان، ودمرت بناه التحتية ومرافقه، بات يتطلب الأمر سفرها مسافة ألف كيلومتر تقريباً، للوصول إلى المستشفى الوحيد الذي يقدم هذه الرعاية.

ويقول الزوج البالغ من العمر 65 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من ولاية القضارف في شرق السودان؛ حيث لجأ مع زوجته هرباً من الحرب: «حتى لو وصلنا إلى مروي (في الشمال)، فسيتعين علينا أن ننتظر دورنا لتلقِّي هذه الرعاية».

ويشهد السودان منذ 15 أبريل (نيسان) العام الماضي حرباً عنيفة، بين القوات المسلحة النظامية بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو، أعقبتها أزمة إنسانية عميقة.

ودمرت الحرب إلى حد بعيد البنية التحتية، وخرج 70 في المائة من المرافق الصحية في البلاد من الخدمة، حسب إحصاءات الأمم المتحدة.

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، كريستيان ليندميير: «من 20 إلى 30 في المائة فقط من المرافق الصحية في البلاد لا تزال في الخدمة... وتعمل بالحد الأدنى»؛ مشيراً إلى أن الإمدادات الطبية «لا تلبي سوى 25 في المائة من الاحتياجات».

مرضى يتلقون العلاج في مستشفى القضارف للأورام بشرق السودان (أ.ف.ب)

وتدفق مئات الآلاف من الأسر إلى ولاية القضارف، بعدما نزحت من الولايات التي طالتها الحرب، وسط معاناة من نقص في المواد الغذائية ومياه الشرب والمرافق الصحية.

ويصطف مرضى السرطان في انتظار دورهم داخل مركز «الشرق» لعلاج الأورام، وهو الوحيد المخصص لذلك؛ لكن لا يتوفر في هذا المركز علاج بالأشعة، لذلك يلجأ المرضى إلى مستشفى مروي في الشمال الذي يبعد نحو ألف كيلومتر عن القضارف.

كانت زوجة الجنيد تتلقى علاجها في مستشفى ود مدني بولاية الجزيرة في وسط السودان، قبل إغلاقه بسبب اندلاع المعارك، ما دفع أسرتها للفرار إلى القضارف.

بسبب الحرب أُغلق مركزا الأورام الكبيران في الخرطوم وفي ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الجنوبية (أ.ف.ب)

ويوضح الجنيد: «اليوم يرى الأطباء أنها تحتاج مجدداً إلى الخضوع للعلاج الإشعاعي، وهو في مروي فقط».

وبسبب طول الرحلة بين الولايتين، وكثرة الحواجز الأمنية، طلب السائق الذي وافق على اصطحاب الجنيد وزوجته إلى مروي، مبلغ 4 آلاف دولار، وهو ما لم يقدر الجنيد على دفعه، فألغيت الرحلة.

27 سريراً فقط ومئات المرضى

وبسبب الحرب، أُغلق مركزا الأورام الكبيران في الخرطوم وفي ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الجنوبية. ومنذ ذلك الحين، يكتظ مركز القضارف بمرضى السرطان، على الرغم من سعته الضئيلة.

ويضم المركز 27 سريراً فقط، بينما «يحتاج إلى 60 سريراً على الأقل»، على ما يقول مديره معتصم مرسي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويوضح مرسي: «العام الماضي استقبلنا نحو 900 مريض جديد»، مقارنة بنحو «300 أو 400 مريض» في الأعوام الماضية.

وفي الربع الأول فقط من عام 2024، استقبل المركز 366 مريضاً، إلا أن مرسي أكد أن الأدوية لا تزال متوفرة «إلى حد بعيد»، على الرغم من «بعض النقص» المسجل من قبل بدء الحرب.

دمرت الحرب إلى حد بعيد البنية التحتية وخرج 70 % من المرافق الصحية في البلاد من الخدمة (أ.ف.ب)

وعلى سرير في مركز القضارف؛ حيث يتقاسم المرضى الغرف بسبب الازدحام، تقول المعلمة السودانية فتحية محمد، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عاد المرض (السرطان)، واضطررت إلى استئناف العلاج».

كانت فتحية تتلقى علاجها أيضاً مثل زوجة الجنيد بمستشفى ود مدني، قبل النزوح إلى ولاية القضارف.

وقالت بحسرة: «هنا لا يوجد علاج إشعاعي... إنه متوفر في مروي؛ لكنه يكلف مليارات الجنيهات السودانية».

وتحتاج المعلمة السودانية إلى علاج بالأشعة بشكل دوري، وهو ما يُعدُّ «مكلفاً للغاية» خصوصاً أنها لم تتقاضَ سوى راتب 3 أشهر فقط من العام الماضي، بسبب اندلاع الحرب، حسبما تقول.

«تحمل الألم الشديد»

وفي أواخر مايو (أيار) حذَّرت منظمة الصحة العالمية من أن «نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار؛ خصوصاً في المناطق التي يصعب الوصول إليها».

وأضافت: «تُدمَّر المرافق الصحية، وتتعرض للنهب، وتعاني من نقص حاد في الموظفين والأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات».

الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) حذَّر مقال نشره أطباء سودانيون في مجلة «إيكانسر» البريطانية، من أن «محدودية الوصول إلى خدمات علاج الأورام خلال الحرب الحالية يعرض حياة أكثر من 40 ألف مريض سوداني بالسرطان للخطر».

وأشار المقال إلى أن «التكاليف المرتبطة بالعلاج الإشعاعي والنقل والسكن تجعلها غير متاحة لكثير من المرضى، ما يجبرهم على مواجهة الموت في المستقبل، من دون رعاية كافية».

في أواخر مايو حذرت منظمة الصحة العالمية من أن نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار (أ.ف.ب)

وحسب المقال، فقد عطَّلت الحرب «سلاسل التوريد وتوفر المسكنات»، الأمر الذي يدفع المرضى إلى «تحمل الألم الشديد».

في مروي، يقول أحد الأطباء، وقد طلب عدم ذكر اسمه: «يعمل لدينا جهازان للعلاج الإشعاعي على مدار 24 ساعة يومياً».

ويضيف: «إذا تعطل أحد الأجهزة وتطلَّب الصيانة، فإن ذلك يتسبب في تكدس المرضى الذين يأتون من جميع أنحاء السودان».