في إطار ما وصفه الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بـ«هبة عربية» لإغاثة قطاع غزة، ناقش المجلس الاقتصادي والاجتماعي، الأحد، آليات تفعيل «خطة طارئة للتعامل مع التداعيات الاقتصادية والإنسانية للعدوان الإسرائيلي على غزة»، أعدّتها فلسطين، بالتعاون مع الأمانة العامة للجامعة والمنظمات العربية المتخصصة ذات الصلة.
جاء اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي في إطار التحضير للدورة الـ33 لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، التي تعقد في العاصمة البحرينية المنامة، بحضور القادة والزعماء العرب، تزامناً مع «ظروف استثنائية وعصيبة»، إثر الحرب على قطاع غزة، بحسب تأكيدات المشاركين في الاجتماع.
وأشار أبو الغيط، في كلمته خلال افتتاح أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إلى ما وصفه بـ«ظروف عصيبة تمر بها الأمة العربية، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على فلسطين». وقال إن «الفترة الماضية هبة عربية لإغاثة غزة»، لكنه أكد، في الوقت نفسه، أنه «لا يوجد شيء يعوض أهل غزة في هذه المحنة».
وشدّد الأمين العام لجامعة الدول العربية على «أهمية السعي للتخفيف من آلام سكان قطاع غزة»، مشيراً إلى أن «جسور المساعدات الإنسانية القادمة من الدول العربية إلى غزة لم تتوقف»، ومتهماً إسرائيل بـ«منع دخول المساعدات وإشهار سلاح التجويع في وجه أهل القطاع»، ما يتطلب «خطة طارئة للتعامل مع تداعيات الحرب».
وعرض أبو الغيط مبادرة «الاحتفاء بيوم شهيد الصحة»، وذلك «تخليداً لذكرى العاملين في المجال الطبي الذين سقطوا على أرض المعركة والذين يصل عددهم إلى 493 قتيلاً»، مشيراً إلى أن «هذه المبادرة تحتفي بكل من سقطوا من القطاع الصحي خلال النزاعات والكوارث والجوائح والأزمات».
وناقش المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدداً من الاستراتيجيات تمهيداً لرفعها للقادة العرب، من بينها استراتيجيات متعلقة بالشباب والسلام والأمن، والتدريب والتعليم التقني والمهني، والأمن المائي، وسياسات التنمية الاجتماعية، عدّها أبو الغيط «إضافات هامة تسهم في تعزيز العمل العربي المشترك».
وقال أبو الغيط إن «المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية حجر الزاوية للعمل العربي، والسبيل لتحقيق إنجازات ملموسة يشعر بها المواطن العربي»، مشيراً إلى أن ما تحقق على هذا الصعيد «لا يُلبي المأمول».
ومن المقرر أن يعقد مجلس الجامعة على مستوى المندوبين اجتماعاً، الاثنين، لتحضير جدول أعمال الشقّ السياسي لقمة المنامة، تمهيداً لرفعه لوزراء الخارجية العرب في اجتماعهم، الثلاثاء.
بدوره، استعرض وزير الاقتصاد الفلسطيني، محمد يوسف العامور، في كلمته، آثار الحرب في غزة على مختلف نواحي الحياة في فلسطين، مشيراً إلى «تهجير أكثر من 75 في المائة من الشعب، وتدمير 85 في المائة من المستشفيات والمنشآت الصحية، وانهيار نظام المياه والصرف الصحي، حيث توقفت العملية التعليمية وتعطلت الطرق الرئيسية، وتدهورت البنية التحتية للاتصالات». وقال: «أصبحت غزة غير صالحة للحياة».
ولفت إلى أن «تكلفة الأضرار المباشرة تقدر بحسب خبراء البنك الدولي بنحو 18.5 مليار دولار بالمباني والمنشآت»، مؤكداً «الاستمرار في الحراك في المحافل الدولية كافة لمحاسبة إسرائيل»، داعياً الدول الأعضاء بالجامعة العربية والمنظمات، ووكالات التنمية والصناديق الوطنية والدولية، «للمساهمة في نجدة الشعب، وتمويل والمشاركة في تنفيذ خطة الاستجابة الطارئة للتصدي لتداعيات العدوان الإسرائيلي».
وأوضح مندوب فلسطين بالجامعة العربية، السفير مهند العكلوك، في تصريحات صحافية على هامش الاجتماع، أن «خطة الاستجابة الطارئة تتضمن مرحلتين؛ الأولى برامج تتعلق بالاستجابة الطارئة والإغاثة الشاملة والإنعاش المبكر، والثانية سيتم العمل عليها في وقت لاحق، وتتعلق بالإنعاش وإعادة الإعمار المبكر».
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، لـ«الشرق الأوسط»، إن «قطاع غزة يتطلب دعماً على الأصعدة كافة، ولا سيما القطاع الصحي والاقتصادي والغذائية». وأضاف: «بالفعل مطلوب هبة عربية أكبر من السابق، لأن الأمر يزداد سوءاً مع استمرار الحرب»، لافتاً إلى أن «الأمر الآن يركز على الإغاثة العاجلة، بينما يظل من السابق لأوانه الحديث عن إعادة الإعمار، ولا سيما أن الحرب لم تضع أوزارها، ومن الصعب تقدير تكلفة إعادة الإعمار».
وعلى مدار اليومين الماضيين عقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي اجتماعات على مستوى كبار المسؤولين، ثم على مستوى الوزراء، لبحث أطر التكامل العربي، وسبل دعم غزة، وتخفيف معاناة سكان القطاع.
وأكد وزير المالية السعودي، محمد بن عبد الله الجدعان، في كلمته قبيل تسليم رئاسة الاجتماع لنظيره البحريني، أن «المملكة تولي القضية الفلسطينية اهتماماً بالغاً من خلال دعم ومساندتها على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية»، مشيراً إلى دعوة المملكة لعقد القمة العربية - الإسلامية الاستثنائية في الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.
وشهدت القمة العربية - الإسلامية «تكليف لجنة وزارية، برئاسة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وعضوية عدد من وزراء خارجية الدول الأعضاء، للتحرك الفوري باسم جميع الدول الأعضاء لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل، وفق المرجعيات الدولية المعتمَدة»، بحسب الجدعان.
في السياق، أكد وزير المالية والاقتصاد الوطني بالبحرين، سلمان بن خليفة آل خليفة، أن «التحديات العالمية الراهنة تستدعي تضافر الجهود المشتركة لتعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، من خلال دعم مشاريع البنية التحتية والنقل والطاقة والأمن الغذائي، التي تعزز من قدرتنا الاقتصادية، وتسهم في رفع مستوى التكامل العربي». وأشار إلى «ضرورة التدخل الفوري والعاجل لإيصال المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، ومنع توسع العمليات العسكرية وتداعياتها الخطيرة حفاظاً على الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي».
وكانت الإشارة إلى «الظرف الاستثنائي»، الذي تعقد فيه قمة المنامة، عنصراً مشتركاً في كلمات الحضور.
أيضاً قال وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني، يوسف الشمالي، في كلمته: «درجنا على بدء اجتماعاتنا العربية بالقول إنها تأتي في ظل ظروف إقليمية استثنائية، لكن الاستثناءَ صار قاعدة، لتفقد هذه العبارة وقعها». وأضاف أن الوضع في غزة «يستدعي تسريع وتيرة استكمال أطر التكامل الاقتصادي العربي».
من جهتها، أكدت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات في تونس، كلثوم بن رجب قزاح، أن الاجتماع يعقد «وسط تقلبات إقليمية ودولية متسارعة، ووضع عربي حساس ودقيق»، داعية إلى «العمل بكل السبل لتقديم كافة أوجه المساعدة للشعب الفلسطيني، ما يتطلب توحيد الجهود على الساحة السياسية والاقتصادية عربياً وإسلامياً ودولياً».
وعدّ وكيل وزارة الاقتصاد في دولة الإمارات، عبد الله أحمد آل صالح، الاجتماع «فرصة مهمة للتباحث والتشاور حول الملفات الاقتصادية والاجتماعية التي تحظى باهتمام الدول العربية كافة، في ظل ما يشهده العالم من متغيرات اقتصادية وجيوسياسية عالمية فرضت كثيراً من التحديات».
ودعا وزير الاقتصاد في سلطنة عمان، سعيد بن محمد الصقري، دول العالم إلى «التحرك السريع من أجل وقف فوري لإطلاق النار في غزة».
كما أكد وزير التجارة الجزائري، الطيب زيتوني، أن «الظروف الحالية تحتم العمل ككتلة واحدة وعلى مختلف هياكل ومنظمات العمل العربي المشترك وتعزيز الدعم اللا مشروط لصمود الشعبي الفلسطيني».
وأشار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في سوريا، محمد سامر خليل، إلى «أﻫﻣﯾﺔ اﻟرﺑط ﺑﯾن ﻣﺣﺎور اﻟﻌﻣل اﻻﻗتصادي اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻣﺷﺗرك، ﺳواء ﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﻣﺳﺎﻋﻲ ﺗﺣرﯾر اﻟﺗﺟﺎرة اﻟﺑﯾﻧﯾﺔ وﺗﺄﻣﯾن ﻣﺗطﻠﺑﺎت ﻧﻔﺎذ أﺣﻛﺎم ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺗﺟﺎرة اﻟﺣرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﻛﺑرى وﺗطوﯾرﻫﺎ، والتحضير لإطلاق مرصد اﻟﺗﺟﺎرة اﻟﻌرﺑﯾﺔ».
وتطرق الاجتماع إلى الأوضاع في السودان ولبنان. ولفت وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، إلى ما تواجهه المنطقة من «تحديات كبيرة تتعلق بالأمن الغذائي». وقال، في كلمته، إن «جائحة (كورونا) أظهرت حجم الهشاشة في الأمن الغذائي العربي»، مطالباً بـ«اتخاذ خطوات عملية جادة لتنفيذ الاستراتيجية العربية للأمن الغذائي».
وتطرق إلى الحرب التي يشهدها السودان منذ أبريل (نيسان) 2023، والتي أدت إلى «نزوح أكثر من 8 ملايين شخص في الداخل، ولجوء نحو مليوني شخص إلى خارج البلاد». وقال إن «بلاده في أمسّ الحاجة إلى الأدوية المنقذة للحياة والمستهلكات الطبية، بجانب حاجتها إلى مدخلات الإنتاج الزراعي حتى لا تكون عرضة لمجاعة محتملة». وأضاف أن «الحرب في السودان في طريقها إلى نهاية قريبة، لكن التحدي الأكبر يكمن في إعادة الإعمار، ما يتطلب (مشروع مارشال) جديداً»، مطالباً الجامعة العربية بـ«الدعوة لمؤتمر خاص بإعادة إعمار السودان».
بينما لفت وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني، أمين سلام، إلى أن «بلاده لا تملك الموارد اللوجستية والمالية والسياسية اللازمة لتولي مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين أو أي لاجئ آخر»، مناشداً الدول العربية تقديم الدعم للبنان.