ما المطلوب دولياً وإقليمياً لإيقاف حرب السودان؟

بعد عام على اندلاعها

آثار الدمار والمنازل المتضررة جراء الحرب في مدينة أم درمان 7 أبريل (رويترز)
آثار الدمار والمنازل المتضررة جراء الحرب في مدينة أم درمان 7 أبريل (رويترز)
TT

ما المطلوب دولياً وإقليمياً لإيقاف حرب السودان؟

آثار الدمار والمنازل المتضررة جراء الحرب في مدينة أم درمان 7 أبريل (رويترز)
آثار الدمار والمنازل المتضررة جراء الحرب في مدينة أم درمان 7 أبريل (رويترز)

دخلت الحرب بين القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» عامها الثاني دون إحراز أي تقدم يُذكر على صعيد الحل السلمي التفاوضي، في حين تلوح الفرصة الآن مع إعلان استئناف مفاوضات جدة السعودية خلال أسبوعين.

داخلياً، كان التصعيد العسكري، سواء في الميدان أو في خطابات القيادات العسكرية، سيد الموقف، الأمر الذي أثار مخاوف كبيرة في أوساط الخبراء والمراقبين من أن السودان ربما يكون في طريقه إلى حرب طويلة تقود إلى تقسيمه وإلى تهديد الأمن الإقليمي، ولا سيما أن الحرب طرقت بقوة أبواب شرق السودان، الذي كان بعيداً عن الحرب؛ إذ استهدفت مسيرات تابعة لـ«الدعم السريع»، في التاسع من أبريل (نيسان) الحالي، مقرات تابعة للجيش وجهاز الأمن في مدينة القضارف، شرق البلاد.

الزمن عامل حاسم

ترتبط فرص نجاح مفاوضات السلام في السودان ارتباطاً عضوياً بالتوقيت؛ إذ إن استطالة أمد الحرب تخلق عقبات جديدة تعقّد التفاوض، ومنها على سبيل المثال حدوث انشقاقات في الجيش أو «الدعم السريع». وفي هذا السياق، يحذر الدكتور بكري الجاك، الناطق الرسمي باسم «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) من أن الحرب في السودان، بحكم أنها تمضي أكثر في اتجاه الحشد على أسس عرقية وجهوية بدلاً من الأسس الآيديولوجية أو السياسية، فإن احتمال فقدان القيادة المركزية للطرفين السيطرة على قواتها على الأرض وارد، وكذلك تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ وسيطرة، سيكون الخطوة الأولى نحو تقسيم السودان.

المؤتمر الصحافي لاجتماع باريس حول السودان في ذكرى اندلاع الحرب (رويترز)

ويرى الجاك ضرورة التسريع بالوصول إلى حل تفاوضي عبر نزع شرعية الحرب داخلياً، وتكثيف الاتصالات الإقليمية والدولية لدعم السلام في السودان، تفادياً لاستطالة أمد الحرب.

الإرادة السياسية في الداخل

ويقدر خبراء الخسائر المباشرة للاقتصاد السوداني خلال عام واحد من الحرب بمائة مليار دولار. فقد جرى تدمير 90 في المائة من المصانع، كما تعطل الإنتاج الزراعي بنسبة 65 في المائة، والقطاع الخدمي بنسبة 75 في المائة. وإذا أضفنا إلى الخسائر الفرص الضائعة، تصل الخسارة إلى 200 مليار دولار. وقبل ذلك كله، فقد السودانيون أربعة عشر ألف قتيل من المدنيين، وآلاف الجرحى والمفقودين، و11 مليون نازح ولاجئ. أما الخسائر في أوساط العسكريين، فهناك تعتيم إعلامي من الطرفين حول حجمها الحقيقي، وهو كبير بلا شك. ولكن، رغم كل هذه الخسائر، لا توجد حتى الآن إرادة سياسية نافذة لدى طرفي القتال بالتوجه إلى الحل التفاوضي، رغم أن القاسم المشترك الأعظم بين ملايين السودانيين المكتوين بويلات الحرب هو الرغبة في إحلال السلام. ورغم وجود تيارات معتبرة وسط القوى السياسية المدنية ترفع شعار «لا للحرب» وتشدد على أن لا حل عسكرياً للأزمة السودانية، ظل صوت الأجندة الحربية عالياً. فهل يعني ذلك أن هذه الحرب ستطول ولا سبيل للجمها؟

تكامل الإرادتين الوطنية والإقليمية

حرب السودان، كغيرها من حروب المنطقة، من الصعب أن تتوقف دون تكامل الإرادة الوطنية المنحازة للسلام مع إرادة إقليمية ودولية داعمة وضاغطة على الأطراف العسكرية بشكل حقيقي في اتجاه قبول الحل التفاوضي. وفي هذا الإطار يرى الكاتب والمحلل السياسي الحاج وراق، أن «هناك عوامل رئيسية تحدد ما إذا كانت الحرب ستتمدد أم ستُلجم.

أطفال سودانيون لاجئون وأمهاتهم يسجلون لدى «المفوضية» في مصر (الأمم المتحدة)

العامل الأول منها هو مدى وضوح وتماسك واتساق السياسة الأميركية تجاه السودان. فأميركا منقسمة حالياً على نفسها بين رؤيتين استراتيجيتين (الديمقراطيين والجمهوريين). فإدارة بايدن الديمقراطية تتنازعها تيارات فرعية متعددة، من بينها من يدعم الحكم المدني، وأيضاً من يركز على إعادة تمكين قسم من إسلاميي (المؤتمر الوطني) تحت قيادة البرهان. وأما من يهدفون إلى حكم مدني، فهم يرددون شعارات عامة بلا مضمون محدد، وسياستهم العملية كثيراً ما تدعم العناصر المعادية للديمقراطية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة».

ويمضي وراق في انتقاده للسياسة الأميركية، مؤكداً أن «أهداف الإدارة الأميركية المعلنة غير قابلة للتحقق؛ لأنها بلا سياسة محددة، وتتناقض مؤشراتها العملية مع بعضها، فضلاً عن أنها ستصطدم حتماً مع القوى الديمقراطية السودانية ومع دوائر مؤثرة داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها، ولكن رغم ذلك تظل الكثير من أوراق إنهاء الحرب السودانية عند الأميركيين، ولذلك تحتاج القوى المدنية الديمقراطية إلى استثمار انفتاح النظام الأميركي لبلورة سياسة محددة متسقة تضمن إنهاء الحرب واستعادة النظام الديمقراطي ووحدة السودان على أساس فيدرالي حقيقي».

الحرب والذهب

ومن العوامل المهمة المؤثرة على الحرب في السودان، شبكات اللصوصية التي تمولها، خصوصاً شبكات استخراج وتهريب الذهب. فهذه الشبكات، بالإضافة إلى تمويلها للحرب ودعايتها، أنشأت أضخم سوق نخاسة ورشى سياسية في البلاد. وهي تقف وراء تمزيق صفوف القوى المدنية وتسميم الأجواء المعنوية في البلاد. فإذا نجحت القوى المنحازة للسلام في تعبئة التيارات الرئيسية في الغرب، فيمكن استهداف شبكات اللصوصية هذه بعقوبات، ما يعجل بإيقاف الحرب.

الحرب السودانية طالت مناطق واسعة في البلاد (أ.ف.ب)

ومن العوامل المهمة كذلك للجم الحرب، توحد قوى السلام والحكم المدني الديمقراطي. ورغم أن «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) تشكل أوسع وأكبر تحالف للقوى المدنية، فإنها، حسب ورّاق، «تحتاج للانفتاح الشعبي أكثر، وإلى ضم أقسام إضافية من القوى الجديدة وغير الحزبية، كما تحتاج إلى تطوير بنائها الداخلي بما يجعلها أكثر فاعلية».

فإذا توحد تيار متماسك وفعال من القوى المدنية الديمقراطية، فإن ذلك سوف ينزع الشرعية عن الحرب، حسب الدكتور بكري الجاك، الذي شدد على ضرورة ألا تتبنى القوى المدنية سردية أي من الطرفين حول الحرب، وأن تكثف جهودها من أجل إيقافها.

ولو تكاملت الأدوار الداخلية للقوى المنحازة للسلام مع أدوار إقليمية ودولية فاعلة، سوف يقود ذلك إلى تبلور تيار مؤيد للسلام والحكم المدني بين القوى المتحاربة نفسها؛ إذ إن هناك تيارات متعددة في كل من الجيش و«الدعم السريع»، وإذا تواصل الفرز ودعمت التطورات الدولية والإقليمية والمحلية بروز تيار السلام لدى طرفَي القتال، يمكن أن يسرع ذلك في إنهاء الحرب، وطبعاً المقصود هنا ليس حدوث انقسامات أو انشقاقات؛ لأن ذلك له مخاطر، وإنما المقصود هو خلق البيئة السياسية داخلياً وإقليمياً ودولياً، بحيث يكون خيار السلام هو الخيار الوحيد الممكن عملياً.


مقالات ذات صلة

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»
TT

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

تشرع الحكومة المصرية في إعداد مساكن بديلة لأهالي مدينة «رأس الحكمة»، الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال)، وشددت على «ضرورة سرعة تنفيذ الطرق والمرافق بمنطقة شمس الحكمة»، المخصصة لإقامة الأهالي.

و«رأس الحكمة»، مدينة ساحلية تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، على بُعد 350 كيلومتراً تقريباً شمال غربي القاهرة، وتبلغ مساحتها نحو 170 مليون متر مربع.

ودشّن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مطلع الشهر الماضي، مشروع «رأس الحكمة»، وأكد الرئيسان حينها «أهمية المشروع في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، لكونه يُمثل نموذجاً للشراكة التنموية البناءة بين مصر والإمارات»، وفق إفادة رسمية لـ«الرئاسة المصرية».

ووقّعت مصر اتفاقاً لتطوير وتنمية مدينة «رأس الحكمة» بشراكة إماراتية، في فبراير (شباط) الماضي، بـ«استثمارات قدرت بنحو 150 مليار دولار خلال مدة المشروع»، (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

وزير الإسكان ومحافظ مطروح خلال تفقد أعمال الطرق والمرافق بـ"شمس الحكمة" (مجلس الوزراء المصري)

وتفقد وزير الإسكان المصري، شريف الشربيني، ومحافظ مطروح، خالد شعيب، السبت، أعمال الطرق والمرافق للأراضي البديلة لـ«رأس الحكمة» بمنطقة «شمس الحكمة».

وأوضح الوزير المصري أن الأراضي البديلة بمنطقة «شمس الحكمة» مخصصة لأصحاب الأراضي بمدينة «رأس الحكمة»، وتشتمل المنطقة البديلة، وفقاً للمخطط، على مناطق سكنية وخدمية، وأنشطة تجارية واستثمارية، إضافة إلى شبكة الطرق الرئيسية.

ونهاية الشهر الماضي، أكدت الحكومة المصرية أنها تتابع مستجدات تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع «رأس الحكمة» مع الشريك الإماراتي. وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في وقت سابق، إنه يتابع بصورة يومية مستجدات الموقف في مدينة «رأس الحكمة»، والعقود الخاصة بالمستحقين للتعويضات من أهالي المنطقة.

مصطفى مدبولي خلال زيارته لـ«رأس الحكمة» اغسطس الماضي (مجلس الوزراء المصري)

كما زار مدبولي مدينة «رأس الحكمة» منتصف أغسطس (آب) الماضي للوقوف على «سير إجراءات تسليم التعويضات المخصصة للمستحقين». وقال حينها إن رأس الحكمة «تحظى بمقومات مميزة، تجعل منها نقطة جذب للاستثمارات ومختلف المشروعات على مدار العام».

وأكدت الشركة القابضة الإماراتية (ADQ) من جانبها في وقت سابق أن مشروع تطوير منطقة «رأس الحكمة» يستهدف ترسيخ مكانتها، بوصفها وجهة رائدة لقضاء العطلات على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ومركزاً مالياً، ومنطقة حرة مجهزة ببنية تحتية عالمية المستوى، لتعزيز إمكانات النمو الاقتصادي والسياحي في مصر، وفق بيان لـ«وكالة الأنباء الإماراتية».

وشدد وزير الإسكان المصري، اليوم السبت، على ضرورة الإسراع بمعدلات تنفيذ أعمال الطرق والمرافق بمنطقة «شمس الحكمة»، وتكثيف أعداد العمالة والمعدات، مؤكداً «اهتمام الدولة المصرية بتوفير الخدمات لأهالي المنطقة، وتوفير حياة كريمة لهم في مجتمعات حضارية».