ماذا نعرف عن «فرع النيل الخفي» الذي جرى اكتشافه؟

استُخدم ممراً مائياً لنقل العمال ومواد البناء إلى مواقع الأهرامات

أهرامات الجيزة (رويترز)
أهرامات الجيزة (رويترز)
TT

ماذا نعرف عن «فرع النيل الخفي» الذي جرى اكتشافه؟

أهرامات الجيزة (رويترز)
أهرامات الجيزة (رويترز)

في الوقت الذي يعتقد فيه بعضنا أن أسرار بناء أهرامات الجيزة قد اكتُشفت، ما زال نهر النيل في مصر يحمل كثيراً من الأسرار والمفاجآت، كونه شريان الحياة وشريكاً رئيسياً في بناء الأهرامات، وذلك بعد اكتشف بعض العلماء مجرى قديماً لنهر النيل بات جافاً حالياً، كان يتدفق بجانب نحو 30 هرماً في مصر القديمة، بينها أهرامات الجيزة، وربما يكون قد ساعد في عملية نقل المواد اللازمة لإنشاء هذا المجمّع الأثري قبل نحو 4 آلاف سنة، وأطلق عليه العلماء «فرع الأهرامات» و«النهر الخفي».

وقد نُشرت في مطلع الأسبوع الحالي دراسة في مجلة «كوميونيكيشنز إيرث آند إنفايرنمنت» شارك فيها فريق من العلماء من المعهد القومي للبحوث الفلكية في مصر، وفق ما ذكر عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «إكس».

النهر الخفي (فرع الأهرامات)

تشير الدراسة إلى أن طوله يبلغ 64 كيلومتراً، ويتراوح عرضه ما بين 200 إلى 700 متر؛ أي ما يعادل مقاييس مجرى نهر النيل الحالي، وفقاً لما أكدته تحليلات ميدانية بينها حفر عميقة في التربة، وبيانات الأقمار الاصطناعية.

وصرحت المُعِدَّة الرئيسية للدراسة إيمان غنيم، من جامعة نورث كارولينا في مدينة ويلمنغتون الأميركية: «لم يكن أحد متأكداً من موقع هذا الممر المائي الضخم وشكله وحجمه»، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية». ولرسم خريطة لممر «الأهرامات» المائي، استخدم فريق غنيم من الباحثين صوراً التقطتها أقمار اصطناعية رادارية. وتقول غنيم المتخصصة في الجيومورفولوجيا: «على عكس الصور الجوية أو أجهزة استشعار الأقمار الاصطناعية البصرية التي توفر صوراً لسطح الأرض، تتمتع أجهزة استشعار الرادار بقدرة مميزة على الكشف عن الهياكل القديمة أو الأنهار المدفونة تحت الرمال».

هل أسهم النهر في بناء الأهرامات؟

تقع الأهرامات على مسافة كيلومتر واحد فقط في المتوسط من ضفاف مجرى «الأهرامات»، وقد بُنيت بشكل أو بآخر على السهول الفيضية. وتقول إيمان غنيم: «كشف بحثنا أنّ عدداً كبيراً من هذه الأهرامات كان يضم ممراً مرتفعاً يوصِّل إلى معابد في الوادي كانت بمثابة موانئ نهرية»، وتؤكد وجود أدلة كثيرة على أن مجرى «الأهرامات» كان بمثابة طريق سريعة لنقل الكميات الهائلة من مواد البناء والأعداد الكبيرة من العمال لبناء الأهرامات. وتقول المشارِكة في إعداد الدراسة سوزان أونستين من قسم التاريخ بجامعة ممفيس الأميركية: «كانت هذه المواد التي أُحضر معظمها من مناطق تقع إلى الجنوب، ثقيلة وكبيرة، وكان من الأسهل تالياً تركها تطفو على سطح النهر، ونقلها عبره لا برّاً».

مجرى مياه فروع النيل بجانب الأهرامات (فريق الدراسة)

وتشير المؤرخة إلى أنّ المعابد الواقعة على ضفاف مجرى «الأهرامات» كانت بمثابة مرفأ مخصص لاستقبال الحاشية، وإقامة مراسم جنائزية للفرعون. وتقول: «في هذا المكان كانت الطقوس تجري قبل نقل الجثة إلى مدفنها داخل الهرم». وتضيف أن الدراسة التفصيلية لأجزاء مختلفة من النهر «تبيّن لنا كيف بُني كل هرم بالاستناد إلى الممر المائي؛ ما يتيح لنا أن نفهم بشكل أفضل لماذا اختار الملوك آنذاك بداية من الأسرة الرابعة وصولاً إلى الأسرة الثانية عشرة، بناء الأهرامات في مناطق معيّنة». وتتابع أنّ «هذا الاكتشاف يُذكّرنا بمدى تأثر الخيارات المتعلقة بالبناء والإسكان والزراعة بالتغيرات الطبيعية».

ومن جانبه، ذكر معهد البحوث الفلكية المصري، المشارِك في الدراسة، أن «فرع النيل الخفي» لعب دوراً في بناء الآثار، وأنه كان نشطاً في الوقت نفسه، واستُخدم ممراً مائياً لنقل العمال ومواد البناء إلى مواقع الأهرامات؛ حيث إن النهر الذي يبلغ طوله 64 كيلومتراً والمسمّى «فرع الأهرامات»، كان مدفوناً فترة طويلة تحت الأراضي الزراعية ورمال الصحراء، ويفسّر وجوده سبب بناء عدد كبير من الأهرامات في المنطقة التي باتت راهناً شريطاً من الصحراء يقع غرب وادي النيل، قرب العاصمة المصرية القديمة ممفيس. وتمتد هذه المساحة الشاسعة من أهرامات اللشت في الجنوب، ثم تصل إلى موقع الجيزة الشهير شمالاً حيث تقع أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع. وتضم المساحة في المجموع 31 هرماً، وهو العدد الأكبر من الأهرامات في مصر، وبُنيت خلال عصر المملكتين القديمة والوسطى، قبل فترة تتراوح ما بين 3700 إلى 4700 عام. وكان المتخصصون في شؤون مصر القديمة يدركون أنّ السكان آنذاك استخدموا ممراً مائياً قريباً لبناء الأهرامات، على مسافة كيلومترات عدة من المجرى الرئيسي لنهر النيل، بالإضافة إلى أن كثيراً من المجاري النهرية المختلفة التى تمتد من هذا النهر القديم وتصل إلى مشارف الأهرامات قد اكتُشفت. وتنتهي هذه الأفرع ببناء أثري يسمى معبد الوادي (Valley Temple)؛ حيث يوجد ممر صخري يربط هذه المعابد بالأهرامات مباشرة.

كيف تغيرت الجغرافيا؟

أظهرت الدراسة أنه عندما بُنيت الأهرامات، كانت جغرافيا نهر النيل وروافده المائية تختلف بشكل كبير عما هي عليه اليوم، وقد مكَّن هذا الكشف من الحصول على صورة أوضح لما كانت تبدو عليه سهول فيضان النيل في زمن بناة الأهرامات، وأوضح كيف استفاد المصريون القدماء من النهر القديم وروافده في نقل مواد البناء الثقيلة من أجل أهدافهم الإنشائية الضخمة.

الفرع الحيوي

وفي ختام الدراسة، ذكرت مجلة «كوميونيكيشنز إيرث آند إنفايرنمنت» أن الاكتشاف الحالي خاصٌّ بأجزاء من فرع النيل الرئيسي السابق الذي يمتد عند سفوح هضبة الصحراء الغربية، حيث تقع الغالبية العظمى من الأهرامات المصرية القديمة. وضخامة هذا الفرع وقربه من مجمَّع الأهرامات يشيران إلى أن هذا الفرع كان نشطاً وعملياً خلال مرحلة بناء الأهرامات.

كان هذا الممر المائي يربط بين مواقع مهمة في مصر القديمة، بما في ذلك المدن والبلدات، وبالتالي لعب دوراً مهماً في المشهد الثقافي للمنطقة.

يمكن أن تُعْزى الهجرة شرقاً وهجر فرع الأهرامات إلى الحركة التدريجية للنهر إلى السهول الفيضية المنخفضة المجاورة، أو ميل سهل فيضان النيل نحو الشمال الشرقي نتيجة النشاط التكتوني، فضلاً عن توغل الرمال التي تحملها الرياح بسبب قرب الفرع من هضبة الصحراء الغربية.

ومن المرجح أن يكون الترسيب المتنامي للرمال مرتبطاً بفترات التصحر في الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تفسير حركة الفرع شرقاً وتناقصه بانخفاض تصريف النهر وسعة القناة بسبب انخفاض هطول الأمطار، وزيادة الجفاف في المنطقة، خصوصاً في نهاية عصر الدولة القديمة.


مقالات ذات صلة

مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

العالم العربي صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

مصر والانتخابات الأميركية… لا مرشح مرجحاً ولا توقعات متفائلة

هيمن كل من الحرب في غزة وملف «سد النهضة» الإثيوبي على تقييمات سياسيين وبرلمانيين مصريين بشأن انعكاس نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية على مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا سودانيات يسرن بملابسهن المميزة في شارع فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)

عودة «آلاف السودانيين» تكبح جماح الإيجارات في أحياء مصرية

يبدو أن أسعار إيجارات الشقق في بعض الأحياء المصرية بدأت تتراجع بشكل ملحوظ مع عودة آلاف السودانيين إلى بلدهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مقاتلة مصرية خلال أحد التدريبات (أرشيفية - المتحدث العسكري المصري)

مقتل ضابطين بالجيش المصري جراء سقوط مروحية خلال تدريب

أعلن المتحدث العسكري المصري، اليوم (الثلاثاء)، مقتل ضابطين جراء سقوط طائرة هليكوبتر في أثناء تنفيذ نشاط تدريبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره.

محمد عجم (القاهرة)
الساعة السكانية لمصر ليوم الاثنين 4 نوفمبر 2024

تراجُع المواليد في مصر لا يقلّل مخاوف «الأزمة السكانية»

لم يقلّل الإعلان المصري عن انخفاض عدد المواليد في البلاد خلال الشهور الماضية إلى معدل طفل واحد كل 16 ثانية المخاوفَ بشأن «الأزمة السكانية».

عصام فضل (القاهرة)

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)
مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)
TT

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)
مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)

قبل أيام مَعدودة، وتحديداً مع سلسلة ارتفاعات طفيفة في سِعر صرف الدولار بالبنوك المصرية، قام صاحب شركة رخام في منطقة شق الثعبان بالقاهرة، المتخصصة في تصنيع الرخام والغرانيت، بوضع أسعار جديدة لرخام مُستورد من الهند، رغم إدراكه أنَّ «زيادة الأسعار تُسبب ركوداً حاداً».

ويضرب صاحب الشركة، الذي يدعى (م.أ)، المثل بسِعر متر الرخام المستورد من نوعية «غلاكسي» قبل زيادة الدولار في البنوك، الذي كان بنحو 2600 جنيه، لكن بعدَ أن تَخطي الدولار حاجز الـ49 جنيهاً، تمَّ رفع السعر إلى نحو 3000 جنيه دون إضافة تكاليف نقله وتركيبه.

وبلغ سعر صرف الدولار، الثلاثاء، لدى البنك المركزي المصري نحو 49.02 جنيه للشراء مقابل 49.15 جنيه للبيع. ويَأتي ارتفاع سعر الدولار في البنوك المِصرية وتخطيه حاجز الـ49 جنيهاً، غداة زيارة مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، القاهرة؛ لإجراء المراجعة الرابعة التي تتعلق بالقرض المُقرر منحه إلى مصر.

وتنعكس أي زيادة في سعر صرف الدولار بصورة مُباشرة على زيادة أسعار السلع والخدمات في مصر، في ظل الاعتماد على مواد مستوردة.

يقول الخبير الاقتصادي رشاد عبده، رئيس «المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية»، إنَّ «المواطن هو مَن يَتحمل فارق زيادة سعر الدولار في البنوك، لكون الشركات المستورِدة من القطاع الخاص تُضيف هذه الزيادة على جميع منتجاتها». ويضيف: «ارتفاع سعر الدولار يُعدّ صداعاً مزمناً للمصريين بطبقاتهم كافة، سواء كانت غنية أم متوسطة».

وسمح البنك المركزي المصري، في مارس (آذار) الماضي، بتحديد سعر صرف الجنيه، وفق آليات السوق (العرض والطلب)، لتنخفض قيمة العملة المحلية إلى ما يقل قليلاً عن 50 جنيهاً للدولار، بعدما كانت مستقرّة لأشهر عند حدود 30.85 جنيه للدولار.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مديرة صندوق النقد الدولي قبل أيام (الرئاسة المصرية)

وخلال مؤتمر صحافي، عقدته مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الأحد الماضي، قالت غورغييفا، إن «مصر تحرَّكت بنجاح لتحقيق نظام مَرِن لسعر الصرف». وأثنت على جهود البنك المركزي.

ولا تزال التوقعات تُحيط بزيادة جديدة لسِعر صرف الدولار أمام الجنيه، وفق ما أكده الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس، لـ«الشرق الأوسط».

يقول النحاس: «المواطن هو مَن سيكون ضحية تَحريك سعر الدولار مرة أخرى أمام الجنيه، لأنه سيكون هناك تقييم مرة أخرى لأسعار المحروقات والخدمات مثل الكهرباء والغاز، بالإضافة إلى زيادة فاتورة استيراد القمح، وما إلى ذلك».

ما يُقلق الاقتصادي وائل النحاس، هو أن يكون الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على زيادة مدة بَرنامج الصندوق، على حساب زيادة أسعار الدولار في البنوك.

وبدأت إجراءات المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد الدولي مع مصر، الثلاثاء.

وهي واحدة من أصل 8 مراجعات في البرنامج، البالغة مدته 46 شهراً، والذي تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار.

وتخوض الحكومة المصرية مشاورات مع الصندوق تسعى في الأساس لمراجعة «عملية المستهدفات»، حسبما صرَّح المستشار محمد الحمصاني المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء.

وستتخذ الحكومة المصرية بعض الإجراءات الإصلاحية ومحاولة مُراجعة التوقيتات وتواريخ اتخاذها، وفقاً لما قاله المتحدث الرسمي باسم الحكومة، في تصريحات تلفزيونية، منذ أيام مضت.

ويطالب ناجي الشهابي رئيس حزب «الجيل» المصري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بدعم الصناعة، وترشيد فاتورة الاستيراد من أجل وضع حدٍّ لارتفاعات الدولار، الذي يرى أن قيمته الحقيقية لا تُساوي هذا الرقم.

وحظيت الارتفاعات الطفيفة في سعر الدولار أمام الجنيه على مدار الأيام الماضية، بتفاعلات رواد السوشيال ميديا عبر منصتَي «فيسبوك» و«إكس»، حيث أبدى البعض تخوفه من «تعويم جديد» وارتفاعات أخرى في الأسعار.

وعبَّر رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، محمود العسقلاني، عن قلقه إزاء زيادة سعر الدولار؛ لأن هذا الارتفاع سيكون له تأثير كبير على السلع، خصوصاً أن الدولة تستورد كمية ليست بالقليلة من احتياجاتها، وأنَّ هذا الارتفاع سيكون له تأثير كبير على السلع وجوانب المعيشة كافة.